الجلسة المتخصصة في فقه الأسرة بمركز دراسات الفقه المعاصر

دراسة فقهية وقانونية للتحديات الاقتصادية للأسرة وواجبات الحاكم الإسلامي في دعم الزوجين

عُقدت الجلسة العلمية الرابعة والعشرون بعد المئتين لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة تحت عنوان «دور الحاكمية تجاه الزوج العاجز عن دفع النفقة». في هذه الجلسة المتخصصة، التي أُقيمت بحضور أساتذة وباحثين في مجال فقه الأسرة بشكل حضوري وعبر الإنترنت، تمت مناقشة دور الحاكمية الإسلامية الداعم في مواجهة المشكلات المالية للزوجين.

إشارة: هدفت هذه الجلسة إلى دراسة مقارنة للآراء الفقهية والقانونية حول الدعم الاقتصادي للزوج الذي يعجز عن دفع النفقة لأسباب غير اختيارية، وتمت مناقشة موضوعات مثل وجوب الدعم الاقتصادي من الحاكم ومكانة الطلاق القضائي بشكل مفصل.

أُقيمت الجلسة العلمية الرابعة والعشرون بعد المئتين لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة في مركز دراسات الفقه المعاصر حول موضوع جديد ومثير للجدل في مجال فقه الأسرة. عُقدت الجلسة تحت عنوان «دور الحاكمية تجاه الزوج العاجز عن دفع النفقة» يوم الأحد ٦ مهرماه ١٤٠٤ هـ.ش (٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م) بشكل حضوري وعبر الإنترنت، بمشاركة واستقبال من أساتذة وباحثين في مجال الفقه، وبحضور نشط من أعضاء المجموعة العلمية لفقه المرأة والأسرة، بما في ذلك الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور حسين بستان والحجة الإسلام والمسلمين ساجدي أمين.

في بداية الجلسة، قدم الحجة الإسلام والمسلمين مهدي داودآبادي، أمين مركز دراسات الفقه الاجتماعي والثقافة والصحة، تعريفًا بأهداف وإطار سلسلة الجلسات العلمية لمجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة. وأشار إلى النهج المتخصص لهذه المجموعة في دراسة القضايا الناشئة في مجال فقه الأسرة، مؤكدًا أن هذه الجلسات توفر فرصة مناسبة لتبادل الآراء العلمية ودراسة مقارنة للآراء الفقهية والقانونية في المجالات المعاصرة.

ثم قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سعادتي نسب، عضو مجموعة فقه المرأة والأسرة المتخصص في المركز البحثي للمعهد العالي للفقه والعلوم الإسلامية، عرضه العلمي حول تحليل فقهي لدور الحاكمية في مواجهة ظاهرة «عجز الزوج اللاحق عن دفع النفقة».

وميز بين الحالات التي يعجز فيها الزوج عن دفع النفقة بسبب سوء اختيار أو بدون سوء اختيار، موضحًا أن تركيز الجلسة ينصب على الحالة الثانية، أي «بدون سوء اختيار». وأكد أنه إذا أصبح الزوج معسرًا بعد العقد، فما هي الواجبات التي يرسمها الفقه الإسلامي للحاكمية في هذا السياق، وهل دور الحاكم يقتصر على تنفيذ الطلاق القضائي أم يمكن أن يُعزى له دور داعم اقتصاديًا.

استعرض الدكتور سعادتي نسب آراء الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، موضحًا الآراء التي ترى الطلاق القضائي كحل فقهي في هذه الحالات. لكنه في تحليله، وباستخدام المصادر الفقهية، وآيات القرآن، والروايات، والأصول الفقهية، استدل على أن الحاكمية ليست فقط قادرة بل ملزمة بأداء دور داعم اقتصادي في مثل هذه الحالات.

استند الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سعادتي نسب إلى آيات الزكاة والخمس والفيء، وكذلك إلى مقاطع من رسالة مالك الأشتر، موضحًا بالتفصيل أن المصادر الدينية تعتبر الفقراء والمساكين والأشخاص غير القادرين على توفير معيشة الأسرة مشمولين بالدعم الاقتصادي من الحاكم الإسلامي. كما عزز هذا الرأي بروايات مثل رسالة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر، وصحيحة موسى بن بكر، مؤكدًا أنه إذا عجز الزوج عن كسب رزق حلال لأسرته، يكون دينه على عاتق الإمام (عليه السلام)، ويكون الحاكم ملزمًا بدفعه من بيت المال.

ومن النقاط المهمة في مناقشة الدكتور سعادتي نسب التفريق بين «العجز في حد ذاته» و«العجز بالإضافة إلى الغير». واعتبر عضو مجموعة فقه المرأة والأسرة المتخصص في المركز البحثي للمعهد العالي للفقه والعلوم الإسلامية هذا التفريق مفتاحًا لتحديد شمول الأدلة على الطلاق القضائي أو الدعم المالي من الحاكم، وأكد في النهاية أنه إذا كان عجز الزوج في إطار العجز في حد ذاته وكان هناك مجال للدعم الاقتصادي من الحاكم، فقد يصبح حكم الطلاق القضائي غير مطروح في تلك الحالة.

واستنادًا إلى كتاب «اقتصادنا» للشهيد الصدر، أوضح أن الحاكمية الإسلامية يمكن أن تتدخل في القضايا الاقتصادية لأفراد المجتمع بطريقتين: الأولى، من خلال «التكافل الاجتماعي» حيث يكون لجميع أفراد المجتمع مسؤولية تجاه بعضهم البعض، وتلعب الحاكمية دورًا إشرافيًا وداعمًا؛ والثانية، من خلال التدخل المباشر في توفير المعيشة للأفراد المحتاجين من خلال الموارد المتاحة. تظهر هاتان الطريقتان أن الحاكمية ليست فقط قادرة بل ملزمة بالتدخل لدعم الزوج العاجز عن دفع النفقة اقتصاديًا.

بعد عرض الدكتور سعادتي نسب، قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مجيد دهقان، عضو مجموعة فقه شؤون المرأة والأسرة في مركز دراسات الفقه المعاصر، وجهات نظر نقدية وتكميلية كمناقش علمي.

وأثنى على البنية العلمية والاجتهادية للعرض، مشيرًا إلى عمق واتساع رسالة الدكتور سعادتي نسب، وقال: «اطلعت على أصل الرسالة وأعلم أن المناقشة أوسع بكثير مما قُدم، وتناولت بالفعل أبعادًا فقهية وأصولية ورجالية مختلفة، لذا أود الخوض في مجالين مهمين: النقاط الفقهية ومسائل السياسة المتعلقة بالموضوع».

في القسم الفقهي، طرح الدكتور دهقان نقطتين بارزتين يعتبرهما محور النقاش:

النقطة الأولى تتعلق برواية صحيحة موسى بن بكر التي تناولت بالأخص موضوع الزوج العاجز عن الإنفاق. وأوضح أن هذه الرواية، على عكس الآيات والروايات الأخرى التي لها عمومية أو إطلاق، تتمتع بأهمية خاصة وتتطلب دراسة أكثر دقة.

النقطة الثانية تتعلق بمقارنة الأدلة الفقهية التي تثبت وجوب الدعم الاقتصادي للزوج العاجز من الحاكمية، وتلك التي تثبت وجوب الطلاق القضائي. وحلل الدكتور دهقان هاتين المجموعتين من الأدلة وقال: «لقد ذكرتم أن الأدلة عامة وخاصة من وجه، وأن هناك جمعًا عرفيًا في محل الاجتماع، وهذا الجمع العرفي يعني أن أدلة وجوب الدعم الاقتصادي، بناءً على عناية الشارع، تلغي موضوع أدلة وجوب الطلاق القضائي كليًا».

وأضاف: «الأدلة العامة التي قدمتموها تتحدث في الغالب عن جواز صرف الصدقات وما شابه، وليس وجوب إغناء الزوج العاجز عن الإنفاق، لذا فإن التعارض بين هذين الدليلين ليس قويًا بما فيه الكفاية».

ثم انتقل الدكتور دهقان إلى تحليل نص رواية موسى بن بكر، واستشهد بنصها المباشر:
«مَنْ طَلَبَ هَذَا الرِّزْقَ مِنْ حِلِّهِ لِيَعُودَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَ عِيَالِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ… فَإِنْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلْيَسْتَدِنْ عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ مَا يَقُوتُ بِهِ عِيَالَهُ، فَإِنْ مَاتَ كَانَ عَلَى الإِمَامِ قَضَاؤُهُ.»

وأوضح أن هذه الرواية تضع في المرحلة الأولى وجوب تمكين الزوج العاجز على عاتقه، وتؤكد أنه يجب عليه حتى أن يستدين لتوفير النفقة. وفقط في حالة وفاة الزوج الذي استدان، يكون دفع هذا الدين على عاتق الإمام، وليس التزامًا مباشرًا للحاكم بتمكين الزوج أو دعمه بشكل مطلق.

كما تحدث الدكتور دهقان حول استناد الرواية إلى عبارات مثل «الفقير، المسكين، والمغرم» لدعم الحاكم للزوج العاجز، وقال: «ربما لا يمكن القول بسهولة إنه بما أن الفقير والمسكين ذُكرا، فهناك التزام بدعم كامل. كون الشخص «مغرمًا» – أي مدينًا – هو الموضوع الرئيسي الذي يلزم الإمام بدفع الدين، وليس التزامًا مباشرًا بدعم النفقة الكامل للزوج».

وفي الجزء الأخير من كلامه، تناول الدكتور دهقان موضوع السياسة العامة، وأشار إلى نقاط تتعلق بتخصيص موارد بيت المال، وقال: «المسألة هي أنه إذا أرادت الحاكمية أن تدعم من بيت المال كواجب شرعي، فيجب أن تعرف مقدار وحجم هذا الدعم، وهل هو مجرد جواز الصرف أم أن هناك وجوب توفير دعم كامل؟ هذه النقطة حاسمة جدًا في السياسة العامة».

وفي الختام، أثنى الدكتور دهقان على الجهود البحثية لمقدم الجلسة، مؤكدًا أن الموضوع معقد ويتطلب توضيحًا ودراسات إضافية للوصول إلى استنتاج دقيق ومتين.

في قسم الأسئلة والأجوبة، أشار الحجة الإسلام والمسلمين ساجدي أمين أولاً إلى نقاط تمهيدية ورئيسية، وأكد أن موضوع الولاية ومكانة الفقيه الحاكم يجب تحليلها بدقة: «إذا كان الفقيه هو الحاكم، فإن الولاية تكون بمسار طولي، وليس بقية الفقهاء نوابًا عامين للإمام، بل جميعهم تحت ولاية الفقيه الحاكم». كما تناول تقسيم عجز الزوج إلى فئتين: «عجز قابل للرفع» و«عجز معتاد وغير قابل للرفع»، وسأل عما إذا كان هذا الاختلاف يؤثر على طريقة تعامل الحاكم أم لا.

واعتبر إحدى النقاط الرئيسية هي افتراض حماية الأسرة، وسأل: «هل يتم فعلاً تحقيق مصلحة الزوجة إذا تم الحفاظ على الحياة الزوجية، حتى لو كان ذلك على حساب تحمل الحاكم مسؤولية دفع النفقة؟ أم يجب أن يؤخذ في الاعتبار أيضًا إمكانية الطلاق القضائي وإنهاء الزواج؟» بعبارة أخرى، طرح مسألة التخيير، مضيفًا: «قد ترغب المرأة في اختيار مسار الطلاق القضائي، بدلاً من الاستمرار في الحياة الزوجية مع رجل عاجز».

في ختام الجلسة، شكر الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مهدي سعادتي نسب على الدقة والنقاط المطروحة، وقدم جمعًا عامًا، قائلاً: «مقارنة دقيقة بين أدلة الطلاق القضائي وأدلة الدعم الاقتصادي هي نقطة مهمة في مناقشتنا. عندما يتمكن الحاكم من توفير النفقة بشكل كافٍ، يمكن إعادة النظر في موضوع الطلاق القضائي، لكن لا يمكن بسهولة افتراض التخيير بين هذين الحلين».

في نهاية هذه الجلسة العلمية المتخصصة، أعرب الحجة الإسلام والمسلمين مهدي داودآبادي، أمين الجلسة، عن تقديره لحضور الأساتذة والمشاركين، وأعلن أن المناقشات المتخصصة حول هذا الموضوع ستستمر، وستُعقد جلسات لاحقة تركز على أبعاد أخرى للمسألة.

Source: External Source