السيد حسن اجرائي

 اضبارة اصول فقه الفن/1

ملحوظة: المنهج العام في المسائل الفقهية غالبا ما يكون منهج “جواب السؤال”؛ وهذا يعني أنه يجب أولاً أن يطرح سؤال حتى نبحث عن إجابة له. وبطبيعة الحال، فإن هذا المنهج موجود أيضا في كثير من العلوم الإسلامية والإنسانية الأخرى. ولكن في السنوات الأخيرة، ومع ظهور المعرفة “البحثية المستقبلية”، أصبح من الممكن تغيير هذا النهج السلبي إلى نهج نشط تجاه الأسئلة والقضايا المعاصرة. و فقه الفن ليس استثناءً من هذه القاعدة، لذلك مع البحث المستقبلي المتعلق به، يمكن للمرء تخمين قضايا السنوات القادمة والبدء في البحث عن حلول للإجابة عنها في يومنا هذا. وفي هذه المذكرة الخاصة، يحاول السيد حسن اجرايي، الباحث في معهد الفقه المعاصر، تحليل مستقبل الفقه الفني٠

فهل حل فقه الفن في عمره القصير مشكلة فقهية وفنية؟ هل يمكن أن يكون الفشل المحتمل لفقه الفن حتى اليوم نتيجة لتصور غير دقيق؟ ماذا ينبغي أن يكون الغرض من ذلك؟ إن المعرفة بفقه الفن، باعتبارها معرفة متعددة التخصصات تعيد قراءة الفن والاتجاهات الفنية المختلفة بمنهج فقهي، ورغم أنها وصلت إلى مستوى معين من الازدهار والنمو، إلا أنها لا تزال في مراحلها الأولية ولم تجد طريقا طبيعيا وتلقائيا. و العلاقة مع التخصصات الفنية أيضا تصب في هذا المجال. وبهذا تكون القضايا الفقهية للفن هي أكثر من مجرد نتيجة للربط بين الفقه والاتجاهات الفنية، ونتيجة للتبادل العلمي، فهي نتيجة لتوسع الاهتمامات الفقهية في المجالات الفنية والنظر إلى الفن من منظور متعالي٠

ان الفقه علم معياري ينظر في أسمى جوانبه إلى جميع أفعال العالم من وجهة نظر الحلال والحرام. ويبدو أن الفقه التقليدي القائم في مواجهة القضايا المعاصرة والمستجدة، دون السعي للاقتراب من الفهم الدقيق والتعاطفي للقضايا، يفرض نماذج معدة مسبقا على القضايا الجديدة وينظر إلى العالم الجديد من زاوية ونظرة خاصة. و النماذج التقليدية وحولها تصدر الأوامر بهذا الصدد. ومن ناحية أخرى، يمكن للمرء أن يتصور فقيهًا مثاليًا، مع الفهم النشط للقضايا الجديدة، لا يصر على ربط الأنماط التقليدية بالقضايا الجديدة وينظر إلى العالم والإنسان من منظور متعاطف قبل اتخاذ نظرة متعالية للقضايا. ومن ثم فإن الفقه الجديد يتطلب فهماً جديداً للعالم والإنسان اليوم٠

على الرغم من أن المعرفة الفقهية الفنية هي أحد المعارف الجديدة والجهود المعاصرة في الفقه، إلا أنها إلى حد كبير إعادة إحياء لأساليب الفقه التقليدي في العصر الجديد ولم تتمكن بعد من فتح طريق جديد؛ وكأن الأمر مجرد تفسير جديد للفقه هو الذي حول الأقسام المتعلقة بالفن إلى شذرات مستقلة. وعلى هذا النحو، فإن معظم موضوعات فقه الفن لا تزال تقتصر على موضوعات مثل الشعر والموسيقى والنحت والتصوير والرقص، ولا تهتم بمعظم الفنون التقليدية، بما في ذلك المسرح والسينما والفنون البصرية وغيرها٠

اما بالإضافة إلى اختيار المواضيع والقضايا التي يتناولها الفقه الفني، كما قيل، من حيث المنهج وطريقة تناول القضايا، فإن الفقه الفني لا يزال من وظائف الفقه التقليدي ولم يتخذ أي خطوات جدية و اعتماد أساليب جديدة؛ وحتى في الحالات التي دخل فيها فقهاء الفن في قضايا مثل المسرح، فإن إحدى القضايا الأساسية التي اتبعوها للوصول إلى حكم فقهي فيها كانت من خلال مطابقة المرأة مع الرجل والعكس، مما يدل على عدم وجود قضايا جدية٠

لعل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الفقه الفني هو الصراع بين السمات الأصلية للفقه والفن؛ لأن أحدهما معياري ومبني على قواعد ويبني قواعده على كل القضايا الأخرى، ومن ناحية أخرى فإن نقطة التمايز وهوية الآخرين هي الإبداع وتجنب القواعد ووضع خطة جديدة كل يوم وبناء عالم جديد. وبهذا قد يكون من الصعب إدخال القواعد والأعراف والمبادئ الفقهية ومبادئ الفقه إلى المواضيع الفنية، لأنه بالإضافة إلى القواعد الفقهية، يجب أيضًا إعادة بناء المعارف الأخرى المتعلقة بالاستدلال والاجتهاد بما يتوافق مع الفهم الصحيح للفن، ولا يمكن تحقيق الأحكام الفقهية إلا بإدخال مسائل جديدة على القواعد السابقة٠

بناء على ما تقدم فإن معيارية الفقه وانتظامه، ومن ناحية أخرى اجتناب القواعد وإبداع الفن، تحتم تجاوز القواعد الفقهية التقليدية ومحاولة تحقيق قواعد مترابطة ومتسقة. و مع خصائص عالم الفن، على سبيل المثال، قضية “الكتب الضالة” التي كانت تعتبر في الماضي قضية واضحة، أما اليوم فلا يمكن تشخيصها بسهولة على أساس ذلك؛ لأن الهدى والضلال في الفن خرج عن الموضوعية وتحول إلى مادة فنية ومصورة ومبنية على روايات معقدة. وإذا كانت المعارف الفقهية التقليدية توضح مفهوم كتب الضلال بحكم عام، فمن الصعب اليوم اعتبار عمل فني يحمل مفهوم الضلال بمعناه الفقهي الواضح٠

نتيجة لذلك، فإن فقه الفن، بدلًا من المقاربة الاقتراحية والظاهرية والنصية لموضوع الفن، يجب أن يبني معرفة مناسبة ومتوافقة مع مواضيعه، وقد تحتاج إلى إعادة بناء أساسياتها أيضًا؛ لأن المنهج المركزي في أصول الفقه هو تناول الموضوعات الفنية التقليدية، مثل الشعر والنحت، ومواجهتها باعتبارها طروحات يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة و يمكن تطبيقها على الأحكام والتوصل إلى نتيجة مطلوبة، حيث أن النحت أو صنع التماثيل الروحية أو غير الروحية والحكم واضح في كليهما، لكن مثل هذا الطريق الواضح لا يمكن العثور عليه لتضليل أو توجيه قصة سينمائية أو رواية مسرحية أو عمل موسيقي٠

من هذا قد نرى أن الفقه الفني، بدلاً من التركيز كثيراً على ما ركز عليه الفقهاء السابقون، ينبغي أن يبحث في الفقه الفني من وجهة نظر مقاصد الفن وأهدافه، وعلى سبيل المثال، دون التركيز على كل عبارة في السيناريوهات، فنجعلها معيارًا للتقييم المضلل أو الموجه وفحص كل عمل فني من منظور تأثيره الإجمالي، وليس العبارات الفردية والمشاهد الفردية والأبيات الفردية٠

فكما أن فقه الفن لا يزال في بدايته رغم جهود سنوات طويلة، فإن محاولة إدخال خطة جديدة فيه صعبة أيضا وربما مستحيلة، ولكن مثل الفقه التقليدي، على الأقل حسب الرواية كما يقول بعض الفقهاء تدريجيا وخطوة خطوة، وهو في طريق استخدام الفقه للأغراض المحتملة، ولعل فقه الفن يمكن إعادة قراءته وإعادة بنائه بدلا من التركيز على الطروحات ومظهر النصوص، والاعتماد على الأهداف والكليات و نتائج وسياقات النصوص والمجتمع واحتياجات الإنسان لتحقيق الحكم الإلهي، كما تستجيب لحاجات العصر٠

هذه المذكرة جزء من المجلة الإلكترونية “أصول الفقه الفني” التي تصدر بالتعاون مع مدرسة فقه الآداب وموقع شبكة الاجتهاد٠