إشارة
اسم حجة الإسلام والمسلمين محمد قطبي مرتبط بالتجديد. منذ سنوات يبدأ أعمالاً تتميز أساساً بالحداثة. رئيس المكتب السابق للدعاية الإسلامية في أصفهان، ذهب مرة إلى تنظيم بيوت الألعاب؛ ومرة أخرى يقدم الإعلام الجديد، واليوم يدعم الإبداعات والابتكارات لدى الطلاب. المدير التنفيذي لبيت الإبداع والابتكار إشراق، بمناسبة سنوات من الجهود والاهتمام في مجال الإعلام، في حوار خاص مع “الفقه المعاصر”، تحدث عن المباني والافتراضات المسبقة لفقه الإعلام؛ المباني والافتراضات المسبقة التي تغير طريقة استنباط أحكام فقه الإعلام بشكل كلي. رئيس فريق عمل الفنون والصناعات الإبداعية في مركز البحوث الإسلامية بالمجلس يعتقد أنه يجب استخراج النظم الكلية لفقه الإعلام كدستور أساسي من النصوص الدينية، ثم اكتشاف أحكام مصاديق الإعلام بناءً على نهج عدم المخالفة لهذه النظم. نص الحوار الجذاب والخاص مع هذا الأستاذ والباحث الحوزوي يمر أمام أنظاركم:
الفقه المعاصر: ما هو فقه الإعلام، وما هي متطلباته؟
قطبي: السؤال له أبعاد متعددة، وسأشير إليه بشكل عام. ربما يمكن النظر إلى فقه الإعلام بعدة طرق وتعريفه؛
أحدها من حيث مكونات الإعلام؛ أي أن الإعلام يحتوي على مكونات؛ مثل المحتوى الذي يُنشر في الإعلام، إدارة الإعلام، إنتاج الإعلام، الاستفادة من الإعلام، واستهلاك الإعلام. هذه يمكن أن تكون كل منها مكونات للإعلام، وبالطبع كل منها له فقه خاص به؛ مثل فقه استهلاك الإعلام، وهو نوع من التكليف للأفراد، بمعنى أنني كمستهلك لدي تكاليف دينية وشرعية يجب أن أنظر إلى المناقشات الفقهية فيها.
من الجانب الآخر، محتوى الإعلام هو ضلع ومكون آخر من الإعلام؛ مثل ما هو المحتوى الذي يجب إنشاؤه وبأي نهج. في بعض الأماكن تظهر مسائل فقهية دقيقة معقدة جداً ويجب التعامل معها.
كذلك بقية مكونات إدارة الإعلام، إنتاج الإعلام، الاستفادة من الإعلام، وترويج الإعلام يمكن التعامل معها بشكل جزئي ونقول إن كل منها باب فقهي يجب التعامل معه.
في هذا الوسط، الكلية للإعلام لها فقه يتعلق بكل هذه المكونات؛ بمعنى أن ننظر إلى الإعلام كظاهرة متعددة الأضلاع تحتوي على طبقة المحتوى، طبقة الاستهلاك وطبقة صنع الثقافة. إذا نظرنا إليه كباب كلي وشامل، فطبيعياً يجب أن نضع منظومة من الأضلاع والمكونات المختلفة جنباً إلى جنب لنتعامل معها. هذا يعتمد على كيفية نظرنا إلى الإعلام حتى نذهب بعد ذلك إلى طرح أبوابه الفقهية.
أعتقد أنه لسببين، لا ينبغي أن يكون لدينا باب بعنوان فقه الإعلام، بل يجب فحص كل مكون من مكوناته بشكل منفصل من الناحية الفقهية. السبب الأول أن الإعلام على طول تاريخه حتى الآن، اكتسب تنوعاً وتعدداً كبيراً. المقصود بالإعلام يشمل الراديو والتلفزيون، الإعلام الشعبي، الشبكات الاجتماعية، الفضاء الافتراضي، وحتى التقنيات التعليمية والفنون التشكيلية. بالنظر إلى المكونات المتعددة، لا ينبغي أن نعتبر الإعلام أمراً كلياً له قدر مشترك؛ لأن هذا القدر المشترك صغير جداً بحيث يقتصر على وسيلة نقل الرسالة فقط. في حين أن عالم الميتافيرس الذي هو إعلام يختلف كثيراً عن اللعبة التي هي أيضاً إعلام.
السبب الثاني أن نهاية ظهور مصاديق الإعلام لم تنتهِ بعد. انظروا، قبل بضع سنوات لم يكن لدينا شيء يُسمى الإنترنت لكن الآن لدينا. في هذين السنتين أو الثلاث الأخيرتين لم يكن لدينا الذكاء الاصطناعي لكن الآن لدينا. لم يكن لدينا الميتافيرس لكن الآن لدينا. هذه تتقدم وتحدث أحداث كبيرة؛ لذا لا نأتي ونصغر الموضوع إلى قدر مشترك لنقل الرسالة أو أداة نقل رسالة صغيرة ونريد أن نقول فقهه فقط من هذه الزاوية الأداتية.
لذلك، في رأيي، من الأفضل أن نتعامل مع كل منها بشكل منفصل. بالطبع، إذا استطعنا أن نجد منظومة علمية واحدة، مظلة مفهومية تغطي جميع المكونات والمصاديق ولا تصلنا إلى تعريف أدنى، أي أن القدر المشترك ليس صغيراً بل مفهوم مشترك كبير يغطي الجميع، فطبيعياً يمكننا طرحه كإعلام.
بالنظر إلى هذه النقطة، يتضح أن تعريفنا للإعلام يجب أن يتغير أيضاً. الآن التعريف الشائع هو أن يقولوا إن الإعلام أداة نقل رسالة؛ لكن أداة نقل الرسالة قدر مشترك صغير جداً بين كل هذه المصاديق، ولذلك يتجاهل الكثير من المكونات والأضلاع بالضرورة. إذا استطعنا الوصول إلى مفهوم واسع في تعريف الإعلام، عندئذ يمكننا القول إن لدينا فقه إعلام؛ لكن في الوقت الحالي الذي لا نملك فيه مثل هذا الشيء، من الأفضل أن نناقش كل مكون بشكل منفصل ونقول مثلاً فقه محتوى الإعلام، فقه السينما، فقه الفنون التشكيلية، فقه اللعب والألعاب، و…
الفقه المعاصر: بشكل عام، ما هي المباني والافتراضات المسبقة لفقه الإعلام؟
قطبي: الإجابة على هذا السؤال تعود مرة أخرى إلى تعريفنا. إذا اعتبرنا الإعلام مجرد قدر مشترك صغير بمعنى أداة نقل الرسالة، فإن المباني لاستخدام أداة نقل الرسالة تكفينا؛ لكن هذه المباني في الحقيقة مباني نقل الرسالة لا مباني الإعلام. إذا كنا نبحث عن مباني الإعلام، يجب أولاً أن نعتبر الإعلام بذلك المعنى الواسع؛ عندئذ تدخل مباني الاتصالات، مباني الوعي، مباني الترفيه، مباني في مجال التعليم، مباني في مجال التربية وكل هذه في مناقشة مبانيه. بالطبع مباني كل قسم من هذه الأقسام مختلفة عن الآخر؛ مثلاً مجال التربية له مباني خاصة به، مجال الخبر والإعلام له مباني أخرى؛ في الخبر نقول إن حرية الخبر مبدأ لنا لكن في التربية نقول نمو الإنسان مبدأ؛ وفي مجال الترفيه والتسلية لدينا مباني أخرى. في الوقت الحالي، مع النهج الجديدة التي تُطرح اليوم في العالم، الإعلام أداة حكم؛ لذا يجب أن نأتي بمباني الحكم أيضاً. كما أن الإعلام أداة في مجالات الصحة والاجتماع أيضاً؛ لذا يجب أن نأخذ في الاعتبار مباني مجالات الصحة والاجتماع حتى نتمكن من الحصول على استدلال فقهي شامل نسبة إلى كل هذه.
لذلك، مثل حرية الخبر، لا يُطرح كأحد مباني الإعلام؛ بل هو مجرد مبنى لمجال الخبر والإعلام.
الفقه المعاصر: هل يمكن مع نظرية الفقه الحدأدنى التعامل مع فقه الإعلام أصلاً أم لا؟
قطبي: هذا السؤال دقيق جداً ويمكن الإجابة عليه من زاويتين. أحدهما أن يكون نهجنا الفقهي نهجاً انتزاعياً الذي يتقدم به مجلس الشورى الآن تقريباً بهذا المنطق ويقول إن المجلس يجب أن يحصل على القوانين بناءً على التجربة والمعرفة البشرية ونحن فقط نوقع، ولذلك يكفي أن يكون غير مخالف للشرع ولا مخالفة قطعية معه.
في هذا النموذج التوقيعي، من بعض الجوانب، عملنا أسهل؛ لأن بدلاً من الغوص في المناقشات الدينية واستخراج نظرية الإعلام ثم من هذه النظرية استنباط مباني الأصول ومن هذه المباني استخراج أصول القواعد. بدلاً من كل هذه، نقول افعلوا كل ما لدى العالم في مجال الإعلام، فقط في الحالات التي تكون مخالفة للشرع، نذكر حتى لا تتم؛ لذلك النهج الحدأدنى يجعل الأمر سهلاً جداً لأنظمة الحكم؛ لأن العثور على حالات عدم المخالفة مع الشرع ليس صعباً جداً.
لكن إذا كان نهجنا في الفقه ابتدائياً؛ أي نريد أن تحدث موافقة قطعية، فإن الطريق والعملية تصبح صعبة جداً؛ لأننا يجب أن نذهب ونستخرج النظرية والمباني والأصول والقواعد وهذه حتى نصل بعد ذلك إلى الحلول والإجراءات؛ لكن النتيجة التالية أفضل؛ لأننا نصل إلى نموذج نقول إنه جاء من عمق الدين وخلفه نظرية دينية قوية وبعد ذلك يجعلنا أكثر راحة في التقدم.
أعتقد أن هناك وجهاً مشتركاً بين هذين؛ وهو أن لا نكون لدينا نظرة حدأدنى توقيعية فقط أي عدم مخالفة قطعية؛ ولا نصر على ابتداء قوي عميق يكون موافقة قطعية مع آراء الشارع. لهذا حد وسط وهو أن نأتي ونستخرج النظم الكلية الحاكمة على أبعاد ومكونات الإعلام بناءً على الأصول الدينية لكن بعد ذلك نتقدم بأسلوب توقيعي؛ شبيه بالعمل الذي قمنا به في الدستور الأساسي. الدستور الأساسي ليس توقيعياً محضاً ولا ابتدائياً كاملاً؛ بل في الواقع، نظم متماسكة مترابطة لها مباني دينية ومعرفية قوية وفي الوقت نفسه في بعض طبقاتها التنفيذية الأكثر، تقدمت بنموذج توقيعي أيضاً.
في رأيي، في تاريخ المناقشات الفقهية يمكن العثور على هذا النموذج أيضاً. مثلاً المرحوم الميرزا النائيني في تنبيه الأمة له مناقشة يقول فيها عندما نكون في زمان لا نصل فيه مباشرة إلى المعصوم ماذا نفعل؟ يستخدم كلمة جميلة جداً هي قوة عاصمة تشبه ما نسميه اليوم الدستور الأساسي. يقول إنني لأسباب فقهية لا أستطيع استخدام عبارة “نائب مناب” و”خليفة الإمام المعصوم”؛ لكن الدستور الأساسي قوة عاصمة؛ بمعنى أنه يعطينا صيانة من الأخطاء التالية في التشريع وفي الطرق التنفيذية.
أعتقد أنه إذا سلكنا مثل هذا الطريق ونظّمنا النظم الكلية الحاكمة على الإعلام التي نسميها اليوم حزمة السياسات لحكم الإعلام بشكل ابتدائي ومستند إلى المباني والأصول والمعارف العميقة، ثم نقول إن هذه الحزمة السياسية الحاكمة على الإعلام، اذهبوا الآن وابحثوا عن المصاديق، وكل مصداق لا يتعارض معها ولا يخالفها مشروع. هذا يمكن أن يتحول إلى لائحة، أو تعليمات، أو طريقة تنفيذية، أو منطق استهلاك أو منطق إنتاج ويتقدم.
هذه النظم الكلية الآن غير موجودة في الدستور الأساسي؛ بل فيه، نسبة إلى الإعلام، ٤ إلى ٥ سطور فقط وهي أيضاً بناءً على طريقة إدارة الصوت والصورة؛ أي اختصر الإعلام فقط في الصوت والصورة. بالطبع لدينا إشارات في بعض الأماكن مثل أن الإعلام الجماعي مثل الصحف والمطبوعات يجب أن تكون هكذا؛ لكن بمعنى اليوم الذي أصبح فيه الإعلام واسعاً جداً وأساساً أصبح إعلاماً شعبياً ليس لدينا شيء في الدستور الأساسي.
لذلك، من المناسب أن نأتي ونستخرج النظم الكلية بالكشف العلمي ومبنياً على التعاليم والمعارف الدينية ونحولها إلى حزمة مثل الدستور الأساسي؛ أي إعادة كتابة وإكمال هذا الجزء من الدستور الأساسي؛ عندئذ يصبح بعد ذلك توقيعياً. حتى الآن في القوانين المصادق عليها من المجلس، ليس عدم المخالفة مع الشرع فقط هو المطروح؛ بل يجب أن يتم التأكد من عدم مخالفة مع الدستور الأساسي أيضاً وجزء من الدستور الأساسي مستمد من ذلك النظر الابتدائي والمعرفي العميق. هذا العمل على الرغم من صعوبته قليلاً إلا أنه في رأيي، هذه النظرة الوسطى أقرب إلى بناء الحضارة وإلى الآمال العالية للثورة الإسلامية.
الفقه المعاصر: هل يمكن مع النهج التنجيزي والتعذيري للفقه الحالي تقديم إجابات مناسبة وفعالة لمسائل فقه الإعلام أم لا؟
قطبي: أعتقد أن هذا السؤال صحيح؛ لأن مسائل مجال الإعلام غير محدودة لذا يجب أن لا يكون جهازنا الفقاهي محدوداً؛ الآن غير محدود ربما ليست كلمة صحيحة، بل يجب أن نقول على الأقل ديناميكياً، حياً، يمكنه أن يصبح جديداً نواً بعد نو ومناسباً للمسائل الحديثة التي تحدث في مجال الإعلام يساعدنا. لكن هذه النظرة التنجيزية والتعذيرية، قامتها قصيرة قليلاً ولا تستطيع الإجابة على مسائل فقه الإعلام. يجب الإجابة على هذه المسائل بنهج الفقه الجواهري والديناميكي الذي كان أساساً لفقها كبار مثل المرحوم الإمام والمرجع الأعلى.
بالطبع هناك نقاط هنا يمكن أن تؤثر في هذا المبنى. نقطة واحدة هي ما الذي نعتبره طريق الوصول إلى الواقع؟ في الجهاز الفقهي، أحياناً نظرتنا مجرد طريق الوصول إلى الحجج المعتبرة ونعتبرها كافية وفي هذه الحالة، نحتاج إلى جهاز فقهي دقيق. لكن أحياناً نعتبر الطريق الاحتياط وفي هذه الحالة، على الرغم من أن الاستنباط الفقهي له أسهل إلا أن الامتثال له أصعب.
النتيجة أنه في رأيي، لا الفقه التنجيزي والتعذيري كافٍ ولا جهاز فقهي أصولي غير محدود؛ بل الحد الوسط هو أننا نحتاج إلى بعض القواعد الفقهية الجديدة. مثلاً مقاصد الشريعة على الرغم من أنها صُممت من قبل أهل السنة وبسبب ابتعادهم عن نصوص أهل البيت (ع) إلا أنها اليوم يمكن أن تكون طريقاً جيداً لحل مسائل فقه الإعلام. قاعدة أخرى رأيتها في لابه لاي المناقشات للمرجع الأعلى خاصة في كتاب الغناء والموسيقى، قاعدة فقهية شأن النظام؛ بمعنى أن العمل الذي ليس في شأن النظام الإسلامي لا ينبغي القيام به.
بالنظر إلى النهج الاجتماعي الذي اكتسبه الفقه بعد الميرزا النائيني وخاصة بعد الثورة الإسلامية، يجب أن نجد قواعد فقهية جديدة متناسبة مع هذا النهج. إذا كانت قاعدة سوق المسلمين موجودة سابقاً وكانت فقط لحلال الذبيحة، اليوم يجب أن ننتج قواعد لأمور أخرى مثل المصرفية، نظام العمران والمدن وما شابه ذلك.