يعتبر حجة الإسلام والمسلمين السيد علي الحسيني النيشابوري من الذين بذلوا أكبر الجهود في تأسيس فقه البيئة. هذا الأستاذ المشارك في جامعة الإمام الصادق عليه السلام يعمل في مجال فقه البيئة منذ ما يقارب العشرين عاماً. وله العديد من المقالات والكتب في هذا المجال وهو أحد مؤسسي الموسوعة الإسلامية تحت عنوان “الزراعة والموارد الطبيعية والبيئة”. وتحدثنا معه، الذي له تاريخ في التدريس والبحث وعقد اللقاءات والمؤتمرات في هذا المجال، حول أسس وفرضيات الفقه البيئي. وهو يعتقد أنه لا ينبغي التسرع في إنشاء إطار قانوني للبيئة ويجب على المرء أن يقرأ ويتعلم المزيد. وتفاصيل الحوار الحصري لشبكة الاجتهاد مع هذا الأستاذ والباحث في فقه البيئة كما يلي؛
ارجو من سماحتكم شرح معنى الفقه البيئي وأبعاده ونطاقه بالتفصيل٠
الحسيني: من المواضيع الفقهية المهمة في تاريخ الفقه هو تصنيف أبواب الفقه، ولكننا نرى أن هذا التصنيف شهد دائما تحولا وتغيير واسع النطاق. والآن حان وقت استكمال التصنيف السابق حسب ظروف عصرنا هذا٠
من هذه المجالات التي يجدر ذكرها كجزء مهم من الفقه هو الفقه البيئي، وذلك لسببين: أحدهما أن هذه المواضيع متأثرة بالمعنى الحقيقي. فعندما أسسنا مجلة ثقافة الجهاد بالفارسية قبل خمسة وعشرين عاما، كنا نعلم أن هذا الموضوع من الفقه البيئي سيصبح من المواضيع الساخنة والمهمة، وكتبنا مقالات حول هذا الموضوع في نفس الوقت. ولكن الآن أصبح من الواضح للجميع أن البيئة أصبحت أحد التحديات العالمية. وقد فهم آخرون، الخاصة والعامة، أنه يمكن أن نجعل البيئة وظروف الحياة على هذا الكوكب صعبة أو صعبة للغاية، وندمر أجزاء من هذه النعمة الإلهية الفريدة٠
السبب الثاني لأهمية هذه المواضيع هو أننا يجب أن نبحث عن حل لها. ومن الواضح حالياً أنه لا يمكن اقتراح للقوانين القائمة في العالم كحل، رغم أن بعض المسؤولين في المؤسسات الدولية أشاروا إليها بهذا الصدد أيضاً٠
لكن معنى الفقه البيئي هو ذلك الجزء من الفقه الذي تكون موضوعاته (العناوين والفروع) التي تتعلق بالبيئة. فبعض هذه المواضيع موجودة منذ فترة طويلة وبعضها لم تتم مناقشتها من قبل، ولكن يمكن استخلاصها من الأدلة. فكما طور فقهاؤنا الفقه على مر الزمن واستنتجوا مسائل جديدة وعرضوها على المؤمنين، كذلك الحال في الفقه البيئي٠
الاجتهاد: قبل أن ندخل في الفقه البيئي، ما هي المبادئ التي ينبغي مراعاتها والبناء عليها في هذا المجال؟
الحسيني: في البداية، يجب أن اذكر شيئاً كمقدمة. في الآونة الأخيرة، في مجال البيئة، تمت كتابة مقالات وأحاديث يقال انها غير ناضجة لأن المتكلم أو الكاتب قد قام بدراسات غير مكتملة في مجال البيئة، فإن هذه القضية تثير التساؤل حول إتقان آراء الخبراء في هذا المجال. ولذلك ينبغي لنا في هذا المجال أن نسارع إلى تعلم أساسيات هذا المجال من الفقه، ولا ينبغي أن نستعجل في إبداء الآراء والفتاوى٠
اما الفقه البيئي يحتاج إلى مجموعة من المبادئ العامة التي تحتاج إليها جميع مجالات الفقه، كما يحتاج إلى مبادئ محددة. وفي رأيي، بعد أن عرفنا أن هذه المسألة تحتاج إلى عمل جدي، ينبغي أن نتوسع في دراسة الآيات والأحاديث، ونكتب كتاب وسائل الشيعة الصغير يختص بفقه البيئة. قد يقال إن هذه الأمور واضحة، لكن عندما ندخل إلى ميدان العمل نرى أنه مجال واسع جداً يحتاج إلى عمل جاد٠
لو سمحتم، ما هي فرضيات الفقهاء في حل المسائل الفقهية البيئية؟
البروفيسور الحسيني: لم يهتم الفقهاء القدامى بالبيئة، لكنهم أثاروا قضايا تتعلق بالبيئة بطريقة مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، أثيرت بعض مسائل الفقه البيئي في كتب العلامة، وليس هناك فرض خاص في هذا المجال. ومن هذه الأسس صحة الآيات والأحاديث، وهي أهم الفرضيات. ولكن الأهم هو أن نعرف أن هذه الطبيعة لها خالق ومالك ورب يدير الأرض والسماوات باستمرار. ولم يتخل الخالق والمالك والرب عن هذه الطبيعة. وهو رب السماوات السبع والأرضين السبع، فينبغي أن نتصرف بصورة صحيحة على ما قاله الخالق في هذه الطبيعة. ولذلك فإن مالك الجبال والبحار والبحيرات والآبار والينابيع والقنوات وغيرها هو ذلك الرب العظيم. ولذلك، لا يجوز للانسان أن يكون له سيطرة مطلقة على هذه الطبيعة كما يريد. وهذه الأسس تتعارض مع أساس مبدأ البراءة. اما مشكلة الإنسان أنه يظن أنه مالك الطبيعة، حيث أن الطبيعة لها مالك ورب، وهذا هو ما يتفق عليه جميع الفقهاء الإسلاميين٠
هل يمكن نعتبرأصالة الإنسان وقيمته مقارنة بالحيوان والنبات من مسلمات الفقاء في قضايا البيئة؟
البروفيسور الحسيني: الجواب في رأيي سلبي. فانا لا اقول أن الإنسان ليس له أصالة، ولكن في مجال البيئة، ما يوجد المشاكل هو أن الإنسان لانه يعتقد أنه متفوق على غيره من المخلوقات، وهذه الفكرة وصلت إلى أعماق كيانه أنه يعتقد أن كل النباتات والحيوانات خلقت من اجله وهي ملكه، فيفعل فيها كيف يشاء. وهذه الحرية الجامحة والمعادية للثقافة القرآنية والعلوية والمحمدية هي التي تسببت في ظهور هذه المشاكل في مجال البيئة٠
هذا على الرغم من أن الله تعالى في القرآن والأئمة عليهم السلام يذكر بالتفصيل في الأحاديث أنك خلقت وولدت من الطبيعة، ونشأت وترعرعت في حضن الطبيعة. أنت تتنفس من هذه الطبيعة وهي التي تلبي احتياجاتك التي تقدمها إليك. إن الأرض والسماء والماء والتراب والحيوانات وبركات الله تعالى تحت تصرفك أيها الانسان، فلا يحق لك أن تتعامل مع الطبيعة كيفما شئت٠
إن إحدى أعظم نعم الله هي أنه وفّر الأساس لاستخدام الطبيعة للبشرية. وفن الفقه الإسلامي هو بيان حدود هذه الحيازة واستخدامها بشكل جيد ودقيق، لأن الذي أسس هذا الفقه يعرف الطبيعة والإنسان معرفة جيدة. وطبعا لا بد من الانتباه إلى هذه النقطة أنه نظرا لأن الإنسان أناني وله أنانية يتعامل معها ويعطي كل أصالة لنفسه، فإن أصالة وعظمة وجمال وكرامة عالية للحيوانات بما في ذلك الطيور وذوات الأربع والزواحف ولا يرى الماء٠
إن هذه النقطة أساسية جدًا. فعندما قالوا إن فتاة تدعى مهسى أميني قُتلت قبل فترة، فانظر كم تحدثت عنها وسائل الإعلام العالمية. كم عدد الكلمات والشعر والفن وما إلى ذلك التي أنتجوها. وما الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام الأمريكية حول هذا الأمر. إذا كان عمل شخصا في مجال الإعلام عملا، فهو يدرك أن هذا القدر من إنتاج المحتوى مذهل جدًا. لكن في السنتين الأخيرتين كم من الغابات اشتعلت فيها النيران في أمريكا وأستراليا وأوروبا وروسيا وأفريقيا. كانت لقطات حرائق الغابات الأسترالية صادمة للغاية. تؤثر الغابات على الغلاف الجوي لكوكب الارض بأكمله. فلماذا لا يعمل الإعلام على هذا الأمر شيئا؟ لأنهم أعرضوا عن الله وعن القرآن وعن أهل البيت عليهم السلام الذين هم الحجج الإلهية في الأرض٠
فهل يمكن اعتبار عدم حق الحياة للحيوانات والنباتات من مسلمات الفقهاء في قضايا البيئة؟
الأستاذ الحسيني: لا. هذا ليس صحيحا على الإطلاق. ومن نسب هذه الامر إلى الفقهاء فقد أعزهم شرفاً عظيماً. وقد تحدث الفقهاء في مجال الفقه، من الشيخ الصدوق والمفيد إلى الشهيد العظيم السيد محمد باقر الصدر، وجميع العظماء عن أحاديث جيدة جداً في هذا الصدد. وفي كتاب وسائل الشيعة قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اخذ به إلى العرش رأى امرأة مؤمنة في النار. فسال جبريل عليه السلام! لماذا هذه المرأة في الجحيم؟ فقال جبريل: “لهرة حسبتها ثم ماتت” فإن القطة التي حبستها هذه المرأة وماتت في تلك الحالة. هذه المرأة يجب أن تكون في الجحيم مع انها كانت مؤمنة٠
في بداية زواجي أتيت إلى قم. فعندها استأجرت منزلاً قديمًا. كانت هناك قطة في ذلك المنزل، وبعد ذلك كانت أطفال هذه القطة يضايقوننا كثيرًا. ذهبت إلى أستاذي آية الله العظمى الحاج الشيخ جواد التبريزي وسألته: هل يجوز لي ان اقتل هذه القطط؟ فاجاب قائلا: لا. قلت: نحن في ورطة كبيرة. فصرح سماحته: ضع القطط في كيس بعناية واتركها في الصحراء، و ليس من حقك أن تقتلها. فاذا قلنا بأن الفقهاء لا يهتمون بحقوق الحيوانات فهذا بهتان٠
لدينا رواية بأن النبي صلى الله عليه و آله رأى في المعراج امرأة شريرة كانت في الجنة. فسأل النبي عن السبب. فقالوا ان هذه المرأة سمعت صوت كلب يعوي في البئر. وكان هذا الكلب عطشانًا في بئر يابس، فبللت هذه المرأة ثيابها وأرسلتها إلى داخل البيت البئر ليروي عطش هذا الكلب٠
كتب المرحوم العلامة الجعفري مقالاً جميلاً عن الفقه البيئي، ثم كتب الأستاذ الشيخ أحمد عابدي مقالات عن حقوق الحيوان تُرجمت إلى اللغة الإيطالية، مما فاجأهم٠
وفي كتاب “شرح لمياء” وهو كتاب مدرسي في هذا المجال، يذكر عن النفقات، بعد نفقة الزوجة والآباء والأبناء والأقارب، ثم نفقة الحيوانات ثم نفقة النباتات. ويقول: يجب نفقة الحيوان حتى لا يموت٠
وقد أثيرت في الفقه مسائل تتعارض مع حقوق الحيوان، مثل خصاء الحيوان. فكيف يمكن تبرير مثل هذه الأحكام؟
البروفيسور حسيني: هناك نوعان من الحيوانات. بعض الحيوانات خلقتها وطبيعتها للاستخدام البشري. وفيما يتعلق بتربية هذه الحيوانات هناك بعض المسائل، لذلك فيما يتعلق بالطعام والشراب في كتاب اللمعة، تطرح مسائل مفصلة للغاية وهي أن الله تعالى لا يسمح للإنسان أن يقتل ويأكل أي حيوان شاء. كنت حذرا في هذا الخصوص. ولو أباح الله أكل الحيوانات المحرمة لانقرضت أجيال تلك الحيوانات٠
لكن تدرب بعض الحيوانات للاستخدام مثلا. وطبعاً لا أريد أن أقول أنه لا توجد فتاوى خاطئة في هذا المجال، لكن بشكل عام ما قاله الفقهاء ممتاز، لكنه غير كاف ويحتاج إلى نظام. نحتاج في الفقه البيئي إلى نظام لا يخالف فقهنا هذا النظام. و يقول البعض إن فقهنا لا يتحمل ذلك النظام، لكننا لا نعتقد ذلك٠
هذه المقالة جزء من ملف “مبادئ فقه البيئة والموارد الطبيعية” وسيتم إعدادها
ونشرها بالتعاون مع شبكة الاجتهاد٠