عضو هيئة التدريس في جامعة مفيد

  • عضو هيئة التدريس في جامعة مفيد

الحجاب لا محل له من الصحة. يجوز النظر إلى الممثلات من غير حجاب. ولا فرق بين البث المباشر وغير المباشر في حكم تمثيل المرأة

من الواضح من بعض الروايات أن الحجاب أي تغطية الشعر للنساء ليس حكماً مطلقاً لكل النساء في الإسلام، بل إن عدة فئات من النساء معفاة من الحجاب، حسب نفس الروايات: نساء البادية، والإماء، والنساء اللاتي لم يعدن يرغبن في الزواج منهن بسبب سنهن، وعدم وجوب الحجاب على النساء حسب ما صرح في القرآن غير اولي الاربة ونساء الذمة. وبناءً على الروايات فإن هذه الفئة من النساء لا يجوز لهن ارتداء الحجاب؛ بينما لو كان حكم وجوب الحجاب عاماً لما أعفين٠

ملاحظة: الخلاف حول الحد الشرعي لحجاب المرأة قائم في الفقه الإسلامي منذ قرون، ولكن في السنوات الأخيرة ومع انتصار الثورة الإسلامية أضيف إليه خلاف آخر، وهو الحكم الفقهي في “إظهار” المرأة بدون حجاب أو بحجاب رديء في وسائل الإعلام. وفي العقود التي مرت منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان هذا الجدل يثار من وقت لآخر ومع الأحداث التي تحدث في المجتمع. وفي هذا الصدد، تحدثنا مع حجة الإسلام محمد تقي فاضل ميبدي، الذي كان من بين المفكرين الدينيين لسنوات عديدة، ويعتقد أن ما يهم في نظر المشرع هو العفة وليس الحجاب. تفاصيل هذا الحوار الحصري مع هذا الأستاذ الجامعي هو كما يلي؛

نظرًا لاختلاف آراء الفقهاء حول حدود الحجاب، من ضرورة تغطية الوجه واليدين إلى عدم وجوب تغطية الرأس والرقبة، فما هو الحد المطلوب لالتزام الحجاب في الفنون المسرحية برأيك؟

الأستاذ فاضل ميبدي: من القضايا التي كانت دائمًا مصدرًا للخلاف بين الفقهاء ولا يوجد رأي واحد فيها حتى الآن هي قضية الحجاب وملابس المرأة وحدودها وقيودها. والسبب في ذلك هو أنه ليس لدينا نص واضح من القرآن يبين حدود الحجاب في هذا الصدد؛ أي ليس لدينا سبب لوجوب حماية الشعر وحماية الرأس. بالطبع، القرآن يأمر بتغطية الرقاب؛ لأنه يناقش قضية الخمر والجلباب؛ ولكن هل يجب تغطية الرأس أو إلى أي حد يجب تغطيته أو تغطية الشعر وإلى أي حد يجب هذا الغطاء؟ هذا غير واضح وليس لدينا آية صراحة في القرآن بشأنه٠

في مصادرنا الروائية أحاديث كثيرة عن الحجاب، ولكن للأسف معظمها محل خلاف. والأحاديث الواضحة في هذه المسألة ليست واحدة وموحدة. لذلك ليس لدينا سبب قوي يمكن الاعتماد عليه دون خلاف٠

يتبين من بعض الروايات أن الحجاب أي تغطية شعر المرأة ليس حكماً مطلقاً لكل النساء في الإسلام، بل هناك فئات من النساء مستثناة من الحجاب، حسب الروايات نفسها: نساء البادية، والإماء، والنساء اللاتي لم يعدن راغبات في الزواج بسبب تقدمهن في السن، ولا يشترط الحجاب على غير اولي الاربة حسب ما صرح به القرآن ونساء الذمة. وبناءً على الروايات فإن هذه الفئة من النساء لا يجوز لهن ارتداء الحجاب، بينما لو كان حكم الحجاب الواجب عاماً لما استثنين٠

هناك مسألة أخرى وهي أنه إذا نظر أحد إلى المرأة بطريقة غير مباشرة، مثلاً من وراء مرآة أو صورة أو فيلم، فهناك خلاف بين الفقهاء. وقد قال البعض إن هذا النوع من النظر غير المباشر ليس مكروهاً، ولكن يرى آخرون أن النظر إلى أجساد النساء بشكل غير مباشر أشد حرمة من النظر إلى وجوههن وأكفانهن، كما سمعت أن فتوى المرحوم آية الله السيد الخوئي كانت أنه إذا نظر أحد إلى امرأة أجنبية بشكل غير مباشر فلا حرج، ولكن إذا كان هذا النظر المباح مصحوباً بالريبة والخوف من الفساد فالأمر مختلف، أي أنه لمنع الإنسان من الوقوع في الفساد يصبح النظر إلى المرأة الأجنبية محرماً ولو كانت محجبة٠

أما القضايا الفنية وعلاقتها بالحجاب فهي موضوع منفصل ومفصل؛ لأن الفن من الفئات المهمة في الثقافة الإنسانية وهو أيضاً يتقدم ويتغير يوماً بعد يوم، وباختصار أود أن أقول أنه لا حرج في النظر إلى الممثلات في الأفلام والمسلسلات؛ أي أنه ليس لدينا ما يمنعنا من ذلك إلا إذا كان مقروناً بالربا وخوف الفساد، فيكون محرماً، وقيل إن تحريمه موثق أيضاً لسبب منفصل وليس له علاقة بدليل الحجاب؛ وعليه فلا حرج في مشاهدة الأفلام الأجنبية التي تقوم بها الممثلات بدون الحجاب الشرعي والتي تبث على تلفزيون الجمهورية الإسلامية؛ لأنه ليس لدينا ما يمنعنا من ذلك إلا إذا أصبح المشاهد في ريبة او مفسدة من مشاهدتها، فيكون ذلك محرماً على ذلك المشاهد، ولكنه في المجمل ليس محرماً. وعليه، فأنا كمشاهد لا حرج في مشاهدة الأفلام والمسلسلات بدون حجاب بدون ريبة؛ ولكن هل تريد المرأة المسلمة أن تمثل في فيلم بدون حجاب فهذا أمر آخر٠

النتيجة هي أن ما يهم في الإسلام بشكل عام بالنسبة للمرأة والرجل هو العفة والطهارة. ومنع عدم ارتداء الحجاب هو أيضا منع للعفة؛ أي أن فلسفة الحجاب وثيقة الصلة بالعفة والنجاسة٠

بعبارة أخرى، من المؤكد أن الحجاب هو طريق الحق؛ أي أنه طريق إلى العفة والطهارة، ولكن لا يمكن الحكم على مدى أهميته أيضًا على وجه اليقين. فقبل ايام، أدلى آية الله نوري همداني بتصريح متناقض ودقيق، وهو: إن نساؤنا عفيفات حتى لو لم يرتدين الحجاب. هذا التصريح تصريح جيد جدًا. في القرآن، العفة هي المبدأ؛ “يحفظ فرجي وفرجتي” هو المعيار٠

إذا كنا في مجتمع حيث العفة والطهارة لا تعتمدان على تغطية الشعر، فإن النقاش ينشأ حول ما إذا كان الحجاب لا يزال إلزاميًا في مثل هذا المجتمع؟ “إن ما هو واضح لنا هو أن العيون يجب أن تكون خالية من النظرات النجسة والشهوانية، ويجب أن تكون العفة والطهارة مترسخة في المجتمع، ولكن إذا كان المجتمع لاينظر لعدم تغطية شعر المرأة نظرة نجسة ولا يقود المجتمع إلى الفجور، فلا نستطيع أن نقول بيقين أن تغطية شعر المرأة واجبة، لأن تغطية الشعر ليس واجبا دينياً، ولو كانت واجبا دينياً لما استثنيت منها فئات من النساء٠

ما حكم تصوير المرأة بدون حجاب في وسائل الإعلام؟ وهل ينطبق هذا الحكم أيضاً على تصوير المرأة بدون حجاب؟ وما هو السبب في ذلك؟

الأستاذ فاضل ميبدي: بالإضافة إلى الإجابة على السؤال السابق، فقد أصبح الجواب على هذا السؤال واضحاً إلى حد ما. إذا كان الفيلم يحمل رسالة أخلاقية أو نقداً ثقافياً واجتماعياً وليس إباحياً أو مبتذلاً، فلا حرج في عرضه في وسائل الإعلام العامة، كما يجوز للمشاهد والجمهور أن يشاهده دون تعصب. كما ذكرنا أن السبب في ذلك هو عدم وجود سبب للتحريم. ولكن إذا كان الفيلم منتهكاً للقيم والأعراف، وبدلا من أن يعبر عن مشاكل الفقر والطلاق وقضايا الأسرة والأطفال وآلاف القضايا الاجتماعية الأخرى، فإنه ينتهك حدود الأخلاق والقيم الاجتماعية، فإنه بطبيعة الحال يجد حكماً ثانوياً، ويمنع نشره وتوزيعه ومشاهدته٠

هل هناك فرق في الحكم بين أن يقوم ممثلون رجال بدور امرأة لا ترتدي الحجاب؟

فاضل ميبدي: الروايات التي وصلت إلينا تستعمل على نحو يحرم التشبه بالجنس الآخر وقد يحرم في بعض الأحيان. ولكن هذه المسألة لا تحل في مجال القضايا الفنية، أي لا يمكن أن يقال إن التشبه بالجنس الآخر في الأفلام والمسرحيات محرم أيضاً؛ لأن السبب الذي يحرم التشبه بالجنس الآخر في مجالات الحياة مفقود هنا. ولعله بسبب بعض المحظورات الدينية والأخلاقية يضع الرجل في دور المرأة حتى يتجنب تلك المحظورات. فما الخلل في هذا؟! بالطبع لا إشكال. وهذا يختلف عن الرجل الذي يخرج إلى الشارع بملابس ومظهر أنثوي، أو المرأة التي تخرج بوجه وملابس ذكورية؛ لأن مثل هذا الأمر غير مقبول أخلاقياً وعرفياً. ولكن في مجال الفن أصبح الحكم ثانوياً ولا علاقة له بحكم التشبه بالجنس الآخر٠

هل هناك فرق بين حكم عرض المرأة بالحجاب أو بدونه، والبث المباشر وغير المباشر؟

الأستاذ فاضل ميبدي: في مسألة العرض لا فرق بين البث المباشر وغير المباشر، فكلاهما غير مباشر وعن طريق وسائل الإعلام. نعم، إذا كان العرض مسرحياً حيث يشاهد الجمهور الممثلين مباشرة فإن ظهور الممثل بدون حجاب ونظر المشاهد إليه يكون حكمه حراماً. أما في السينما والتلفزيون حيث يشاهد الجمهور الفيلم من خلال موجات الإعلام حتى لو كان بث مباشر فلا إشكال إلا إذا كان القصد الريبوي، ففي هذه الحالة الأمر مختلف ولا علاقة له بما نحن فيه. طبعاً هناك اختلاف بين الفقهاء المعاصرين في هذا الشأن، فقد قال عدد من الفقهاء أن هناك فرقاً بين البث المباشر وغير المباشر، أي أن النظر إلى المرأة بدون حجاب في البث المباشر هو في الحقيقة كالنظر إلى نفس الشخص؛ ولكن يبدو أن هذا الرأي لا يمكن التأكيد عليه، ومن حيث المبدأ لا يمكن التمييز بين البث المباشر وغير المباشر٠

هذا الحوار جزء من المجلة الإلكترونية “أصول فقه المسرح”، والتي تم إنتاجها بالتعاون مع مدرسة فقه الفنون وموقع شبكة الاجتهاد٠