رئيس معهد الدراسات الفقهية المعاصرة، في حوار خاص مع المعهد:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/3

هناك قسم رابع من العناوين يصعب تطبيقها؛ بمعنى أن حدود وثغور العنوان معلومة، والقرائن والشواهد توضح تمامًا أن الحكم مترتب على أي عنوان أو موضوع. مثل «لهو الحديث» أو «قول الزور»؛ لكن المشكلة تكمن في تطبيقها، أو بسبب بعض الروايات التي وردت في ظل هذه الآية وطبّقتها على أمور أخرى، مما يجعل الأمر يواجه بعض الصعوبة. في هذه الحالات، تصبح المسألة متعددة الأوجه.

الحكم حول الموضوعات الفنية يتم دائمًا بمساعدة العناوين التي تترتب عليها. لكن عناوين الحرمة في فقه الفن لم تُناقش أبدًا بشكل مستقل وشامل. هذا الأمر تسبب في إجمال كبير في المعنى ونطاق ومدى استخدام هذه العناوين في فقه الفن. وفي هذا السياق، تحدثنا مع آية الله السيد مجتبى نورمفيدي، رئيس معهد الدراسات الفقهية المعاصرة. بالإضافة إلى سنوات طويلة من تدريس دروس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم، فإنه يولي اهتمامًا كبيرًا لفقه الفن، وهو ما يتضح من عضويته في مجلس أمناء المركز التخصصي للثقافة والفن الإسلامي، ومشاركته في المؤتمر الرابع لفقه الفن. يرى أستاذ درس خارج الحوزة العلمية بقم أن الأصل في الفن ليس فقط الإباحة، بل الاستحباب، وأن على العناوين الأخرى أن تواجه هذا الحكم الأولي. وفيما يلي نص الحوار الخاص مع عضو مجلس أمناء المركز التخصصي للثقافة والفن الإسلامي:

الفقه المعاصر: ما هو الأصل الأولي في إنتاج واستخدام الأعمال الفنية؟

نورمفيدي: إذا اعتبرنا الفن بمعناه العام بحيث يكون منطبقًا على فعل الإنسان، ويصبح موضوعًا لعلم الفقه؛ أي أن نعتبره معرفة أو مهارة يستطيع الإنسان من خلالها تقديم مشاعره وأفكاره ومعتقداته في قالب جميل للجمهور، بحيث يتأثر الجمهور وينجذب إلى الإبداع الجمالي للفنان؛ في هذه الحالة، ليس فقط مباحًا وفق قاعدة الإباحة الأولية لأفعال الإنسان، بل يمكننا إثبات استحبابه أيضًا. الدليل على الاستحباب هو بعض الروايات مثل: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ النِّعْمَةِ عَلَى عَبْدِهِ» وما شابهها. هذه الروايات يمكن أن تثبت هذا الأمر بوضوح. إن الأصل الأولي في أفعال الإنسان هو الإباحة، وفي المقابل، إذا وقع الفعل تحت أحد العناوين المحرمة، فسيكون حرامًا، وهذا أمر مفروغ منه. لكن أبعد من ذلك، فإن قدرة الإنسان على تقديم معتقد صحيح وسليم في قالب جميل يؤثر في الجمهور، له رجحان بلا شك. إن تقديم كلام حق بطريقة مؤثرة توجه الجمهور إلى الصراط المستقيم والهدف الأسمى للوجود والخلقة الإنسانية والسعادة الأبدية، هو أمر له رجحان بلا شك، ولا نقاش فيه. الأمر الجوهري هو أن نحدد ونضبط تلك العناوين التي يمكن أن تخرج الحكم عن هذا الأصل الأولي. على سبيل المثال، ما هي العناوين التي تستلزم الحرمة أو المرجوحية أو الكراهة؟

في أدلتنا، هناك عناوين معينة مترتب عليها حكم الحرمة. هذه العناوين تنقسم إلى عدة أقسام: أحيانًا يكون العنوان نفسه مدخليًا في الحكم، فيكون الحكم دائرًا مدار إثباته أو نفيه. وأحيانًا يترتب الحكم على لفظ معين له خصوصية، لكن هذا لا يعني أن الحكم لا يثبت في غير هذا اللفظ. وأحيانًا لا يكون العنوان مدخليًا في الحكم أصلًا، بل يترتب الحكم على أمر كلي، وهذا العنوان مجرد مصداق من مصاديق ذلك العنوان الكلي. في هذه الحالات، إما أن يكون ذكر هذا العنوان بسبب الحاجة إليه، أو بسبب الغلبة في ذكره، أو لأن الحكم لغير هذا العنوان كان معلومًا، لكن من الواضح أن الحكم يترتب على العنوان الكلي.

على سبيل المثال، دليل يقول: «الناصبي نجس، واليهودي نجس، والنصراني نجس، والمجوس نجس». هنا، صحيح أن هناك أربعة عناوين ذُكرت، لكننا نوقن أن ما جُعل موضوعًا لحكم النجاسة هو الكافر، وهذه العناوين كلها مصاديق لهذا العنوان. لذا، إذا انطبق عنوان آخر على كافر غير هذه العناوين، فسيكون مشمولًا بالحكم أيضًا.

أحيانًا يُذكر عنوان، لكنه ليس موضوعيًا بذاته، ولا هو مصداق لعنوان كلي، بل يترتب عليه الحكم بسبب ملاک أو مصلحة أو مفسدة موجودة فيه. في هذه الحالة، تدور المسألة حول المصالح والمفاسد.

الحاصل أنه يجب تفكيك العناوين عن بعضها. هناك فرق بين أن يكون العنوان موضوعيًا بذاته، وبين أن يكون مشمولًا بالحكم فقط بسبب ملاک موجود فيه.

بالإضافة إلى هذه العناوين، هناك قسم رابع من العناوين يصعب تطبيقها؛ بمعنى أن حدود وثغور العنوان معلومة، والقرائن والشواهد توضح تمامًا أن الحكم مترتب على أي عنوان أو موضوع، مثل «لهو الحديث» أو «قول الزور». لكن المشكلة تكمن في تطبيقها، أو بسبب بعض الروايات التي وردت في ظل هذه الآية وطبّقتها على أمور أخرى، مما يجعل الأمر يواجه بعض الصعوبة. في هذه الحالات، تصبح المسألة متعددة الأوجه، أي أن هناك عنوانًا كليًا ومصاديق له، ويُفترض أن الملاکات واضحة بناءً على القرائن والشواهد، لكن في فترة زمنية معينة، كانت تلك الملاکات موجودة في هذا المصداق، لكنها لم تتحقق الآن. في هذه الحالات، يصبح العمل أكثر صعوبة، وبالتالي يتطلب مزيدًا من الدقة. على سبيل المثال، نواجه عناوين كثيرة في الفن، بعضها له سوابق وبعضها جديد. خصوصًا في الفن الحديث، ظهرت عناوين لم تكن موجودة في الماضي. هنا، التفريق أو عدم التفريق بين هذه العناوين، ومحاولة وضع جميع العناوين الحالية في دائرة العناوين التي كانت موجودة في الماضي، هو أمر حاسم في هذه المسألة.

إذا أردنا ذكر عنوان كلي في هذا السياق، يمكننا القول: «كل ما يترتب عليه الفساد». هذا العنوان يمكن أن يخلق قيودًا على إنتاج الأعمال الفنية ونشرها واستخدامها. صحيح أن الفساد له معنى كلي، وقد يُعتبر كلامًا عامًا بسبب التفسيرات والصور المختلفة التي يمكن تخيلها له، لكن من الواضح أن «قطع مادة الفساد» هو أمر مطلوب شرعًا، والشارع لا يهتم فقط بقطع مادة الفساد، بل يمنع أيضًا كل عمل يؤدي بطريقة ما إلى ترويج الفساد.

عند الرجوع إلى الأدلة، نجد أنها ذكرت عناوين محدودة يجب دراستها. على سبيل المثال، أحد العناوين المحرمة التي تُستخدم بالتأكيد في بعض الأنشطة الفنية مثل المسرح والسينما هو التشبيب. التشبيب هو أن يعبر شخص في قالب شعري عن الحب والعاطفة لشخص غير محرم. هذا العمل حرام بذاته. لكن الشخص الذي يؤدي دورًا في المسرح أو السينما قد يضطر في بعض الحالات إلى استخدام التشبيب. فهل يمكن اعتبار التعبير عن الحب والعاطفة القلبية لشخص غير محرم، حتى لو كان بشكل صوري، أي في إطار دور يؤديه رجل أو امرأة في فيلم أو مسرحية، مشمولًا بهذا الحكم؟ هنا تظهر المسألة بزوايا جديدة.

لذا، أعتقد أن العمل المهم الذي يجب القيام به لمعالجة هذا الموضوع بشكل أفضل هو موضوع‌شناسي الفقهي. بالطبع، موضوع‌شناسي بذاته مهم، لكن موضوع‌شناسي الفقهي يكتسب أهمية مضاعفة. أهميته تنبع من أن الرجوع إلى الأصل الأولي أو الاستثناء منه لا يمكن أن يتم دون إجراء موضوع‌شناسي بشكل صحيح. هذا أمر بالغ الأهمية. أحيانًا، عند النظرة الأولية والبسيطة إلى عنوان أو موضوع، قد نحكم عليه بالأصل الأولي، لكن عند دراسته بدقة، قد يظهر حكم آخر. لذا، لشمول الأصل الأولي على الأفعال والأشياء، يجب أولًا التعرف على الموضوع.

للتعرف على الموضوع، يجب بالطبع استخدام الأدوات اللازمة، وتطبيق المعرفة المطلوبة، والاستعانة بالخبراء وأهل الاختصاص، وهو أمر لا يتحقق بسهولة.

الفقه المعاصر: هل هناك، إلى جانب العناوين الواردة في النصوص، عناوين أخرى جديدة، يستلزم شمولها ترتب حكم الحرمة على أنواع الفن؟

نورمفيدي: العناوين الواردة في النصوص محدودة جدًا، مثل: التصوير، النحت، الموسيقى، الغناء، الشعر، وما إلى ذلك. بالطبع، كيفية التعامل مع هذه العناوين وتصنيفها وفق ما أشرت إليه أمر مهم جدًا. بعض العناوين لها خصوصية، وبعضها مترتب عليه الحكم بسبب كونه مصداقًا لعنوان آخر، وبعضها لا يحمل موضوعية، بل الملاک الموجود فيه هو موضوع الحكم.

أما بالنسبة للعناوين الجديدة التي تترتب على موضوعات الفن، فيمكن القول إن العناوين المستحدثة هي في الواقع نفسها الموضوعات المستحدثة. الموضوع المستحدث لا يحمل بذاته حكم الحرمة، بل يجب دراسته من حيث انطباقه على تلك العناوين والأقسام الأربعة التي ذكرناها.

الفقه المعاصر: ما هو المعيار والمرجع لتشخيص العناوين المحرمة؟ ومن هو المسؤول عن الحكم بشأن هذه العناوين؟ الفقيه، أم نوع المكلفين، أم الشخص المكلف؟

نورمفيدي: كما أُشير في سؤالكم، يمكننا ذكر ثلاثة مراجع، أي هناك ثلاثة احتمالات: الفقيه نفسه، أو العرف العام أو نوع المكلفين، أو الشخص المكلف.

بشكل عام، بما أن خطاب الشارع موجه إلى العرف ونوع الناس، فإن تشخيص مصاديق العناوين المذكورة في الخطابات الشرعية سيكون من اختصاص نوع الناس. لكن النقطة التي تستحق الانتباه هي أن الشارع أحيانًا يتدخل في حدود وثغور الموضوعات والمصاديق. على سبيل المثال، في موضوع مثل السفر، وهو موضوع عرفي، يتدخل الشارع ويذكر حدودًا وقيودًا ومصداقًا خاصًا له، بينما العرف قد يكون له تشخيص آخر للسفر. في هذه الحالات، لا يمكننا بالطبع أن نترك تشخيص الموضوع للعرف ونرى من يعتبره العرف مسافرًا ونطبق عليه أحكام القصر أو الإتمام، بل يجب الرجوع إلى الفقيه ليكتشف رأي الشارع من الأدلة.

فيما يتعلق بالرجوع إلى العرف، هناك نقاش آخر حول ما إذا كان المعيار هو العرف في زمان صدور الروايات أم العرف في هذا الزمان؟ هذا بحد ذاته نقاش مهم. فإذا كان العرف في ذلك الزمان هو المعيار، فكيف يمكننا الوصول إلى المعنى العرفي في ذلك الوقت، وإلى أي مدى يمكننا تحقيق ذلك؟ هذا يحتاج إلى تأمل ونقاش.

على أي حال، لا يمكننا القول بشكل مطلق إن المرجع في تشخيص المصاديق والعناوين هو العرف في جميع الحالات. نعم، في بعض الحالات، يكون العرف العام هو المعيار بالتأكيد، وفي حالات أخرى قد يكون العرف الخاص هو المعيار. وفي بعض الحالات، قد يكون للشخص المكلف مدخلية. على سبيل المثال، في حالة الطرب التي تُذكر في سياق الموسيقى الحرام، هناك نقاش حول ما إذا كان الطرب ملاکًا نوعيًا، أي أن يكون مثيرًا للطرب بالنسبة لنوع المكلفين، أم أنه بحسب حال الشخص نفسه؟ قد تثير موسيقى معينة الطرب لنوع المكلفين، لكنها لا تثيره لشخص معين. فهل المعيار هو الشخص أم النوع؟ هذا أمر مهم يجب أخذه في الاعتبار.

أعتقد أنه بشكل عام، بناءً على نوع العناوين والأدلة، يمكننا قبول مرجعية الثلاثة جميعًا، لكن كل منها يختلف بحسب الحالة. وفيما يتعلق بما هو الأصل والقاعدة في هذه المرجعية، أعتقد أيضًا أنه لا يمكننا الإدلاء بحكم واحد بشكل عام.

النقطة الأخرى التي يجب الانتباه إليها هي أن مصداق‌شناسي يختلف عن موضوع‌شناسي. في رأينا، موضوع‌شناسي الفقهي هو من اختصاص الفقيه. القول بأن موضوع‌شناسي ليس من عمل الفقيه هو رأي مخدوش وغير مقبول. لكن على أي حال، إحالة موضوع‌شناسي إلى الفقيه تختلف عن القول إن مصداق‌شناسي هو من اختصاص الفقيه، ولا ينبغي الخلط بينهما.

Source: External Source