الاستاذ مهدي مهريزي

ما هو فقه حقوق المواطنة وما متطلباتها؟

في الاعوام الأخيرة ظهر في الأبحاث عنوان يمكن تسميته الفقه الإضافي. وفي الواقع يضاف الفقه إلى سلسلة من العناوين، مثل فقه الأسرة، والفقه الديني، والفقه القضائي. اما فقه حقوق المواطنة هو أيضا واحد من هذه الفقهيات. وفي الوقت نفسه، ورغم أن تلك الاجتهادات الفقهية المضافة جديدة؛ لكن موضوعاته ومضامينه ليست جديدة وقد كانت في الفقه التقليدي والقديم، لكن البعض يريدون الآن تجميعها معًا، وإيجاد سلسلة من القواسم المشتركة والجذور منها والتعامل معها. إن فقه حقوق المواطنة جديد من ناحيتين، أي هذا التماسك وهذه القضايا نفسها. أي أنه لا مكان لنا في الفقه التقليدي كحقوق المواطنة أن نجمعها ونخرجها من الفقه. كما أن المسائل الفقهية المتعلقة بحقوق المواطنة جديدة، ولعل نسبة قليلة منها موجودة في الفقه التقليدي، وينبغي جمع معظم محتواها في دراسات جديدة تجرى في مجالات القانون٠

لذلك فإن فقه حقوق المواطنة هو عنوان يضاف إلى باب من أبواب الفقه والمسائل كاجتهادات فقهية إضافية. وفي الزوائد الموجودة في الفقه، أغلب العمل هو الاستخراج والتماسك؛ لكن هنا المهمة أصعب ولا نملك المسائل نفسها المشتركة والفقهية القائمة إلا بنسبة قليلة ولذلك علينا أن نحل المشاكل بالاستعانة بالدراسات الجديدة التي أجريت في الغرب أو في مجالات الدراسات القانونية والأكاديمية٠

الأستاذ مهدي المهريزي، عضو مجلس معهد البحوث الفقهية المعاصرة

فلذلك يمكن الاستفادة من مجال الدراسات الجامعية والغربية الجديدة في فقه حقوق المواطنة، لعدم وجود قضاياها في الفقه المشترك والتقليدي، وبما أن هذه المواضيع جديدة هناك أيضاً، فيجب استخلاص هذه الدراسات الجديدة. ونستكشف أولاً، ثم ندرس ونناقش ونجتهد في طريقة التواصل وفهم الحكم واستنباط قواعده٠

يمكن مقارنة القضايا المطروحة في فقه حقوق المواطنة بحياة اليوم، حيث قضايا مثل نوع التعليم، ونوع الإقامة، مثل نوع العيش في شقة، وقضايا النقل، والسكن، والوجود السياسي للناس تمت مناقشتها سابقا. وفي مناقشة الوجود السياسي للأفراد، أصبح ممثل الزرادشتيين عضوًا في مجلس مدينة يزد ولكن كان هناك جدل لفترة طويلة حول ما إذا كان هذا الشخص يمكن أن يكون عضوا في مجلس المدينة أم لا؟ كما أن العالم الجديد خلق قضايا جديدة للحياة الحضرية والحياة الجديدة، والتي يمكن ذكر أمثلة كثيرة عليها. ومع فقه حقوق المواطنة نريد أن نتناول هذه المسائل لنرى ما هي طبيعتها القضائية والقانونية من وجهة نظر فقهية٠

ما هي أسس ومفترضات فقه حقوق المواطنة بشكل عام؟

إن أهم أساس أو افتراض لحقوق المواطنة، بالكلمة التي تتضمنها، هو أننا نقبل البشر “كبشر” و كحقيقة. المبدأ الأول فيه هو الإيمان بـان “يكون الإنسان إنساناً”. ويعني اعتبار الإنسان إنساناً متحرراً من كل تلك القيود الاجتماعية والسياسية والدينية والعقائدية آدم لأنه آدم وليس لأنه مسلم وليس لأنه إيراني ولغته فارسية. فلنعتبره متحرراً من كل هذه المتعلقات ولننظر إلى احتياجاته في مختلف المجالات. وأهم أسسها هو إيماننا بأن الإنسان بشر وأن له حقوقا. وبخلاف ذلك، إذا لم يقبل شخص ما هذا أو قبل جزءًا منه، فيمكن إثارة مناقشة حقوق المواطنة بنفس القدر٠

بعبارة اخرى، إذا أردنا الحديث عن الأدب الديني، فإن أهم أساس له هو جملة نهج البلاغة التي قال: “الناس صنفان، اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق”. إذا قبلنا وصدقنا هذا المعادل للإنسانية وكوني انا إنسانا، سيتم تشكيل مناقشة حول حقوق المواطنة٠

فلذلك فإن أهم الأسس والمبادئ هو الإيمان بالإنسان كإنسان متحرر من كل قيود العرق الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمسلمة وغير المسلمة. وينبغي علينا في المستقبل أن نسعى أيضا إلى توفير تلك الاحتياجات الإنسانية في مجال القانون والتشريع. وهذا في نظري أهم مبدأ وأساس ومنطلق للفقه وحقوق المواطنة٠

فإذا آمنا بالفقه وقبلنا أن الفقه يشمل دائرة صغيرة، فسيتم التقليل من تناول فقه حقوق المواطنة. لذلك، كلما رأينا دائرة الفقه، كلما اتسعت هذه الفئة، لكن دائرتها صغيرة جداً٠

بالنظر إلى الحد الأدنى من الاجتهادات يتبين أن كثيرا من هذه المسائل هي مسائل عقلية، لأنه ليس من الضروري النظر إليها من وجهة نظر فقهية وبأسس خاصة، فهي قضايا مهما وصل إليها مفكرو العالم يمكننا أن نتخذ منها أساساً للعمل. وأخيرا، في مجال فقه المواطن، وهو أمر عقلاني تماما، يمكننا أن نستمد بعض الأفكار من الدين، والتي في معظمها لها جوانب سلبية وليست إيجابية. لكن الباقي هو ما توصلوا إليه بعقلانية٠

في الحقيقة يجب أن نقول إن الأفكار التي تحكم جزءا من قضايا حقوق المواطنة، البعد الديني، والباقي هو ما طرحوه عقلانيا في العالم، فعلى سبيل المثال، كيف ينبغي أن يكون التعليم؟ كيف يجب أن يدرس الطلاب؟ كم عدد الأقسام التي يجب أن تكون؟ ولا ينبغي لك أن تأخذ هذه الفكرة من الفقه. بحكمة، يدركون في بعض الأماكن أن تعليمنا يتكون من مرحلتين، وثلاث مراحل، وما إلى ذلك. والحقيقة أن جزءاً كبيراً منها هي قضايا يقررها ويتحدث عنها مفكرو العالم أنفسهم. ولذلك، إذا كنا نؤمن بالحد الأدنى من الاجتهاد، فسيتم التقليل من مناقشة حقوق المواطنة، ولكن يمكن أن نعتقد أن الحد الأدنى من الفقه هو أفكار دينية تحدد الخطوط الحمراء بحيث لا يتم تجاوزها بعقلانية٠

لدينا في الدين سلسلة من اليقينات، وهي خطوط حمراء في مجال المسائل الشرعية والعقائدية والأخلاقية، ويجب مراعاتها وعدم تجاوزها، وأينما تجاوزتها المسائل العقلانية، فلا يجوز، كالربا. إن المعاملات مسألة عقلانية، ويتم شراؤها وبيعها في كل مكان في العالم؛ ولكننا نستنتج من الدين بعض الخطوط الحمراء أنه إذا كان ربا فإن التجارة حرام. نحن في الواقع نحصل على كلمة “لا” من التعاليم الدينية. وفوائدها يقدمها المثقفون والمشرعون والفقهاء٠

إلى أي مدى تعتبر الرؤية الفقهية للإنسان فعالة في تفسير أقوال الفقه في حقوق المواطنة؟

إن الفقه القانوني القائم هو ما لدينا الآن، ويمكنه أن يحد من حقوق المواطنة في ثلاثة أماكن. وتتعلق إحدى هذه القضايا بغير المسلمين. فمثلاً تقول إن الكافر نجس، ولا يمكنك الزواج من كافر، أو إذا ذبح الكافر حيوانا فهو غير طاهر. ولذلك فإن ما تقوله في دائرة حقوق المواطنة يخلق قيوداً في هذا المجال. المجال الثاني هو القضايا غير الشيعية. وفي الفقه وفي بعض الفتاوى الفقهية لدينا مواد تتعلق بغير الشيعة؛ فمثلاً يقال أحياناً أن تستغيب غير الشيعي فيجوز للمسلم ونحو ذلك. حسنًا، هذا هو المكان الذي تكون فيه حقوق المواطنة الخاصة بك مقيدة. المجال الثالث للقضايا الاجتماعية هو قضايا المرأة. إذا كانت لديك مسائل تتعلق بالمرأة في الفقه المشترك، فستكون هناك قيود أيضا. وفي رأيي أننا إذا أردنا أن نتناول الفقه وحقوق المواطنة في ثلاثة مجالات استناداً إلى الفقه التقليدي والشعبي، فإن أمامنا قيوداً جدية فعالة في مجال غير المسلمين ومجال غير الشيعة ومجال القضايا الجنسية٠

لذلك، بقدر قبولك لهذه القيود في الفقه التقليدي والشعبي، ستكون حقوق المواطنة الخاصة بك محدودة. و مهما كان اجتهادك خارجا عن الاستدلالات التقليدية ومثل المفكرين الدينيين الجدد الذين لديهم فتاوى أحدث وأفكار أكثر انفتاحا في هذه المجالات، إذا أرادوا التعامل مع الفقه وحقوق المواطنة، فإن الناتج سيكون أوسع وأوسع. ولذلك فإن الفقه القائم مؤثر بشكل جدي في طريقة نظرته إلى الإنسان في التعامل مع حقوق المواطنة، وهذا الصراع يمكن العثور عليه في ثلاث مجالات وساحات رئيسية. غير المسلمين و غير أصحاب الأديان و غير اصحاب المذاهب وقضايا النوع الاجتماعي المتعلقة بقضايا المرأة. ومن الممكن أن تظهر حالات أخرى؛ لكن معظمها يقع في هذه المجالات الثلاثة. في هذه الأماكن الثلاثة، بقدر ما تلتزم بالفقه العام، ستكون يديك ورجليك مقيدة، وكلما زاد عدد الاستنتاجات الجديدة التي لديك هناك، كلما كان بإمكانك إجراء الاستدلالات والاجتهاد هنا بحرية أكبر وصراحة٠

هذا الحوار هو جزء من المجلة الإلكترونية “مبادئ فقه حقوق المواطن” التي يتم إنتاجه بالتعاون مع موقع شبكة الاجتهاد٠