ملاحظة: لقد مرت عدة سنوات حيث أولى بعض الأصوليين اهتماما خاصا لطريقة الحياة العقلانية. وربما يمكن القول إن تدفق المسائل الجديدة إلى علم الفقه وحصر النصوص دفعهم إلى البحث عن التطوير في الأدلة غير النصية كالطريقة العقلانية. وفي هذه الأثناء، بعض الناس غير راضين عن التقاليد الفكرية المعاصرة لبعض المعصومين واعتبروا التقاليد الفكرية الناشئة حديثًا دليلاً على ذلك. و هنا حجة الإسلام والمسلمين الدكتور علي شريفي، أستاذ جامعة المصطفى في قم تناول في هذه المذكرة الشفهية تحديات الاستدلال على طرق جديدة لحل القضايا الفقهية الناشئة حديثًا. و مذكرة سكرتير معهد أبحاث السياسة والحكومة التابع لمعهد أبحاث الفقه المعاصر تمر عليكم كما يلي؛
في المسلسل الجديد يجب أن ننتبه إلى نقطة أساسية وهي ماذا نحتاج حاليا لهذا المسلسل؟ و لماذا يجب أن يتجه الفقه إلى طرق حديثة؟ أعتقد أن هناك أمران يشعراننا بضرورة مناقشة الطرق الثابتة، أحدهما لفظي والآخر واقع فقهي٠
النشأة الكلامية
النشأة الكلامية هي الشعور بالحاجة إلى طرقه المبتكرة التي يُزعم أنها فقهية شاملة وتستجيب لجميع الحاجات. ويقال إن كمال الدين ضروري لشمول الدين، كما أن شمول الدين ضروري أيضا لشمول الشريعة. ويجب أن تكون شريعة خالدة قادرة على الاستجابة لجميع الاحتياجات البشرية٠
الواقع الفقهي
من ناحية أخرى، فإننا أمام حقيقة أن مصادر استنباط الفقه تعود إلى ما قبل ١٤٠٠ سنة، وبالطبع كانت في تلك البيئة مستجيبة لاحتياجات ذلك العصر. ولكن ظهرت في العصر الجديد مسائل لا يمكن العثور عليها في أي من مصادر الاستدلال. وان إحدى الطرق التي حاولوا بها ملء الفراغ الحالي هي الالتزام بالتقاليد. ورغم أنهم يملأون جزءاً من هذا الفراغ بإصرارهم على التعميمات والقواعد، إلا أنها لا تزال غير كافية، إذ لا تزال هناك بعض المسائل التي ليس لدينا فيها تعميمات ولا قواعد للإجابة عنها. بالطبع هناك مجال للكلمات في نطاق التطبيقات على القضايا الناشئة حديثاً، لكننا لاداعي ان ندخل في هذا النقاش، لكن المشكلة أنه في بعض الحالات، ليس لدينا أي تطبيقات عامة، وبالتالي لدينا للرضوخ إلى السيرة٠
عجز أهل البيت (ع) عن التعبير عن الحق
نحن أمام مشكلة تتعلق بالسيرة القديمة والجديدة- بشكل عام، وهي ما مدى اكتشاف السيرة من نظر المعصومين؟ وإن تصرف الناس بطريقة معينة في زمن الإمام الصادق (ع) وصمت الإمام الصادق (ع) إلى حد يكشف عن رضا الإمام المعصوم، يتحدث عن نفسه. لأنه كانت هناك مسائل كثيرة في ذلك الوقت سكت عنها الأئمة (ع) وكان السبب هو عدم القدرة على التعبير عن الحقيقة. وحتى في بعض الحالات، لم يتمكن الإمام المعصوم مثل أمير المؤمنين علي (ع) من تصحيح التقليد والممارسة الخاطئة، ناهيك عن الأئمة الذين ليس لديهم القدرة على التعبير عن ذلك. ولم يستطع أمير المؤمنين أن يغير صلاة التراويح او يمحوها، وحتى في نهج البلاغة هناك هذه الجملة حيث يقول: لو قد استوت قدماي من هذه المداحض، لغيرت أشياء٠.
طبعا، هذا يعني أن الإمام اعتبر نفسه في وضع لا يملك فيه القدرة على تغيير الوضع، فقال: لو وضعت قدمي حيث أستطيع أن أقف للخروج من هذه الشريحة سأغير أشياء كثيرة، أما الآن فلا أستطيع تغيير الوضع. فإذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين (ع)، فكيف نتوقع أن يكون الإمام الصادق (ع) قادراً على الفعل مثل هذا أو على الأقل رفض أي سنة بدعية؟
تحدي ربط السيرة بعصر المعصومين
إذا تجاهلنا هذه المشكلة، فسوف تبرز أيضًا مشكلة ربطها بعصر المعصوم. وليقولوا إن هذه الأمور لم تكن خاصة بهم؛ ولكن قد وقع التأكيد عليها وهو قول يعود إلى حكم العقل، أي أن هذه الأمور ضرورية من وجهة نظر العقل، وبالتالي لو كان الإمام الصادق أيضاً لم يرفض ذلك٠
هذه المقالة تشبه الاكل من القفا، لأنه إذا كان أصل الأمر هو حكم العقل فلماذا ننسبه إلى الإمام المعصوم؟ فلماذا لا نقول مباشرة أن عقلنا يفهم هكذا؟ وبالطبع، في هذه الحالة، لا يمكننا أن نعزو تصورنا الفكري إلى الشريعة. ولذلك نضع السيرة بجانب حكم العقل هذا لندعي أن فهمنا الفكري مقبول شرعا أيضا، ونتيجة لذلك فإن حكمنا الفكري هو حكم الشرع. فلماذا نصل إلى هذا الاستنتاج؟ لأننا نريد التوفيق بين الواقع الفقهي والأساس العقائدي. فمن ناحية ندعي شمولية الشريعة، ومن ناحية أخرى لا نملك الموارد الكافية. ونتيجة لذلك، فإننا مضطرون إلى إعطاء الصبغة الشرعية لفهمنا الفكري، وبذلك نوسع نطاق الأحكام الشرعية ونسد الثغرات، ولا داعي لذلك٠
&&&
لسنا بحاجة إلى السير المستحدثة
وبالطبع من الضروري أن نضيف أننا كأشخاص متدينين ومهتمين بوجهة نظر الشريعة وموقفها من أفعالنا، نحتاج إلى اكتساب منظور الشريعة؛ وهذا يعني أن كل عمل نقوم به يجب أن نسأل أنفسنا هل هو موافق للشريعة أم لا. ولكن لهذا لا يلزم استنتاج حكم شرعي إيجابي لكل حدث، بل يكفي عدم رفض الشرع؛ أي أنه يكفي أنه لا يوجد سبب من بين المصادر الفقهية المتوفرة لعدم الرضا الشرعي عن تصرفاتنا، ولا حاجة للحصول على توقيع الشرع وموافقته في كل الأمور.
ونتيجة لذلك، يبدو الحديث عن الطرق المخلوقة نقاشًا غير ضروري ولا معنى له، وغير مثمر.
فالحكم عقلاني وليس حكم العقل
وقد يطرح التساؤل أنه بسبب ارتباط حكم العقل بحكم الشريعة، فإن قواعدنا الفكرية تصبح حكم الشريعة أيضاً. الجواب هو أنه أولاً لا توجد علاقة بين حكم العقل والشريعة. ثانيا، في أغلب الأحوال، ما يسمى بحكم العقل هو حكم العقل، وليس حكم العقل. وليس حكماً عقلانياً يأتي دائماً من عقلهم. وعقلانيا، انطلاقا من فهمهم للخير والشر، والمنافع والمضار، يصدرون أحكاما تختلف تماما من منطقة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى. على سبيل المثال، الغربيون اليوم يعتبرون المثلية الجنسية مبررة، كما يعتبرون الكثير من الأمور المكروهة مبررة وموافقة العقل، لكن الشريعة ضدها. نعم، إذا كان الحكم من الأحكام التي يتفق عليها جميع المثقفين في العالم ولا يوجد اعتراض من الشرع، فإنه لا ينطبق إلا على حد العذر، ولكن ليس بالمعنى الكامل، أي أننا ما زلنا لا نستطيع ننسبها إلى الله، على الرغم من أن الترخيص يمكن أن يكون مفيدًا لنا إلى الحد الذي يمكن أن يكون فيه. ويبدو أن ما ورد في الأحاديث من أن “سنة عظات محاق الدين” أو “دين الله لا يرضي عقول الرجال” يشير إلى هذه المسألة.
تخصيص الفقه
وعلى ما قيل، يتم انتقاده أحيانًا على أنه نتيجة لتقليص نطاق الشريعة، فإن المجالات المشتركة أكثر فأكثر في حياة الإنسان وتهميش الفقه. ويبدو أن هذا ليس صحيحا. لأنه في بعض الحالات التي لدينا فيها نص وهناك مصادر فقهية، لا داعي لإحالة تلك المجالات إلى العقل، لأنه لا شك أن هناك مجالات لا يصل إليها فكرنا، أما في الحالات التي لا تتوفر فيها مصادر كافية فما العمل؟ هل من خطأ في ذلك؟ بدلاً من إعطاء لون ديني للأشياء التي تنشأ من عقلنا غير المعصوم، ينبغي لنا أن نعتبر الأمر عرفيًا بطبيعته. إن التمسك بالعادات الراسخة هو في الواقع مثل إعطاء الدين لقضايا شائعة في الطبيعة ولا حاجة إلى تقنينها /////
هذه المقالة جزء من ملف “الأدلة الجديدة في الفقه المعاصر” وسيتم إعدادها ونشرها بالتعاون مع شبكة الاجتهاد.