نائب التعليم في جامعة المفيد؛

لدينا في كتاب مدينة المعجزات حديث مفاده أن الإمام الحسن (ع) سافر إلى بلد غير إسلامي في زمن الإمام علي (ع)، بصفته سفيراً للحكومة الإسلامية. أظهر ملك ذلك البلد للنبي تماثيل الأنبياء الإلهيين للإمام، وصرح الإمام آن هذه التماثيل أصنام. فيما بعد، في عصر الغيبة الصغرى وإصدار الأحكام من قبل صاحب الزمان (ع)، نوقش هل هناك مشكلة في الاحتفاظ بالتماثيل وشرائها وبيعها؟ يقول الإمام أنه إذا كان أجداد الشخص الذي يصنعون التماثيل ويبيعوها للوثنيين فهناك مشكلة، وإلا فلا حرج. هذا هو مسار التطور الذي حدث في المجتمع الإسلامي٠

ملاحظة: إن فقه الفن، مثل غيره من الفقه الناشئ، له فرضياته وأسسه الخاصة. ولكن لعل من النادر أن نجد فقهاً معاصراً فرضياته وأسسه مؤثرة في طروحاته الفقهية مثل فقه الفن. وفي هذا الصدد، تحدثنا مع حجة الإسلام والمسلمين السيد مهدي نريماني، عضو هيئة التدريس في قسم الكلام بجامعة المفيد. وفي هذا الحديث، حاول الأستاذ المحترم في حوزة قم أن يشير إلى بعض أهم فرضيات وأسس هذا الفقه الناشئ. وفيما يلي تفاصيل الحديث مع نائب رئيس التعليم بجامعة المفيد؛

ما هي أهم أسس فقه الفن؟ وما هي الفرضيات التي أدت إلى الفتاوى الحالية للتيار الفقهي الرسمي في الحوزة؟

السيد نريماني: فيما يتعلق بفقه الفن، هناك مجموعة من المبادئ والافتراضات التي تتطلب الفحص والفهم. وسأذكر هنا بعض هذه الافتراضات. وبالطبع هذه المبادئ ليست بالضرورة رأي الفقهاء؛ بل إن بعض هذه الافتراضات موجودة في الرأي العام. كما أن بعض المراجع تصدر فتاوى بناءً على هذا الفهم الاجتماعي للفن٠

الافتراض الأول هو: لماذا يجب اعتبار الفن وما هي الفلسفة الوجودية للفن؟ يعتبر البعض الفن سلعة فاخرة وعصرية وغير ضرورية ويعتقدون أنه عندما يكون الشخص عاطلاً عن العمل وليس لديه عمل محدد فإنه يلجأ إلى الفن. هذه وجهة نظر في مجتمعنا. ويعتبر البعض الآخر الفن قضية خطيرة وأداة لبناء الثقافة ويعتبر استخدامه ضروريًا. وفي رأيه، إذا لم تستخدم هذه الأداة ولم تقدم مفاهيمك بهذا الشكل فلن يُسمع صوتك. وهاتان النظرتان لهما تأثيرات مختلفة على إصدار الفتاوى من قبل الفقهاء. وبما أن الفقهاء يهتمون أكثر بالعرف في إصدار الفتاوى، فلا بد من توضيح هذه المسألة كأساس، وتحديد مكانة الفن وفلسفته الوجودية٠

المقدمة الثانية في فقه الفن وخاصة في الصور والأفلام والتي فيها اختلاف بين الشيعة والسنة هل ما يحرم في الخارج وغيره غير الأفلام والصور الفوتوغرافية يحرم في الأفلام والصور الفوتوغرافية أم لا؟ فمثلا إذا كنتم تعتقدون أن النظر إلى شعر المرأة المسلمة الأجنبية حرام فهل النظر إلى صورتها أيضا حرام؟ هذا ما ذهب إليه بعض الفقهاء وبعضهم لا، ولذلك قالوا إن النظر إلى المرأة المسلمة الأجنبية حرام في الخارج وفي الواقع، ولكن تحريم النظر إلى صورتها أو فيلمها يتوقف على حقيقة انتهاك حرمة تلك المرأة. إن كان في هذا المنظر فساد أو انتهاك لحرمة تلك المرأة فلا يجوز وإلا فلا إشكال، ولذلك فإن هذا البحث بحث مهم هل الحكم الشرعي للصور والفوتوغرافيا والأفلام والحكم الشرعي في العالم الحقيقي قد يكونان شيئان مختلفان، أو أن ما هو محرم في العالم الحقيقي يكون محرماً في عالم الصور والأفلام؟

الافتراض الثالث الذي ينبغي أن ننتبه إليه في الفتوى هو أنه وإن كان الكذب في العالم الحقيقي محرماً عند الناس ويدينه الجميع عقلاً، إلا أننا نرى هذا الكذب يحدث في الفيلم، ومن ليس له أطفال في العالم الحقيقي يكون له أطفال كثيرون في الفيلم أو العكس، ولا أحد يقول إن هذا كذب، وقد قبل الجمهور والممثل وكل فريق العمل هذه الافتراضات٠

قد قبلت بعض الافتراضات، وإن كانت في بعض الأحيان تُهمل هذه الافتراضات، فمثلاً من يلعب دوراً سلبياً في فيلم ويشعر بعض الناس بعدم الارتياح لرؤيته مع أنه كان يلعب دوراً فقط، أو على العكس من ذلك من يلعب دوراً إيجابياً في فيلم ويحبه الناس. إن الحقيقة أن الممثلين يمثلون فقط وهذا مختلف عن العالم الحقيقي والواقعية وأمر مهمل، وقد يكون مصدر هذا الخطأ والإهمال أيضًا هو المشاعر الإنسانية، وفي كل الأحوال يجب أن نأخذ في الاعتبار افتراض أن جمهورنا يعرف أن هذا الفيلم غير حقيقي٠

افتراض آخر هو أن الممثلين مجبرون أيضًا على استخدام الكلمات لنقل مفهوم ومعنى قد يكون إشكاليًا في العالم الحقيقي، على سبيل المثال، طلب الزواج من امرأة متزوجة ممنوع في العالم الحقيقي؛ ولكن في الفيلم تلعب هذه المرأة دور امرأة عزباء لديها خاطب. الآن، هل يمكننا أن نقول أن هذا ممنوع أيضًا في الفيلم أم لا؟ أو حتى لو تم في الفيلم طلب الزواج من امرأة متزوجة في الواقع وحتى في الفيلم لإظهار قبح هذا الأمر وفساده، فهل هناك مشكلة؟

أو إذا كذب شخص في الفيلم فإنه يحرم من العدالة ولا يجب أن تفرض عليه قواعد العدالة والإنصاف حتى يتوب. وبالنظر إلى هذه الافتراضات لا بد من الإجابة على الأسئلة. أو في الفيلم يرتكب الممثل فعلًا منكرًا فهل يتوب لاحقًا؟

إذا تسبب الممثل في الفيلم في إثارة الخوف والرعب في نفوس الناس فهل هناك أحكام واقعية معينة تنطبق عليه؟

إذا تسبب في انخفاض مبيعات السلع أو الخدمات ببث مشهد غير لائق، مثل إعداد الطعام بطريقة غير صحية، فهل هذا مضمون؟ من الضروري أن ينتبه الفقهاء إلى هذه الافتراضات عند إصدار الفتاوى٠

أحيانًا يتم استخدام الأدب لنقل مفهوم في الفنون غير السينمائية، مثل الروايات والقصص والكتابات، والذي لو قيل في العالم الحقيقي لكان مبالغة. الآن، إذا كتب شخص في عالم الخيال قصة أو سيناريو أو بالغ في فضائل أهل البيت أو في قضايا اجتماعية مختلفة، فهل تسري عليه أحكام المبالغة؟ ومثل هذه القضايا التي تتطلب أحياناً النظر في هذه الافتراضات، والعمل في هذا السياق وإصدار الفتوى بناءً على هذه الافتراضات٠

يبدو أنه بالنظر إلى ظروف المكان والزمان والتطورات التي حدثت في مجال الفن، ينبغي مراجعة الأدلة بعناية أكبر لاكتشاف حكم هذه القضايا؛ أي أن الأئمة عليهم السلام كانت لهم افتراضات معينة في التعبير عن القضايا وأصدروا أحكاماً بناءً عليها. الآن، هل تنطبق هذه الأحكام على عصرنا الذي فيه افتراضات أخرى أم لا؟

مع الافتراضات والمبادئ الموجودة، هل يمكن العمل بالفتاوى الموجودة في فقه الفن؟ لماذا؟ ما هي اقتراحاتكم لزيادة فعالية فقه الفن؟

نريماني: هذه تحتاج إلى مراجعة كاملة وشاملة. إن من الضروري للأشخاص القادرين على هذا المجال أن يدخلوا في فقه الفن في أقرب وقت ممكن. وبطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن ننجر إلى التطرف أو المبالغة. ولا ينبغي لنا أن نحط من قدر الفقه عن مكانته العظيمة ونحاول أن نجعل كل شيء مباحًا، أو نسعى من ناحية أخرى إلى التشدد والتشديد٠

سأعطي مثالاً في هذا المجال. فيما يتعلق بالصورة والتمثال في كتاب مدينة المعجزات، لدينا حديث مفاده أن الإمام الحسن (ع) سافر إلى بلد غير إسلامي في زمن الإمام علي (ع)، بصفته سفيرًا للدولة الإسلامية. وأظهر ملك ذلك البلد للإمام تماثيل الأنبياء الإلهيين، فصرح الإمام هذه التماثيل على أنها أصنام٠

ثم بعد ذلك في فترة الغيبة الصغرى وصدور فتاوى من الرسول الأعظم (ص) يناقشون هل هناك إشكال في اقتناء التماثيل وبيعها وشرائها، فيقول الرسول الأعظم (ص) إن كان أجداد صانع التماثيل وبيعها من المشركين فهناك إشكال، وإلا فلا إشكال، وهذا هو مسار التطورات التي حدثت في المجتمع الإسلامي٠

أحياناً ومع التغيرات التي طرأت على الموضوع فإن أهل البيت (ع) أيضاً تناولوا الحكم بشكل مختلف ومتميز، وقد ناقش كبار الفقهاء والإمام الراحل تأثير الزمان والمكان على الاستدلال بالتفصيل، وحتى علماء الأخبار في الماضي أصدروا فتاوى مختلفة عن الفترات السابقة استناداً إلى تغير ظروف الزمان والمكان، لذا فإن هذه النقطة ضرورية جداً٠

هذه الحلقة النقاشية جزء من المجلة الإلكترونية “أصول فقه الفنون” التي تم إصدارها بالتعاون مع كلية فقه الفنون وموقع شبكة الاجتهاد٠