دراسة تربية الأطفال الجنسية من منظور الفقه في جلسة معهد دراسات الفقه المعاصر

الجلسة الـ221 تهدف إلى توضيح الأبعاد النظرية والعملية للتربية الجنسية المبنية على الفقه الإسلامي

عقد معهد دراسات الفقه المعاصر، في إطار سلسلة جلسته المتخصصة، جلسة بحضور أساتذة بارزين في مجالات الفقه والعلوم التربوية، لدراسة موضوع حساس ومستحدث هو "تربية الأطفال الجنسية من منظور الفقه". سعت هذه الجلسة إلى الاعتماد على المبادئ الدينية والفقه الإسلامي لتلبية احتياجات المجتمع المعاصر في مجال التعليم والتربية الجنسية، وتقديم بدائل للوثائق التربوية الغربية.

إشارة: تناولت مجموعة الفقه الاجتماعي والأخلاق والتربية في معهد دراسات الفقه المعاصر، في جلسة علمية، موضوعًا جديدًا وحساسًا في التعليم والتربية الإسلامية بعنوان “تربية الأطفال الجنسية من منظور الفقه”. عرف الأساتذة في مجال الفقه والعلوم التربوية التربية الجنسية بأنها مجموعة مخططة من الإجراءات لتعريف المربين والأطفال بالمعايير الدينية وتعزيز الدوافع الداخلية، والتي ينبغي أن تُؤخذ بعين الاعتبار على ثلاثة مستويات فقهية: استنباط النظام التربوي من المصادر الدينية، الإجابة على المسائل الشرعية، والاستفادة من المناهج التربوية في الاجتهاد.

كما أُكد على أهمية التعرف على الهوية الجنسية، والعلاقات العاطفية، ومعايير الحياة الزوجية، وضرورة إنشاء شبكة بحثية متكاملة وتطوير التقنيات الاجتماعية الناعمة في هذا المجال، مع نقد النواقص الموجودة. تُعتبر هذه الجلسة نقطة انطلاق لتوسيع النقاشات حول التربية الجنسية المبنية على الفقه الإسلامي، والتي يمكن أن تكون بديلاً محليًا وفعّالًا للنماذج الغربية.

عقد معهد دراسات الفقه المعاصر الجلسة الـ٢٢١ من سلسلة جلسته المتخصصة في يوم الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥، حول موضوع مستحدث وحساس في مجال التعليم والتربية الإسلامية.

هذه الجلسة، التي عُقدت تحت عنوان “تربية الأطفال الجنسية من منظور الفقه” وبجهود مجموعة الفقه الاجتماعي والأخلاق والتربية في المعهد، تناولت الأبعاد النظرية والعملية للتربية الجنسية في إطار الفقه الإسلامي، وسعت لتلبية احتياجات المجتمع الإسلامي المعاصر في تصميم الأنظمة التربوية المبنية على المبادئ الدينية وبديلة للنماذج المستوردة.

في بداية الجلسة، رحب أمين الجلسة الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور حسن بوسليكي، الأستاذ المساعد في التربية الأخلاقية بمعهد العلوم والثقافة الإسلامية في قم، بالأساتذة والحضور، وأشار إلى أهمية موضوع التربية الجنسية في التعليم والتربية الإسلامية، معتبرًا إياها أحد المحاور الأساسية للسياسة الاجتماعية والدينية. وأشار إلى نهج الإسلام تجاه الموضوع الجنسي، مؤكدًا أنه ليس موضوعًا مهجورًا، بل يُعتبر من الموضوعات المهمة والحساسة.

عرّف الدكتور بوسليكي التربية الجنسية بأنها “مجموعة من الإجراءات المخططة لتعريف المتعلم بالمعايير الجنسية وتعزيز الدوافع الداخلية للالتزام بهذه المعايير”، واعتبرها أحد الأبعاد الأساسية والمستحدثة في التعليم والتربية الإسلامية التي تحتاج إلى توضيح فقهي دقيق. وشرح ثلاثة مستويات رئيسية لتوضيح التربية الجنسية من منظور الفقه:

  1. فقه التربية الجنسية بمعنى المعارف (التفقه بالمعنى الأعم): استنباط نظام التربية الجنسية الإسلامية من المصادر الدينية الأصيلة مثل القرآن والسنة وتعاليم أهل البيت (ع) وتصميم نظام تربوي كلي مبني على المبادئ الدينية.
  2. الفقه بمعنى الأحكام (الأحكام الخمسة): الإجابة الفقهية على المسائل والأسئلة المتعلقة بالتربية الجنسية وتحديد الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا المجال.
  3. الفقه التربوي بمعنى النهج التربوي في الاجتهاد الفقهي: نظرة تأخذ في الاعتبار الجوانب التربوية أثناء استنباط الأحكام، حتى في الأحكام غير المرتبطة مباشرة بالأمور الجنسية.

كان أحد المحاور الرئيسية للجلسة هو مكانة الفقه الإسلامي كبديل محلي وديني للوثائق التربوية الدولية مثل وثيقة ٢٠٣٠. وأكد أمين الجلسة أنه بينما تُشكل هذه الوثائق على أساس نظام قيمي سكولاري وغربي، فإن الفقه الإسلامي قادر على تصميم نماذج تربوية مبنية على القيم الإلهية والفطرية. لذا، فإن الأنشطة العلمية في مجال فقه التربية الجنسية تتجاوز الإجابة على احتياجات المجتمع المعاصر، بل تُعتبر جهدًا لبناء الحضارة وإعادة بناء النظام الاجتماعي الإسلامي.

في سياق الجلسة، قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور علي نقي فقيهي، الأستاذ المتفرغ في العلوم التربوية بجامعة قم، عرضًا. واستنادًا إلى حديث الإمام الكاظم (ع): «تفقه في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة وسبب إلى المنازل الرفيعة الجليلة في الدين والدنيا»، أكد على ضرورة التفقه في الدين وقال: «إن التفقه يؤدي إلى اكتساب بصيرة عميقة وشاملة ترتقي بالإنسان إلى مراتب الكمال».

وأشار إلى الآية «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، موضحًا أن الهدف من الخلق هو إقامة علاقة العبودية بين الإنسان وخالق الكون، مضيفًا: «الفقاهة ليست مقتصرة على الأحكام الظاهرية، بل تشمل كل ما يتعلق بالدين، وهي بطبيعتها ذات بعد تربوي».

عرّف الدكتور فقيهي التربية الجنسية بأنها مجموعة من الإجراءات المخططة لتعريف المتعلم بالمعايير الجنسية وتعزيز الدوافع الداخلية للالتزام بها، وأكد أنها «لا تقتصر على مسائل الشهوة الجنسية، بل تشمل جميع مراحل الهوية الجنسية للفرد من الطفولة إلى البلوغ وحتى بعد الزواج».

وأكد أستاذ العلوم التربوية بجامعة قم أن التربية الجنسية لا تقتصر على الموضوعات الحسية، بل تشمل التعرف على الهوية الجنسية، والعلاقات العاطفية، ومعايير الارتباط والحياة الزوجية. وأضاف: «يجب على كل مكلف أن يعرف موقعه وهويته الحقيقية كرجل أو امرأة، وأن يلتزم في علاقاته العاطفية بمعايير تؤدي إلى تشكيل حياة اجتماعية وروحية مثالية في سبيل التقرب إلى الله».

كما أكد الدكتور فقيهي على ضرورة مراعاة الأحكام والواجبات التربوية في جميع مراحل الحياة، من الطفولة إلى المراهقة والشباب، وبعد الزواج، وحتى في مجال الحكم الإسلامي.

وفي جزء آخر من حديثه، دافع عن مبادئ التربية الجنسية من المنظور الإسلامي وقال: «إن مبادئ التربية الجنسية، كغيرها من المبادئ التربوية، تستند إلى الفطرة والعقل والغريزة، ويجب استنباط المبادئ والتعليمات بناءً على حقائق الوجود البشري لتحديد المسار التربوي».

وأكد الحجة الإسلام والمسلمين فقيهي على دور العقل، مشيرًا إلى أن العقل لا يقتصر على البعد المعرفي، بل يشمل أيضًا الأبعاد العاطفية والسلوكية، ولا ينبغي حصره في المعرفة النظرية فقط. وأشار إلى حديث «جنود العقل والجهل»، مضيفًا: «العقل يمتلك صفات عاطفية مثل التعاطف، وفصل العقل عن العاطفة بالكامل أمر غير صحيح».

وفي الختام، اعتبر أستاذ العلوم التربوية بجامعة قم أن دور الفقه يتجاوز المجال الفردي والعائلي، وقال: «الفقه هو أساس تحديد واجبات الشباب على المستويات الفردية والاجتماعية وحتى في الحكم الإسلامي. في مواجهة الاستكبار العالمي، لا ينبغي الخضوع والطاعة العمياء، بل يجب توجيه جميع الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية للمجتمع نحو الأهداف العليا».

وأكد: «الفقه الشيعي هو علم شامل للسياسة وتدبير الحياة وتربية روح الإنسان، ولا ينبغي أن يقتصر على المباحث الفقهية التقليدية، بل يجب أن يشمل جميع الأبعاد الإنسانية».

وفي سياق الجلسة، قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد نقي موسوي، الأستاذ المساعد في مجموعة العلوم التربوية بجامعة الثقافة في قم، عرضًا عبر الإنترنت. وأثناء تقديمه لأحد مؤلفاته في هذا المجال، شرح آليات السياسة في مجال التربية الجنسية للأطفال، وتناول بمنظور استراتيجي ضرورة توضيح الخطوط العريضة للسياسات التربوية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

بدأ الدكتور موسوي حديثه بطرح سؤال استراتيجي: «هل إنشاء فقه تربوي، وبالأخص فقه التربية الجنسية، في عالم ابتعد عن الدين وفي فضاء حديث تأثر بالتصورات الإنسانوية وانهار أخلاقيًا في المجال الجنسي، هو عمل ضروري ومناسب؟»

وأشار الأستاذ المساعد في مجموعة العلوم التربوية بجامعة الثقافة في قم إلى فشل الأطر الدينية في إدارة الأخلاق الجنسية، سواء في العالم المسيحي أو في العالم الإسلامي، مضيفًا: «في مثل هذا الوضع، هل تركيز الحوزات العلمية على إنشاء فقه تربوي وأبحاث فقهية حول التربية، خاصة في المجال الجنسي، هو عمل عقلاني في مجال سياسة العلم وحكم المعرفة أم لا؟»

بحث الدكتور موسوي عن السبب الأول لضرورة التطرق إلى فقه التربية الجنسية في طبيعة الحضارة الحديثة. وفي رأيه: «تُشكلت الحضارة الحديثة بناءً على تصورات في علم النفس – خاصة مع سيطرة علم النفس الفرويدي والأغريشي – وفي مثل هذا السياق، يصبح الأمر الجنسي حتمًا أحد المكونات الرئيسية للتربية».

وأشار الحجة الإسلام والمسلمين موسوي إلى الوثائق الدولية، بما في ذلك وثيقة ٢٠٣٠، مؤكدًا أن التربية الجنسية تُتابع بجدية في الأنظمة التعليمية الحديثة، وهذا يدل على أن: «النظام التربوي الرسمي والمدرسي لا يمكن أن يتغافل عن موضوع التربية الجنسية».

يؤمن الأستاذ المساعد في مجموعة العلوم التربوية بجامعة الثقافة في قم أن التربية الإسلامية، سواء على المستوى النظري أو العملي، قادرة على تقديم آراء فعالة في مجال التربية الجنسية، بشرط تفعيل هذه القدرة. وأشار في هذا الصدد: «التربية الجنسية يمكن أن تكون نقطة تميز لنظرية التربية الإسلامية، وفي الوقت نفسه نقطة ضعفها. تميزًا لأن تقاليدنا لم تتغافل أبدًا عن الأمر الجنسي، بل تناولت حتى تفاصيله، وضعفًا لأننا لم نحول هذا الرصيد إلى نظريات». وأضاف: «إذا أردنا مقارنة نظرية التربية الإسلامية مع التربية الحديثة والسكولارية، ففي بعض المجالات مثل التربية العقلانية أو التربية الجنسية، لدينا نقاط تماس أكثر واحتمالية تميز أعلى».

وأشار الدكتور موسوي إلى أن: «الفقه الإسلامي يمتلك قدرات قانونية وتشريعية فريدة يمكن أن تساعد في العلم والعمل التربوي». واستشهد بأمثلة متعددة مثل النظرة الفقهية لمفاهيم مثل “الخنثى”، “الخنثى المشكل”، “تغيير الجنس”، وحتى “حق تغيير الجنس من بيت المال”، واستنتج: «هذه القدرات القانونية مفيدة في سياسة الأمر الجنسي وفي حكم التربية الجنسية والهوية الجنسية».

وأكد الحجة الإسلام والمسلمين موسوي، مشيرًا إلى نشأة علم نفس النمو في إطار علم النفس التجريبي، أن المصادر الدينية يمكن أن تكون مساعدة في هذا المجال. ومع وجود وفرة من الأحاديث حول المسائل الجنسية – من النكاح إلى العناية الجنسية والتعليم المتعلق بها – إذا تم إثبات حجية الوثيقة وقيمتها المعرفية، فإن الفقه التربوي، بآلية اجتهاده، يمكن أن يستخدمها في عملية التربية الجنسية.

كما أشار إلى إمكانية استنباط علم نفس النمو الجنسي من الأحاديث وقال: «يمكن، في إطارها، وصف مراحل النمو الأخلاقي والجنسي للطفل من المنظور الديني، دون فرض المصطلحات، وبناءً على استكشاف المعاني من النصوص».

كما أكد الدكتور موسوي على أهمية “دراسة المناهج الفقهية” وقال: «نوعية نظرة الفقه إلى الجنس والهوية الجنسية والمفاهيم المتعلقة بها يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة لفلسفة التربية الجنسية وفلسفة الهوية الجنسية، سواء من منظور الدلالات التقدمية أو الدلالات الرجعية، ويمكن استخدام هذه القدرة كـ”منصة لأبحاث فلسفية جديدة” لتطوير تيار العلم الديني في هذا المجال».

كان أحد الانتقادات الجادة التي وجهها الحجة الإسلام والمسلمين موسوي لتجربة الحكم في الجمهورية الإسلامية خلال الـ٤٠ عامًا الماضية هو غياب إنتاج “التقنيات الاجتماعية الناعمة” في مجال التربية الجنسية.

وأكد: «نحن نعاني من ضعف كبير في مجال البنى الاجتماعية والمناهج والهياكل والمنصات والبرمجيات الاجتماعية للتعليم الجنسي والتربية الجنسية-الجنسيتیة». وفي هذا السياق، طرح الدكتور موسوي مصطلح “شبكة الولاية العرضية التربوية” كنظرية جديدة تستند إلى الولاية الطولية والعرضية للوالدين والحاكم والعالم والناس، وتهدف إلى الإصلاح والحماية والتيسير في مجال التربية.

وفي الختام، أشار الأستاذ المساعد في مجموعة العلوم التربوية بجامعة الثقافة في قم إلى الجهود المبذولة في مجال فقه التربية الجنسية، بما في ذلك كتاب الأستاذ فقيهي القيم، وقال: «على الرغم من أن هذه الجهود جديرة بالتقدير، إلا أنها غير كافية. لم يكن لدينا شبكة بحثية. كان الباحثون جزرًا متفرقة وغير منسقة».

وأكد في النهاية على ضرورة إنشاء شبكة بحثية في مجال فقه التربية الجنسية، وقال: «هذه الجلسة وجلسات مشابهة يمكن أن تكون مقدمة لتشكيل جمعية علمية نشطة في هذا المجال، لأن بعض المجالات قد أُهملت وبعض الجهود كانت متكررة».

Source: External Source