فإذا كان معنى فقه الحكومة أن التهاون يتم بغير سبب شرعي شرعي بحيث تكون أحكام الحكومة أقرب إلى رأي الناس، فلا يجوز؛ لكن إذا كان معناه أنه بالإضافة إلى حقوق الفرد التي كانت سائدة في الجانب الاستدلالي، فإننا ننظر أيضا إلى الجوانب الحكومية والاجتماعية للفتوى، فهو صحيح، بشرط ألا نحيد عن قواعد ومبادئ الشريعة الاجتهاد٠
ملحوظة: في السنوات الأخيرة، ركز حجة الإسلام محمد علي قاسمي أكثر على الفقه الطبي وقام بتنظيم جهوده العلمية في هذا الفقه. وبطبيعة الحال، بالإضافة إلى التدريس والبحث في الفقه الطبي، فهو يعتبر أيضًا من بين الأساتذة رفيعي المستوى في مجال الممارسة في قم. وتحدثنا معه عن علمنة الفقه، وهو تحدي البحث اليوم في الفقه المعاصر. ويرى مدير قسم الفقه الطبي بالمركز الفقهي للأئمة الأثر (ع) أن العلمانية لها معنيان: الحق والباطل. وعلى حد قوله فإنه إذا روعيت معايير وأصول استنباط الحكم الشرعي فإنه لا يصبح فقهاً عرفياً؛ ولكن إذا لم يتم اتباع هذه القواعد والضوابط، أصبح الفقه عرفياً، وهو أمر مكروه. وتفاصيل الحديث مع هذا الأستاذ والباحث في حوزة قم ستمر أمام أعينكم٠
مشكلتنا مع العرف، بغض النظر عن التحديات الموجودة فيما يتعلق بصحته وعدم صحته، هي طبيعة العرف نفسه. يعد التخصيص أحد مصادرنا لاكتشاف الأمثلة أو المواضيع. ومن ناحية أخرى فقد ورد تنبيه يسمى علمنة الفقه. والسؤال الآن هو ما هي علمنة الدين وهل يمكن اعتبارها مشكلة وتقييداً؟
قاسمي: العرف له معنيان: العرف الذي يستخدم كدليل وهو حجة، والعرف يعني التسامح والتعميم. عندما نقول إن شيئًا ما لا ينبغي أن يصبح تقليديًا، فهذا يعني أن التسامح التقليدي لا ينبغي أن يزيله من كونه علميًا. وهذا هو المقصود بأن الدين لا ينبغي أن يصبح عرفًا؛ وهذا يعني أنه لا ينبغي أن يدمر التسامح العرفي للدين. ومن جهة أخرى فإن العرف هو الذي يقدم في الاجتهاد والفقه والأصول في الأدلة التي ترجع إليهم، والعرف هو المعيار فيهم، وفهمهم متوقف على العرف. لا ينبغي الخلط بين هاتين العادات.
المقصود بالعرف هو خفض مستوى التعليل أو الترحيب بالعرف والاستياء منه؟
قاسمي: عرف ليس لديه الخبرة الكافية للاستدلال في الفقه ولا يتبع قواعد الاجتهاد وأساليبه ويستنتج ما يشاء. وهذا لا ينتمي إلى عرف المجتمع أيضاً؛ بل يمكن للخبير والباحث، بعد حجج فقهية متأنية، أن يستنتج أن العرف يقول بل ويحدد أن العرف يحب ذلك؛ ولذلك، فإن هذين هما في نفس الاتجاه٠
بالطبع تجدر الإشارة إلى أن جعل الدين صعباً يختلف عن العلمنة، وراحة الناس لا تعني العلمنة. لا ينبغي الخلط بين الاثنين. اسمحوا لي أن أقدم مثالا على ذلك. ومن حيث الكميات والأوزان والمسافات فإن العرف قد يتسامح مع البعض ويعتبر 50 مترا أقل من 8 فراسخ. الشريعة لا تقبل هذا التسامح المعتاد. وفي هذه الأحوال، إذا قلنا أن العرف يقول ذلك، فهو غير مقبول قطعاً؛ لكن الشريعة قد تقبل ذلك.
فمثلاً، تحقيقاً للمسألة التي وردت في العلة الشرعية، يقول الشرع المقدس بتحريم أكل التراب. إذا أكل المتدين أقل من جرام واحد فقد ارتكب حراماً، والعرف يقول أيضاً أنه حرام؛ لكن هذا الرجل يأكل الخبز بدقة فكرية ومجهرية ويعرف كم جراماً من التراب يأكل؛ بل إنه يأكل التراب أكثر من ذي قبل، لكن العرف يقول إنه يأكل الخبز، والشرع يقول أيضاً أن هذا العرف مقبول. وفي تحقيق المحظورات المذكورة في الأدلة، تم قبول القانون العام واستخدامه كمعيار؛ لكن من حيث الكميات والأوزان فإن الشرع لم يقبل التسامح العرفي ولم يقبل التسامح العرفي. لذا ينبغي أن نرى ما هو حكم الشريعة وقانونها بالنسبة للعرف٠
لا يمكن القول أن العرف مقبول في كل مكان ولا يمكن القول أن العرف غير مقبول في أي مكان٠
فمثلاً في الفقه الطبي يرى البعض أن مشاكل الناس يجب أن تحل، كالإنجاب، وزرع الأجنة، والموت الدماغي، وغيرها. ألا يعني هذا أن تصبح عادة؟
قاسمي: غير مقبول إذا لم يكن لديك سبب قوي وحل مشروع لتسهيل أمور الناس؛ لكن إذا كان لديك سبب ووفقاً له تفعل شيئاً يخفف عن الناس ويريحهم، فلا مشكلة٠
إذا كانت فتوى الفقهاء هي أنه لا يمكن زرع السائل المنوي في رحم المرأة الأجنبية من رجل أجنبي، ولكن هناك حل يتمثل في تحويل الحيوان المنوي أولاً إلى جنين ثم نقله إلى الرحم، فلا إشكال. وتم الحصول على نفس النتيجة بطريقة مشروعة. وهنا حلك مبني على السبب وليس على أساس التطبيع وفقط لإراحة الناس؛ لأنه ربما رأت الشريعة أنه من المناسب أن يتم اختبار الناس في بعض الحالات في مهام صعبة بعض الشيء٠
فهل تعتبر مقتضيات الزمان والمكان التي أثارها الإمام الراحل لمختلف المسائل مثل لعبة الشطرنج من أمثلة القانون العام في الفقه؟
قاسمي: إذا فهمنا تفسير تداخل الزمان والمكان في الأفتا بشكل صحيح فلا إشكال فيه؛ لكن إذا فسرناها بحيث أن الناس يفكرون بهذه الطريقة، فيجب أن تتغير الفتوى أيضًا حسب أفكارهم، فهذا خروج عن قواعد الاجتهاد٠
أما إذا كان الزمان والمكان يؤثران في الأدلة والاجتهاد، بحيث يرى الزمان والمكان المسائل وتحقيقها خارجاً، والأحكام خارج تبلورها، فلا إشكال٠
ويقال في الفقه القديم أنه إذا كان هناك قمح قسيمة أو كيلو بيضة في زمان أو مكان فبيعها كما هي. فإذا أصبحت نفس الإحصائيات في مكان وزمان آخر مبيعات رقمية، فلا يحق لك بيع الكيلو. وهنا الشرع نفسه أباح لك أن تضع المعيار في العادات والأمكنة، وإذا تحركت فلن يقبلها الشرع٠
ومناقشة الفقه الحكومي هي نفسها أيضًا. فإذا كان معنى فقه الحكومة أن التهاون يتم بغير سبب شرعي شرعي بحيث تكون أحكام الحكومة أقرب إلى رأي الناس، فلا يجوز؛ لكن إذا كان معناه أنه بالإضافة إلى حقوق الفرد التي كانت سائدة في الجانب الاستدلالي، فإننا ننظر أيضا إلى الجوانب الحكومية والاجتماعية للفتوى، فهو صحيح، بشرط ألا نحيد عن قواعد ومبادئ الشريعة والاجتهاد٠
ألا تؤدي نظرية صحة التقاليد الثابتة إلى علمنة الفقه؟
قاسمي: قبل الالتفات إلى العرف الثابت يجب أن نثبت هل العرف مستقل وصحي دون إثبات شرعا أم لا؟ في رأي أغلب الفقهاء، الجواب على هذا السؤال بالنفي، بمعنى أن السيرة لأنها حجة ظنية وفيها كشف ناقص، تحتاج إلى تفسير واكتشاف الموافقة الشرعية، إما بصيغة تحديد الشرع لموافقته أو مجرد عدم رفضه.
ولذلك فإن سبب العرف يختلف تماماً عن أمثال العقل المستقل الذي لا يحتاج إلى إثبات الشرع لصحته. ووفقاً لهذه المقالة، لا يمكن أن يكون العرف المعاصر صحيحاً؛ لأنه لا يوجد معصوم معصوم يمكن أن نكتشف صحة العرف ورضاه عن ذلك العرف من عدم رادعه٠
ماذا يجب أن نفعل إذا شككنا في مكان ما أننا أصبحنا شائعين أم لا؟
قاسمي: إذا أفتى الإنسان وشك في أنه أصبح عرفاً أم لا فليرجع إلى هذه القاعدة. والقاعدة أنه لو كان قد سلك على أصول الاجتهاد الصحيحة وطريقة الاجتهاد فلا مانع؛ أما إذا اختلت قواعد الاجتهاد والاستدلال بالحكم الشرعي، فهذا مثل التخصيص بالمعنى الخاطئ. وحتى في الحالات التي يشك فيها في اتباع الطريقة الصحيحة لاستخلاص الفقه أم لا، فلا ينبغي له أن يفتي٠
هذه المقالة جزء من ملف “الأدلة الجديدة في الفقه المعاصر” وسيتم إعدادها ونشرها بالتعاون مع شبكة الاجتهاد.