إشارة: في هذه الجلسة، بيّن حجة الإسلام والمسلمين الدكتور فراهاني تقسيم الأراضي الفقهي وآثار تعطيل الأراضي البور اقتصادياً، وقدّم ثلاثة حلول رئيسية لإصلاح الوضع؛ وفي المقابل، أكد حجة الإسلام والمسلمين شريفي في نقده للمباني القانونية والفقهية على ضرورة التفريق الدقيق بين مفاهيم «الموات بالعرض» و«الإعراض» و«تعطيل الأرض».
بحسب تقرير قاعدة الإعلام لمعهد دراسات الفقه المعاصر، عُقدت الجلسة العلمية الـ٢٤٢ لهذا المعهد بعنوان «دراسة فقهية لملكية واستغلال الأراضي البور» يوم الثلاثاء ١٧ جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ (الموافق ٢٧ آبان ١٤٠٤هـ.ش) من قِبل مجموعة فقه الموارد الطبيعية والبيئة، وبحضور أساتذة الحوزة وجماعة من الباحثين حضورياً وافتراضياً، وتمت دراسة الأبعاد الفقهية والحقوقية والاقتصادية المختلفة للأراضي البور والموات بالعرض، وكذلك اختلاف الآراء الفقهية حول ملكية هذه الأراضي.
في بداية الجلسة، عبّر حجة الإسلام والمسلمين الدكتور فراهاني، عضو الهيئة العلمية في جامعة قم، عن شكره للمنظمين الجلسة العلمية، واعتبر هدف النقاش بيان المباني الفقهية للأراضي البور ودراسة آثار تعطيلها اقتصادياً، وقدّم كمقدمة بعض النقاط حول المباحث الفقهية والنقاط الاقتصادية للأراضي البور أو الموات العارض.
بدأ ببيان تقسيم الأراضي فقهياً في أربعة أقسام: الأراضي الموات الأصلي، والموات العارض (البور)، والأراضي الطبيعية المعمورة، والأراضي البشرية المعمورة، واستشهد بآراء الفقهاء مؤكداً أن «تعريف الموات» أمر عرفي والمعيار فيه هو رأي العرف.
ثم استعرض آراء فقهاء الإمامية، وذكّر بأن الأراضي الموات تعدّ من الأنفال وملك الإمام، وهناك إجماع من فقهاء مثل الشيخ الطوسي وابن زهرة على ذلك. ومع تصنيف الروايات المتعلقة على أساس تقسيم الشهيد الصدر، أكد أن روايات عديدة تثبت مواتية الأرض وانتقال ملكيتها إلى الإمام.
وفي القسم المتعلق بالأراضي البور، أشار حجة الإسلام والمسلمين فراهاني إلى التعريف القانوني للبور، وقال: وفق اللائحة المصادق عليها من مجمع تشخيص مصلحة النظام، الأراضي التي لها سابقة إحياء لكنها بقيت أكثر من خمس سنوات بدون زراعة تُعد «بوراً»، وتشخيص إعراض المالك من اختصاص المحكمة.
ورأى عضو الهيئة العلمية في جامعة قم أن الآثار الاقتصادية لترك الأراضي البور واسعة جداً، وأكد أن تعطيل الأراضي القابلة للإنتاج يؤدي إلى انخفاض الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار الأراضي والمساكن، وتعميق التفاوت الاقتصادي، ونمو المضاربة.
ورأى من الناحية الاقتصادية أن الأرض «مورد ناضب دائم»، وأشار إلى أن تركها بدون استغلال يسبب ضرراً مباشراً على الإنتاج الوطني والتوظيف، واقترح ثلاثة حلول رئيسية لإصلاح الوضع:
- فرض ضريبة على الأراضي البور
- استرداد الأرض وتسليمها للمنتجين النشطين
- تحويل هذه الأراضي إلى مشاريع اقتصادية مولّدة للوظائف
كان الجزء المهم من عرض عضو الهيئة العلمية في جامعة قم مخصصاً لدراسة الأقوال الفقهية المختلفة في مسألة ملكية الأراضي البور؛ إذ تتنوع الآراء بين بقاء الملكية للمالك الأول وبين انتقال الأرض كلياً إلى المحيي الثاني.
وبحسب المقدّم، فإن بعض الروايات مثل صحيحة سليمان بن خالد تحكم لصالح المالك الأول، بينما روايات مثل صحيحة الكابلي ومعاوية بن وهب تعتبران المحيي الثاني أولى.
وخلص الدكتور فراهاني في التلخيص النهائي إلى أن الأرض في حالات مختلفة – سواء كانت بلا مالك، أو تركها عمداً، أو تركها غير عمد، أو التلف بسبب عوامل طبيعية – تأخذ أحكاماً مختلفة.
في قسم النقد، تحدث حجة الإسلام والمسلمين منصور شريفي قائلاً إن مسألة الأراضي البور لها أهمية فقهية ودور حاسم في النتائج الاقتصادية، ثم تناول نقاطه.
وأكد على اللبس بين المصطلحات الفقهية والحقوقية، وقال إن عنوان «الأراضي البور» في القوانين لا يطابق تماماً مفهوم «الموات بالعرض» في الفقه، ويجب توضيح الحدود بينهما.
وبحسبه، فإن بعض القوانين اعتبرت مجرد تعطيل الأرض قرينة على الإعراض، بينما «الإعراض» عمل قلبي، ولا يمكن اعتبار كل أرض بقيت خمس سنوات بدون زراعة بوراً.
وفي نقده للرواية ذكّر بأن الرواية الصحيحة الوحيدة في هذا المجال هي رواية الثلاث سنوات، ورواية الخمس سنوات غير موجودة في المصادر المعتبرة.
وأشار حجة الإسلام والمسلمين شريفي إلى الرواية النبوية «نهى النبي عن تعطيل الأرض» وفصل بين ثلاثة مفاهيم: «الموات بالعرض»، و«الإعراض»، و«تعطيل الأرض».
وأكد في جزء من نقده: «المشرّع في بعض الحالات اعتبر تعطيل الأرض مساوياً للإعراض، بينما الإعراض قَصدي، ومجرد بقاء الأرض بدون زراعة ليس معياراً شرعياً».
الحل الفقهي القابل للتنفيذ: الاستغلال دون سلب الملكية كانت إحدى النقاط الرئيسية للناقد اقتراحاً مبنياً على قول مشهور فقهي، وهو أنه يمكن جعل استغلال الأرض ممكناً للآخرين دون سلب الملكية من المالكين، مع دفع أجرة المثل فقط للمالك. هذا الأسلوب يمكن أن يمنع الاحتكار ويقلل من عبء القضايا القضائية أيضاً.
في قسم الأسئلة والأجوبة الختامي، طرح أمين الجلسة سؤالاً حول مصير ملكية الأرض بعد شرائها ثم تعطيلها. أجاب فراهاني بأن المعيار هو الإعراض أو عدمه من المالك، وأن النقل بالبيع يخرج الأرض من الأنفال؛ لكن إذا سُلبت الملكية تعود الأرض مجدداً ملكاً للإمام. كما أكد أن «الإحياء» يُعرّف بحسب نوع الاستخدام ولا يقتصر على الزراعة.
أظهرت هذه الجلسة أن مسألة الأراضي البور ليست مجرد بحث فقهي، بل لها نتائج اقتصادية واجتماعية واسعة. طرح الآراء الفقهية المختلفة والنقود الحقوقية والاقتصادية كشف عن ضرورة إعادة التفكير في القوانين والسياسات المتعلقة بالأرض؛ خاصة في ظروف يمكن أن يلعب فيها الاستغلال الصحيح للموارد الطبيعية دوراً حاسماً في الأمن الغذائي والعدالة الاقتصادية.

