رئيس معهد الفقه المعاصر

من أهم الأسس الفقهية لحقوق المواطنة قبول مفهوم حق الناس مقابل حق الله. اما لحق الناس دائرة واسعة تشمل حياة الإنسان وأمواله وسمعته. ومن المواضيع المهمة في حق الناس، أحدهما كيفيته أمام حق الله، والآخر تقديمه أو تأخيره في حالة التعارض مع حق الله٠

تلميح: بما أن المواطنة مفهوم حديث ولا تشترك إلا في الكلمات مع مفهوم المواطنة في اليونان القديمة وإيران، فمن الطبيعي أن تكون حقوق المواطنة وفقه حقوق المواطنة من بين الشؤون الحديثة أيضًا. وهذه الحداثة تجعل العديد من المواضيع حول هذه المفاهيم تثار وتناقش. وقد أبدى آية الله السيد مجتبى نورمفيدي، من خلال إنشاء أول مجموعة “الفقه وواجبات المواطنة” في معهد البحوث الفقهية المعاصرة، اهتمامه بهذا الفصل الجديد من الفقه. و قد تحدثنا معه عن أصول فقه حقوق المواطنة. ويرى هذا الأستاذ البحث الخارج في الفقه وأصول حوزة قم العلمية، أنه قبل الدخول في مناقشة أسس فقه حقوق المواطنة، لا بد من توضيح معنى الفقه والحقوق والمواطنة كأمر حديث. وتفاصيل الحديث مع رئيس معهد البحوث الفقهية المعاصرة هو كالآتي؛

ما هو فقه حقوق المواطنة وما متطلباتها؟

البروفيسور نورمفيدي: بداية يجب علينا في المرحلة الأولى أن نقبل مبدأ إمكانية وجود مثل هذا المفهوم والجمع فيه، ثم نرى ما هو فقه المواطنة وبالأساس ما هو فقه حقوق المواطنة ومسؤولياتها٠

اما بشكل عام، هناك أربع وجهات نظر مختلفة فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين وحقوق المواطنة٠

اما وجهة النظر الأولى هي أن الدين والشريعة، وخاصة الفقه، لا يملكان القدرة على تفسير أو تحديد القوانين والمؤسسات الاجتماعية، لأن الحكمة الدينية في الأساس لا تملك القدرة على وضع القوانين والاسس الاجتماعية٠

أما وجهة النظر الثانية فهي أن الدين له موقف سلبي بالنسبة للمفاهيم الجديدة والحديثة، وخاصة المفاهيم التي يضعها الإنسان أمام دين الله، ومسألة حقوق المواطنة هي أحد الأمثلة التي بعد عصر سيطرة الكنيسة على أوروبا، والركود الفكري للشكل وبسبب شدة الإجراء الذي تم، كان هناك هروب من الدين ومن الخالق، وأخيراً تم وضع الإنسان كمحور، فأصبح المدار من كل شيء٠

لكن بنفس الطريقة تم أيضاً التخلي عن حقوق المواطنة التي تعرف بالمفهوم الحديث، ويقال إنها تتعارض بشكل أساسي مع المبادئ والأسس الدينية٠

فبناء على هاتين النظرتين، لا معنى في فقه حقوق المواطنة٠

أما وجهة النظر الثالثة، والتي قد تكون مبالغة، فهي تتناقض مع وجهة النظر الثانية، وتسعى إلى التوافق بنسبة مائة بالمائة بين المفاهيم الحديثة والدين والشريعة٠

فمن هذا المنطلق، تتم محاولة استخراج كل الظواهر الجديدة من قلب الدين والشريعة٠

اما وجهة النظر الرابعة هي وجهة نظر التكيف والتوافق بشكل عام، بمعنى أن المفاهيم الجديدة ليست مرفوضة تمامًا ولا مقبولة تماما، بل يضعون كل الأبعاد في ميزان الدين والشريعة والفقه، ويقبلون في النهاية بالجزء الذي يتوافق مع قواعد وتعاليم الدين٠

بناء على الرأيين الأخيرين يمكن الدخول في التعريف الفقهي لحقوق المواطنة. ولذلك، إذا أردنا أن تعرف فقه حقوق المواطنة، فلا بد لنا أولاً من اختيار إحدى هاتين النظرتين٠

هناك نقطة أخرى متضمنة في مناقشتنا هنا وهي تعريفنا لحقوق المواطنة. حقوق المواطنة هي مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الناس تجاه الحكومة والدولة والنظام السياسي، وتلتزم الحكومة بضمانها من خلال وضع القوانين واللوائح والأدوات اللازمة. وهذا ما يعرف بالحق٠

اما من ناحية أخرى فإن الحكومة مفهوم حديث يختلف تماماً عن مفهوم السيادة في الماضي. في غضون ذلك، يحاول البعض إرجاع تاريخ حقوق المواطنة إلى اليونان القديمة أو إيران القديمة، وعلى سبيل المثال، الملك كورش، في حين أن مفهوم الحق والمواطنة في ذلك الوقت يختلف تماما عن معناه اليوم٠

فبالنتيجة، إن تعريف وقبول “فقه حقوق المواطن” يرتكز على توضيح عدة نقاط: أولا، إمكانية وجود حقوق للمواطنين، ثانيا، توضيح معنى الفقه، وثالثا، قبول حقوق المواطنة كمفهوم حديث٠

لكن إذا أردنا أن نترك هذه الاعتبارات على جانب فيمكننا أن نقول باختصار إن فقه حقوق وواجبات المواطنة هو التعبير عن خارطة طريق حياة الإنسان فيما يتعلق بالسيادة من ميدان الفقه. وهذا بالطبع يقوم بطبيعة الحال على بيان أصوله المختلفة في مختلف العلوم، ومنها علم الكلام. على سبيل المثال، يجب توضيح مسألة الكرامة الإنسانية وهل هي متأصلة في الإنسان أم لا٠

– هل مسألة الكرامة الإنسانية كشرط أساسي لفقه حقوق المواطنة طبعا اذا كانت رأيك الشخصي، أم تعتبر قبولها بشكل عام ضروريا لمناقشة فقه حقوق المواطنة؟

البروفيسور نورمفيدي: هذا رأيي وأقول أنه يجب إعادة النظر في هذه الأمور للدخول في هذا المجال٠

– عندما تؤمن مثلاً بالكرامة المتأصلة في الإنسان أو عندما تترك اختلاف الأحكام بين الكفار والمسلمين. هل تستسلم٠

الاستاذ نورمفيدي: في هذه المجال، نعم٠

– في أي مجال؟

البروفيسور نورمفيدي: اما في مناقشة حقوق المواطنة قلت بالطبع إننا نقبل حقوق المواطنة التي جاءت من الغرب “بكاملها” وليس بالضرورة أن نقبل بكل محتوياتها. وفي رأيي أن هناك توافقاً عاماً بين الإسلام وحقوق المواطنة الغربية، لكن هذه الميزة ليست عامة٠

– فيبدو أن الرأيين الثالث والرابع لا يمكن تفسيرهما إلا بناء على نظرية الحد الأدنى من الفقه٠

البروفيسور نورمفيدي: لا، بالمناسبة، الرأيان الثالث والرابع يقومان على هذا الأساس بأن الفقه هو رسم أسلوب الحياة في جميع أبعادها، كما قال الإمام: الفقه هو خطة حياة الإنسان من المهد إلى اللحد. ولذلك يمكن تفسير الرأيين الثالث والرابع على أساس الحد الأدنى من التعامل مع الدين. بالطبع، في رأيي، تفسير الحد الأدنى والفقه الأقصى ليس واضحا، لأن الفقه ليس له حد أدنى وحد أقصى، ولكن فهمنا للفقه هو الذي يصبح الحد الأدنى والحد الأقصى، لذلك التفسير الأفضل هو “الحد الأدنى أو الأقصى” تفسير الفقه٠”

ماهي أسس ومفروضات فقه حقوق المواطنة؟

الأستاذ نورمفيدي: تنقسم أصول فقه حقوق المواطنة إلى قسمين کلامی وفقهي. لقد شرحت بإيجاز الأساسيات الكلامية في المناقشات السابقة. لكن فيما يتعلق بالفقه، ينبغي القول: إن حقوق المواطنة تشمل حقوقا مختلفة، مثل الحق في حرية التعبير، وحق تحديد السكن، والحق في الخصوصية، وغيرها. وربما يمكن القول إن من أهم الأسس الفقهية لحقوق المواطنة هو قبول مفهوم حق الناس مقابل حق الله. وان لحق الناس دائرة واسعة تشمل حياة الإنسان وأمواله وسمعته. ومن المواضيع المهمة في حق الناس، أحدهما وجهه أمام حق الله، والآخر تقديمه أو تأخيره في حالة التعارض مع حق الله. وقد ورد هذا الأمر في كتب الفقه في مواضيع مختلفة، مثل المدة بين حج الفريضة الذي أتمه الإنسان والحج الذي يريد أداء الدين فيه، أو مدة الأمر بين الجهاد وإداء الدين وإقامة الصلاة، وإقامة الدين. ومن جملة الفتاوى والحجج يمكن تفضيل حقوق العباد على حقوق الله، لكن الحديث عن حق الشعب ماهيته وأبعاده وحدوده وثغراته وأدلة كل نظرية من النظريات وغيرها، فهذه مواضيع ينبغي أن تتم مناقشتها أكثر فاكثر باعتبارها من أسس فقه المواطنة٠

– يبدو أنه بالإضافة إلى أهمية مناقشة حقوق الإنسان، فإن من أهم المواضيع في هذا المجال هو مناقشة أمثلة جديدة لحقوق الإنسان، مثل الحق في السعادة، والحق في الترفيه. و إن قبول هذه الأمثلة أو عدم قبولها يؤدي إلى تغييرات مهمة في الفتاوى. وعلى سبيل المثال، عدم إقامة حفلات موسيقية حلال لا يبدو مهماً للوهلة الأولى، لكن إذا اعتبرنا إقامة حفل غنائي مثالا للسعادة واعتبرنا السعادة حقا من حقوق المواطنين، فإن معارضة إقامة حفلات موسيقية حلال تعتبر انتهاكا لحقوق المواطنين٠

الأستاذ نورمفيدي: نعم، يمكن اعتبار الحق في السعادة من حقوق المواطنين. أظن، على سبيل المثال، في المائة عام القادمة، ستكون هناك أمثلة جديدة لحقوق المواطنة التي يجب على الفقه التعليق عليها٠

أساس آخر مهم في فقه الحقوق المدنية هو مسألة العدالة. ويبدو أن العديد من الحقوق المدنية التي تتحدث عن المساواة بين الطبقات المختلفة هي في الواقع أمثلة على العدالة٠

الأساس الآخر لفقه حقوق المواطنة هو مسألة عبودية الله. ومن وجهة نظر الإسلام فإن الإنسان خلق لتحقيق السعادة، وهذه السعادة لا تتحقق إلا بخدمات في سبيل الله عز وجل: “ولقد خلقنا الجن والإنس إلا ليعبدون”. ويبدو أن هذه القضية يمكن طرحها باعتبارها واحدة من الاختلافات المهمة بين وجهة نظر الإسلام والغرب حول فئة حقوق الإنسان. وطبعاً ذكر الشهيد الراحل الصدر العلاقة بين العبد والمولات يعني الرب في نظرية حق الطاعة، ولكن هذه القضية قد أثيرت سابقا٠

ونظراً لوجود هذه النظرة للإسلام فيما يتعلق بالإنسان، فمن الطبيعي أن بعض الحقوق التي يُطالب بها هي حقوق الإنسان، لكن لا يمكننا أن نقبل أنهم في صراع مع هذه العلاقة بين العبد والرب. وبالطبع، هذه النقطة لا تعني أننا لا نستطيع أن نقبل أياً من الحقوق التي طرحها الغربيون على أنها حقوق إنسان، ولكن يبدو أنه ينبغي لنا أن نتحدث ونناقش كل حق من هذه الحقوق على حدة، بعضها مقبول والبعض الآخرلا٠

هل يمكن التعامل مع فقه حقوق المواطنة بنظرية فقه الحد الأدنى؟

البروفيسور نورمفيدي: كما قلنا من قبل، إذا كانت وجهة نظرك في الحد الأدنى من الاجتهاد هي فقه يؤمن بحصر حضور الفقه في مجال القضايا الفردية، فمن الطبيعي بالتالي أنه لا مجال للدخول في هذا الأمر وليس هناك مجال للمناقشة٠

– في رأيك، إلى أي مدى تعتبر النظرة الفقهية للإنسان فعالة في تغيير طروحات حقوق المواطنة؟

البروفيسور نورمفيدي: في رأيي أنه بدلاً من عبارة “نظرة الفقه للإنسان” ينبغي استخدام عبارة “نظرة الفقيه للإنسان”؛ لأن تصورات الفقهاء وآرائهم هي التي تختلف، ولكن رأي الفقه واحد. فمثلاً نظرة القرآن للإنسان هي نظرة واحدة و واضحة، لكن هذه هي نظرة المفسرين الذين يختلف بعضهم عن بعض٠

&&&

إذا كان السؤال هو ما إذا كانت نظرة الفقهاء إلى “الإنسان” مدى فعاليتها في تحليل حقوق المواطنة، فلا بد من القول إنها فعالة للغاية؛ لأنه في وقت ما، كنا نعتبر الإنسان مجرد كائن ذو واجبات، وفي وقت ما، بالإضافة إلى كونه ذو واجبات، نعتبره أيضًا أن له بعض الحقوق. بطبيعة الحال، في الحالة الأولى، لا يوجد وقت لمناقشة حقوق المواطنة على الإطلاق٠

وحتى لو اعتبرنا أن للبشر حقوقًا، فإنه فرق بين أن نعتبر هذه الحقوق سببها شيء آخر غير الله، مثل طبيعة وجوهر الإنسان والعالم، أو نعتبرها شيئًا ممنوحًا من الله عز وجل. . وهذان الرأيان يفرقان كثيراً في مواجهة الفقيه للأدلة٠

فمثلا، فيما يتعلق بالحقوق الطبيعية، يرى السيد مطهري أن هذه الحقوق هي وثائق مديونية للإنسان. ووفقا له، فإن الإنسان، كونه إنسانا، له حق، مثل الحق في الحياة. وهذا الحق قد منحه إياه الله نفسه، ولكنه في الوقت نفسه جزء من حقوق المواطنة. وبحسب الكرامة التي خص الله بها الإنسان فهو أفضل الخلق، خلق في أفضل الأوقات، تعبده الملائكة وخليفة الله. ويعني أن جميع الحقوق والواجبات التي حددها له هي لتحقيق هذا الهدف. فإذا خلق للإنسان مهمة فهو أن يحققها. فإذا وضع الإنسان فهو الهدف الأسمى لتحقيقه. حسنًا، هذه النظرة للإنسان ستكون مؤثرة جدًا في الحقوق التي نعطيها له٠

على سبيل المثال، إذا قال الله تعالى أنه لا ينبغي أن يكون هناك قصور في الدين، فذلك لأن العزوف عن الدين لا يؤدي به إلى هذا الهدف النهائي. أو إذا قال أنه يجب أن يكون حرا، أو أنه يجب الحفاظ على خصوصيته، أو أنه يجب أن يقرر مصيره (إن الله لا يعيننا على قومنا ولو كنا مختلفين عنه)، فهذا كله من أجل تحقيق. تلك السعادة. ويعتبر الله تعالى انتهاك هذه الحقوق مخالفًا لتلك السعادة الأبدية؛ ولذلك فإن نظرة الفقيه إلى فئة الإنسان وما هو أصل هذه الحقوق ستكون مؤثرة جداً في طروحات حقوق المواطنة وواجباتها٠

– ويبدو أن المنهج التقليدي في الفقه لا يعترف بحقوق الإنسان؛ بل في رأيه أن المسلمين هم من لهم حقوق معينة، وليس البشر. هل يمكن في ضوء هذا المقال، انطلاقا من المنهج التقليدي في الفقه، وصف حقوق المواطنين من حيث الأساس؟

البروفيسور نورمفيدي: لا أقبل فرضيتك القائلة بأن الفقه التقليدي لا يمنح أي حقوق للإنسان. ففي نهاية المطاف، حتى في أقوى الآراء الفقهية، يتم تصور حقوق الإنسان، رغم أن هذه الحقوق محدودة للغاية وبعيدة كل البعد عن حقوق المواطنين التي يعتقدها دعاة الحقوق المدنية.

هذه المقابلة جزء من المجلة الإلكترونية “أساسي

ات فقه الحقوق المدنية” التي تصدر بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد.