الدكتورة خديجة أفشين الحقوقية والأستاذة بجامعة زاهدان

يبدو أن الفارق المهم بين هذه الفصول في الحالات المتداخلة هو طريقة النظر إلى المشاكل الموجودة. فإذا كانت طريقة النظر إلى المساحة الخضراء الحضرية هي جانبها البيئي، فإنها توضع في مجال الفقه البيئي، أما إذا كانت طريقة النظر إليه من حيث العمران وتجميله، فإنه يكون ضمن فقه المدينة والعمران٠

ملحوظة: يواجه اليوم الفقهاء المعاصرون، بسبب حداثتهم، الكثير من الغموض. فمن أهم وأساس هذه الغرائب طبيعة مسائلها وأبعادها وشبكة مسائلها، وهي مسألة تكاد تكون مهملة في أغلب الفقه الناشئ، ولذلك يندر أن تجد فصلا من الفقه المعاصر يطرح فيه طبيعة وأبعادها ويتم توضيح شبكة قضاياها بشكل واضح. فتحاول الدكتورة خديجة أفشين، الحقوقية والأستاذة بجامعة زاهدان المتخصصة في فقه البيئة والموارد الطبيعية منذ فترة، شرح الفقه البيئي وأبعاده وفصوله في هذه المذكرة٠

اما من الناحية الفقهية، تحظى البيئة والتعامل مع قضاياها بمكانة خاصة، لأن أحد ركائز صحة الإنسان من الناحية الجسدية، والتي تشكل أساس صحة الإنسان العقلية والروحية، هي البيئة الصحية. فقبل التطرق إلى فقه البيئة والموارد الطبيعية، لا بد من الإشارة إلى أن هناك علاقة عامة وخاصة مطلقة بين البيئة والموارد الطبيعية، لأن نطاق الموارد الطبيعية وشمولها ليس واسعًا مثل البيئة. ولذلك فإن الفقه الذي يتكون من مجموعة من الأوامر الإلهية لتدبير الدنيا والآخرة، قد تعامل بشكل جميل مع مسألة حماية البيئة والمسؤولية عن قضاياها٠

تعتبر مجموعة الهواء والماء والتربة ونباتات الغابات وغيرها، وكذلك المدينة والازقة والشوارع والمباني وغيرها، وهي الفضاءات التي يعيش فيها الإنسان٠

لذلك يمكن العثور على نظرة الإسلام الواسعة للبيئة في فصول الطهارة، والصلاة، والحج، وتحريم الصيد وقلع الزرع، وإحياء الأراضي الموات، وما إلى ذلك٠

للتعبير عن أبعاد الفقه البيئي ينبغي القول أن هذا الفصل الفقهي يشمل السماء وطبقة الأوزون وحتى النيازك وغيرها من الجزء العلوي، والجزء السفلي يشمل الأرض وما ينبت عليها والأرض والمعادن، الخ٠

القضايا التي تثار حول البيئة، بسبب مدى ونطاق البيئة، لديها الكثير من التنوع. وقد أدى هذا التوسع إلى تداخل فقه البيئة والموارد الطبيعية مع بعض الفصول الأخرى مثل فقه المدن والعمران، وفقه الحج، والفقه الاقتصادي٠

فمثلاً المسائل المتعلقة بالبيئة الحضرية تدخل ضمن فقه البيئة، ومن حيث موقعها في المدينة فهي من مسائل فقه المدينة والتحضر. أو الموارد الطبيعية من حيث كونها مصدرًا، فهي مثال على فقه البيئة والموارد الطبيعية، ولكن من حيث الفوائد الاقتصادية للموارد مثل النفط والماء، فسيتم تضمينها أيضًا في الفقه الاقتصادي. ويبدو أن الفارق المهم بين هذه الفصول في الحالات المتداخلة هي طريقة النظر إلى المشاكل الموجودة. فإذا كانت طريقة النظر إلى المساحة الخضراء الحضرية هي جانبها البيئي، فإنها توضع في مجال الفقه البيئي، أما إذا كانت طريقة النظر إليه من حيث العمران وتجميله، فإنه يكون ضمن فقه المدينة والعمران٠

هناك اقتراحات مختلفة لتجميع فصول فقه البيئة والموارد الطبيعية. ولكن يبدو من المناسب تقسيمه إلى عنوانين عامين هما “البيئة” و”الموارد الطبيعية” ومن ثم ذكر الفصول الفرعية آنفا. فعلى سبيل المثال، تعتبر الحيوانات والنباتات والهواء والأرض بمثابة فصول صغيرة للبيئة. ولذلك تعتبر المياه والمناجم والوقود الأحفوري وما إلى ذلك بمثابة أبواب فرعية لقطاع الموارد الطبيعية٠

اما في نهاية المطاف يمكن القول إن نظرة الفقه للبيئة ليست ضيقة ومظلمة، بل بأقصى ما يظهر من أن نصوص الشريعة قد اهتمت بكل جوانب حياة الإنسان اهتماما كبيرا لضمان منفعة الإنسان ولم تهمل حتى أصغر القضايا، وبكلمة واحدة يمكن اعتبار البيئة شاملة فكل القضايا التي ترتبط بطريقة أو بأخرى بحياة الإنسان وصحة الإنسان الجسدية والعقلية تعتمد على هذه الأمور٠