في ظل أنظمة المعلومات الحالية، هل يُمكن القضاء على الاضلال والكتب؟ لقد تغيّر نظام المعلومات اليوم، وليس في وسعنا منع نشر أي شيء. وكان الأمر كذلك في الماضي. حاليًا، جميع الكتب التي كُتبت منذ القرن الثاني فصاعدًا في رفض القرآن الكريم متوفرة ولم تُتلف. ما قيل عن أقوال الموحدين لم يُتلف قط، بل على الأقل ذُكر في الكتب الإسلامية ونوقش ودُرِس٠
حجة الإسلام والمسلمين السيد علي أيازي، على الرغم من شهرته بتفسيره وعلوم القرآن الكريم، لديه اهتمامٌ قديمٌ بعلم الفقه وحل التحديات الناشئة التي تواجهه. وتشهد على هذا الادعاء مقالاته وكتبه العديدة في مواضيع مثل حكم الكرامة، والحكم الفقهي للكتب الضالة، وفرض الحجاب، وغيرها. وفي سياق مقاله حول حكم اقتناء الكتب الضالة وحفظها، ناقشنا مع هذا الأستاذ والباحث في الحوزة والجامعة لقب “الضالة” كأحد الألقاب التي تُقدس الأنشطة الفنية. وكانت نتيجة هذا النقاش هذه المذكرة الشفوية التي يمكنكم الاطلاع عليها٠
طبيعة الضلال في القرآن
لدينا في القرآن لقب ذو جانب إخباري. يقول القرآن الكريم: “يُضل الناس”؛ أي: ما يُضل الناس. وقضية الضلال في كتبنا الفقهية منذ القدم إلى يومنا هذا ليست تحت عنوان ثابت وعشوائي. وبالطبع، فقد ناقشوا تعريفه، على سبيل المثال، بأنه ضلال، أو حددوا مفهومه العام، أي: ضلال. ولكن لا يوجد إجماع على ماهية الضلال ومثاله. كما أن فقهاءنا قد تكلموا في الغالب على كتاب الضلال ولم يدخلوا في مسميات أخرى. فمثلاً، في بحثهم عن المال أو القمار، حللوا مسميات كالفساد المترتب على هذه الأمور، لكنهم لم يتطرقوا إلى الضلال٠
أسئلة حول الضلال
هناك سؤال آخر: هل مسألة الضلال مسألة شخصية فردية أم مسألة اجتماعية؟ والسؤال التالي: ما هو معيار تحديد هذا الضلال؟ هل الضلال مسألة عرفية أم مسألة دينية؟ لا أجد أن الفقيه يعتقد أن الضلال مسألة دينية. الشرح: مواضيع الأحكام نوعان: أحدهما مواضيع مستحدثة كالوضوء، والآخر مواضيع عرفية وجدت بين الناس ولم يضعها الشارع، كالبيع والإجارة والوكالة. وبما أن الضلال مسألة متعارف عليها، فمن الطبيعي لفهم معناها الرجوع إلى العرف، وهو عرف المختصين والخبراء٠
من الأمور الأخرى أن الضلال، بمعنى التضليل، هو أولًا محل شك، وقد يُضل البعض دون غيرهم. ثانيًا: هل هذا التضليل بدائي أم مستمر؟ قد يُذكر أحيانًا شك وتساؤل في كتبنا الفقهية، فيُثير الشك. فهل يُمكن القول إن مجرد طرح هذه المسألة يُسبب الضلال؟ يبدو أن المقصود بالضلال هو الضلال الدائم، أي الضلال الذي لا يُزال، لا أن يكون مُخلوقًا ثم يُزال. ولكن في حالة الضلال الدائم، يُطرح السؤال مرة أخرى: ما سبب عدم زوال الشك؟ هل المشكلة في الشخص نفسه الذي لا يستطيع حلها، أم أنها تتعلق بالشارع والله الذي خلق هذه المشكلة، كمسألة القوة القاهرة أو القدر وما شابهها، وقد قال هو نفسه إنها لن تُحل؟ بناءً على هذه النقاط، يبدو أنه قبل مناقشة حكم الضلال، يجب أولاً التوصل إلى استنتاج واضح حول أمثلة الضلال حتى يكون هناك مجال لمناقشة حكمه لاحقًا٠
هل كل كتاب يحتوي على معلومات خاطئة يُعدّ مُضلّلًا؟
الأحكام المبنية على مواضيع مضللة تدل على أن الضلال ليس محل شك. مثال ذلك: قولهم بإتلاف الكتب المضللة. ومن هنا يتبين أن هذه الكتب لا بد أن تكون مضللة للجميع، أي أنها لا بد أن تكون من أمور باطل شرعًا قطعًا. فمثلًا، لو جاء من قال في مسألة الحجاب الشرعي إن الحجاب ليس بواجب، فلا يمكن أن نقول إنه ضال؛ لأنه ليس كل أحد متفقًا على هذا؛ أما من أنكر إمامة أمير المؤمنين، أو الرسالة، أو الصلاة، فسيكون ذلك دليلًا على كتاب مضلل قطعًا٠
لكن هذا يبدو غير صحيح؛ لأن مجرد إنكار موضوع لا يسبب ضلالًا. أما إنكار موضوع مثل ولاية أمير المؤمنين، مع بيان سبب ذلك، فلا يسبب هذا الفعل وحده ضلالًا. ثانيًا: بالنظر إلى أنظمة المعلومات اليوم، هل يُمكن القضاء على المواد والكتب المضللة أساسًا؟ اليوم، اختلف نظام المعلومات، وليس في وسعنا منع نشر أي شيء. وكان الأمر كذلك في الماضي. حاليًا، جميع الكتب التي كُتبت منذ القرن الثاني فصاعدًا مُخالفةً للقرآن الكريم متوفرة ولم تُتلف. ما قيل عن أقوال الموحدين لم يُتلف قط، بل على الأقل ذُكر في الكتب الإسلامية ونوقش ودُرِس٠
الفرق بين الضلال في الكتب والضلال في الفن
يُضاف إلى ذلك أن الفن يختلف اختلافًا جوهريًا عن الكتب. أولًا، هذه الفنون السبعة لا ترتبط بالعقل البشري والعقلانية، بل بمشاعر الناس وعواطفهم. في الكتب، ترى الكلمات والكلام، وفي عقلك، يُؤدي ذلك إلى الخيال وإثبات المسألة؛ لكن الفن ليس كذلك. الفن مرتبط بمشاعرك وعواطفك. فعلى سبيل المثال، في الشؤون السياسية، إذا قال أحدهم شيئًا لتدمير مسؤول أو نشر صورةً لخطأ ذلك المسؤول، فأيهما أكثر فعالية؟ بالتأكيد الأخير٠
عندما نتحدث عن التضليل، فإننا في الواقع نتحدث عن الإيمان؛ أي أنه يُنشأ رابطٌ من القلب إلى القلب؛ أما في الفن، فلا يُنشأ رابطٌ من القلب إلى القلب. في الفن، قد تنشأ رغبةٌ في قضيةٍ ما، لكن لا يُنشأ إيمانٌ بها، ولا يترسّخ. نعم، قد يتحول الأمر إلى رأيٍ بسبب تكراره، لكن الفن نفسه لا يُنشئ رأيًا في المقام الأول؛ وخاصةً في بعض الفئات الفنية كالفكاهة أو الروايات، حيث لا تُوجد أحيانًا أي نوع من التوافق في فهم الموضوع أو إدراكه. فعلى سبيل المثال، في حالة الفيلم، قد يختلف رأي كل مشاهد عن رأي الآخر. يراه أحدهم جيدًا ويعتبره آخر سيئًا؛ لذلك، في رأيي، لا يُمكننا إطلاق لقب التضليل على الفن؛ لأنه مُستبعد موضوعيًا. هناك حالة واحدة فقط، وهي المواد الإباحية. لذلك في حالة المواد الإباحية، قد يكون هناك إجماع على أنها سيئة وغير صحيحة. بالطبع، في الغرب، توجد أيضًا بعض القيود على مشاهدة الموارد الإباحية، وحتى أشياء أخرى مثل الصور والأفلام التي تتضمن جرائم قتل أو عنف، سواء كانت قيودًا عمرية أو قيودًا على وقت البث. قد لا تكون بعض هذه الأشياء محرمة من حيث الضلال؛ ولكنها، على سبيل المثال، قد تكون غير صحيحة من حيث الإهانة والإذلال. على سبيل المثال، إذا عرض شخص ما تمثالًا لإحدى شخصياتنا عارية أو مغطاة فقط بأعضائها التناسلية، فلن يكون هذا مسألة تزوير، بل هو مثال على الإهانة٠
مواضيع التزوير الأربعة
للتزوير أربعة مواضيع: ١. أصل الفعل، ٢. الاحتفاظ به، ٣. البيع والشراء، ٤. وجوب إتلافه. في الماضي، عندما تحدث فقهائنا عن تزوير الكتب أو عن إتلاف أدوات الترفيه، عرضوا المسألة كمسألة شخصية، لا قضية اجتماعية؛ أي أنهم قالوا إنه ليس من حقه الاحتفاظ بها، بل عليه إتلافها، لكنهم لم يقولوا إن على الحكومة إتلافها أو على المجتمع إتلافه٠
تحدي الموسيقى والغناء
فيما يتعلق بمسألة الموسيقى والغناء، من المسائل الخطيرة عدم وضوح أبعادها بعد. فالأدلة كالتحريف والكذب والحديث ليست عامة، بل لها معنى محدد. فعلى سبيل المثال، لا يعني الكذب مجرد الكذب؛ فكثير مما نقوله باطل، ولكن هل هو محرم؟ قد تُقال هذه الكلمات أحيانًا على سبيل المزاح أو التحذير، كالمبالغة في الفن. فهذا في حين أن في القرن الرابع الميلادي من كان يقول إن الموسيقى تجلب السكينة والقرب من الله. فمثلا، في أربع أو خمس حالات، تحدثوا البعض عن فضائل الموسيقى؛ لكن فقهاءنا لم يطلعوا على هذه الكلمات إطلاقًا؛ بل اكتفوا بالنظر إلى الأدلة ونظروا إلى المسألة ككل. ما المانع من سماع الناس معنى روحيًا من خلال الموسيقى؟ لماذا لا نأخذ مسألة الترفيه على محمل الجد؟
تحدي غناء المرأة المنفرد
من المسائل المثيرة للجدل مسألة غناء المرأة المنفرد. فهذا في حين أنه ليس لدينا حقًا أي دليل على أن صوت المرأة جزء خاص؛ وبالتالي، فإن صوت المرأة ليس أمرًا محرمًا على الإطلاق. لدينا في القرآن الكريم ثلاث أو أربع آيات تتحدث عن كلام المرأة، من ابنة النبي شعيب إلى الأحاديث التي، على سبيل المثال، جاءت امرأة لتتحدث مع النبي أو مع أشخاص آخرين وسجل القرآن كلام هذه المرأة. لذا، فإن صوت المرأة في حد ذاته ليس عائقًا. حتى لو كان محرمًا، فلا فرق بين الرجل والمرأة. وأما في حياة النبي كانت هناك نساء يغنين في المعارك ويثيرن حماس الجيش؛ أو، على سبيل المثال، في عهد النبي، كانت هناك نساء كن مغنيات ولم يعترض النبي على ذلك. في رأيي، لم يكن لدى فقهائنا فكرة صحيحة عن فئة الغناء. يوجد في الغرب، لدى الدكتور سيد حسين نصر كتاب يصنف فيه الموسيقى. فيقول هناك في الغرب أيضًا نوعًا خاصًا من الموسيقى غير التقليدية، وهي موسيقى الجاز التي تتميز بطابعها المثير، لكن توجد أنواعًا أخرى من الموسيقى لا تشبهها. فباختصار، لا يمكن الجمع بين جميع أنواع الموسيقى٠
تحدي التعصب في تحديد الضلال
في هذا الصدد، أود أن أطرح نقطتين: أولًا، يعود تحديد الضلال من عدمه إلى الخبير. ثانيًا، أن العديد من الأحكام الصادرة اليوم في تحديد هذه الفئة تستند إلى نوع من التعصب. فعلى سبيل المثال، في الماضي، إذا خرجت شعرة من شعر المرأة، لقالوا إنها مضللة؛ أما الآن فليس الأمر كذلك؛ لذلك، برأيي، ينبغي أن يكون تحديد هذه المسائل من اختصاص الخبراء بناءً على البحث الميداني والعمل العلمي، لا بناءً على التعصب٠
حل الخلاف بين الفقهاء والفنانين
من النقاط التي يمكن أن تُقرّب العلاقة بين الفقه والفن بشكل كبير هو التفكير المنطقي. فاليوم، برزت فجوة كبيرة بين آراء الفنانين واعتراضات الفقهاء أو ممثليهم، مما جعلهم لا يفهمون ما يقوله هؤلاء، ولا يفهمون ما يقوله الآخرون. لكن إذا استندت النقاشات إلى المنطق، نشأت لغة مشتركة تُقنعهم. ويقتنع الناس بطبيعة الحال بخطأ هذا العمل عندما يرون أنه يُشجع على العنف، أو الإدمان، أو الكسل، أو البطالة، أو الخلافات والنزاعات العائلية٠