مبادئ الفقه في التربية/9

تعريف الفقيه في المصادر الدينية يحمل معنى مختلفاً عن مصطلح الفقيه عند الفقهاء. معنى «الفقه» في المصادر الدينية أوسع بكثير وأعمق من معناه الاصطلاحي. بالطبع، نحن دائماً ننظر إلى الفقيه بمعنى العالم بالأحكام، لكن الدين أعم من الأحكام ويجب أن نأخذ كل شيء في الاعتبار. لذا نحن بحاجة إلى فضاء يتم فيه التفقه في التعاليم الأخلاقية للدين أيضاً.

المقدمة: «فقه الأخلاق» عنوان علم لا يزال هناك خلاف حول وجوده أصلاً أو عدمه، وحول ما إذا كان هذا العنوان مناسباً لعلم كهذا – بافتراض وجوده – أم لا. هل هذا العلم كذبة كبيرة أم حقيقة جديدة؟ بعض يعتبر كلمة «فقه» بمعناها الاصطلاحي، لكن هذا ليس المعنى المقصود في عنوان كهذا. هذه الفئة تعترض بأن هذا الخلط في الاصطلاحات سيؤدي إلى اضطراب في التفاهم، وبالتالي ليس عملاً صحيحاً. بعض قام بتأليف كتاب «فقه التربية»، حيث درس أحكام بعض الأفعال التربوية من الناحية الفقهية. هذا الجهد أيضاً، في رأينا، ليس علماً جديداً، بل هو انعطاف نحو مسائل جديدة ومتبقية في علم قديم. بعض آخر تناول موضوعات أخلاقية مثل الوسواس في الرسالة العملية وذكر حكمها الشرعي. نحن لا ننكر فوائد هذه الجهود، لكن نقاشنا من نوع آخر؛ لذا يجب أن نشرح عنوان فقه الأخلاق.

تعريف فقه الأخلاق

لتعريف تعبير «فقه الأخلاق» يجب أولاً دراسة جزأيه: «فقه» و«أخلاق»:

تعريف الفقه

لفظ «فقه» في تاريخ العلم له معنى آخر، وهذا اللفظ مرتبط بالفقه الأحكام. المعنى الاصطلاحي لـ«فقه» هو: «الفقه لغة هو العلم، واصطلاحاً هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية» (سيوري) و«العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية» (صاحب المعالم). هذا معنى جديد، وفي المصادر الدينية – القرآن والروايات – لم يأتِ الفقه بهذا المعنى المصطلح، بل هو اصطلاح الفقهاء.

المعنى الذي نقصده في عنوان «فقه الأخلاق»، رغم عدم تناسقه مع هذا المعنى الاصطلاحي، إلا أنه له جذور واستعمال كثير في مصادرنا الدينية. في المصادر الدينية، لفظ «فقه» له معنى عام ولا يقتصر على العلم بالأحكام، بل في هذه المصادر، عُرّف «الفقيه» بالمفكر الديني أو الذي يفهم الدين بعمق، لا بالمستنبط للأحكام. خصائص الفقيه في هذه المصادر ليست علمية فقط، بل تشمل السلوك والعواطف والمنشأ الخاص، وفي الروايات ذُكرت حريته وبصيرته.

نذكر هنا بعض الأمثلة من الروايات لتوضيح أن معنى «فقه» في الروايات أعم من المعنى المصطلح:

١- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَ لَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ وَ لَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ…»

في هذا الحديث لم يُشر إلى العلم بالأحكام، بل إلى قدرات تمكن من تحقيق التوازن للناس في أمر الدين. هذه القدرات تشمل معرفة حال الجمهور، حد الاعتدال في كل موضوع، وقدرة استنباط المطالب من المصادر الدينية للوصول بالجمهور إلى حد الاعتدال. بالطبع، قد يكون جزء من هذه القدرات فهم الأحكام الشرعية بعمق. كما أن نوع العلاقة مع القرآن يحدد فقاهة الفرد، لذا الفقيه هو الذي له علاقة وأنس بالقرآن.

٢- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَقُولُونَ هَذَا. فَقَالَ: يَا وَيْحَكَ وَ هَلْ رَأَيْتَ فَقِيهاً قَطُّ؟ إِنَّ الْفَقِيهَ حَقَّ الْفَقِيهِ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ.»

في هذه الرواية أيضاً لم يُشر إلى العلم بالأحكام، بل إلى الفهم العميق. لذا يعطي هذا الفرد أهمية أكبر للآخرة من الدنيا، ويفهم أن الخاسر هو من يعلق قلبه بهذه الدنيا القليلة والزائلة. في الرواية إشارة إلى أن الفقيه، بعد تغيير اتجاه العواطف، يعرف الطريقة أيضاً ويعرف أنه يجب التمسك بسنة النبي (ص).

٣- في الآية الشريفة للنفر أيضاً – التي يُدّعى أن الحوزات العلمية رد على نداء هذه الآية – يجب الدقة، ويبدو أن في هذه الآية الشريفة لم يُخصص الفقيه بالعالم بالأحكام. تقول الآية الشريفة: (وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة ٩: ١٢٢]، أي أن المؤمنين ليسوا كذلك أن يخرجوا جميعاً، بل يبقى بعضهم ليؤديا عملين: الأول: التفقه في الدين، والثاني: إنذار قومهم عند عودتهم إليهم. «نفر» في العربية تعني الهجرة. متعلق التفقه هو الدين لا الأحكام. بالطبع، جزء مهم من الدين الأحكام، لكن الدين لا يقتصر على الأحكام. على سبيل المثال، مجموع الآيات الأخلاقية أكثر من ٥٠٠ آية تُعتبر آيات أحكام. لدينا روايات كثيرة في مجال الأخلاق لا تقل كثيراً عن روايات الأحكام. النقطة الأخرى أن الإنذار يعني التخويف بالقول، أي قول كلام يجعل الجمهور يخاف. هل يخلق بيان الأحكام إنذاراً؟ حتى لو كان، فهذا التأثير غير شائع. الإدراكات الجديدة هي التي تفعل ذلك، لا مجرد بيان الأحكام والتعليمات.

النتيجة أن تعريف الفقيه في المصادر الدينية يحمل معنى مختلفاً عن مصطلح الفقيه عند الفقهاء. معنى «فقه» في المصادر الدينية أوسع بكثير وأعمق من معناه الاصطلاحي. بالطبع، نحن دائماً ننظر إلى الفقيه بمعنى العالم بالأحكام، لكن الدين أعم من الأحكام ويجب أن نأخذ كل شيء في الاعتبار. لذا نحن بحاجة إلى فضاء يتم فيه التفقه في التعاليم الأخلاقية للدين أيضاً. خلفية كثير من سلوكياتنا هي أن جزءاً من المسائل الدينية – أي الأحكام – يحتاج إلى دقة وظرافة، لكن جزءاً آخر لا وهو واضح تماماً. حتى لو لم يُقل هذا باللسان، فهو خلفية فكرية لكثيرين يجب تصحيحها.

هل فكرنا يوماً ما إذا كانت المبادئ الأخلاقية قابلة للاستنباط من المصادر الدينية أم لا؟ هل كُتب كتاب بعنوان مبادئ الفكر الأخلاقي في الإسلام؟ على سبيل المثال، انظروا إلى «معراج السعادة» و«جامع السعادات». هذان الكتابان مليئان بالآيات والروايات الأخلاقية. لكن من الجيد النظر إلى مقدمة هذه الكتب. هل تُحدث عن مبادئ استخدام المصادر الدينية لاستخراج الأحكام الأخلاقية؟

بدراسة قليلة يمكن الوصول إلى أن جميع هذه المطالب مبنية على مبادئ أخلاقية يونانية وأرسطية. النراقيان، بناءً على تلك المبادئ، زيّنا المطالب فقط بالآيات والروايات. مع كل الاحترام الذي نكنّه للنراقيين، يبدو أن مصادرنا الدينية في المبادئ الأخلاقية لا تقول شيئاً، وفقط في الطرق والحلول تساعدنا هذه المصادر. في الواقع، الطرق والأساليب أيضاً تُعبر بناءً على تلك المبادئ الأرسطية وتُزيّن فقط بالآيات والروايات. حتى الآيات والروايات لم تُشرح بدقة، وفي كثير من الحالات مجرد ذكرها.

بالطبع، كانت هناك حالات من هذا التفقه الذي نقصده في التاريخ، لكنها قليلة ومحدودة. مثل بعض مباحث ابن طاووس وشهيد الثاني في بعض مباحث كتاب «مسكن الفؤاد». عادةً، الأخلاق مدينة للفلسفة والعرفان، وفي هذين العلمين إسهامات كثيرة لعلم الأخلاق، نحترمها جميعاً، لكن النقاش هنا أن هناك مصدراً آخر قد يحتوي على مطالب كثيرة من هذا النوع، وهو المصادر الدينية أي القرآن والروايات. على سبيل المثال، كان لبایزید بسطامي شيخ اسمه أبو علي سندي. بايزيد بسطامي معروف بالشطحيات. الشطحيات تعني أن الفرد في غيبوبته يقول مطالب لا تتوافق مع الأصول والمعايير. هذا الفرد له جملة تبدو أنها تحدد جذر الشطحيات، وهي أنه يقول: «كان أستاذي أبو علي سندي يعلمني دقائق التوحيد، وأنا أعلمه الحمد وقل هو الله». هذا يعني أن أبو علي سندي كان مسلماً جديداً ويقول دقائق التوحيد، لذا كان يعبر عن هذه الدقائق من غير مصادر الإسلام. سند منطقة في الهند، كان هذا الفرد هندياً متأثراً بالثقافة العرفانية الهندية.

نتيجة لذلك، نرى أن بعض شطحيات بايزيد موجودة بالضبط في الأوبانيشادات. في الواقع، مصدر هذه الشطحيات هناك، والشطحيات تشكلت في ذلك الفضاء. انظروا، هؤلاء الأفراد كانوا مستعدين لأخذ المطالب من أي مكان، والمصادر الدينية كانت مصدراً إلى جانبها، لكن في التاريخ كان الاهتمام بها أقل، ونحن نسعى لمتابعة هذا الهدف بالضبط.

مثال آخر: لدينا رواية في درجات السلوك ذُكر لها عشرة أسانيد. الذين يعرفون المطالب الفقهية يعلمون أن لقلة من الأحكام الشرعية يمكن تقديم عشرة أسانيد. مع ذلك، حتى الآن، لم يُشر إلى هذه الرواية في كتاب أخلاقي – عرفاني واحد، ولا يوجد شرح لهذه الرواية المهمة، ومن هذا النوع كثير. بالطبع، هذا الأمر غريب ويوضح أن المصادر الدينية لم تُعتبر مصدراً مستقلاً ذا مطالب كثيرة لهؤلاء الكتاب.

بالطبع، انتبهوا إلى أن مطالب هذه المصادر الدينية يجب أن تُفقه بطريقة دقيقة، ونستنطقها أي نجعلها تتكلم. أي لدينا أسئلة، وعند مواجهة هذه المصادر نبحث عن إجابة يمكن نسبتها إلى الله والمعصومين:.

في الواقع، نحن أمام مجال جديد من العلم يجب أن نبحث في أصوله وأسلوبه في هذا العلم الجديد. المشكلة الأخرى في هذا المجال أن مصادر هذا العلم لم تُجمع وتُرتب.

تعريف الأخلاق

عادةً في كتابات الباحثين في الأخلاق المسلمين، الأخلاق هي دراسة الفضائل والرذائل. بالطبع، يبدو أن السلوك ومعايير قيمة السلوك أيضاً موضوع نقاش. لكن موضوع نقاش فلاسفة الأخلاق الغربيين أكثر فيما يتعلق بمعيار قيمة السلوك.

نقاش معايير الأخلاق في الغرب معروف بفلسفة الأخلاق، ومقصودها دراسة الأسئلة الأساسية في الأخلاق بنهج عقلي. في البحوث الأخلاقية وفلسفة الأخلاق في الغرب، هناك أربعة أنواع من النقاش. ننقل هذا من مقدمة السيد ملكيان على كتاب نظرة إلى فلسفة الأخلاق في القرن العشرين مع إضافات (داروال، غيبارد وريلتون ٩-١٣).

  1. الأخلاق الوصفية

في هذا النوع من النقاش، نصف أخلاقيات مجموعة أو فرد. على سبيل المثال، نناقش كيف هي أخلاقيات الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية. لكن السؤال هو أن هذه المباحث هي مباحث اجتماعية أو نفسية، فما علاقتها بالنقاشات النظرية والفلسفية والعامة؟ الجواب هو أنه بعد هذه النقاشات الوصفية يصلون إلى تحليل عام ونتائج كبرى. يبدأ العمل في الأخلاق الوصفية بدراسات تجريبية وحالاتية ثم يصل إلى النقاشات الفلسفية.

  1. الأخلاق الهنجارية

هذه المجموعة من المباحث الأخلاقية لها وجهة مصداقية أكثر وتتشكل مقابل النقاشات المفهومية في المتا أخلاق.

أ: لأي شيء نقيم قيمة، ما هو الجيد وما هو السيء، ما هو واجب الإنسان وما ليس كذلك، ما هي الواجبات والمحظورات؟ عندما نطلب إجابة هذه الأسئلة من التفكير العقلاني، تصبح أخلاقاً هنجارية وهي جزء من دراسات فلسفة الأخلاق.

ب: دراسة تقدم وتأخر المباحث السابقة. على سبيل المثال، هل الواجبات مقدمة أم القيم.

ج: نقاش معنى وهدف الحياة. «لماذا نعيش؟» سؤال أخلاقي.

د: هل لدينا شيء اسمه حقوق طبيعية أم حقوق تعاقدية ووضعية؟ هذا نقاش مهم في علم الحقوق ويدخل في علم الأخلاق أيضاً.

هـ: الأخلاق التطبيقية. عندما نريد تطبيق المطالب والقواعد العامة على حالة خاصة، تظهر الأخلاق التطبيقية. مثل الأخلاق الطبية أو الأخلاق الهندسية. أو القواعد تتعارض ولا نعرف أيها نطبق، أو لدينا مشكلة في تطبيق قاعدة واحدة. حجم الحوارات في هذه المباحث أكبر بكثير من السابقة.

  1. المتا أخلاق

المتا أخلاق نقاش مفهومي ويُسمى أيضاً الأخلاق التحليلية. في الغرب، في النقاش الفلسفي، كانت هناك فلسفات مختلفة، ووصلوا إلى أنه يجب إنشاء مؤشر ومصحح للخطأ ليتمكنوا من التعامل مع هذه المباحث بشكل أفضل. لذا توجهوا إلى المباحث المفهومية والفلسفة التحليلية. نفس الحوار حدث في الأخلاق وأصبح معروفاً بالمتا أخلاق. ثلاث فئات من المباحث في المتا أخلاق:

أ: دراسة مفهومية للمفاهيم والقضايا الأخلاقية.

ب: تحليل القضايا الأخلاقية. يُدرس وضع هذه القضايا وكيفية ارتباطها ببعضها.

ج: معرفية الأخلاق. مثل نقاش استنتاج الواجبات من الوجوديات.

  1. علم النفس الأخلاقي

علم النفس الأخلاقي يعني مجموعة من المباحث الفلسفية وأحياناً التجريبية المتعلقة بالأمور النفسية والروانية التي يتعامل معها الإنسان كفاعل أخلاقي أو كناظر ومحكم أخلاقي. أبرز هذه المباحث: مسألة الجبر والاختيار، حب الذات والأنانية البشرية، الأنانية النفسية، اللذة النفسية….

هذه كل ما تشكل في الغرب ويناقشونه، لكن عندما نقول أخلاق، نتحدث عن مطالب أكثر، على سبيل المثال نتحدث عن الآداب. الآن، إذا درسنا هذه الآداب من حيث القيم الأخلاقية، فهذا النقاش أخلاقي أيضاً، أو حتى الواجبات والمحرمات يمكن قياسها بهذه القيم. في الواقع، المحرمات والواجبات شدة يضعها الدين لحماية قيم أخلاقية أخرى.

على سبيل المثال، التربية الأخلاقية تحتاج أيضاً إلى مباحث علمية، لأنه إذا أردنا خلق تلك الخلفية الأخلاقية والقيم في الآخر، نحتاج إلى مباحث علمية، ويجب الانتباه إلى أن أفضل عامل للسيطرة هو العامل الداخلي، والنظام والعامل الخارجي يعتمد على الحقوق والعقاب. نناقش التربية الأخلاقية في الأخلاق، كما ندرس التربية السياسية في علم السياسة.

كما أن نقاش المبادئ الأخلاقية مطلوب، ونناقشه في مباحث الأخلاق. المبادئ الوجودية، المبادئ المعرفية، والمبادئ الإنسانية تُدرس. هذه المباحث يجب أن تُدرس في مكان ما. لكن بسبب الارتباط المباشر مع نقاشنا والقلق الذي لدينا تجاه دراسته، نناقشه في علم الأخلاق نفسه، لأن صاحب علم الوجود أو الإنسان قد لا يملك هذا الجانب من النقاش والقلق الذي لدينا.

تعريف فقه الأخلاق

الآن، إذا سألنا نفس هذه الأسئلة الأساسية في الأخلاق من المصادر الوحيانية وقمنا بالدراسة بطريقة فقهية، نصل إلى فقه الأخلاق. في هذه التعابير، الفلسفة أو العرفان أو الفقه تشير إلى نهج مختلف لا علم مختلف. على سبيل المثال، موضوع العرفان هو الوجود المطلق، لكن في كتاب «الفتوحات المكية» الذي هو كتاب عرفاني، يُناقش كل شيء حتى المعادن في الأرض. هل كل هذه المباحث استطرادية وخروج عن الموضوع؟ لا. الفرق بين العرفان والفلسفة هو أن العرفان يدرس كل هذه المجالات بأداة شهودية مختلفة عن الأداة العقلية. أي الأسئلة نفسها لكن أداة الإجابة مختلفة.

للدين نعتبر مجالاً استحفاظياً ونقبل أنه في هذا المجال الاستحفاظي، الدين يجيب على أسئلتنا. من جهة أخرى، تظهر أسئلة في فلسفة الأخلاق. نريد في النطاق الذي تتلاقى فيه أسئلتنا مع هذا المجال الاستحفاظي، أن نأخذ إجابة هذه الأسئلة من الدين. هذا هو معنى وتعريف فقه الأخلاق.

ضرورة فقه الأخلاق

في فترة من تاريخ الشيعة، لم يُعتبر فقه الأخلاق ضرورياً. دراسة هذه النقطة تتم بهذا الشكل: نراجع الكتب التي هي فهرس كتب الشيعة المفقودة – مثل فهرس ابن النديم، الشيخ الطوسي، والنجاشي – وهناك، بناءً على أسماء الكتب التي ذكرت موضوعها، نصل إلى أنه في الصدر الأول وفترة حضور الأئمة: كان هناك اهتمام بفقه الأخلاق. على سبيل المثال، ابن أبي رافع وأبناؤه كانوا يجمعون خطب أمير المؤمنين (ع) التي تحتوي على الأخلاق أيضاً. بعد ذلك، من الإمام الحسن والإمام الحسين (ع) لم يصل إلينا الكثير. بعد ذلك، في أصحاب الإمام السجاد (ع) نصل إلى أبي حمزة الثمالي الذي كان له كتاب بعنوان كتاب الزهد. في هذه الفترات، كان العنوان الشائع لكتب الأخلاق «كتاب الزهد». هذا العنوان يظهر تدريجياً في كتب أصحاب الأئمة:، والذين لديهم كتاب عقائد أو أحكام لديهم كتاب في الأخلاق بعنوان كتاب الزهد أيضاً.

في فترة الأئمة المتأخرين: كانوا يكتبون مجموعات كتب مثل كتب حسين بن سعيد الأهوازي الثلاثين، وفيها كتاب الزهد أيضاً. حتى بعد عصر الغيبة يستمر هذا الاتجاه. بعد الغيبة، فقه الأحكام يستمر في نموه ويصبح أعمق وأكثر تعقيداً. لكن في فقه الأخلاق لا نملك مثل هذا النمو، خاصة بعد فترة خواجه نصير الدين الطوسي، هذا الركود واضح جداً. يبدو أن في فترة ما، اعتقد العلماء أن مشكلة الأخلاق قد حُلت.

يبدو أن هذا الشعور بحل مسائل الأخلاق ناتج عن أن إيران ورثت ثقافتين أخلاقيتين قويتين: إيران واليونان. كبارنا – منهم خواجه الطوسي الذي كتب ثلاثة كتب أخلاقية: أخلاق ناصري، أخلاق محتشمي، وأوصاف الأشراف – كانوا يأخذون مباحث الأخلاق كلياً من الفلسفة اليونانية إلى حد أنه قيل إن أخلاق ناصري ليس تأليفاً بل ترجمة. أو أوصاف الأشراف مزيج من دقائق الفيلسوف، ظرافة العارف، وإشارات من القرآن والرواية. صناعة التركيب عند خواجه الطوسي قوية جداً. النتيجة أنه يُتصور أن المسألة قد حُلت ولا يتم عمل فقاهي في الأخلاق. بالطبع، سيد ابن طاووس في «محاسبة النفس» وشهيد الثاني في «مسكن الفؤاد» قاما بجهود في هذا المجال. بالطبع، هذه الجهود محدودة جداً ولم يقم أحد بعمل شامل وواسع. الآن السؤال هو: هل نحن بحاجة حقاً إلى فقه الأخلاق؟

المصدر: بيت باحثي الأخلاق الشباب.

Source: External Source