ملاحظة: الدكتور السيد محمد ساداتينجاد من أكثر الذين بذلوا جهوداً علمية في تطوير فقه العلاقات الدولية. تأليفه للمجموعة الثلاثية «فقه العلاقات الدولية» إلى جانب مقالات عديدة، جعله من الأشخاص الأكثر اجتهاداً في هذا المجال. تحدثنا معه حول الفرق بين فقه العلاقات الدولية والمفاهيم المشابهة. يرى أن فقه العلاقات الدولية، وإن كان يتداخل مع المنهج الدولي في الفقه ولا يطابقه، إلا أنه ملازم له. ننقل إليكم نص الحوار الخاص الذي أجراه «فقه معاصر» مع هذا الباحث البارز في مركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية:
فقه معاصر: السؤال الأول هو: ما هو فقه العلاقات الدولية، وما هي الموضوعات التي يتناولها؟
ساداتينجاد: فقه العلاقات الدولية، كما يدل اسمه، هو ذلك الفرع من الفقه الذي يتناول المجال الدولي. الفقه هو استخراج الحكم الشرعي في الموضوعات المختلفة، التي تكون على حالات الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة. فقه العلاقات الدولية هو العلم الذي ينظر إلى العلاقات الدولية من المنظور الشرعي، بهدف استخراج الحكم الشرعي في الظواهر الدولية؛ على سبيل المثال: هل العلاقات بين الدول الإسلامية والكافرة جائزة أم لا؟ هل هي مباحة أم حرام أم لا إشكال فيها؟ هل العلاقة بين الدولة الإسلامية والدولة المسيحية جائزة أم لا؟ كيف تكون علاقة الدولة الإسلامية بدولة تقع في نطاق دار الحرب؟ في حالة نشوب حرب بين دولتين إسلاميتين، ما هو واجب الدولة الإسلامية؟ كيف تكون التجارة بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى؟ أي أن جميع الموضوعات المتعلقة بالعلاقات بين الدول تعود إلى مجال العلاقات الدولية، وعلم الفقه يستخرج الحكم الشرعي في هذه الظواهر والمسائل المتعلقة بالتواصل بين الدول الإسلامية والدول الأخرى.
فقه معاصر: ما هي العلاقة بين فقه العلاقات الدولية والمسائل القانونية الدولية؟
ساداتينجاد: هذان فرعان مختلفان. القانون الدولي تخصص حديث يبين العلاقة القانونية بين الظواهر الدولية؛ أي أنه ينظر إلى المسائل الدولية من المنظور القانوني. الفرق بين العلاقات الدولية والقانون الدولي هو أن المفكر في العلاقات الدولية يسعى إلى فهم الظواهر؛ لماذا تحدث هذه الأحداث بين الدول؟ لماذا تنشب الحرب أو يسود السلام؟ أما القانون الدولي فيسعى إلى فهم العلاقة بل إلى بيانها قانونياً؛ على سبيل المثال: إذا دخلت دولة أ الإقليم الدولة ب، فما هي الوضعية القانونية؟ إذا كان بين دولة أ ودولة ب خلاف حول جزيرة، فمن له الحق قانونياً؟ إذا هاجمت دولة أ دولة ب ولم تراعِ القانون الإنساني، فماذا يجب فعله؟ ما هو القانون الإنساني أصلاً، وما هي الحقوق التي يجب مراعاتها أثناء الحرب؟ ما هي الحقوق التي يجب مراعاتها في زمن السلم؟ ما هي الحقوق في المجال البحري والملاحة؟ ما هي الحقوق في مجال التجارة؟ هذه مسائل تعود إلى مجال القانون الدولي.
للقانون الدولي فروع متعددة: القانون الدولي العام، والقانون الدولي الخاص، وقانون التجارة الدولية، وقانون الاقتصاد الدولي، وقانون الملاحة الدولية، وقانون الهجرة الدولية، وقانون اللاجئين، والقانون الإنساني الدولي، وكل فرع من هذه الفروع يبين قانونياً المسائل المتعلقة بمجاله.
الفرق بين فقه القانون الدولي والقانون الدولي هو أن القانون الدولي لا يهتم بالشرع والدين، ويقتصر على بيان المسائل القانونية المتعلقة بذلك الفرع العلمي، ويستخرج الحكم القانوني من المنظور السوابق القانونية والممارسات التي حدثت والإجراءات التي اتخذتها الدول سابقاً، ولا يهتم بالدين والشرع؛ أما مصادر فقه القانون الدولي فهي القرآن والسنة والعقل والإجماع، ويجب أن يُستخرج حكم المسألة من هذه المصادر. وبعبارة أدق: يمكن للقانون الدولي أن يستفيد من الفقه لبيان الظواهر قانونياً، لكن فقه الدولي لا يمكنه بالضرورة الاستفادة من الأدلة القانونية؛ لأن أدلة علم الفقه مقتصرة على الكتاب والسنة والعقل والإجماع.
فقه معاصر: هل يستلزم قبول فقه العلاقات الدولية المنهج الدولي في الفقه أيضاً، أم أنه أمر مختلف عنه؟
ساداتينجاد: نعم، لكن يجب أولاً شرح هذين المصطلحين. فيما يتعلق بفقه العلاقات الدولية، يجب أن أذكر أولاً أنه لا يوجد أدب كثير في هذا المجال، وهذا الباب الفقهي لا يزال نحيلاً، بينما يجب أن يكون لدينا في هذا الباب الفقهي كتاب ضخم. من الكتب النادرة التي تناولت فقه العلاقات الدولية كتاب «العلاقات الدولية في الإسلام» تأليف آية الله جوادي آملي. بالطبع، ذكرت في رسالة الدكتوراه أن أول من تحدث عن فقه العلاقات الدولية هو الإمام الخميني الراحل، الذي أشار إليه في أحكامه الفقهية. لكن عدد هذه الكتب قليل جداً، ويجب أن يزداد، ثم يُترجم إلى لغات أخرى حتى يُروَّج النظر الدولي الناشئ من الإسلام. إن أهمية تعزيز النظرة الإسلامية إلى العلاقات الدولية تكمن في أن علم العلاقات الدولية علم غربي بدأ من أمريكا، وله في الغالب نظرة علمانية وليبرالية إلى العلاقات الدولية؛ لذا قد لا تكون بعض محتوياته مقبولة لدى المفكر المسلم، مثل النظريات النسبية، ونظريات المثالية، والليبرالية، والتبسيطية، وما بعد الحداثة؛ وبالتالي يجب على المفكر المسلم أن يقدم نظرية بديلة لهذه النظريات، وهذا يستلزم تطوير فقه العلاقات الدولية في المرحلة السابقة.
على سبيل المثال، أنا أعمل حالياً على نظرية تُسمى «السلام العادل»، وهي تتوافق مع المعايير الدولية، وتُؤكَّد من منظور فقه العلاقات الدولية، ويُقبلها الفقهاء.
أما في تعريف فقه العلاقات الدولية، فيجب القول إنه ذلك الفرع من الفقه الذي يبحث في ظواهر العلاقات الدولية. أما إضفاء الطابع الدولي على الفقه، فيعني أن نتمكن من تبيين محتويات أبواب الفقه مثل فقه العلاقات الدولية، بعد أن تُثرى وتُطوَّر، للجمهور الدولي أيضاً. إن أهمية هذا الأمر تكمن في أنه يمكن أن يؤدي إلى إنشاء نظريات في الساحة الدولية تُؤكَّد من علم الفقه أيضاً.
فقه معاصر: هل تقتصر العلاقات الدولية على العلاقات السياسية بين الدول فقط، أم أنها تنظم أيضاً العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول والأمم؟ وفي هذه الحالة، ما هي علاقتها بفقه السياسة، وفقه الاقتصاد، وفقه الاجتماع؟
ساداتينجاد: الفرق بين فقه العلاقات الدولية وفقه السياسة والاقتصاد والاجتماع هو أن فقه السياسة يتناول السياسة بما هي سياسة، وفقه الاقتصاد يتناول الاقتصاد بما هو اقتصاد، وفقه الاجتماع يتناول الاجتماع بما هو اجتماع؛ أما في فقه العلاقات الدولية، فإن الجانب الدولي لهذه الظواهر هو المهم، وذلك حيث يتعلق بالدول والفاعلين في الساحة الدولية؛ أي أنه لا يتناول الاقتصاد بما هو اقتصاد، بل يتناوله من المنظور الذي يؤثر في العلاقات بين الفاعلين الدوليين. كما يتناول المباحث الاجتماعية وعلم النفس، لكن ليس بما هما اجتماع وعلم نفس، بل من المنظور الذي يمكن أن يؤثر في العلاقات بين الفاعلين الدوليين؛ والأمر نفسه في السياسة.
على سبيل المثال، التطورات في دولة أ التي تؤدي إلى صعود حزب سياسي معين، ولهذا الحزب السياسي المعين سلوك خاص في العلاقات الدولية، ويؤثر في العلاقة مع الدول الأخرى والتطورات الدولية، فإنها تتعلق بمجال العلاقات الدولية. افترضوا أنه عندما يصل ترامب إلى السلطة في أمريكا، تحدث سلسلة من التطورات داخل أمريكا لا تتعلق بالعلاقات الدولية، لكن المنهج الذي يتبعه ترامب بعد انتخابه تجاه الناتو، والعلاقة مع أوروبا، وروسيا، وإيران، والكيان الصهيوني، يتعلق بمجال العلاقات الدولية. هنا ندخل مجال العلاقات الدولية.
لذا، المباحث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تعود إلى مجال العلاقات الدولية، تُعدّ من فقرات العلاقات الدولية، أما حيث تتناول المجال الداخلي والمفهوم نفسه للسياسة والاقتصاد بما هو ذلك المفهوم، فلا تتعلق بفقه العلاقات الدولية، بل بمجال فقه السياسة والاقتصاد والاجتماع.
فقه معاصر: هل فقه العلاقات الدولية ملازم للمنهج الدولي في الفقه؟ ما هي نقاط التداخل والانفصال بين هذين المفهومين؟
ساداتينجاد: ليسا متطابقين، لكن يمكن القول إنهما ملازمان. انظروا، إن شرط تطوير فقه العلاقات الدولية هو أن يكون للفقيه نظرة دولية، وأن يعرف ما يحدث في العالم، وكيف تكون علاقات الدول الإسلامية بدول أهل الكتاب والمسيحية واليهود والكافرة؟ إلى أي اتجاه يتجه النظام الدولي، وما هي الأحداث التي تحدث؟
في الواقع، إذا لم يكن للفقيه منهج دولي في الفقه، فقد لا ينشأ لديه دافع للاهتمام بفقه العلاقات الدولية؛ لأنه إذا ركز الفقيه فقط على الأحكام الداخلية والفردية، فإن نظرته تركز أيضاً على هذه المسائل الفردية في شرح المسائل؛ لكن عندما يكون لديه منهج دولي في الفقه، ينظر إلى الدول الأخرى والمناطق الأخرى، والعلاقات التجارية للدول، ومسائل السلام والحرب بين الدول، هنا يجد الدافع لاستخراج الحكم الفقهي في المسائل الدولية أيضاً، ومثلاً يصدر الأحكام المناسبة بشأن الظلم على الفلسطينيين واليمنيين والعراقيين والسوريين؛ لذا، هذان ليسا متداخلين، لكنهما ملازمان بطريقة ما، أي أنه حتى يحصل الفقيه على نظرة دولية في الفقه، لن يكون لديه دافع للدخول في مسائل فقه العلاقات الدولية.
في رسالة الدكتوراه، بحثت آراء ستة فقهاء في الأحكام الفقهية للعلاقات الدولية. فيما يتعلق بالشيخ الطوسي الراحل، يجب البحث بجهد عن المحتويات الفقهية المتعلقة بفقه العلاقات الدولية، لكن في آثار الفقهاء المعاصرين، من الإمام الخميني إلى قائد الثورة الإسلامية وغيرهم من الفقهاء، توجد مسائل كثيرة حولها. هذا الأمر ناتج عن النظرة الدولية لهؤلاء الفقهاء إلى علم الفقه. أساساً في عصر الثورة الإسلامية، زاد المنهج الدولي في الفقه كثيراً، ولا يمكن مقارنته بالنظرة التي كان لدى الفقهاء المتقدمين، لأنه في ذلك العصر كان الشيعة والفقهاء الشيعة محاصرين وفي أقلية، وبعضهم مطارد، ولم تكن هناك فرصة للاهتمام بالموضوعات الدولية والمنهج الدولي في الفقه، ولم تكن هناك ضرورة لذلك، لكن الآن مع تأسيس النظام الجمهورية الإسلامية، زاد التوجه إلى الفقه، وهو منعكس في آثار ومقالات العلماء المعاصرين.
