إشارة
يمكن القول إن كتاب «نظرة إلى النظام الاقتصادي للإسلام» إلى جانب كتاب «مسألة الحجاب» هما من أكثر كتب الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري إثارة للجدل. اتهام الأستاذ الشهيد بقبول النظرية الاقتصادية الاشتراكية في هذا الكتاب طرح منذ سنوات في الأوساط العلمية، وأدى إلى نقاشات وتأييدات واعتراضات كثيرة. فيما يلي تقرير موجز عن هذا الكتاب الذي نُشر بعد استشهاد الأستاذ مطهري.
نظرة إلى النظام الاقتصادي للإسلام، الشهيد مرتضى مطهري، منشورات صدرا، ١٤٠٢ هـ.ش (٢٠٢٣ م)، ٢٤٢ صفحة.
هذا الكتاب عبارة عن ملاحظات من المفكر الشهيد الأستاذ مرتضى مطهري، نُشرت بعد استشهاده.
يتكون الكتاب من مقدمة وثمانية أقسام. تتألف المقدمة من جزأين: مقال بعنوان «نظرة إلى الاقتصاد الإسلامي» ومناقشة حول الاقتصاد السليم.
القسم الأول من الكتاب يتناول تعريف الاقتصاد والمفاهيم الاقتصادية. في القسم الثاني، يُبحث في الملكية من الناحية الفلسفية. يتناول القسمان الثالث والرابع مسألة القيمة والقيمة الزائدة. في القسم الخامس، تتم دراسة الرأسمالية والاشتراكية من وجهة نظر الإسلام. يتكون القسم السادس من رسائل اقتصادية تشمل ثلاث رسائل: ملكية الأرض من منظور الإسلام، الأنفال ومسألة الميراث، الاشتراكية. يتضمن القسم السابع ملاحظتين.
القسم الأول: الاقتصاد
يبدأ المؤلف بتعريف الاقتصاد، ثم ينتقل إلى تعريف وتفسير الإنتاج، ويوضح أنواع العلاقات بأمثلة. يشرح نوعين من العلاقات: العلاقات التكوينية والعلاقات التشريعية. ثم يتناول تأثير العلاقات الطبيعية والعلاقات التعاقدية على بعضها البعض. وفي سياق هذه المناقشات، يعرّف المبادلة، وقيمة النقود، ومراحل الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
القسم الثاني: الملكية
يعتبر المؤلف الملكية بمثابة المعارضة والمبادلة؛ أي الأولوية التي يمنحها الإنسان لنفسه تجاه أشياء معينة، إلى الحد الذي تقتصر فيه الملكية على الأشياء التي صنعها الإنسان بنفسه أو حصل عليها من الطبيعة.
تنقسم الملكية إلى نوعين: الملكية الفردية والملكية الجماعية. في الملكية الفردية، يكون الفرد وحده مالك الثروة، ولا يحق لأحد غيره التصرف فيها. أما الملكية الجماعية، فهي التي يملك فيها مجموعة من الأفراد أو الجميع ثروة بشكل مشترك ويستفيدون منها جميعاً.
القسمان الثالث والرابع: القيمة
من المسائل المهمة في الاقتصاد، سواء من الناحية النظرية والفنية أو من الناحية الأخلاقية، مسألة القيمة. ما هي القيمة وما هو العامل الذي يمنحها؟ القيمة هي الأرج، أي أن الإنسان يعطي أهمية لبعض الأشياء التي تكون نافعة ومفيدة له. وبالتالي، فإن القيمة الاقتصادية هي الأرج الموجود في مادة معاشية، أو الأرج المعاشي والنقدي الذي يُعطى لأمر مادي أو معنوي مثل التعليم أو أمر فني مثل الغناء. يطرح المؤلف في هذا المبحث آراء ويرد على الإشكالات المتعلقة بها، ثم يدرس القيمة من منظور فقهي.
القسم الخامس: الرأسمالية والاشتراكية من وجهة نظر الإسلام
في هذا القسم، تتم مناقشة الرأسمالية والاشتراكية من حيث انطباقهما أو عدم انطباقهما مع الإسلام. الرأسمالية في العالم اليوم ظاهرة جديدة وغير مسبوقة، ولا يتجاوز عمرها ثلاثة قرون. إنها ظاهرة اقتصادية واجتماعية جديدة نتجت عن تقدم وتطور التقنية الحديثة، ولهذا يجب دراستها بشكل مستقل. لقد ناقش الفقهاء المعاصرون مسائل مثل البنوك، الشيكات، السفتجات، والتأمين كمسائل مستحدثة، لكنهم لم ينتبهوا إلى أن الرأسمالية نفسها هي رأس القضايا المستحدثة. يعتقدون أن الرأسمالية أمر قديم وأن الشارع المقدس وضع لها معايير، بينما ليس الأمر كذلك، فالرأسمالية الحديثة ظاهرة مستقلة وغير مسبوقة.
القسم السادس: الرسائل الاقتصادية
الرسالة الأولى: الأنفال
يعتقد الشهيد مطهري أن هناك ثلاثة أنواع من الأراضي: أولاً، الأراضي التي يملكها أفراد ولا يحق للعموم ولا لولي الأمر التدخل فيها. ثانياً، الأراضي التي تعود لعموم المسلمين، ويتولى ولي الأمر إدارة خراجها وتقاسمتها وتنظيم تخصيصها أحياناً، مثل الأماكن العامة. ثالثاً، الأراضي التي لا تعود للأفراد ولا لعموم المسلمين، بل تكون ملكاً لولي الأمر، وإن كان هناك اختلاف بين فقهاء الشيعة والسنة في هذا الشأن.
الرسالة الثانية: الميراث
يعتقد المؤلف أن إحدى المسائل المطروحة في الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي مسألة الميراث. وبالتالي، فإن مناقشة ما يجب فعله تأخذ بالتأكيد طابعاً أخلاقياً، وفي بعض الحالات طابعاً اجتماعياً، كما يتم أخذ المصالح العليا للشريعة بعين الاعتبار من الناحية النظرية. الميراث من توابع الملكية الفردية؛ أي إذا رفضنا الملكية الفردية بالكلية، فإن مناقشة الميراث تصبح بلا موضوع. إن نفي الملكية الفردية يستلزم نفي الميراث، لكن قبول الملكية الفردية لا يستلزم بالضرورة قبول الميراث؛ لأنه من الممكن أن يقبل شخص الملكية من ناحية الأولوية الطبيعية بين العامل والعمل، ولا يعتبر سوى العمل سبباً للملكية، لكنه يرفض الميراث لقطعه العلاقة بين العمل والملكية. على سبيل المثال، الاشتراكيون لا يعارضون ملكية الأمور التي أنتجت بعمل شخصي، لكنهم غالباً يعارضون الميراث. يرفض الاشتراكيون أدلة مؤيدي الميراث، ويذكرون أدلة منفصلة على بطلانه، مثل قطع العلاقة بين العمل والملكية، وفساد الأخلاق، وبقاء الورثة عاطلين وباطلين. في الغرب، يتبع الميراث الوصية ويدخل في بابها، بينما في الإسلام، الميراث منفصل عن الوصية. الوصية حق المالك، والميراث حكم إلهي وفريضة خارجة عن تصرف المورث.
الرسالة الثالثة: الاشتراكية
يرى الأستاذ مطهري أن مناقشة الاشتراكية تتضمن سؤالاً عما إذا كانت بالضرورة نتاج الرأسمالية أم لا. كما يقول الشيوعيون، لا يمكن أن توجد الاشتراكية بدون الرأسمالية؛ لأنها نتاج نوع من العلاقات الاقتصادية التي لا يمكن أن توجد إلا بعد المرور بالإقطاعية والرأسمالية. يُفهم من هذه الجمل أن الشيوعيين يعتبرون تفسير التاريخ المادي مبدأً مسلّماً به، وإلا فإذا اعتبرنا للفكر أصالة، فما المانع أن يُطرح الاشتراكية في بداية التاريخ، ليس كرد فعل على الظلم، بل كومضة إرشادية للمجتمع، كما تتصرف سائر الكائنات الحية بإرشاد وبصيرة اختيارية دون جبر، بحيث يُقدَّم للمجتمع ويكون المقصود به العدالة بمفهومها الحقيقي.
القسم السابع: ملاحظة
يكتب الشهيد مطهري في إحدى الملاحظات: يجب أن نضع لعلم الاقتصاد مبادئ أولية لا تكون محل خلاف، وإلا فلن يكون لدينا علم موحد. يجب أن نأخذ معايير يعتبرها الناس في العالم مسلمات، مثل العدل والمساواة، والامتناع عن الاستغلال وما شابه. هذه المبادئ تُستخدم كثيراً من قبل الشيوعيين، بل إنهم يستندون إلى هذه المبادئ لإلغاء الملكية الخاصة بالنسبة لأدوات الإنتاج. يبدو أن مبدأ الامتناع عن الاستغلال هو من فروع مبدأ العدالة وأحد الحقوق الطبيعية والتكوينية. في رأينا، من الحقوق الطبيعية والتكوينية للإنسان التمتع بالعدالة ورد الاستغلال.