ملحوظة: على الرغم من أن حقوق المواطنة تعتبر مفاهيم قانونية جديدة، إلا أن “فقه حقوق المواطنة” جديد أكثر من ذلك بكثير. وفي هذا الصدد، يبدو أن البحث الفقهي حول هذا المفهوم لهذا العصر يواجه تحديات عديدة. يحاول حجة الإسلام والمسلمین مصطفى دري، نائب رئيس معهد البحوث الفقهية المعاصرة ومؤلف الشبكة الفقهية لحقوق المواطنة، التعبير عن صعوبات الفقه حول حقوق المواطنة في هذه المذكرة. و ستشاهدون مايلي المذكرة الحصرية لهذا الأستاذ والباحث في حوزة قم العلمية لشبكة الاجتهاد٠
إن مفهوم “المواطنة” في الأساس ليس له تاريخ طويل، وبالتالي فإن الحقيقة أن الفقه الإسلامي لم يتعامل معه بجدية حتى السنوات الأخيرة و لا يرى انه يواجه اي مشكلة٠
معنى المواطن في هذه المقالة هو “مواطنة” الدولة؛ ولذلك فإن عنوان “المدينة” المستخدم في هذه المجموعة هو عنوان فضفاض ولا ينبغي استخدامه لتخصيصه لسكان المدن واستبعاد سكان الريف والبدو وسكان الصحراء٠
ولكن بما أن مفهوم المواطن مفهوم جديد، فمن الطبيعي أن حقوق المواطنة ليس لها تاريخ طويل. وقد أدى هذا إلى تصغير التراث الفقهي القائم حول هذا الموضوع٠
إن حداثة مفهوم حقوق المواطنة لا تخلق مشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة تبدأ من أن المصادر الفقهية تستخدم بدلاً من المواطنة مفاهيم أخرى مثل المسلم والكافر والأمة الإسلامية ونحوها؛ وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعارض بين مبادئ حقوق المواطنة ومفاهيم مثل حقوق المسلمين٠
ان حياة و ممتلكات الكفار والأقليات الدينية وفقًا لآراء الفقه التقليدي كانت آمنة، وذلك أيضًا بشرط دفع الجزية، اما الآن من خلال قبول حقوق المواطنة، مثل المواطنين المسلمين، يستفيدون من جميع حقوق المسلمون الذين هم مواطنون في بلد ما. ولم يعد يجوز الإساءة إليهم، ولا يجوز إيذائهم، ولا يجوز التغيب عنهم٠
لكن المسألة لا تنتهي هنا، فمن ناحية أخرى، فإن المسلمين الذين ليسوا مواطنين في الدولة الإسلامية، لا يتمتعون حتى بالحقوق التي يتمتع بها الكفار من مواطني تلك البلدان. و المسلمون الذين لم يظهروا يوما أي تفوق للكفار على المسلمين بحكم نفي السبيل، يجدون أنفسهم الآن يواجهون حقوقا للكفار لا يتمتع بها مسلمو البلدان الأخرى، لمجرد جريمة عدم نفي السبيل. الحصول على الجنسية٠
ولذلك يبدو أنه لا بد من الاختيار بين التقسيم التقليدي للناس إلى مسلمين وكفار وبين حقوق المواطنة، ولا يمكن تفسير حقوق المواطنة بنفس المبادئ السابقة٠
علاوة على ذلك، هناك في قانون الجنسية الغربي بعض الحالات التي تختلف عن المنهج التقليدي في الفقه. على سبيل المثال، فإن الحق في اختيار الحكام بحرية يتعارض مع نظرية تعيين حاكم المجتمع الإسلامي. أو الحق في وجود هيئة محلفين في المحكمة، خلافاً لعمومية القاضي استناداً إلى تعاليم الفقه التقليدي. كما أن الجمع بين حرية التعبير واختيار الدين ونظرية الردة يشكل تحديًا آخر للفقه التقليدي في مواجهة حقوق المواطنة٠
ومن بين حقوق المواطنة، هناك أيضًا بعض الحقوق التي تعتبر جديدة بشكل أساسي ولم يكن لها تاريخ في وقت التشريع، مثل الحق في الاستمتاع بالإنترنت غير المفلتر، والحق في الحماية القنصلية في الخارج، والحق في الوصول بسهولة إلى الفضاء الإلكتروني، والحق في الحصول على الجنسية. الحق في تكوين الأحزاب والجمعيات، و…. هذه هي الأشياء التي تولد من العالم الجديد، ووقت صدور النص لم يكن هناك أثر لها، بحيث لم تكن هناك نصوص تتعلق بها٠
وفي هذه الأثناء، ربما يحاول الفقهاء المعاصرون تبرير هذه الحالات وإدراجها في حقوق المواطنة الإسلامية من خلال الإصرار على أدلة مثل الطريقة الفكرية الجديدة وحكم العقل ومقاصد الشريعة؛ إلا أن جهدهم هذا لا ينهي الصراع، بل يطرح سؤالا جديدا أمام الفقه الإسلامي، وهو: إذا تعددت حقوق المواطنة ومتطلبات الحياة الحديثة عموما، وفق حجج مثل الطريقة العقلانية و فحكم العقل متضمن في الشريعة الإسلامية، فما ضرورة وجود الدين والشريعة؟ لأنه لو لم يكن الدين والشريعة موجودين لتصرفوا بهذه الأمور بعقلانية بناء على فطرتهم وأسلوب حياتهم٠
وبعبارة أخرى، فإن النظرة التاريخية إلى النصوص، التي تسع نطاق صلاحية أسلوب الحياة العقلاني والوعد بالصلاحية الأصيلة لأسلوب الحياة العقلاني، تعني عمليا القضاء على تدخل الدين في حياة الناس. إن الدين الذي كان من المفترض أن يوجه حياة الناس وينظم طرقهم العملية، أصبح الآن تابعاً ونتيجة لطرق الناس العقلانية؛ جهاز يضفي الشرعية عليه بمجرد أن يتم إنشاؤه من قبل الناس٠
ومرة أخرى يبدو أن فقه حقوق المواطنة مثل الطاغوت أو نفس الكائن الغريب المضطرب الدامع الذي يصعب تحليله وأي محاولة لتصحيحه يشكل تحديا آخر لعلماء الفقه٠
وبمرور الزمن سيتضح هل الفقه الإسلامي قادر على هزيمة هذا الطاغوت أم لا٠
هذه المقابلة جزء من المجلة الإلكترونية “أساسيات فقه الحقوق المدنية” التي تصدر بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد٠