المسؤول عن مركز البحوث الفقهية والقانون؛

لكل مبدأ عملي قناة، فإذا كانت تلك القناة كاملة لا يمكن لأحد أن يستغني عنها ويجب أن يعمل وفقًا لذلك المبدأ العملي. فمثلاً إذا كانت هناك سابقة في مكان ما، يجب العمل وفقًا للاستصحاب وإذا كان هناك شك أساسي في مكان ما، يجب العمل وفقًا للبراءة؛ وبالتالي، فليس من حقنا أن نلتزم بالمبادئ العملية أو لا نلتزم بها، وفي هذا الصدد لا يوجد فرق بين فقه الفن وفقه غير الفن٠

ملاحظة: هناك فرق كبير بين علماء الأصول والفقه في تطبيق المبادئ لحل قضايا فقه الفن. لذلك يعتقد البعض أنه بهذه القواعد الأساسية يمكن استنباط الأحكام النافعة من كل الفقه المعاصر بما في ذلك فقه الفن، وبالتالي فلا فرق بين فقه الفن وغيره من الفقه المعاصر. ومن ناحية أخرى يرى البعض أن علم الأصول الذي يقوم على التنجيز والتعزير ولا يهتم باكتشاف الأدلة مثل المبادئ العملية لا يتحقق به إلا خير الآخرة وليس خير العالم الإسلامي. ولهذا تحدثنا مع الأستاذ سيف الله صرامي الذي جعل فقه الفن من مجالات بحثه لسنوات وكتب عدة مقالات في هذا الموضوع. وهو من أوائل من دخلوا هذا النقاش ولا يؤمن بضرورة إضافة أدلة أخرى إلى علم الأصول. وفيما يلي حوار خاص مع أحد أعضاء مجلس مركز البحوث التابع لمركز البحوث الفقهية المعاصرة٠

هل الأدلة الموجودة في علم الأصول كافية لحل مشكلات فقه الفن، أم يجب إضافة أدلة أخرى إليه؟

الاستاذ صرامي: أولاً، دعني أشير باختصار إلى أنه من بين الأدلة التي طرحت في فقه الفن والتي طرحت في كتب الفقه منذ العصور القديمة، يمكننا أن نذكر آيات من القرآن الكريم مثل آية يشتري لهو الحديث، وكذلك الروايات التي وردت في مجال الغناء والموسيقى وشراء وبيع الآلات الموسيقية، إلخ٠

لكن النقطة الأهم هي أن الأدلة في علم الأصول كافية لحل مشاكل فقه الفن. بناءً على تجربتي وكتابتي لعدة مقالات في مجال فقه الفن، فضلاً عن الأطروحات والنصوص الفقهية التي كتبها آخرون، يجب أن أقول إنني لا أعرف أي مكان حيث من الضروري إضافة دليل محدد إلى علم أصول الفقه حتى نتمكن من الإجابة على مشكلاته٠

لكن الجواب التفصيلي هو أن المراد أحياناً المصدر؛ أي حيث توجد أحكام الشريعة وتستخرج هذه الأحكام من هناك، كالقرآن الكريم وسنة المعصومين (ع). وأحياناً يكون معنى السبب هو الطريق والفرع والوسيلة التي يستفاد منها ذلك الطريق من ذلك المصدر، كالخبر المفرد. ومن طرق الاستفادة من سنة المعصومين (ع) استعمال الخبر المفرد، وهو ما يسمى الطريق، وأحياناً السبب؛ فإذا قصدت إضافة المصادر فهذا مستبعد تماماً؛ لأن معنى المصادر التي تبحث في أصول الفقه هي المصادر التي تبحث في الأصول الكلامية، كالكتاب والسنة والإجماع والعقل. وهذه هي مصادر الفقه. طبعاً، ولأن أهل السنة محرومون من معرفة الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فقد أضافوا إليها مصادر مثل القياس ومادة الرسالة… وأدرجوها في المصادر، لأن مصادرهم الفقهية لم تكن كافية للإجابة على أسئلتهم٠

لكن إذا نظرنا إلى السبب بالمعنى الثاني، فإن الحاجة إلى إضافة السبب لا تزال مسألة مقبولة؛ لأن السبب يجب اكتشافه، وليس إضافته، بمعنى أن شخصاً ما قد يكتشف طريقاً جديداً للوصول إلى محتوى القرآن الكريم؛ ولكنه لا يضيف مصدراً٠

هناك نقطة أخرى، وهي أنني أرى أنه ليس للفهم في فقه الفن صفة تستلزم إضافة مصدر إليه؛ بل إن فقه الفن، مثله كمثل غيره من السلوكيات الإنسانية، له قواعده الخاصة، وللمبادئ الفقهية مكانتها الخاصة فيما يتصل بهذه السلوكيات٠

هل نستطيع أن نصدر فتاوى فعّالة في فقه الفن من خلال التركيز على النصوص وتجاهل مقاصد الشريعة؟

الاستاذ الصرامي: أولاً دعني أشير إلى بعض النقاط حول مصطلحات السؤال؛

أولاً: هناك تفسيرات مختلفة للنص المركزي، فتارة يكون النص المركزي معناه ما يعنيه الإخباريون، وتارة يكون معناه أن أحكام الشريعة يجب أن تؤخذ من مؤلف الشريعة وليس من أي شخص آخر٠

ثانياً: مقاصد الشريعة تارة تكون مقاصد الشريعة العامة، مثل كرامة الإنسان وأمنه، وتمتعه بسعادة الدنيا والآخرة، إلخ، وتارة تكون فلسفة كل حكم. وفي هذا الصدد أود أن أشير باختصار إلى أنه إذا ثبت أن مثل هذا الشيء هو مقصد الشريعة وثبت أيضاً أن هذا السلوك يؤدي بالتأكيد إلى مقصد الشريعة، فهو جدير بالثقة؛ ولكن بخلاف ذلك لا يمكن الاعتماد عليه٠

ثالثاً: ما المقصود بالكفاءة؟ هل هي أمر يتم تحقيقه بسرعة ويعمل به المجتمع ويقره؟ أم أنها تعني تصحيح معتقدات المجتمع وضمان سعادته وتنفيذ سلسلة من الأحكام في المجتمع حتى يرضى عنها المجتمع؟ والجواب على هذا السؤال يحتاج إلى بحث مفصل٠

لكن هل يمكن أن نصدر فتاوى فعّالة في فقه الفن من خلال النص مع مراعاة مقاصد الشريعة؟ المشكلة، بل جوابي، أن فقه الفن ليس له خصائص أولاً، وثانياً، بالنظر إلى الشروحات المقدمة، يجب أن نحدد معنى النص. فإذا كان معنى النص أن يبين المشرع نفسه أحكامه في الكتاب والسنة، فيمكن أن نحصل على فتاوى فعّالة تضمن مستقبل البشرية٠

هل يمكن، بالالتزام بقواعد العملية للتنجيز و التعزيرالتي تعبر عن الآخرة فحسب، أن نحل بفعالية قضايا فقه الفن، وهي أمور مهمة لتنظيم حياة الناس الدنيوية؟

الأستاذ صرامي: قبل أن نبين جوهر السؤال، ينبغي أن نلاحظ أن المقصود بالتنجيز والتعزير هو صحة أصول العمل، كما أن الخبر الواحد و… الذي هو دليل له معنى التنجيز والتعزير. فإذا كان التنجيز والتعزير له هذا المعنى، فلا فرق بين الأصول العملية والخبر الواحد٠

إذا نظرنا إلى الأصول العملية، ينبغي أن نضع في الاعتبار أن لكل أصل من الأصول العملية مسار، فإذا كانت هذا المسار كامل فلا يمكن لأحد أن يتخلف عن تطبيقه، ويجب أن يعمل بمقتضى هذا المسار. فمثلاً إذا كانت هناك سابقة في مكان ما، فيجب العمل بمقتضى الاستصحاب، وإذا كان هناك شك أساسي في مكان ما، فيجب العمل بمقتضى البراءة؛ وبالتالي فليس لنا أن نلتزم بألاصول العملية أو لا نلتزم بها، ولا فرق في هذا بين فقه الفن وغيره٠

فيما يتعلق بهذه التوضيحات، فإن جوابي على سؤالك إيجابي. نعم، بالمبادئ العملية التي هي دليل، يمكن الحصول على فتاوى فعّالة تنظم حياة الناس في العالم٠

لحل مشاكل الفقه المعاصر، وخاصة فقه الفن، ما هي التغييرات التي يجب أن تطرأ على أسس وفلسفة وافتراضات ومناهج الأصوليين؟

الأستاذ صرامي: في المجمل، كل علم، بما في ذلك الأصول والفقه والعلوم الطبية، وحتى العلوم الإنسانية، يتغير ويتطور عبر التاريخ واليوم. عندما تُطرح قضايا ووجهات نظر مختلفة على هذه العلوم، تتوسع هذه العلوم، وتصبح بعض المواضيع فيها قديمة وتوضع جانباً٠

إن معرفة أصول الفقه هي في العموم واحدة. على سبيل المثال، هناك فرق كبير بين أصول الفقه التي كتبها الشيخ المفيد وما كتبه آية الله الخوئي، وفي الأخير أثيرت قضايا جديدة. وهذا أمر طبيعي أيضاً٠

قد يحدث في فقه الفن شيء ما بطبيعة الحال، وقد يحدث في أمور الطهارة والصلاة مثلاً ما قد يسبب استعمال السبب للمنع أو يجعلنا نولي اهتماماً أكبر لصحة الظواهر؛ ولكن ما أريد قوله هو أن فقه الفن والفقه المعاصر ليسا خاصين بذلك، بل إن كل العلوم قد تتعرض للتغيرات والتحولات٠

الحوار هو جزء من المجلة الإلكترونية “أصول فقه الفن”، والتي تم إنتاجها بالتعاون مع مدرسة فقه الفن وموقع شبكة الاجتهاد٠