الدكتور حميد التلخابي؛

أصول الفقه الفن/٢

 ملحوظة: إن الدكتور حميد التلخابي عضو هيئة التدريس ومدير قسم الأدب الدرامي بمعهد التعليم العالي للفنون والفكر الإسلامي. وهو طالب الأدب الدرامي في كلية الدين والإعلام، وقد قام بالدراسة والتدريس والبحث في مجال الفن لسنوات عديدة. و في هذه المقابلة، تحدث طالب الدراسات العليا في قسم الحكمة للفنون الدينية بجامعة الأديان والمذاهب الإسلامية عن المسلمات الاجتماعية والسوسيولوجية لفقه الفن. ويرى أن إيجاد المنبر الاجتماعي اللازم لإصدار الفتاوى ليس من واجب الفقهاء، بل هو مسؤولية السياسيين والناشطين الاجتماعيين. وفي الوقت نفسه، يرى رئيس المركز العلمي التطبيقي للثقافة والفنون بقم أنه من الضروري عند إصدار الفتاوى أن يراعوا الفقهاء أحوال الزمان والمكان وآراء الخبراء وتاريخ الإسلام. تفاصيل هذا الحوار مع هذا الأستاذ والباحث في الفن الإسلامي كما يلي٠ 

١. ما هي الفرضيات الاجتماعية والسوسيولوجية لحل المسائل الفقهية الفنية؟

إن الاهتمام بالزمان والمكان، والاهتمام بآراء الخبراء، والاهتمام بتاريخ الإسلام، من الفرضيات غير المعرفية والاجتماعية في المسائل الفقهية الفنية التي ينبغي الاهتمام بها٠

الزمان والمكان عنصران حاسمان للغاية في إصدار الحكم. وإن قضية كان لها حكم في الماضي قد تجد حكما جديدا في العلاقات التي تحكم السياسة والمجتمع واقتصاد النظام؛ وهذا يعني أنه مع الفهم التفصيلي للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإن نفس القضية الأولى، التي لا تختلف عن القديمة من حيث المظهر، تصبح قضية جديدة، كقاعدة عامة، تتطلب أيضا حكما جديدا. كما يرى الإمام الخميني أن اجتهاد الفقيه الجاهل بالزمان والمكان هو غير فعال، بل مستحيل ان يكون ناشطا. ومن هذا المنطلق فإن الزمان والمكان الذي يظهر أحداث كل عصر وبيئة له تأثير على موضوعات الأحكام. وطريقة تأثير الزمان والمكان تكون على شكل تأثير على أمثلة الأحكام، أي أن أمثلة موضوعات الأحكام قد تتغير مع مرور الزمن٠

اما من المسائل المؤثرة في الفقه الاهتمام بآراء الخبراء. فعلى سبيل المثال، الحكومة الصفوية هي إحدى الحكومات التي نشط فيها الفقه الشيعي في المجتمع. وكان المحقق الكركي من الفقهاء الذين خطوا خطوات مهمة في هذا المجال. وقد طرح مناقشات مثل سلطة الفقيه وحدودها، ومناقشة الخراج، والمقاسمة، وصلاة الجمعة، مما حظى باهتمام الفقهاء. ولذلك يمكن القول بأن تاريخ الاهتمام بالفقه الاجتماعي يعود إلى القرن العاشر الميلادي، وقد لعب الباحث الكركي دورا جديا في الاهتمام بالفقه الاجتماعي. واليوم، فإن الاهتمام بجمع آراء الفقهاء، وخاصة الذين اتبعوا المنهج الاجتماعي بالاستعانة بخبراء ونخب المجتمع، يمكن أن يكونوا فعالين في عملية الاجتهاد والوصول إلى المسائل الفقهية في الفنون المسرحية٠

لعله من الافتراضات الاجتماعية الأخرى في قضايا الفقه الفني الاهتمام بتاريخ الإسلام. فمثلا، يرى آية الله البروجردي أنه من الضروري الاهتمام بتاريخ أهل السنة، حتى ولو بمعزل عن تاريخ المذهب الشيعي. ومن حيث الأساس، فإن من مميزات فقه آية الله البروجردي هو اهتمامه الكبير بالتاريخ الفقهي للمسائل. ولذلك فإن دراسة تاريخ الأئمة المعصومين يعلمنا الواقع الفقهي الخارجي وموضوعية كلام الإمام، مما له تأثير مباشر وأحيانا غير مباشر في صدور أحكام الفقهاء٠

فهذه المسلمات التي ذكرت يمكن تحليلها ليس فقط في الفقه الفني، بل في سائر الفقه الإضافي كالفقه الاقتصادي والفقه السياسي وغيرها٠

– ٢.هل من الضروري ومن أجل الإفتاء في الفن الاهتمام بارتباطاتها الاجتماعية والسوسيولوجية؟ وكيف يمكن تحليل “ضرورة الاهتمام بالروابط الاجتماعية والسوسيولوجية” من الناحية الفقهية؟

اما في المسائل الفقهية، فإن تكييف المفهوم الفقهي وربطه بالأمثلة الخارجية له أهمية أساسية. وهذه الأمثلة الخارجية تتجلى بحسب الزمان والمكان وبحسب رأي الخبراء وبحسب التاريخ. فإن من الصحيح أن مفهوم الفقه هو أمر معرفي وهو محوري في الوضع الاجتماعي، وهو اذا كان أمر غير معرفي لا بد من الاهتمام بالوضع الاجتماعي والأمثلة الخارجية حتى يمكن ربط المفاهيم الفقهية بالواقع كالأمثلة الاجتماعية. كلما زاد توافق المفاهيم والأمثلة، كلما كان الحكم أكثر تعاطفا مع الناس٠

٣. إذا كانت شروط إصدار الفتوى من الناحية الاجتماعية غير جاهزة، فهل لا يمكن إصدار تلك الفتوى أو تغييرها؟

بالنسبة للتطورات الاجتماعية السريعة وإضافة أمثلة اجتماعية جديدة، فإنه لا بد من الاهتمام بالتقييدات الاجتماعية. و اما في التطورات الاجتماعية السريعة لا يمكن للفقيه أن يدخل في كل القضايا الاجتماعية كقدوة. ولا بد من وجود مسافة للتمييز بين أبعاد ذلك المثال واختلافه مع الأمثلة المشابهة؛ مسافة حتى يمكن إبداء رأي فقهي دقيق في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، في فترة الحكم الشاه، أصدر بعض الفقهاء فتوى في حرمة استخدام الراديو والتلفزيون والاستماع إليه ومشاهدته. ففي بداية ظهور كاميرات التصوير الفوتوغرافي، كان لدى البعض نفس النظرة تجاه التصوير الفوتوغرافي والافلام؛ ولكن عندما اتضحت الأبعاد المختلفة لتلك القضايا، وجد الفقهاء نظرة أكثر توازنا لهذه الظواهر الجديدة٠

٤. في الفنون المسرحية والموسيقية والتلفاز يمكن القول أن الشعب والمسؤولين لا يلتفتون إلى فتوى الفقهاء. هل يعود ذلك إلى عدم اهتمام الفقهاء بالأحوال الاجتماعية و مجمل الإفتاء أم لا؟

ان سبب ذلك يعود إلى عدم اهتمام الفقهاء بالأحوال الاجتماعية وعدم اهتمام الفنانين باحكام الفقهاء. لتوضيح هذه المناقشة، نأتي بأمثلة من الفنون المسرحية٠

فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل تصاوير المعصومين وشبه المعصومين في السينما، فمن المتوقع أن يمثل الجمهور الجوانب المقدسة والروحية للمعصومين، والاستخدام غير المناسب لسرد العصمة وما شابه ذلك. أما الجوانب الروحية والمقدسة للشخصية الحميدة يجب أن تحط من قدر الأشخاص غير الضارين وأن يقعوا في اطار مجرد عن المنظور التاريخي. وهنا ما يتفاعل الفقهاء مع هذه المسألة ليس بسبب قدسية التصوير، بل بسبب التقليل من شخصية المعصوم٠

كما أشار بعض الفقهاء في تصاويرالمعصومين والمحافظة على حرمة السيد الشهداء وأصحابه أمر صعب جداً، فينبغي الحذر في هذا الشأن٠

ومن ناحية أخرى، فإن رأي هذا الفقيه يأتي من خلال النظر في السينما، مع مراعاة الزمان والمكان، و مع مراعاة رأي الخبراء وتاريخ التسوير في الإسلام، بأن قدسية التصوير في التاريخ كانت موضوع ثانوي٠

في فنون الأداء، الشخصية والحدث، عندما لا يخلق الأداء شعوراً لدى الجمهور ولا يتشكل أي معنى، فإن ذلك يشير إلى عدم وجود فعل واختيار الشخصية في الحدث. وقد يكون هذا الاعتراض بسبب الضعف في صناعة الدراما؛ أي أن مؤلف المسرحية لم يتمكن من خلق حدث درامي وإقحام الشخصية في اختيارات صعبة. أو قد يكون بسبب ضعف أداء الممثلين. فان الممثلون الذين يهتمون أكثر بإظهار أنفسهم وشخصيتهم الخارجية بدلاً من الدخول في الدور وإعادة إنتاج الحدث الدرامي٠

هذا الأسلوب يضر بالجمهور ولا يحقق تطلعاته من مشاهدة مسرحية ما، كما أنه يضر بمبدعي المسرحية، ومن هذا المنطلق فإنه يدخل الكاتب أو الممثل في مسألة حقوق النشر. في السينما والتلفزيون الإيراني، يواجه العديد من الأعمال في شبابيك التذاكر والأعمال الصديقة للجمهور مثل هذه الأضرار؛ لأنه عندما لا يكون لدى الشخصيات خيار في حدث وموقف حرج، فإن حضورهم (وهو ما يستخدمه غالبًا ممثلون معروفون ومكلفون) وغلافهم وكلامهم سيكون في وضع آمن مدمر (من حيث أداء الأداء وانعكاسه على الجمهور))؛ لأنه لا يلعب دوراً جدياً في تطور القصة ويرى الجمهور الممثل خارج الدور، وفي هذه الحالة غالباً ما تثير مشاعر الجمهور السلبية، ولهذا السبب يصبح الأمر مختلفاً بالنسبة للفقه٠

لكن إذا كان فعل الشخصية واختيارها في موقف وحدث حرج، فإن الاحكام الفقهية مثل حرمة غناء المرأة، الذي يعتقده كثير من الفقهاء، قد لا يؤدي إلى رد فعل سلبي من الفقهاء في فيلم “أنا ام”؛ لأن غناء شخصية كهذه في المواقف الحرجة لايتوافق تمامًا مع ردود افعال الفقهاء؛ أما إذا نظر في نفس الغناء على أساس السن، فسيكون له حكم مختلف من الناحية الفقهية٠

لذلك فإن الفقه الاجتماعي ودور الزمان والمكان في إصدار الحكم الذي ذكرناه لهما دور مباشر في الأحداث الدرامية. فمثلاً، من الناحية الفقهية، يعتبر شعر المرأة في الخارج، والزينة غير التقليدية، والمكياج الثقيل من المشاكل؛ لكن في الفنون المسرحية قد تتطلب القصة تمثيل شخصية سلبية مع الحد الأدنى من الحجاب، أو مكياج غير تقليدي، أو قضايا من هذا النوع إيجابية وسامية، وقد يكون لها حكم فقهي مختلف عن نفسها. كما أن استخدام الشعر المستعار في المسلسلات الأمنية للتلفزيون الإيراني لاقى قبولاً لدى الجمهور دون أي هامش ودون حساسيات فقهية٠

لذلك، لا بد من رؤية ثنائية من كل من الحقوقيين والفنانين من أجل تحقيق حوار أفضل٠

٥. هل من واجبات الفقهاء إيجاد منصة اجتماعية مناسبة لإصدار الفتاوى؟

بالتأكيد ليست من واجبات الفقهاء أصلا. وهذا الأمر يقع على عاتق السياسيين والمسؤولين مسؤولية إنشاء منصة اجتماعية مناسبة. ومن واجب المسؤولين الحد من الأزمات الاجتماعية المختلفة حتى يكون لإصدار الفتاوى أثر إيجابي. ان من الأساس في المجتمعات التي تعاني من الأزمات، حيث يلقي جزءا كبير من الناس، تحت تأثير وسائل الإعلام و اللوم في العديد من هذه الأزمات على تواطؤ الفقهاء مع السلطات، لا يتم إنشاء منصة اجتماعية مناسبة لإصدار الفتاوى. ولذلك فإن الفقهاء يعتمدون على التطورات الاجتماعية التي تنتج عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية، حتى مع الأخذ في الاعتبار جميع الفرضيات الاجتماعية في إصدار الأحكام، ولكن للأسف كلما زادت الأزمات، كلما زاد عدد الفقهاء لن يكون لهم نفس التأثير على المجتمع٠

هذه المذكرة جزء من المجلة الإلكترونية “أصول الفقه الفني” التي تصدر بالتعاون مع مدرسة فقه الآداب وموقع شبكة الاجتهاد٠