إذا كان بث مباراة مصارعة أو كرة قدم للرجال في وسائل الإعلام له فوائد تتوافق مع مهمة وسائل الإعلام، مثلاً يوجد إثارة في المجتمع، في أي حالة يمكن اعتباره نموذجاً للمساعدة على إثارة الشهوة خارج إطار الزواج ويعتبر محرماً؟
ملاحظة: حجة الإسلام والمسلمين باستاني مدرس في الحوزة العلمية في قم منذ سنوات عديدة، وتقام حالياً دورة خارج الفقه والاصول في هذه الحوزة. وهو مهتم منذ سنوات عديدة أيضاً بالقضايا المستجدة ويدرس ويبحث في هذه المجالات. وقد ناقشنا معه حكم بث أجساد الرجال العارية أو شبه العارية في وسائل الإعلام. وقد سبق له أن ناقش قضية الحجاب في دورته غير الفقهية. “وفقاً لهذا الأستاذ في الفقه والأصول في حوزة قم، لا يمكن إصدار الأحكام النافذة في مجال الستر بالاعتماد على الشهادات الدينية فقط، بل ينبغي بالإضافة إلى الشهادات الدينية الاهتمام أيضاً بمقاصد وحكمة الأحكام. وفيما يلي سرد مفصل لحوار خاص مع هذا الأستاذ المخضرم في حوزة قم، من وجهة نظركم٠
ما حكم ستر الجسد الواجب على الرجال؟
الأستاذ باستاني: قبل أن أجيب على هذا السؤال وأسئلتك اللاحقة، أرى من الضروري ذكر مقدمين؛
المقدمة الأولى: عندما ننطلق لاكتشاف الواجب الشرعي في مسألة ما، لا بد من اتخاذ عدة خطوات: الخطوة الأولى هي استخراج الصلاحية القانونية للعنوان الذاتي لذلك الفعل أو الألقاب المرتبطة بذلك العنوان – سواء الألقاب المساوية له أو الألقاب العامة التي تشمل عنواننا. فمثلاً عند الحديث عن حكم استشارة الطبيب غير المحرم فإنه ينبغي بالإضافة إلى عنوان (استشارة الطبيب غير المحرم) الذي هو عنوان الموضوع أن يوضح حكم استشارة الأجنبي، لأن علاج الطبيب عادة يكون مقروناً باستشارة للمريض٠
الخطوة الثانية هي دراسة الاعتمادات الشرعية على العناوين الأخرى التي تتعلق بالعنوان الأساسي المذكور والتي لها علاقة عامة وخاصة معقولة به -أي أنها ليست مرتبطة به بشكل دائم. فمثلاً عندما نتحدث عن حكم طاعة الوالدين، يجب أن نبحث أيضاً عن حكم إيذائهم وإهانتهم؛ لأنه كثيراً ما يحدث أن يتسبب ترك طاعة الوالدين في إيذاء أو يعتبر إهانة لهما. أو مثلاً إذا كنا نحاول اكتشاف حكم الغناء، فلا يمكننا تجاهل حكم الموسيقى، لأن مرافقة الموسيقى للغناء ليست أمراً غير متوقع. وبطبيعة الحال، فإن بعض هذه العناوين الفرعية، نادراً وأحياناً، تتوافق مع الموضوع الأساسي لمشكلتنا، والذي عادة ما يكون خارج نطاق قدرة الباحث على تناوله٠
المقدمة الثانية: الرأي السائد بين الفقهاء هو أن حكم الشريعة هو على وجه التحديد اعتبارات الشارع، وهي موجهة إلى الملزمين. وعلى النقيض من هذا الرأي هناك رأي آخر مهم يرى أن الاعتبار ليس عنصراً أساسياً في تكوين الحكم الشرعي، بل إن اكتشاف محبة الشارع وبغضه وإرادته وكرهه كافٍ أيضاً لإثبات حكم الشريعة، حتى لو لم يشرع اعتبار عليها. وبعبارة أوضح فإن تعاليم الشريعة قد بلغت إلى عباد الله الملزمين بصور مختلفة، ومن هذه الصور الاعتبارات الشرعية، ولكن لا ينبغي أن يجهل الإنسان بالإضافة إلى الاعتبارات، محبة الشارع وبغضه وإرادته وكرهه ونواياه وحكمته في اكتشافه للواجب الشرعي والفعل المرضي لله. والاعتبارات الدينية هي خطابات الشارع للملزمين، التي بلغت إلينا في صورة رسالة محددة، أو بلفظ ظاهر، أو من خلال دلالات عقلية. أما الحكمة فهي محبة الشارع المقدس وكرهه، والتي نفهمها فهماً صحيحاً. “وقد يرى الفقيه الذي يقول بهذا الرأي أن الحكمة التي عبرعنها كبار الشريعة وفي النصوص الشرعية وحدها كافية في الحكم، ومن ناحية أخرى لعله يرى بالإضافة إلى ذلك أن الحكمة التي يدركها العقل، وإن لم تكتشف من خلال النصوص الشرعية، كافية٠
رغم الخلاف في تفسير وتقييد الواجب بالحكمة، والذي ينبغي أن يُنظر إليه في محله، إلا أنني أرى أنه لا يمكن إنكار أن الملزم كما يرى نفسه مسؤولاً عن رسالة الشارع وكتابته، فهو مسؤول أيضاً عن محبة مولاه الأصيل الشارع المقدس وبغضه وإرادته. ووفقاً لهذا الرأي فإن الحكم يرسم نطاق الأحكام الشرعية في نطاق يتجاوز ما هو مستحق للملزم٠
“هناك فرق مهم بين الاعتبارات والحكم، وهو أن نطاق الاعتبارات يتوقف على سببه فقط، ويتحدد، إن صح التعبير، مستقلاً عن حكمة، أما نطاق الالتزام الناشئ عن الحكمة، فيتوقف أولاً على وجود الحكمة، وثانياً على عدم وجود مانع في الحالة التي يكون فيها الملزم. والفقهاء الذين يعتبرون الاعتبارات عنصراً أساسياً في تكوين الحكم الشرعي يعتبرون الحكم مجرد توصيات أخلاقية جيدة اتباعها؛ ولكنها لا يترتب عليها واجب فقهي٠
في نهاية هذا المقدمة، تجدر الإشارة إلى أنه من الصعب أحياناً التمييز بين الاعتبارات والحكم الإلهية. فمن الممكن أن يكون الأمر عند فقيه خاضعاً لدستور الشريعة، ولكنه عند فقيه آخر يعد حكمة. وتتبع هذه الأمور يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له هذا المقال٠
على كل حال، إذا كنا نعتقد بالرأي الأخير، فبالإضافة إلى الخطوتين اللتين تم اتخاذهما في المقدمة الأولى لمعرفة حكم الشارع، لا بد من اتخاذ خطوة أو خطوات أخرى. وهي محاولة اكتشاف الحكمة والمعايير التي تنطبق أحيانًا على الموضوع الذي ندرسه بطريقة ما. وسنقتدي بهذه الحالة ونطبقها على المسألة التي نحن بصددها – وهي ستر الرجال٠
الآن، بعد ذكر المقدمتين أعلاه، يمكننا الإجابة على السؤال الذي طرح على النحو التالي: يرى مشاهير الفقهاء أن المقدار الواجب على الرجل هو ستر عورته. ويبدو أن السبب الرئيسي لضرورة ستر العورة عندهم هو الآية الكريمة من سورة النور: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغْضُوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. وفي هذه الآية، فإن معنى حفظ العورة هو ستر العورة مع الحذر. “والدليل على أنه لا يلزم الرجل أكثر من ذلك هو أصل البراءة أيضاً، وهذا بيان وتقرير بسيط وابتدائي لما ورد في الرسائل الفقهية، ولكن لشرح هذه الفتوى لا بد من الاستعانه بما ذكر في المقدمة وقوله: من المتعارف عليه في كتب الفقه في موضع بيان الحكم في الموضوع أن يبحث الفقيه فقط عن الصحة المقررة في الشريعة، وخاصة الاسم الذاتي لذلك الموضوع أو ما يترتب على ذلك الاسم، أي أن الصحة فيما يتعلق بالأسماء الأخرى التي تتعلق بالموضوع بصفة عامة وخاصة لا ينظر إليها عادة في هذا الموضع، وهذه الخاصية موجودة أيضاً بدرجة أكبر أو أقل في الرسائل العملية٠
لعل وجود هذه المسألة في الرسائل العملية اليوم يمكن انتقاده، ولكن على الأقل في الوضع الحالي ينبغي لمن يرجع إلى الرسالة العملية التي يرجع إليها أن يعلم أنه ما لم يبحث أيضاً عن حكم الموضوعات ذات الصلة فإنه لا يستطيع أن يصل إلى الفتوى الكاملة للفقيه المرجع ويدرك واجبه في الموضوع تمام الفهم٠
باختصار، اقول إذا قيل في الرسائل العلمية والتطبيقية في الفقه أن ستر العورة واجب فهذا لا يعني أن ستر ما هو أكثر من ذلك أحياناً لا يجب في صورة مواضيع أخرى، وكذلك مبدأ الإعفاء من ستر ما وراء العورة، لأن معناه الحالي هو الإعفاء من حيث صحة عنوان الستر فقط ولا ينظر إلى حكم الموضوعات الأخرى التي قد ينطبق عليها الستر أحياناً. وعليه فإن الفتوى بوجوب ستر العورة، وتنفيذ البراءة بخلاف ذلك، لا تعني عدم إلزام الملزم بالالتفات إلى أسس شرعية أخرى ـ وكذلك إلى الحكمة الإلهية ـ تتعلق بهذه المسألة. بل من الممكن أن تنطبق عليه قاعدة الإعفاء من الإلزام فيما يتعلق بعنوان الستر، ولكن قد تجب عليه أحياناً أسماء أخرى. والأسماء الأخرى هي التي توجب على الملزم بالواجبات استناداً إلى الأساس الشرعي ـ وفي رأينا الحكمة الإلهية٠
هل فتوى كثير من الفقهاء، ومنهم المحقق الخوئي، الذين يرون أن تغطية العورة واجبة على الرجال فقط، وهي نافذة في مجتمعنا اليوم؟
الأستاذ باستاني: في الحديث عن وجوب تغطية الرجل للعورة أمام غير المحارم، نواجه عدة عناوين. أولها: “تغطية الرجل”، وهو العنوان الأصلي للمسألة. والعنوان الثاني: “حفظ حرمة المؤمن” في العلاقات الاجتماعية، وهو ما أعطي شرعية شرعية لضرورته في الشريعة الإسلامية. وبعض الستر في بعض البيئات يعتبر عدم احترام للمراقب المحترم. وقد يقال إن مراعاة الحد الأدنى من قواعد العرف الاجتماعي بشكل عام هو مثال على حفظ حرمة المجتمع، وفي بعض المواقف يمكن أن تتغير هذه حدود الدنيا٠
هناك أيضاً موضوع ثالث هنا يوجد خلاف حول حكمة أو صحة حكمه، وهو موضوع “إعانة الآخرين على المعصية”. ولعل الاعتماد على صحة الشريعة الأولية في موضوع الستر في بيئة معينة قد يؤدي إلى وقوع غيره في المعصية، فلضرورة تجنب إعانة الآخرين على المعصية، في بعض الأحوال على الأقل، ينبغي مراعاة المزيد من الستر. وهذا الموضوع مهم بشكل خاص عندما نعلم أن حكم مقدار الستر وحكم مقدار النظر ليسا واحدين؛ أي إذا اعتقدنا أن ستر ما هو أكثر من العورة ليس واجباً على الرجل، فهذا لا يعني أن الأجنبي يجوز له النظر إلى بدن الرجل غير العورتين٠
الموضوع الرابع الذي يبدو أنه من الحكمة، هو موضوع الحياء. فالحياء وطبيعة الستر عادة ما يرتبطان ببعضهما البعض، وبطبيعة الحال فإن متطلبات جودته تختلف أيضاً وفقاً للظروف. فقد لا يكون الستر مثالاً على عدم الحياء في بيئة، ولكنه قد يكون في بيئة أخرى. وفي مثل هذه البيئة يجب مراعاة الستر أكثر من إسناد صحة الستر إليه مباشرة٠
لعل هناك حجج وحكم أخرى في هذا الشأن يمكن أن نصل إليها بمزيد من التأمل، ولا يستبعد أن نعتبر قياساً على أولوية حكم المرأة أن تفاصيل وجه الرجل وكفنه خارجة عن ضرورة التغطية. والنتيجة التي توصلنا إليها هي أولاً: أن العورة يجب تغطيتها مطلقاً، وإن كان لابد أن ننظر إلى ما تقتضيه حجج وحكم أخرى بحسب الأحوال. وثانياً: أن نسب هذا الرأي إلى المرحوم آية الله الخوئي الذي يرى أن تغطية العورة هو الشرط الوحيد للرجل، نسب غير صحيح٠
اما بالنظر إلى فتاوى الفقهاء، ما هو حكم عرض أجساد الرجال العارية أو شبه العارية في وسائل الإعلام؟
الأستاذ باستاني: رداً على سؤال حكم عرض أجساد الرجال في وسائل التواصل الاجتماعي، من الجيد أن نتناول الموضوع في ثلاث مراحل؛
المرحلة الأولى: حكم النظر إلى الرجل الأجنبي، بعيداً عن الصورة أو الأداة الإعلامية. ويرى أغلب الفقهاء أن النظر إلى غير المحارم لا يصح إلا بالنظر إلى الصورة، ولكنهم مع ذلك يفرقون بين الصور الفاضحة وغيرها فيعتبرون الصور الفاضحة محرمة حرمة مطلقة، سواء كانت بقصد الشهوة، أو لإثارة الشهوة، أو مصحوبة بالربا أو غير مصحوبة به. ولعل سبب هذه الفتوى هو حقيقة التحريم المتعارف عليه للنظر إلى الصور الفاضحة، ولو كانت خارج الصورة، فيعتبرونها محرمة في الصور غير الفاضحة، وخاصة النظر بشهوة أو ربا، وكذلك النظر عمداً٠
أعتقد أن أحكام النظر تتغذى بثلاث حكم: الحكمة الأولى: تجنب الشهوة ومتابعاتها، والحكمة الثانية: احترام المؤمنة التي ينظر إليها، والحكمة الثالثة: الحياء. فاحترام المؤمنة والحياء كما يرتبطان مباشرة بالستر، يرتبطان عكسيا بالنظر إلى غير المحارم؛ أي عندما نريد احترام غيرنا لا ننظر إليه إلا بالقدر المعتاد؛ كما أننا عندما نتحلى بالحياء لا ننظر إلى غيرنا عمداً. وأعتقد أنه بناء على هذه الحكم الثلاث ينبغي أن نفكر في النظر إلى غير المحارم -سواء كان ذلك بنظرة حميمة أو من خلال الصور والوسائط- وحدوده٠
بعبارة أخرى، حتى لو سلمنا بأن صحة حرمة النظر إلى الأجنبي متوقفة على نظر القريب، من حيث اجتناب الشهوة وصيانة حرمة المؤمن والحياء، فإن النظر إلى الأجنبي عن طريق الصور لا يكون حراً. وحتى لو لم يثبت ذلك، فإن مجرد إثبات وجود الحكمة -أي الحب والبغض، وإرادة الشارع ونفوره- يكفي لفرض الواجب على من فرض عليه٠
لا بأس بالإشارة إلى أدلة هذه الحكم الثلاث في نظري، فقد بينت في البحث المفصل الذي دار في هذا الشأن، استناداً إلى أدلة عديدة، أن الآية الكريمة (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم… وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن…) تشير إلى حكمة الحياء في النظر إلى غير المحارم. “وأيضاً فإن دليلي في مسألة حرمة المؤمن مثل حديث “”لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر إلى شعورهن وأيديهن”” وأما مسألة إثارة الشهوة فإن حديث “”النظرة سهم من سهام ابليس مسموم من تركها لله لا لغيره اعقبه الله إيماناً يجد طعمه”” يكفي في إثباته. وهذه حكم تتعلق بالنظر إلى غير المحارم ولا تختص بنظر الرجل إلى المرأة كما ذكرت في المقدمة الثانية فالحكم تحكم مع الإثبات. وما قدمته هنا هو تحليل واضح لفتاوى الفقهاء، وهو ما يوضح واجب من يجب عليه ذلك بشكل أوضح٠
المرحلة الثانية هي حكم ستر الرجل خلف الصور والإعلام. فإذا علمنا مما تقدم في القسم الأول أنه يجب على المكلَّف ستر عورته مطلقاً وباقي بدنه أحياناً ـ حيثما وجدت الحكمة ـ عن غير المحارم، فهل هذا الحكم في حق عورة الناظر أم أن ستر الناظر يشمل الصورة أيضاً؟ يرى الفقهاء الأفاضل أن صحة حكم الستر تقتصر على الستر عن الناظر، ولا تنسب إليه الحكمة، وهذا كشف للحكم الشرعي عند الفقيه الذي لا يرى الصحة عنصراً أساسياً في تكوين الحكم الشرعي٠
المرحلة الثالثة هي حكم عرض جسد الرجل على وسائل الإعلام لغير المحارم، والفرق بين هذه المسألة والمسألة التي أثيرت في المرحلة السابقة أن المسألة هناك كانت إلى أي حد يجب على الإنسان أن يراعي ستر بدنه خلف الصورة، أما هنا فالمقصود صورة يعرضها صاحب الوسيلة على الملأ لأجساد الآخرين. والآن وقد تبين حكم النظر إلى الرجل الأجنبي من وراء الصورة، وحكم ستر الرجل الواجب من وراء الصورة، فيبدو أن حكم وسائل الإعلام المرئية قد اتضح، والعناوين الرئيسية في هذه القضية هي: “التعاون على الاثم”، و”الإعانة على الاثم”، و”إشاعة المعصية٠”
فإذا مثل ممثل في فيلم يمثل دورا ولم يلتزم بالستر الواجب، فقد اشتركت الوسيلة التي نشرته في الاشتراك في ارتكاب المعصية، كما ساهمت في إثم المشاهد الذي يشاهده. وإذا نشر فيلم أو صورة يظهر فيها شخص بغطاء محرم، ولكنه لم يقصد إظهار جسده للآخرين، فقد ارتكبت الوسيلة التي نشرتها إثماً من حيث نشر المعصية، وساعدت على ارتكاب المعصية من حيث النظر إلى المحرم الذي يحدث٠
أما موضوع إشاعة الفاحشة والتعاون على الإثم، فإن رأي الفقهاء واضح أنه بمثال (ولا تعاونوا على الإثم) و (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فإن هذين الموضوعين يعتبران محرمين شرعاً. ولكن كما ذكرنا فإن موضوع الإعانة على المعصية محل خلاف، فمنهم من يرى أنه داخل في باب التحريم، ومنهم من يرى أنه من الحكمة٠
هل هناك فرق في أحكام عرض أجساد الرجال بين العرض الحي وغير الحي؟ وإذا كان الجواب نعم فما سبب هذا الفرق؟
الأستاذ باستاني: يبدو أنه لا فرق بين البث الحي وغير الحي، لأنه لا فرق موضوعي بينهما، وكلاهما يكون محلاً لعناوين محرمة. الشرح: في مثال حكم التعاون على المعصية، عندما نتحدث عن وسائل الإعلام وجمهور وسائل الإعلام هو مجتمع إحصائي به أناس مختلفون في الأخلاق والعقائد وفي أحوال مختلفة، فكيف يمكن أن نميز حدود الحكم؟ عندما يكون الفعل معصية ومحرمة شرعاً، لأن حدوده تتوقف على حقيقة العنوان المذكور في الحجة، فلا يكون تطبيق الحكم على المثال صعباً؛ لأنه في موضع التطبيق يؤخذ بتطبيق العنوان. ولكن حيث تستمد قدسية الفعل من حكمة، لأن تطبيقه في موضع الامتثال هو وظيفة وجود الحكمة من جهة وعدم وجود المانع من جهة أخرى، فإن مهمة تطبيقه على مجتمع إحصائي صعبة، وخاصة في حالتنا حيث عادة ما يكون لوسائل الإعلام دوافع يمكن الدفاع عنها في بث صورة أو فيلم. والمشكلة هي أن الجمع بين ضرورة الوجود وعدم المانع يحدث في حالة شخص واحد وليس في حالة آخر؛ وأحيانًا يوجد في بعض الحالات وفي حالات أخرى لا. الآن، هل يجب على وسائل الإعلام أن تغلق عملها لمجرد توفر موضوع وشروط الحكم في حالة شخص واحد؟
دعني أضرب مثالاً: في حالة الأعضاء التناسلية التي يعتبر تغطيتها صحيحة، فإن الحكم في المسألة واضح. ولكن في حالات أخرى، إذا كانت صورة لجسم رجل مثيرة لشخص واحد ولكن الآلاف من الناس لا يتم تحفيزهم بتلك الصورة، فهل يحرم عرض الصورة في وسائل الإعلام؟ ما مقدار الفساد الذي يجب أن يكون بين الناس حتى يكون إظهار أجساد الرجال إعانة على المعصية ومحرماً؟ يبدو أن هذه المسألة تخضع لقواعد باب التزاحم٠
لأضرب لكم مثالاً أكثر واقعية. إذا كان عرض مباراة مصارعة أو كرة قدم للرجال في وسائل الإعلام له فوائد تتوافق مع مهمة وسائل الإعلام، ويسبب مثلاً إثارة في المجتمع، فكيف يمكن اعتباره مثالاً على المساعدة على إثارة شهوة الأجانب ومحرماً؟ هذه أكثر من أسئلة فقهية، فهي أسئلة موضوعية يبدو أن تحديدها من مسؤولية مجموعة من الخبراء في علم النفس الاجتماعي وعلماء الاجتماع وفلاسفة الأخلاق وعلماء الدين٠
هذه المذكرة جزء من المجلة الإلكترونية “مبادئ فقه الأداء”، والتي
تم إنتاجها بالتعاون مع مدرسة فقه الفنون وموقع شبكة الاجتهاد٠