في المقابلات أو الاجتماعات مع مسؤولي مركز التحليل الموضوعي، يتوقع كبار الفقهاء والمرجعيات أن يتم التحليل الموضوعي للأحكام بسرعة ودقة من قِبل هذا المركز. وبالطبع، من الضروري أيضًا أن يوضح الفقهاء هذه المسألة من حيث المنهجية، هل يقبلون نتائج التحليل الموضوعي لهذا المركز؟ وهل يعتبرون منهج المركز في استنباط المواضيع صحيحًا؟
يُعدّ حجة الإسلام والمسلمين، حجة الله بيات، أحد ركائز ومؤسسي مركز التحليل الموضوعي للأحكام منذ تأسيسه، ولا يزال فاعلًا في مختلف أقسامه حتى يومنا هذا. نحن تحدثنا مع رئيس مركز التحليل الموضوعي حول طبيعة وأهمية ومكانة التحليل الموضوعي للأحكام الفقهية. ويرى أن القول بأن الأحكام تُعبّر عن قضايا حقيقية لا يُغني عن التحليل الموضوعي. وفي هذه المقابلة، أجاب عن كيفية طرح الخبراء للقضايا، وعن أسئلة أخرى واجهت التحليل الموضوعي للأحكام الفقهية. وفيما يلي تفاصيل المقابلة الحصرية التي أجرتها مجلة “الفقه المعاصر” مع رئيس تحرير مجلة “التحليل الموضوعي للأحكام الفقهية” نصف الشهرية؛
الفقه المعاصر: ما هي أهمية الموضوع الفقهي؟
السيد بيات: عندما ننظر إلى القضايا والأحكام الفقهية التي تتضمن حكمًا فقهيًا، نجد أن هذه الأحكام تتكون من عنصرين على الأقل: الموضوع والحكم؛ أي عندما نقول إن الدم نجس، أو الماء طاهر، أو الربا محرم، فإن هذه المحرمات والنجاسة والطهارة التي تقررت فقهياً في الربا والدم والماء لا بد أن يكون لها موضوع خاص حتى ينطبق الحكم عليه؛ ولذلك فإن الغموض في الموضوع يُسبب غموضاً في الحكم. فإذا لم نعرف الموضوع ولم نعرفه، فكيف نستنبط الحكم وننفذه؟
فنحن بحاجة إلى الموضوع في موضعين: الفقيه في موضع استنباط الحكم، والمكلف في موضع التنفيذ؛ لأنه يجب عليه أن يفهم مفهوم ماهية الموضوع ومثاله في موضع الامتثال. ولذلك، فإن أهمية الموضوع أعظم بكثير وتسبق استنباط الحكم؛ لأن الحكم يتغير بتغير الموضوع، وبالتالي يتغير الحكم. وأيضاً، إذا كان الموضوع غامضا، أصبح الحكم غامضاً وغير محكم في جوهره٠
بالطبع، أثيرت البعض الشكوك بأن الفقيه، بصفته مصدر للفتوى، لا علاقة له بالموضوع أساسًا، بل يبني الحكم على قضايا حقيقية، وليس على قضايا خارجية تتطلب معرفة موضوعية. والجواب هو أنه أولاً وقبل كل شيء، لا يمكن للفقيه أن يكون خالي الذهن تمامًا من الموضوع ليصدر حكمًا. فعلى سبيل المثال، في حالة موارد الكحول، يجب أن يكون لديه فكرة موجزة عن الكحول وما إذا كانت الكحول سوداء أو بيضاء، صالحة للشرب أو مرئية أو متداولة أو … . بالإضافة إلى ذلك، فإن المعرفة الموضوعية في عصرنا لا تقتصر على الموضوعات المنصوصة عليها التي تم استخدامها في الآيات والروايات، ولكننا نواجه اليوم موضوعات جديدة لا يمكننا في الأساس استنتاج الحكم إلا إذا عرفناها؛ لأن الفقيه ليس لديه فكرة عن هذه الموضوعات؛ مثل العملات المشفرة، والفوركس، وبنك الحيوانات المنوية، وما إلى ذلك؛ وبالتالي، فإن المعرفة الموضوعية هي أساس الفقه، وكما قال المرشد الأعلى، فإن المعرفة الموضوعية تسبق استنتاج الحكم، والحكم تابع للموضوع؛ ولذلك اعتبر كبار الفقهاء الموضوع سببًا للحكم٠
الفقه المعاصر: بما أن الفقهاء ليسوا خبراء في جميع المواضيع، فكيف يتأكدون من صحة تحديد الموضوع؟
السيد بيات: لدينا نقاشٌ جادٌّ في الفقه تحت عنوان الرجوع إلى الخبراء والمتخصصين. فمن الطبيعي أن يكون الفقيه خبيرًا في موضوعٍ ما، إذ يستطيع إدراكه واستنباط حكمه وبيانه بناءً على إدراكه له؛ ولكن نظرًا لكثرة المواضيع الجديدة وتنوعها وتعقيدها، فمن الطبيعي ألا يكون الفقيه متخصصًا وخبيرًا بها جميعًا. وهنا يجب عليه توظيف خبرته ومعرفته في شرح المواضيع. ومن الطبيعي أن يستطيع الفقيه، بثقةٍ منه بمعرفته الخاصة بموضوعٍ ما، أن يكوّن فكرةً واضحةً عن أبعاده من خلال مناقشة الخبراء وشرحهم له، وأن يستنبط أحكامه وبيانها بناءً على ما اكتسبه من معرفةٍ عنه٠
هناك مسائلٌ متنوعةٌ وفنيةٌ للغاية، مثل من هو الخبير وما هي صفاته؟ ما هو أساس حجية رأي الخبير؟ ماذا يجب فعله في حال تعارض آراء الخبراء؟ وهنا يتجلى وجود مجمع ومركز يُمكّن الفقيه من الحصول على رأي موثوق في هذا الموضوع بشكل منهجي، مستفيدًا من أقصى طاقات الخبراء في المواضيع المتخصصة. ولذلك، يتوقع كبار الفقهاء ورجال التقليد، في مقابلاتهم أو اجتماعاتهم مع مسؤولي مركز الموضوع، أن يُحلل هذا المركز موضوع الأحكام بسرعة ودقة. وبالطبع، من الضروري أيضًا للفقهاء توضيح هذه المسألة من حيث المنهجية: هل يقبلون النتائج الموضوعية لهذا المركز؟ هل يعتبرون منهجه في اكتشاف المواضيع صحيحًا؟ وما إلى ذلك٠
الفقه المعاصر: يعتقد علماء العلوم المختلفة أنه ما لم يدرس المرء هذه العلوم بجدية، فلن يفهم مفاهيمها ومسائلها فهمًا صحيحًا. فهل يُمكن اعتبار مجرد “إلمام” الفقيه بموضوع ما دليلًا على تصوره له؟
السيد بيات: إذا سلمنا بأن الفقيه لا يملك الإمكانية والقدرة على التخصص في بعض المواضيع بعمق وشمولية، فمن الطبيعي أن يُغلق باب المعرفة، ولا يجد الفقيه أمامه خيارًا سوى الاعتماد على رأي الخبير. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن رأي الخبير لا يُنشئ لديه إلمامًا فحسب، بل يُتيح له فهم جوانب المواضيع، وخاصة المواضيع المتخصصة والمبتكرة، ليكتسب فكرة واضحة ومطمئنة عن الموضوع من خلال فهم تفسيرات الخبراء وآراءهم. فعلى سبيل المثال، عندما يواجه الفقيه موضوعًا متخصصًا مثل تحويل الجنس أو الفوركس، يصبح نوع شرح الخبير مهمًا. فإذا جاء خبير وشرح عملية وطبيعة الفوركس وتحويل الجنس بشكل غير كامل، فمن الطبيعي أن الفقيه لن يكتسب أكثر من “إلمام” بالموضوع، وسيُضعف أيضًا استنباط الحكم الفقهي. ولكن إذا وضّح الخبير للفقيه جوانب الموضوع بدقة بحيث يطمئن الفقيه نفسه إلى اكتشافه، فإن هذه المعرفة الموضوعية ستتجاوز مجرد “الإلمام” وسيحدث استنباط الحكم أيضًا بدقة أكبر٠
الفقه المعاصر: ما هو موقع المعرفة الموضوعية في العلوم الأخرى؟
السيد بيات: إن المعرفة الموضوعية موجودة في جميع العلوم؛ لأن كل علم يحتاج إلى معرفة موضوعية للوصول إلى نتيجة وإصدار حكم وتكوين بيان عنه. فيحتاج كل علم إلى معرفة موضوعية وفقًا لموضوعه وهدفه ورسالته. ففي الأساس، المعرفة الموضوعية بالمعنى العام موجودة في جميع العلوم وليست خاصة بعلم الفقه٠