الندوة العلمية الحادية عشرة بعد المئتين لمجموعة الفقه الاجتماعي، الأخلاق والتربية في معهد دراسات الفقه المعاصر

الدكتور محمود تقي زاده داوري، رئيس معهد دراسات الشيعة، يستعرض في سلسلة الندوات المتخصصة لمجموعة الفقه الاجتماعي، الأسس والمكونات الأساسية للفقه الاجتماعي

عُقدت الندوة الحادية عشرة بعد المئتين لمعهد دراسات الفقه المعاصر يوم الإثنين 17 شهريور 1404، بمشاركة الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمود تقي زاده داوري، رئيس معهد دراسات الشيعة. وأُقيمت هذه الندوة بإدارة الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محسن العويري، عضو مجلس مجموعة الفقه الاجتماعي، الأخلاق والتربية، حيث تم تقديم مناقشات شاملة حول ماهية الفقه الاجتماعي وتمييزه عن باقي فروع الفقه.

بجهود مجموعة الفقه الاجتماعي، الأخلاق والتربية في معهد دراسات الفقه المعاصر، عُقدت الندوة العلمية الحادية عشرة بعد المئتين بعنوان «الفقه الاجتماعي (٢)»، يوم الإثنين ١٧ شهريور ١٤٠٤. أُقيمت هذه الجلسة المتخصصة بمشاركة الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمود تقي زاده داوري، رئيس معهد دراسات الشيعة، وبإدارة الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محسن العويري، عضو مجلس المجموعة.

في بداية الجلسة، قدّم أمين الجلسة الدكتور محسن العويري، عضو مجلس مجموعة الفقه الاجتماعي، الأخلاق والتربية في معهد دراسات الفقه المعاصر، التهاني بمناسبة مولد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وأسبوع الوحدة، وتخليد ذكرى شهداء الثورة الإسلامية، خاصة شهداء حادثة ١٧ شهريور ١٣٥٧. كما عبر عن شكره للحضور الحار للأستاذ الدكتور تقي زاده والمشاركين في الجلسة، سواء الحضور المباشر أو عبر الإنترنت.

أشار عضو مجلس مجموعة الفقه الاجتماعي، الأخلاق والتربية في معهد دراسات الفقه المعاصر إلى الموضوعات التي نوقشت في الجلسة السابقة، موضحًا أن الدكتور محمود تقي زاده داوري أكد في الجلسة الماضية أن الفقه الاجتماعي هو معرفة عابرة للتخصصات بين الفقه وعلم الاجتماع. وأضاف أن الفقه الاجتماعي يختلف عن علم اجتماع الفقه ولا ينبغي الخلط بينهما؛ فإذا كان أحد طرفي العلاقة هو علم اجتماع الفقه، فإن الطرف الآخر هو الفقه الاجتماعي.

كما ذكّر أمين الجلسة أن الفقه الاجتماعي يُعتبر فرعًا من اللاهوت الاجتماعي ويُعرف بستة مكونات رئيسية، مشابهة للرؤوس الثمانية. وموضوع الفقه الاجتماعي هو المجتمع المكلف، على عكس الفقه الفردي الذي يركز على الفرد المكلف. ثم نوقشت فلسفة المجتمع ككيان حي وديناميكي يمكن أن يكون له أحكام تكليفية، وتم استعراض وجهات النظر المختلفة حول حياة المجتمع أو عدمها.

أشار إلى أن سلسلة الندوات تهدف إلى الوصول إلى تعريف واضح وشامل لماهية الفقه الاجتماعي، وأن هذا الفرع من الفقه، مقارنة بفرعي الفقه التربوي والفقه الأخلاقي، لم يحظَ بالاهتمام الكافي حتى الآن، ويركز بشكل أساسي على فهم طبيعة هذا الفرع من الفقه.

في استمرار الندوة، أعرب الدكتور تقي زاده عن شكره للدكتور العويري على استعراض مجريات الجلسة السابقة، مؤكدًا أنه، مع مراجعة الموضوعات التي نوقشت سابقًا، سيعمل على تكميل توضيح مفهوم الفقه الاجتماعي، وقال: «لتوضيح دقيق لماهية الفقه الاجتماعي، أخذتُ في الاعتبار اثني عشر مكونًا، تم توضيح بعضها في الجلسات السابقة، والآن، مع التأمل في وجهات النظر الاجتماعية، خاصة نظريات ابن خلدون وغيدنز، أسعى إلى استكمالها».

وأضاف: على الرغم من أن مصطلح «الفقه الاجتماعي» لم يترسخ بعد بشكل كامل في الفضاء العلمي والفقهي، إلا أن توضيح هذا المجال وتطويره يمكن أن يؤدي إلى ازدهار فرع ناشئ وعملي في مجال علم الفقه؛ فقه يتعامل مع الوقائع الاجتماعية والاحتياجات الناشئة ويتجاوز الإطار التقليدي.

ثم طرح أسئلة أساسية حول ماهية الفقه الاجتماعي وقال: «إذا عرفنا الفقه التقليدي بأبوابه المعروفة مثل الطهارة، الصلاة، الحج، الزكاة، والاجتهاد والتقليد، فإن الفقه الاجتماعي ينبغي أن يُعتبر فقهًا يتناول قضايا المجتمع والمؤسسات الاجتماعية».

استند الحجة الإسلام والمسلمين تقي زاده داوري إلى نظرية ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، الذي قسم المؤسسات الاجتماعية إلى خمس مؤسسات رئيسية—الأسرة، المعيشة، الحكم، التعليم والتربية، والديانة—، مؤكدًا أن الفقه الاجتماعي يهتم بأحكام وقضايا هذه المؤسسات والمؤسسات الناشئة مثل الإعلام، التكنولوجيا، الفنون، والرياضة. هذه المؤسسات موجودة في جميع المجتمعات البشرية، سواء كانت بدائية أو متقدمة، وتتطلب تفقهًا واجتهادًا يتناسبان مع مقتضيات الزمان.

أكد رئيس معهد دراسات الشيعة أننا نواجه اليوم ظواهر مثل البيتكوين، البورصة، الخدمات المصرفية الحديثة، التقنيات الجديدة، الإعلام العالمي، والتحديات البيئية، والتي أُهملت من منظور الفقه التقليدي، ويجب أن يتناولها الفقه الاجتماعي. كما تم التطرق إلى تأثيرات العوامل البيئية والجغرافية على المجتمع وأهميتها في توضيح الفقه الاجتماعي.

واستمر بالإشارة إلى كتاب علم الاجتماع لغيدنز، مضيفًا: يتناول غيدنز في هذا الكتاب حوالي ثلاثة وعشرين قسمًا، يغطي موضوعات واسعة يمكن أن تكون أساسًا مناسبًا لتطوير الفقه الاجتماعي.

في القسمين الأولين، يتم تقديم تعريف علم الاجتماع والأسئلة الأساسية له. يخصص القسم الثالث للنظريات ووجهات النظر الاجتماعية المختلفة، بما في ذلك التوجهات اليسارية، اليمينية، الوظيفية، ونظريات التغيير والثبات.

من القسم الرابع فصاعدًا، تُطرح قضايا العولمة والتغيرات العالمية. يعرض غيدنز صورة رمزية لفتاة تبيتية تغسل الملابس وتشاهد التلفاز في نفس الوقت؛ وهو دليل على نفوذ الإعلام الجماهيري والعولمة. يرتبط هذا الموضوع بأسئلة فقهية حول نفوذ الإعلام، الحفلات الموسيقية، والمنتجات الثقافية العالمية في الحياة اليومية، بما في ذلك الدمى الشعبية «بوبو» في إيران، التي تحمل أبعادًا ثقافية واقتصادية وتتطلب دراسة فقهية.

تتناول الأقسام اللاحقة قضايا البيئة، مثل الاحتباس الحراري والجفاف، وارتباطها بالسياسات التعاونية الدولية ودور الفقيه في الاستجابة لهذه التحديات. كما تم استعراض موضوعات الحياة الحضرية في المدن الكبرى، علم الاجتماع الجزئي والتفاعل الاجتماعي، دورة حياة الإنسان، الأسر والعلاقات الحميمة. على سبيل المثال، في مجال الأسرة، تُعتبر قضايا مثل انخفاض معدل الولادة وصغر مساحات السكن تحديات يجب على الفقيه وعالم الاجتماع دراستها معًا.

تُعتبر الصحة، المرض، والإعاقة من الموضوعات المهمة الأخرى، حيث تثير زيادة عدد كبار السن وأمراض مثل التوحد قضايا فقهية جديدة، بما في ذلك الفتاوى حول وصف الأدوية المسكنة للألم أو الاعتبارات المتعلقة بولادة الأفراد ذوي الإعاقات العقلية.

تُعد الطبقات الاجتماعية، الفقر، والتفاوتات العالمية موضوعات ذات تأثيرات فقهية. على سبيل المثال، منع الأفراد ذوي الدخل المنخفض من دخول أحياء أو مجالس معينة، وتداعيات التعرفة التجارية في الاقتصاد العالمي، هي قضايا تتطلب نظرة فقهية.

تُعتبر قضايا الجندر والمسائل الجنسية، العرق، الإثنية، والهجرة من المجالات المثيرة للتحدي، حيث تُطرح قضايا تقدم النساء في الرياضة والحياة الاجتماعية، والمسائل المتعلقة بالأقليات.

يوسع قسم الدين والابتكارات المتعلقة به، بما في ذلك تحديات التكنولوجيا وتغيرات مناسك الحج، نطاق الفقه الاجتماعي. كما تُعتبر الإعلام الجماهيري، المنظمات والشبكات، التعليم والتربية، العمل والاقتصاد، الجريمة والانحراف، السياسة والحركات الاجتماعية، وأخيرًا الأمم، الحرب، والإرهاب من الموضوعات المهمة التي يجب على الفقيه الانتباه إليها.

قدم غيدنز إطارًا يمكن للفقيه من خلاله تصميم كتاب في مجال الفقه الاجتماعي. الأحكام الأولية للفقه لا تستجيب لتعقيدات القضايا الاجتماعية اليوم، ويجب إدارة القضايا من خلال الاستدلال بالأحكام الثانوية وتطبيق المصلحة. في هذا المجال، يكتسب الفهم العرفي والاجتهاد الاجتماعي أهمية خاصة.

في النهاية، يتناول الفقه الاجتماعي ليس فقط القضايا الفردية، بل أحكام المؤسسات، المنظمات، الجماعات، والعلاقات الاجتماعية. على سبيل المثال، في أوقات الأزمات مثل الزلازل، يتم فحص أداء المؤسسات مثل منظمة نقل الدم وتأمين المياه بدقة من منظور فقهي.

تُظهر هذه الدراسة الواسعة أن الفقه الاجتماعي هو مجال ناشئ وضروري يمكن أن يساعد، باستخدام علم الاجتماع، في الاستجابة للتحديات الجديدة في المجتمع.

في الختام، أشار الحجة الإسلام والمسلمين تقي زاده داوري إلى عدة نقاط رئيسية حول ماهية الفقه الاجتماعي، أهدافه، طرق الاستنباط الفقهي القائمة على المصالح العامة، والتناقضات بين أصالة الفرد وأصالة الجماعة، مؤكدًا أن الفقه الاجتماعي يجب أن يعمل بما يتجاوز الرؤى التقليدية ويتماشى مع تحولات المجتمع المعاصر.

في نهاية الجلسة، تناول رئيس معهد دراسات الشيعة الأسئلة المطروحة حول الحدود بين الفقه الاجتماعي والفقه الحكومي، وقال إنه على الرغم من تداخل هذين المجالين، فإن كل منهما يتطلب تعريفًا وأساليب خاصة به ليتمكن من الاستجابة بشكل صحيح لقضايا اليوم.

في ختام الندوة، أعرب الدكتور محسن العويري عن شكره للحجة الإسلام الدكتور محمود تقي زاده داوري، رئيس معهد دراسات الشيعة، كمكمل للنقاش ومراجع نهائي لوجهات النظر، وأشار إلى أن: «هذه الجلسة كانت محاولة لإدخال الفقه بشكل علمي وعيني في القضايا الواقعية والناشئة في المجتمع، وخطوة نحو تفعيل الفقه في المجالات التي إما تم تجاهلها حتى الآن أو لم تكن قابلة للحل بالفقه التقليدي».

اختُتمت الندوة بالإعلان عن الاستعداد لمواصلة النقاشات في الجلسات القادمة، بما في ذلك دراسة موضوعات الفقه الاجتماعي في مجالات المناخ، البيئة، والتقنيات الحديثة.

Source: External Source