الأستاذ حسين ادبي

إن الفن في جوهره هو صانع الثقافة. و جميع أنواع الأشكال الفنية، رغم أنها تتسم بالكثافة والضعف في تأثيرها، إلا أنها مشتركة فيما بينها من حيث أنها تخلق الثقافة في جوهرها. يعتمد تأثير الأعمال الفنية على ثقافة المجتمع على قدرتها على النمذجة. و إن الأفكار في كل مجتمع هي الضامن لبقاء القيم. و لقيادة المجتمع في اتجاه معين، فإن أفضل طريقة هي تغيير عقلياتهم. و إن التصور، لأنه يمكن أن يضمن بقاء القيم، يمكن أن يكون أيضًا سببًا في تدمير القيم واستبدال القيم المضادة٠

الأستاذ حسين أدبي في مركز الدراسات المنهجية للعلوم والتقنيات الدينية، باحث وأستاذ في مدرسة خراسان العلمية

الخيال هو الحد الفاصل بين الوهم والحقيقة. تم تعريف أنجاره على النحو التالي: “شكل خيالي لشيء يحل محل عملية عقلية محددة مثل الاسم ويصبح مصدر التأثير والقوة تجاهه”. الصورة هي صورة نمطية ذهنية عن شيء ما، ويمكن أن يكون هذا الكائن مفهومًا، أو فئة، أو شخصًا. في عملية تكوين الصورة، يتم أولاً طباعة صورة خيالية لشيء ما في العقل، ثم في المرحلة الثانية، بين هذه الصورة وصورة خيالية أخرى، يتم الارتباط والتقارب إلى حد أنه من خلال إبراز الصورة الثانية أو وتسمينه، فالصورة الأولى فيه يتم هضمها.

فلنفترض مثلاً أن هناك في المجتمع صورة متخيلة لمفهوم مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يتم وضع هذه الصورة بجانب صورة أخرى مثل مفهوم إيذاء الآخرين الوارد من المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الجمع يشبه شيئا مزعجا في العقل. ثم في عملية تسليط الضوء على الاضطهاد في الرأي العام تجد مثالا يسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو مع تسمين الاضطهاد في هذا الاقتران، مع وجود صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الشر في العقل، لا شيء غير التحرش لا يفهم. إن التصور هو أساس البناء الثقافي ولا يمكن إنكار تأثيره كعامل قوي في تغيير القيم.

وما يثيره هذا المقال كإشكالية هو الفحص الفقهي للتصور الإيجابي والسلبي في المجتمع على شكل عمل فني. يمكن لفيلم أو مقطوعة موسيقية أو قصيدة لشاعر أن تخلق صورة دائمة في المجتمع. وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة إلى أن الأعمال الفنية تكتسب قوة كبيرة بمساعدة أدوات النشر، أي وسائل الإعلام، بحيث أنها تخلق صورة للمجتمع؛ لكن على أية حال، بما أن منتج العمل الأصلي هو الفنان، فيمكن فحص نشاطه من خلال الفقه. وبما أن الثقافة مسألة اجتماعية وغير فردية، فمن أجل الحصول على الحكم الفقهي لتصور الأعمال الفنية، لا بد من الخوض في سياق الاجتهاد الحكومي.

ولذلك، يمكن طرح القضية الرئيسية في شكل قضايا أصغر؛ وهل يجب على الحكومة الإسلامية أن تنتج أعمالاً فنية تخلق أفكاراً إيجابية وتطور المجتمع؟ فهل يمكن لمواطني الحكومة الإسلامية أن يكون لهم مثل هذا الحق في المطالبة من الحكومة في هذا الشأن، وفي حالة إهمال أو تقصير المسؤول أو المسؤولين المعنيين، يجب على القضاء أن ينظر في عقابهم في هيكل الفقه الجنائي؟ إذا كان العمل الفني يدمر الأفكار الإيجابية في الحكومة الإسلامية، فهل يتم تجريم هذا العمل وتعتبر عقوبة لمنتج العمل؟ وإذا كانت هناك عقوبة، فهل تتناسب هذه العقوبة مع الجريمة التي ارتكبها الشخص؟

ومن الواضح أن العمل الفني الذي تسبب في صورة سلبية وكاذبة في أذهان عامة الناس لا يمكن تعويضه بالغرامة أو السجن أو العقوبة المحدودة. عندما يتم إنتاج عمل موسيقي، بسبب عدم القدرة على التحكم في توزيعه وكذلك عدم إمكانية تدميره، فإن تأثيره على المجتمع سيستمر لفترة طويلة وسيتمكن الكثير من الناس من الوصول إليه بطرق مختلفة. ومن الممكن أن يعرب منتج المصنف، بعد إنتاجه ونشره، عن ندمه على ارتكاب فعله، أو حسب القانون الحالي قد يتم اتهامه والحكم عليه بالعقوبة في جريمة إزعاج العقل العام، نشر الدعارة، نشر الأكاذيب أو العناوين المماثلة؛ لكن هل يمكن، وفق اجتهادات الحكومة، اعتبار هذه العقوبة متناسبة مع نطاق التوزيع المكاني والزماني الذي سيحدثه هذا الأثر؟ هل مجرد عقوبة التعزير والنظرة الشخصية للجريمة تمنع الآخرين من ارتكاب الفعل أم أنها تشجعهم على ارتكاب مثل هذه الجرائم؟ لأنهم يعتبرون عقوبتهم خفيفة وغير ذات أهمية؟

يمكن لبعض القواعد الفقهية مثل “حرمة التبرؤ من الدين”، و”حرمة التبرع للغير”، و”حرمة سب المحترمين”، و”قاعدة الضرر”، و”حرمة تعطيل النظام” و… أن تكون وثيقة لحرمة إنتاج الأعمال الفنية التي تخلق صورة سلبية في المجتمع؛ ولكن لتحديد العقوبة المناسبة لهذه الجرائم لا بد من الرجوع إلى عمومية التعزير. مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تحديد عقوبات جديدة ومراعاة دور العمل الفني في خلق صورة سلبية واستبدالها بصور إيجابية، تتناسب العقوبة مع التدمير الثقافي بالعمل الفني، والقضاء على الصورة السلبية وخلق صورة إيجابية بواسطة العمل الفني. المنشئ. وهذه العقوبة أقرب إلى العدالة في هذا السياق من اختزال الجريمة في الفعل الشخصي وتجاهل دورها في تدمير الأسس الثقافية للمجتمع٠

ومن الواضح أن اختيار الطريقة الصحيحة للقضاء على الصورة السلبية يتطلب فحص خبراء في الثقافة والمجتمع والشكل الفني ذي الصلة، بحيث أنه من خلال التحديد الدقيق للعمل المناسب، وقياس تأثير العمل الفني على مستوى المجتمع و تحديد دائرة تطوير ونشر العمل، ويشترط قيام الشخص بإنتاج ونشر الأعمال الفنية في ذلك المجال.

[1] مدير مركز الدراسات المنهجية للعلوم والتقنيات الدينية، باحث وأستاذ في مدرسة خراسان العلمية.