عضو المجلس العلمي لمجموعة فقه الثقافة والفنون والإعلام بمركز الدراسات الفقهية المعاصرة؛

في كل الأحوال فإن الفقهاء يفتون بناء على مصادر دينية، والآن إذا أراد مخرج سينمائي أن يجعل المرأة بدون حجاب هي الشخصية الرئيسية أو إحدى شخصيات الفيلم فلا يجوز للفقيه أن يفتي بجواز هذا الأمر؛ لأن هذا الفعل في حد ذاته انتشار للدعارة. وبطبيعة الحال فإن بعض الفنانين يعتقدون أنه ينبغي لنا أن نعكس واقع المجتمع كما هو؛ ولكن من وجهة نظر الدين إذا كان عكس واقع المجتمع يؤدي إلى انتشار الدعارة والمساعدة على المعصية وإضعاف الأساس الأخلاقي بين الأفراد والأسر فإنه لا يجوز. ولذلك فإن مبدأ الاعتقاد بأننا ينبغي لنا أن نعكس واقع المجتمع غير مقبول إطلاقا٠

ملاحظة: يقوم الأستاذ جعفر نجفي بستان بتدريس واحدة من أفضل دورات البحث الخارج للفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم منذ سنوات عديدة، وقد أبدى في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بالدخول في فقه المستجدات، كما أنه عضو في المجلس العلمي لمجموعة فقه الثقافة والفنون والإعلام في مركز أبحاث الفقه المعاصر لعدة سنوات، وعلى هذا الأساس تحدثنا معه عن فرضيات وأسس فقه الفن، كما عبر خلال هذا الحديث عن تعريفه الخاص للفن والذي ينشر لأول مرة، تفاصيل الحديث مع هذا الأستاذ لدورة البحث الخارج للفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم كمايلي؛

ما هو فقه الفن وكيف يختلف عن فقه الإعلام وفقه الاتصالات؟

السيد نجفي بستان: للإجابة على هذا السؤال يجب أن نسأل ونجيب على مصطلحات السؤال أولاً، ما المقصود بالفقه هو نفس معنى الاسم المشتق، أي ما هو رأي الإسلام في هذه القضايا؟ بالتأكيد الفقه لا يعني المعرفة الدينية، ولكننا نريد أن نعرف رأي الشارع المقدس في هذه القضايا والمواضيع مثل الفن والإعلام والاتصالات. هناك تعريفات عديدة للفن، لن أدخل في التعريفات الموجودة الآن، وسأعرض رأيي فقط. في رأيي، الفن هو فعل يسبب الدهشة لدى المشاهد والمستمع. يمكن أن يكون مصدر هذه الدهشة أيضًا ندرة الشيء؛ لأنه إذا كان الشيء وفيرًا فلا يمكن أن يكون مدهشًا. الآن، إذا كان مصدر تلك الندرة أيضًا هو رقة الشيء، فإننا نفسر ذلك على أنه فن، سواء كان في شكل شعر بمقاييس محددة من العروض والمحتوى والقافية؛ وإن كانت قصيدة جديدة، إذا أحدثت دهشة في الناس بشروطها الخاصة، نعتبرها فنًا. وإن كانت نثرًا، فلا بد أن تشتمل على بلاغة ومراعاة للصناعة الأصيلة ومراعاة متطلبات الحاضر، وأن تخلو من الإيجاز المشتت؛ ففي هذه الحالة تكون عملاً فنيًا. وفي غير الشعر والنثر، كالرسم، يكون الأمر كذلك. وإذا أحدثت دهشة لدى المشاهد، وكان مصدر الدهشة الندرة، ومصدر الندرة رقة وأناقة ذلك الشيء، اعتبرت فنًا. فمثلًا، إذا رسمت الطبيعة أو عكست أفكارًا إنسانية على شكل لوحة بدقة ولطف، بحيث تثير دهشة المشاهد٠

بصورة عامة، في أي عمل فني، إذا روعيت شروطه ومتطلباته، فإنه سيستقر على العقول والقلوب، ويكون فيه رقة وإعجاب. وفي هذه الحالة يسمى هذا الفعل فنًا، سواء كان موضوع هذا العمل هو الله تعالى أم لا. وعندما ينظر الإنسان إلى الأرض يرى في خلق الله تعالى دقة عجيبة تثير الإعجاب حقاً لدى الجميع. كما يرسم الإنسان أحياناً لوحات من الطبيعة التي وهبها الله إياها، فإذا أثارت الإعجاب أصبحت عملاً فنياً٠

في الاتصالات والإعلام، المطلوب أكثر هو إيصال المحتوى إلى المستمع، سواء كان هذا التواصل عبر التلفاز أو الراديو أو الصحيفة أو الفضاء الإلكتروني و… فإذا كان الغرض من التحريض على المحتوى متعلقاً بالإعلام والاتصالات؛ ولكن جودة شرح هذا المحتوى للآخرين يمكن أن تصاحبها أعمال فنية، وإلا فإن مجرد التحريض على المحتوى للآخرين ليس فناً؛ بل إن جودة التحريض هي المهمة. على سبيل المثال، إذا أراد المرء التعبير عن قصة ملحمية، فيجب أن تكون جودة الصوت منسجمة مع تلك القصة الملحمية. على سبيل المثال، في التلفاز، تؤثر الإضاءة وغيرها من الأمور على جودة التلميح؛ وبالتالي فإن التلميح بالقصة نفسها ليس فناً؛ بل إن الفن هو في جودة التلميح بالقصة للآخرين٠

إن بحث فقه الفن والإعلام والاتصال هو بحث في أحكام هذه الموضوعات، فمثلاً لا ينبغي للفن أن يكون من النوع الذي يقود الناس إلى المعصية ويسبب انتشار الرذيلة وإضعاف إرادة الناس تجاه الدين والمعتقدات الدينية، بل لا ينبغي للفن أن يكون سبباً في تعظيم الشعائر، ولا ينبغي للعمل الفني أن يضعف الأخلاق في المجتمع، بل ينبغي للفن أن يتجه في اتجاه رفعة الإنسان، لا في اتجاه انحطاطه والوقوع في مستنقع المعصية، فالفن ينبغي أن يكون في هذا الاتجاه، ولذلك لا بد من مراعاة أمور كثيرة، وإذا أردنا أن نناقش فقه الفن وأحكامه فلابد أن ننظر في كل هذه الأمور، ثم نناقش أحكام الأركان الخمسة في موضوعات مختلفة، فلا ينبغي لنا أن نروج للمحرمات والمنكرات في المجتمع، ولابد أن يكون عمل الفنان في نطاق الواجبات والمستحبات، وفي نهاية المطاف في نطاق المباحات٠

باختصار، الغرض من فقه الفن هو التعبير عن أحكام جميع الأنشطة الفنية في نطاقها الكامل، لأنها صدرت من البشر، وأفعال البشر تخضع لهذه الأحكام. والفن مثله كمثل المهن والصناعات الأخرى التي لها أحكامها، فكل موضوع فني له أحكام. وليس صحيحاً أن بعض الناس يتوهمون أن الشريعة ليس لها أحكام في الموضوعات الفنية، بل إن ما يبكي الناس ويضحكهم، وكل ما يتعلق بالفن له أحكام. ففقه الفن مسؤول عن التعبير عن هذه الأحكام٠

ما هي أهم مبادئ فقه الفن؟

الأستاذ نجفي بستان: في فقه الفن، من حيث المبادئ، يجب أن نشير إلى القواعد الفقهية، مثل قاعدة لا ضرر ولا ضرار، والتي يمكن الالتزام بها في كثير من الحالات، وعدم نشر الدعارة وتعزيز الصفات الأخلاقية العالية، وهو الهدف الرئيسي للإنسان، أمر جائز. ويجب مراعاة ما جاء في تحريم الإعانة على المعصية، وهو ما ذهب إليه كثير من الفقهاء، فلا يجوز أن تكون الأعمال الفنية على نحو يضل المؤمنين، فإن إضلال المؤمنين حرام، والمسلم عزيز، ولا يجوز أن تكون الأعمال الفنية على نحو يخيف المؤمنين ويروعهم، ولا يجوز أن يصحب الأعمال الفنية الغيبة والقذف وتدمير سمعة الآخرين، ولابد من مراعاة هذه الأمور خاصة في البرامج الكوميدية، فليس كل ضحك مرغوباً في نظر الشارع الكريم، وهنا عدة ضوابط٠

قد اقترح البعض قاعدة تسمى بالمصلحة في فقه الفن، أي أنه يجب مراعاة مصلحة المجتمع في جميع الأعمال الفنية. واقترح البعض قاعدة العدالة كقاعدة فنية هنا، ويقولون أنه في جميع الأعمال الفنية يجب مراعاة العدالة ويجب مراعاة أساس نمو جميع أفراد المجتمع بالتساوي، ويجب تقسيم جميع الإمكانيات بين الأفراد ويجب أن يكون الجميع قادرين على النمو، وليس التمييز، بحيث لا تعتبر الامتيازات إلا لفئة معينة٠

إذن، فإن جميع القواعد الفقهية التي تدخل في تحقيق الفن وجميع الأمور التي يجب مراعاتها تدخل في المناقشة؛ أي يجب معرفة متطلبات الفن الديني ويجب فحص موانع خلق الفن الديني. وفي هذه الحالة سيتم مراعاة مبادئ فقه الفن٠

مع الافتراضات والمبادئ الموجودة، هل هناك إمكانية لتغيير الفتاوى الموجودة في فقه الفن؟ لماذا؟

الأستاذ نجفي بستان: إذا كان السؤال أن من يهيء البرامج الفنية، وخاصة الجيل الحالي، له افتراضاته الخاصة التي ينتج عليها كل برامجه الفنية على أساس هذه الافتراضات ويتوقع من الفقهاء أن يمتثلوا لمطالبه وافتراضاته، فهذا غير مقبول على الإطلاق. الدين ليس بيد الفقيه أن يغير الأسس حسب أهواء الآخرين، بل يجب على الفقيه أن يدرس ويحلل افتراضات الفنانين المبنية على المصادر الدينية ويعبر عن حكم الله حيثما كان هناك مخالفة من وجهة نظر الشارع المقدس٠

على سبيل المثال، من افتراضات الفنانين أنهم يقولون إن وسائل الإعلام والإذاعة والتلفزيون يجب أن تعكس واقع المجتمع، حتى لو كان هذا الواقع مخالفًا للشريعة المقدسة. صناع الأفلام من هذا النوع يتابعون نفس القضية. هذا في حين أن الفقيه لا يستطيع أن يمتثل للفنانين في كل الأحوال ويصدر فتوى بالحلال؛ لأن كثيرًا من الحقائق الموجودة في المجتمع خاطئة ولا يمكن عكسها؛ لأن المساعدة والتحريض على المعصية لا يمكن تصحيحها بالشريعة٠

فإذا كان غرض السؤال تغيير عقائد الفقهاء في هذا الشأن حتى تتفق مع عقائد الفنانين فهذا غير ممكن، أما إذا كان غرض السؤال غير ذلك فلابد من توضيح الغرض أولا٠

على كل حال، فإن الفقهاء يفتون بناء على مصادر دينية، والآن إذا أراد مخرج أن يجعل امرأة بدون حجاب هي بطلة الفيلم أو إحدى شخصياته فلا يجوز للفقيه أن يفتي بجواز مثل هذا الفعل؛ لأن هذا الفعل في حد ذاته هو نشر للدعارة. وبطبيعة الحال فإن بعض الفنانين يعتقدون أنه ينبغي لنا أن نعكس واقع المجتمع كما هو، ولكن من وجهة نظر الدين إذا أدى انعكاس واقع المجتمع إلى انتشار الدعارة والمساعدة على المعصية وإضعاف الأساس الأخلاقي بين الأفراد والأسر فإنه لا يجوز. وبالتالي فإن مبدأ الاعتقاد بأننا ينبغي لنا أن نعكس واقع المجتمع غير مقبول إطلاقا٠

وفقاً للشريعة يجب على الفقهاء أولاً أن ينظروا في المسائل على نحو عرفي ثم يبينوا حكمهم الشرعي، وليس للفقهاء اعتقاد محدد في المفاهيم والتطبيقات، فالمفهوم مرتبط بالعرف، والتطبيق إذا كان بلا تسامح فهو من اختصاص العرف، فمثلاً في مفهوم اللهو واللعب الذي يدخل في الفن يجب توضيح حدوده حتى يكون لدينا فن بعيد عن المحرمات الشرعية، ومفهوم اللهو واللعب من العرف، ولذلك لا يمكن تغيير اعتقاد الفقهاء، بل يجب أن ننظر إلى مدى إمكانية تصحيح اعتقادات الفنانين بمعايير الشريعة٠

ما هي اقتراحاتكم لزيادة فاعلية فقه الفن؟

الأستاذ نجفي بستان: من الطرق المتاحة والممكنة أن نوضح الأسئلة التفصيلية التي يطرحها الفنانون ويريدون معرفة حكم تلك المسائل من حيث الموضوع ثم نسأل الفقيه. فإن الفقيه لابد أن يعمل على المسألة ويدرس جوانبها ثم يصدر الحكم، ولو جمعنا آراء كل الفقهاء في المسائل المطروحة في هذا المجال لوجدنا مجموعة ممتازة جداً ستكون سنداً قوياً لتطور فقه الفن، كما أن هناك إلى جانب الفتاوى المتنوعة أصولاً متنوعة للفقهاء، وبتحقق هذه الأصول يصبح فقه الفن أكثر فاعلية ويصبح فقه الفن أكثر ثمراً تدريجيا٠

هذا الحوار جزء من المجلة الإلكترونية “أصول فقه الفن” والتي تم إنتاجها بالتعاون مع مدرسة فقه الفن وموقع شبكة الاجتهاد٠