أشاد عضو المجلس العلمي لقسم الفقه السياسي والعلاقات الدولية بمعهد البحوث الفقهية المعاصرة ان خلال العقود الأربعة الماضية تشكلت فلسفة الانتخابات في النظام الإسلامي على أساس ثلاث نظريات فقهية مشتركة، وهي إن أساس العقلانية الدينية يكمن في التحدي الأساسي الذي واجهته النخب، ومن ثم جماهير الشعب في العقود الأربعة الماضية كانت تدور حول الانتخابات في الجمهورية الإسلامية.
اشار حجة الإسلام محسن مهاجرنيا آن خلال العقود الأربعة الماضية تشكلت فلسفة الانتخابات في النظام الإسلامي على أساس ثلاث نظريات فقهية شعبية. و إن وجهات النظر الثلاث هذه هي أساس المناقشات العلنية والخفية لأصحاب الرأي، وأساس تصور وقوة الأغلبية والأقلية، وقد أثرت في العملية الفكرية والعملية للانتخابات. و لقد كانت هذه الرؤى الثلاثة أساس العقلانية الدينية في التحدي الأساسي للنخب، وبالتالي لجماهير الشعب، في العقود الأربعة الماضية فيما يتعلق بالانتخابات في جمهورية إيران الإسلامية.
صرح في شرح النظرية الأولى اولا إن هذا الرؤية التي يمكن تسميتها بـ “اختيار الحاكم”، يرى أن السيادة المطلقة على العالم والإنسان لله فقط، لانه هو الذي جعل الإنسان حاكماً لمصيره الاجتماعي. ولذلك فإن مبدأ النظام الإقليمي من الأعلى إلى الأسفل هو الذي تنتخبه الأمة. وهذا الاختيار حق وواجب على مواطني المجتمع الإسلامي. كان أهم مفهوم للثورة الإسلامية هو “قوة الاختيار”. و لم يكن لدى الأمة الإيرانية مثل هذه القدرة على الاختيار في نظام الاستبداد الإمبراطورية الماضي. ومع بداية الثورة تم انتخاب مبدأ النظام الإسلامي وولاية الفقيه، وفي مرحلة بناء النظام تم تسجيل كل من الولاية والحكومة في الدستور باعتبارهما منتخبين من قبل الأمة. وأصبح “أصوات الشعب” أساس حكم المقاطعات. وقد كتب الإمام الراحل رحمه الله في الرسالة التاريخية الخاصة بتعديل الدستور إلى آية الله المشكيني رئيس البرلمان في ذلك الوقت : “إذا صوت الناس لخبراء لتعيين مجتهد صالح لرئاسة حكومتهم، عندما يعينون أيضاً شخصاً لرئاسة حكومتهم”. يتولى القيادة ويقبله الشعب. وفي هذه الحالة يصبح “ولي الشعب المختار” ويكون حكمه صحيحا. ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن جميع عناصر وقوى النظام الإقليمي يتم انتخابهم من قبل الشعب، وتعتبر “الانتخابات” “هبة إلهية” ومؤشراً للديمقراطية الدينية ذات الصلة.
اما في استمرار لهذا اللقاء صرح أستاذ الحوزة العلمية والجامعة إلى وجهة النظر الثانية وقال: مع مرور الوقت تشكلت نظرية تعرف اليوم بوجهة نظر “كشف الولاية”. ويرى هذا الرأي أن الانتخابات ليست موضوعية، بل هي وسيلة لاكتشاف الطريقة المطلوبة. وأساس هذا الرأي هو أن شرعية سلطة الفقيه في غيبة الإمام العصر (ع) هي بالتعين الإلهي، وليس للناس حق في هذا التعيين. فالناس ملزمون “باكتشاف” الفقيه وتوفير الأساس لحكمه. والانتخابات المذكورة في الدستور هي “طريق” التنمية. و صلاحيات الدولة التي يتم قبولها حسب تقدير الفقيه، “اختيارها” لا علاقة له بالموضوع. ومن وجهة نظرهم، بما أن الرئاسة تستمد شرعيتها من ولي الأمر الشرعي، فيجب طاعته. وعلى الناس أن يحاولوا اكتشاف “الأصل” والتصويت له وفق الشريعة الإسلامية.
فان سبب المحاسبة وتمثيل الشعب وإقالة الرئاسة هو فقط اجتهاد الفقيه. وبحسب هذه النظرية، لا يحق لممثلي خبراء القيادة الإشراف على الولي الشرعي لأن مركزهم أقل من الولي الشرعي. و حسب تقدير الولي الشرعي، فهم ملزمون وفق الشروط المنصوص عليها في الدستور، وشرعيتها من الولي الشرعي. ولكن عليهم أن يكتشفوا الفقيه ويعرفوه للناس. ولذلك فإن ظاهرة “الانتخابات” من هذا المنطلق هي نوع من النفعية لاكتشاف الولاية، مما يؤدي إلى تحقيقها وتمديد ولاية الوصي.
استمر في شرح الفلسفة السياسية من وجهة نظر الكشفي فقال: “إن الفلسفة السياسية من وجهة نظر الكشفي تقوم على السيادة الإلهية والتعيين والشرعية الدينية، ويعتبر الشعب “مولى عليهم” و أن فلسفة الحكم والولاية للهدى والرخاء. واختيارهم ليس على أساس الحق، بل هو فريضة إلهية تقترن بالولاء للإقاليم، وهو شرط للقيام به. ومن هذا المنطلق فإن انتخاب الناس هو “الكشاف”، وولاية الفقيه هو الأمر “المنزل”، والمهم والأصيل في فئات الانتخابات في الجمهورية الإسلامية هو الأمر “المكشوف”.
صرح السيد مهاجرنيا، موضحا النظرية الثالثة المتعلقة بالانتخابات في الجمهورية الإسلامية. و اما المنظور الثالث يعرف بـ “توكيل الولاية”، والذي يرى أن الانتخابات هبة من الله لتحديد مصير المجتمع. و لأن المصير العام يشبه “الملكية المشتركة” التي يكون حاملوها مواطنين على شكل أفراد. و يصوت هؤلاء المواطنون على أساس “حقوقهم في الأسهم”. وهم يختارون كلاً من الأوصياء القانونيين ونظام المقاطعات، كما يختارون أركان وقوى البلاد ويمنحونهم توكيلاً بناءً على عقد التمثيل القانوني لإدارة شؤون الأمة. ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإن مبدأ الانتخابات هو ذو صلة بهذا الموضوع.
في الختام، مشيراً إلى هذه النظريات الثلاث التي تسببت في خلق ثلاثة أنواع من “الفلسفات السياسية” في فئة الانتخابات في النظام الإسلامي، قال: انطلاقاً من الرؤيا الأولى، إنشاء الفقه الإسلامي والنظام الإسلامي و الحكومة منذ بداية تشكيلها من قبل الله مبنية على مراعاة المصالح و عدم إفساد البشر وإسعادهم وتوجيه هم إلى الطريق. وقد اعتبر الله عند تثبيت هذا الأمر الديني ركنين للتمتع بالأوضاع الدينية ليسمى “الشرعية” ورضا الناس يسمى “القبول” ثم ولاية الفقيه باعتبارها الولاية الشرعية استمرارا لولاية الأئمة المعصومين (ع). ولذلك تم تعيين ولاية رسول الله (ص). وبدون أي من هذين الركنين و لن يتم تشكيل على الطيقة الخاصة. فالحكومة الشرعية دون قبول اي حكومة استبدادية والحكومة المقبولة دون شرعية هي أيضا علمانية. وبحسب الرأيين الأولين فإن مبدأ الولاية الشرعية والحكومة الإسلامية لهما شرعية إلهية، مع اختلاف أن الرأي الكاشف يرى أن الشرعية الإلهية تسند على الولاية بالكامل ويتم تثبيت ولي الفقيه في المنصب ذلك للإثبات ويتم اكتشافه حسب اختيار الناس. لكن حسب وجهة النظرية الأولى فإن شرعية الطريقة الصحيحة تعتمد على اختيار الشعب. ويعطى مرسوم التعيين للولي على جميع الأحوال عندما يتعلق به خيار الشعب. وهو مثل وجوب صلاة الجمعة، وهو مشروع مع إضافة ركني “إمام الجمعة” و”حضور خمسة مامومين على الأقل”. فإذا كان إمام الجمعة هو النبي (ص) أيضاً، فلا يمكن أن يصلي الجمعة بدون ماموم، ولا يمكن الملايين من المأمومين أن يصلوا الجمعة بدون إمام الجمعة. لكن الفلسفة السياسية من وجهة نظر توكيلي، يبدو أن الولاية الشرعية التي طرحت في الفقه هي مسألة إعداد وتوجيه وفق ما يقتضيه العقل، على أن يختار الناس الحكام المؤمنين والشرعيين على أساس عقلهم. ومنحهم السلطة لإدارة المصير المشترك للمجتمع، وليس لديهم أي ولاية على الناس.