السيد جواد ورعي

كما تعلمون يقع على عاتق مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية وظيفتان: مراجعة قرارات البرلمان ومراقبة الانتخابات. وإذا كان أعضاء هذه المؤسسة القانونية، سواء كانوا من رجال الدين أو رجال القانون، يعتقدون أن الحكومة بشكل عام لها جانب إلهي، وأن الشعب ليس له الحق في تحديد مصيره، وأن الانتخابات لها جانب شكلي واحتفالي، فسوف يتفاعلون بشكل مختلف عندما يواجهون نقاشًا انتخابيًا وقد لا يكونون حساسين بما يكفي لحماية أصوات الشعب٠

ملحوظة: بقدر ما تعتبر الحقوق المدنية علمًا ناشئًا، فإن “فقه الحقوق المدنية” أحدث وأحدث منه بكثير. وقد أدى هذا إلى حقيقة مفادها أن البحث في هذا الفقه الناشئ لم يكن له تاريخ كبير. ولعل أحد الأشخاص الذين انخرطوا في البحث وإنتاج المحتوى في هذا المجال لسنوات عديدة هو السيد جواد ورعي. ولد سماحته في طهران عام 1963، وبعد حصوله على الدبلوم، حصل على درجة البكالوريوس في الفقه والدراسات الإسلامية من جامعة طهران أثناء دراسته في الحوزة العلمية. ثم في عام 1986، ذهب إلى مدينة قم واستفاد من الأساتذة مثل الآيات العظمى فاضل لنكراني، ووحيد خراساني، وموسوي أردبيلي، والسيد كاظم الحائري، والأهم من ذلك السيد موسى شبيري زنجاني. ومن بين جهوده في هذا المجال الف كتب مثل “حقوق وواجبات المواطن ورجال الدولة”، و”مقدمة في عموميات حقوق المواطنة”، و”حقوق المواطنة في الفكر الإسلامي”. وفي هذه المذكرة الشفوية، المأخوذة من لقاء علمي في معهد أبحاث الفقه المعاصر، يناقش التحديات التي تواجه البحث في فقه حقوق المواطنة٠ فاليكم مايلي؛

“إن التحديات الفقهية لحقوق المواطنة” تعتبر من القضايا المهمة، وذلك لأن “فقه حقوق المواطنة” هو في الأساس فقه ناشئ حديثاً؛ وإن كان الحديث عن “حقوق المواطنة” ذاتها له تاريخ طويل في العالم، وتاريخ طويل في التشريع أيضاً٠

إن دراسة هذه القضية من منظور فقهي هو حديث وجديد. وإن التحديات التي تواجه حقوق المواطنة هي مجموعة من الأسئلة التي تواجهنا فيما يتصل بـ”حقوق المواطنة”، من تعريفها إلى مكوناتها؛ هل هناك ما يسمى “حقوق المواطنة” معترف به في الفقه الإسلامي من حيث المبدأ أم لا؟ وهل “حقوق المواطنة” شيء مختلف عن المفاهيم المعروفة في فقهنا، مثل “أعضاء الأمة الإسلامية”؟ وهل علاقة المواطنين بالحكومة هي نفس علاقة الأمة بالحاكم؟ وهل نعتبر إرادة المواطنين لها دور في إدارة الحكومة وتحديد مصيرهم، أم أن واجبهم الطاعة فقط؟

تحديات فقه الحقوق المدنية

تتلخص تحديات فقه الحقوق المدنية في عدة أقسام؛

تحديات كلامية

القسم الأول: الأسس العقائدية التي يتبناها الفقيه قبل الدخول في الفقه. فكل فقيه يدخل في علم الفقه تكون لديه فرضيات سبقت مناقشتها في علوم أخرى. وفي علم الكلام يتبنى الفقيه هذه الأسس ثم يدخل في علم الفقه. والفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الموثوقة وهي الكتاب والسنة. فمثلاً اختلاف الفقهاء في مسألة الكرامة الذاتية أو المكتسبة للإنسان في علم الكلام يسبب اختلافهم في الفقه، وفي مرحلة لاحقة يسبب اختلافهم في مسألة “الحقوق المدنية٠”

أساس الشرعية الحكومية

الفئة الثانية: التحديات المتعلقة بأساس الشرعية الحكومية: هل نعتبر الحكم أمراً إلهياً ومصدر الشرعية الحكومية الوحي، أم نؤمن بالشرعية المزدوجة ونعتقد أن حق الحكم له أصل إلهي وشعبي، أم نؤمن بأن مصدر الشرعية الحكومية في عصر الغيبة هو الشعب المسلم؟

هناك آراء مختلفة حول هذا الموضوع بين المفكرين الإسلاميين. وما نستند إليه هنا مؤثر في مناقشة “حقوق المواطنة”. فعندما نأتي إلى هذه المناقشة، هناك آراء مختلفة حول ما إذا كان ينبغي لنا أن نمنح الناس “حق الحكم” و”حق تقرير المصير” و”حق مراقبة الحكام٠”

التمييز بين طبقات الناس

الفئة الثالثة: الاختلافات التي ندركها في الأحكام الفقهية بين طبقات المخالفين. فعندما يذهب الفقهاء إلى المصادر يواجهون الاختلافات. فمثلاً في أحكام القصاص هناك فرق بين المسلم وغير المسلم وبين الرجل والمرأة، وفي أحكام الميراث هناك فرق بين الرجل والمرأة، وعندما نأتي إلى حقوق المواطنة فإن هذه الاختلافات في الأحكام تمنعنا من قبول بعض هذه الحقوق٠

فمثلاً من حقوق المواطنة “حق الانتخاب”، وفي الفقه هناك اختلاف بين الفقهاء في ان هل شرط الولاية أو الحكم هو الرجولة والرجل، وهذا الاختلاف في الرأي يسبب اختلافاً في الرأي حول “حق الانتخاب” وهو من “حقوق المواطنة”، ولذلك فإن فتوى الفقيه في فروع الفقه قد تكون مؤثرة في قضية “حقوق المواطنة٠”

اختلاف التصورات لمفهوم حقوق المواطنة

الفئة الرابعة: إن اختلاف التصورات لدى علمائنا وفقهائنا حول “حقوق المواطنة” مؤثر في فتاواهم، وقد لا يكون هذا التحدي فقهياً تماماً؛ ولكن الأمر لا ينفصل عن آراء الفقهاء والآراء الفقهية، وعلاقته بالقضايا الفقهية، وليس بالأحكام. ففي الفئة السابقة كانت الفتاوى المختلفة مؤثرة في قضية “حقوق المواطنة”، أما في الفئة الرابعة فكانت آراء الفقهاء المختلفة في القضايا المتعلقة بحقوق المواطنة مؤثرة٠

على سبيل المثال، في قضية ما هو “حق السيادة” و”السيادة الوطنية”؟ إن التعريف الذي يحمله الفقيه لـ”السيادة الوطنية” مؤثر في الحكم الذي سيصدره٠

آراء الفقهاء في المناصب

الفئة الخامسة: آراء الفقهاء في المناصب؛ يوجد في البلاد اليوم مناصب يشغلها الفقهاء حسب الدستور، مثل نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور من الفقهاء. ويتولى مجلس صيانة الدستور وظيفتين: مراجعة موافقات البرلمان والإشراف على الانتخابات. وإذا كان من هم أعضاء هذه المؤسسة القانونية، سواء كانوا من رجال الفقه أو من رجال القانون، يعتقدون أن الحكومة إلهية بشكل عام، وأن الشعب ليس له الحق في تقرير مصيره، وأن الانتخابات شكلية واحتفالية، فإنهم سيتفاعلون بشكل مختلف عندما يواجهون نقاش الانتخابات وقد لا يكونون حساسين بما يكفي لحماية أصوات الشعب٠

هذه التحديات ليس لها بعد فقهي مباشر، لكنها في نظر الفقيه تمس “حقوق المواطنة٠”

هذا الحوار جزء من المجلة الإلكترونية “مبادئ الفقه وحقوق المواطنة”، والتي

تم إنتاجها بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد٠