وفقاً لموقع الإخبار الإعلامي لمركز دراسات الفقه المعاصر، أُقيمت الجلسة العلمية رقم مئتين وعشرين وثمانِ للمركز بعنوان «ماهية فقه الثقافة وأبعاده ونطاقه» بجهود مجموعة فقه الثقافة والفن والإعلام يوم الخميس ١٦ ربيع الثاني ١٤٤٧ هـ. في هذه الجلسة، قدم حجة الإسلام والمسلِمين محمد طباطبائي، عضو مجموعة فقه المجتمع والثقافة في المركز الفقهي لأئمة الأطهار (ع)، المواضيع، وحضر حجة الإسلام والمسلِمين الدكتور سيد محمد رضي آصف آگاه، عضو هيئة التدريس في مركز العلوم والثقافة الإسلامية، ك ناقد في الجلسة. تولى إدارة الجلسة حجة الإسلام والمسلِمين مهدي داود آبادي، سكرتير معهد فقه المجتمع والثقافة والصحة.
في بداية الجلسة، أشار حجة الإسلام والمسلِمين داود آبادي إلى أهداف المركز في إنتاج الأدب النظري في مجالات الفقه الناشئة، خاصة فقه الثقافة والفن والإعلام، وقال: «يبذل مركز دراسات الفقه المعاصر جهوداً لإنتاج الأدب النظري من خلال طرح قضايا فقهية ناشئة، خاصة في مجالات فقه الثقافة وفقه الفن وفقه الإعلام، من خلال عقد سلسلة من الجلسات العلمية حتى يتمكن الأساتذة والباحثون الفقهيون من تحليل ومناقشة هذه القضايا». وأكد، مشيراً إلى التحول والحيوية في الفقه الشيعي: «تم إنجاز آفاق جيدة في نظام الفقه الشيعي. النظرة الكلية والنظامية والشبكية إلى القضايا الفقهية أعدت الأرضية لفهم وتحليل القضايا الناشئة في المجالات المتخصصة». أضاف سكرتير معهد فقه المجتمع والثقافة والصحة أن اليوم، في إطار الفقه المعاصر، برزت فقهات متخصصة متعددة تتطلب توضيح الأسس وماهيتها ونطاقها.
في سياق الجلسة، بدأ حجة الإسلام والمسلِمين محمد طباطبائي عرضه بفحص تاريخي لتكون موضوع فقه الثقافة. أشار إلى التحولات الفكرية في عقد الثمانينيات وبداية تدريس درس خارج فقه الثقافة من قبل آية الله الأراكي في عام ١٣٨٩ هـ.ش، واعتبره نقطة تحول في نمو هذا المجال. أكد حجة الإسلام والمسلِمين طباطبائي، مع التأكيد على الخلفية المحتوائية لفقه الثقافة، أن هذا المجال يحتاج إلى إعادة تعريف هيكلي وأساسي للدخول الجاد في قضايا الثقافة اليومية.
عضو مجموعة فقه المجتمع والثقافة في المركز الفقهي لأئمة الأطهار (ع) في جزء من كلامه، قسم ثلاث فترات (الثورة الصناعية، والثورة الجنسية، والثورة الشبكية) مع تحليل التحولات الثقافية الغربية، وتناول ماهية فقه الثقافة وميزها عن الفقه الموضوعي بوضوح.
أكد حجة الإسلام والمسلِمين محمد طباطبائي أن الفقه الثقافي، خلافاً للفقه الموضوعي الذي يتعامل فقط مع مجموعة من الأحكام المتعلقة بمواضيع ثقافية خاصة، له نهج كلي ومنظم يبدأ بتحليل طبيعة الثقافة وأسسها الدينية ثم يتفاعل مع التراث الفقهي.
تناول الفرق بين النظرة السائلة والثابتة إلى الثقافة، ومع نقد النظرة السائلة قال: «إذا كانت نظرتنا الفقهية إلى الثقافة نظرة سائلة، فإن الثقافة لا تستطيع قبول الفقه أصلاً وستكون معادية للفقه، يجب الانتباه إلى أن الثقافة أمر اعتباري ويجب تعريفه بناءً على منطق الاعتباريات واستقراء عناصره الصورية والمادية».
عضو مجموعة فقه المجتمع والثقافة في المركز الفقهي لأئمة الأطهار (ع) ثم قدم إطاراً علمياً لفقه الثقافة. في هذا الإطار، يشمل أربعة أقسام رئيسية: معرفة الأمر الثقافي، وتصنيف الفقه الثقافي، والمنهجية، والأسس النظرية، وأخيراً المواضيع وقضايا الفقه الثقافي. ميز بين «فقه النظام الثقافي» و«فقه قضايا الثقافة» واعتبر هذا التقسيم ضرورياً لتصميم منظومة مترابطة من التدخلات الشرعية في الثقافة.
تناول في الاستمرار واحداً من أبرز مواضيع الجلسة، وهو مفهوم «المعروف والمنكر»، وقال: «المعروف والمنكر ليس فقط بمعنى الواجبات والمحرمات، بل في المجتمع الإسلامي بمعنى العرف المتشرع، حيث عندما يصبح واجب شائعاً بين المسلمين، يصبح ذلك الأمر معروفاً».
من المحاور الأخرى المؤكدة في العرض، موضوع التدخل في الثقافة من قبل الحكومة. أشار حجة الإسلام والمسلِمين محمد طباطبائي إلى الآراء العالمية المختلفة بشأن تدخل الدولة في مجال الثقافة، وأوضح أن تنقيح أساس هذا التدخل واجب فقهي يجب متابعته في الفقه الثقافي.
في الجزء الأخير من العرض، أشار إلى عشرة مجالات مهمة مترابطة للثقافة، والتي يجب، حسب قوله، أن تكون محل انتباه الفقه الثقافي. هذه المجالات هي: فقه الهوية الثقافية، فقه العلاقات الاجتماعية، فقه الإعلام والاتصالات الاجتماعية، فقه نمط الحياة واختيار الفراغ، فقه الثقافات الفرعية، فقه الاتصالات بين الثقافات، فقه الفن، فقه المنظمة والحكم الثقافي، فقه القضاء والحقوق الثقافية، وفقه الاقتصاد الثقافي.
حسب قوله، النظرة الموضوعية إلى فقه الثقافة لا تستطيع تغطية كل هذه المجالات، وفقط النهج الكلي والنهج الفقهي الثقافي قادر على توفير القدرات اللازمة للتحليل والتدخل والقيادة الثقافية.
نقود حجة الإسلام والمسلِمين الدكتور سيد محمد رضي آصف آگاه على عرض فقه الثقافة
في سياق الجلسة، قام حجة الإسلام والمسلِمين الدكتور سيد محمد رضي آصف آگاه، عضو هيئة التدريس في مركز العلوم والثقافة الإسلامية، كناقد بتحليل وفحص محتوى العرض. في بداية كلامه، مع شكر المنظِمين للجلسة والمقدِم، أشار إلى ثلاثة محاور رئيسية لنقوده:
أولاً، مع الإشارة إلى ماهية فقه الثقافة، أكد أن التعريف المقدم للثقافة يحتاج إلى إعادة نظر وإكمال. حسب اعتقاده، إلى جانب ثلاثة مكونات المقدمة من المقدِم (الاعتقاد، والقيمة، والسلوك)، يجب مراعاة ثلاثة عناصر رئيسية أخرى: الرمز، والمعيار، والتكنولوجيا.
عضو هيئة التدريس في مركز العلوم والثقافة الإسلامية، مع التأكيد على أن هذه العناصر تلعب دوراً بارزاً في التعاريف المتأخرة للثقافة خاصة في مجالات الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا، أضاف: في حال مراعاة هذه العناصر، سيكون نطاق فقه الثقافة أوسع، ويمكن تعريف مجالات مثل فقه الإعلام وفقه الفضاء الافتراضي وفقه التكنولوجيا ذيلها.
المحور الثاني لنقده كان مخصصاً لتحديد الحدود بين الفقهات الناشئة. مع الإشارة إلى بعض التداخلات بين فقه الثقافة وفقه المجتمع وفقه الأخلاق وفقه السياسة، أكد على ضرورة التفريق الواضح بين هذه الفروع. حسب قوله، أحد الأضرار الحالية هو الخلط بين المجالات؛ بحيث أن قضايا مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يمكن طرحها أكثر في مجال فقه الحكم أو فقه الأخلاق، لا يجب وضعها مباشرة ذيل فقه الثقافة، إلا إذا تم تبني نهج تكاملي مع توضيح دقيق.
النقد الثالث يتعلق بانعدام معيار واضح في تصنيف هيكل فقه الثقافة. طرح آصف آگاه سؤالاً: «ما هو معيار تقسيم فقه الثقافة؟»، وطلب من المقدِم التعبير صراحة عن أساس تصنيفه. مع الإشارة إلى تقسيمات فقهية مختلفة عبر التاريخ، بما في ذلك التصنيفات المبنية على علاقة الإنسان بالله، وبه، وبالآخرين، وبالطبيعة، أضاف: بدون تحديد مؤشر واضح للتفريق، لا يمكن تقييم الهيكل المقترح. كما أشار إلى تقسيم الفقه الثقافي إلى «فقه النظام الثقافي» و«فقه قضايا الثقافة» من قبل المقدِم، وسأل ما إذا كان هذا التقسيم بناءً على المكلفين (شخص طبيعي وأخلاقي) أو بناءً على نوع المواضيع. انتقد غياب الشفافية في تمييز هذين المجالين وأكد أن بدون توضيح دقيق، قد يؤدي هذا التقسيم إلى غموض وتداخل.
طالب حجة الإسلام والمسلِمين الدكتور سيد محمد رضي آصف آگاه بتوضيح دقيق لمجالات الثقافة المشار إليها في فقه قضايا الثقافة. عضو هيئة التدريس في مركز العلوم والثقافة الإسلامية نقد المواضيع المقدمة في مجال فقه الثقافة. مع الإشارة إلى التعريف المقدم للثقافة، أكد أنه إلى جانب مكونات مثل الاعتقاد والقيمة والسلوك، يجب مراعاة عناصر مهمة مثل الرمز والمعيار والتكنولوجيا حتى يتوسع نطاق فقه الثقافة ويتم تعريف مجالات مثل فقه الإعلام والفضاء الافتراضي فيه.
كما أكد على ضرورة وضع حدود واضحة بين فقه الثقافة وفقهات ناشئة أخرى مثل فقه المجتمع والأخلاق والسياسة، وحذر من أن الفوضى في هذه المجالات قد تؤدي إلى الارتباك المفاهيمي. استمر آصف آگاه مع انتقاد غياب معيار واضح في تصنيف فقه الثقافة، وطالب بتوضيح أساس التقسيمات المطروحة في العرض.
أشار الدكتور آصف آگاه إلى التمييز بين «فقه النظام الثقافي» و«فقه قضايا الثقافة»، واعتبر هذا الارتباط مشابهًا لعلاقة النظرية والتطبيق، وأوضح: «فقه الثقافة مثل فقه النظام أو فقه الحكم، إطار مفاهيمي يمكن أن يعيد ترتيب الهياكل الفقهية الحالية؛ لكن هذا النهج يجب أن يُوضَع في موقعه بناءً على نظريات مترابطة ومنهجية دقيقة».
عضو هيئة التدريس في مركز العلوم والثقافة الإسلامية في الختام، مع التأكيد على ضرورة التفريق بين الأحكام الأخلاقية والأحكام الثقافية، فحص مفهوم «المعروف والمنكر» وقال: «المراد بالمعروف ليس فقط الأمر الطيب في نظر الفرد أو المجتمع، بل هو ما عُرِف في العرف المتشرع كواجب أو مستحب شرعي وأُسِس في المجتمع الإسلامي».
مع التأكيد على ضرورة «النظرة النهجية» في الفقه المعاصر، قال: يجب رؤية فقه الثقافة كنهج شامل يعيد قراءة جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات في ضوء الثقافة، لا أن يقتصر على مواضيع خاصة. حسب قوله، كما أن فقه الحكم أو فقه التربية لديهما نظرة طبقية إلى الفقه، يجب إعادة تعريف فقه الثقافة أيضاً من هذا المنظور.
في التلخيص لهذا القسم، أعلن حجة الإسلام والمسلِمين آصف آگاه أن فقه الثقافة يجب فهمه ليس فقط كفرع موضوعي، بل كنَهْج كلي بين الفقهات المعاصرة. أضاف: «فقه الثقافة مثل فقه النظام أو فقه الحكم، إطار مفاهيمي يمكن أن يعيد ترتيب الهياكل الفقهية الحالية. لكن هذا النهج لا معنى له في الفراغ؛ بل يجب أن يُوضَع في هيكل الفقه الكلي بناءً على نظريات فقهية مترابطة ومعتمداً على منهجية دقيقة».
أظهرت المواضيع المطروحة في هذه الجلسة أن فقه الثقافة ليس فرعاً موضوعياً فحسب، بل نهج شامل يمكن أن يعيد قراءة أبواب فقهية مختلفة من منظور ثقافي. التركيز على النظرية النظامية، والتمييز الدقيق مع فروع فقهية أخرى، والانتباه إلى العرف المتشرع كأساس لـ«المعروف والمنكر» كانت من النقاط البارزة في هذا النقاش. مع النظر إلى تعقيد قضايا الثقافة المعاصرة، تعتبر مثل هذه الجلسات خطوة أساسية لتطوير الفقهات المتخصصة والرد على احتياجات الثقافة في المجتمع الإسلامي.

