حجة الإسلام والمسلمين، مهدي مهريزي، في مقابلة خاصة مع مجلة الفقه المعاصر؛

أبدأ بما يتعلق بالعلاقة بين الطب التقليدي والطب الحديث، كتبتُ مقالًا أوضحتُ فيه أن هذين النهجين ليسا نقيضين، بل ينبغي الاستفادة من تجارب كل منهما لتحسين حياة الإنسان وصولًا إلى الكمال. فبعض مناهج الطب الإسلامي لم تكن مبنية على العقل والتجربة، وينبغي نبذها. كما جرب أساتذة الطب التقليدي، مثل ابن سينا وأرسطو هذه المناهج٠

المرجع

هل الطب الإسلامي له وجود أم لا؟ سؤالٌ كان هذا الامر محل نقاشٍ واسع بين علماء المسلمين في العقد الماضي. لذلك يستشهد مؤيدو الطب الإسلامي بوجود رواياتٍ عديدة عن أهل البيت عليهم السلام في علاج الأمراض، بينما يعتبر معارضوهم استشارة الأطباء مخالفةً لتعاليم الطب. ومع ذلك، يعتقد حجة الإسلام والمسلمين مهدي مهريزي أنه لا يوجد باب يُسمى “الطب الإسلامي” في كتب الحديث القديمة، وأن هذه الروايات من تأليف العصور المتأخرة. ولا يقبل هذا الباحث في الحديث وأستاذ الحوزة والجامعة التعارض بين الطب الإسلامي والطب الحديث، بل يعتبره، بافتراض وجوده، مُكمّلاً له. وفيما يلي تفاصيل الحوار الحصري حول الفقه المعاصر مع السيد مهريزي عضو مجلس معاهد البحوث في مركز الدراسات الفقهية المعاصرة؛

الفقه المعاصر: هل يُمكن استنتاج وجود علم يُسمى “الطب الإسلامي” من مجموع التراث القرآني والروايات؟

السيد مهريزي: إن فهمي لمجموع آيات القرآن الكريم والروايات هو أنه ليس لدينا ما يُسمى “الطب الإسلامي”، ولم تكن مهمة الدين معالجة هذه القضايا. فإذا نظرنا إلى القرآن، باستثناء آيتين يوصى فيهما بالتقليل من الأكل والشرب وعدم الإسراف، فلا توجد قضايا أخرى. حتى عندنا في الروايات الشيعية، يوجد تسلسل من الأقل إلى الأكثر، مما يدل على أن جزءًا مهمًا من هذه الروايات قد تم بدعتها في فترات لاحقة. وليس لدينا كتاب الطب في كتاب الكافي للمرحوم الكليني. وليس لدينا كتاب الطب في كتب أخرى من الكتب الأربعة أيضًا. فهناك رسالتان فقط مثل كتب الطب للإمام الرضا أو الرسالة الذهبية، وهي رسالة طلبها الخليفة المأمون من الإمام الرضا عليه السلام، وهناك نزاع حول ما إذا كانت قد أضيفت أم نقصت من نصها. لذلك، في الفترات التي تلت كتاب بحار الأنوار، ليس لها فصل مخصص لكتاب الطب. فقط الشيخ الحر العاملي هو الذي شكل نقاشًا حول الطب على مر الزمن. ولذلك تُظهر هذه العملية التاريخية أنه في زمن العلماء الأوائل، لم يكن هناك شيء مثل الطب يمكنهم تخصيص مناقشة له، مثل كتاب الصلاة وكتاب الطهارة وكتاب الزكاة. وعندما ننظر إلى ممارسات وحياة الأئمة، ندرك أنهم كانوا يستشيرون الطبيب، وليس لعلاج أو شفاء الآخرين؛ مما يدل على أن معرفة الطب لم تكن تتفق مع المهمة الرئيسية للأنبياء. بالطبع، من الطبيعي أن يذكر الأئمة أو القادة الدينيون، كأشخاص عظماء وذوي خبرة، شيئًا ما أحيانًا عندما يُطرح عليهم سؤال؛ كما في الرسالة ٣١ من نهج البلاغة، حيث يكتب الإمام علي عليه السلام عن تجاربه للإمام الحسن. فعلى سبيل المثال، يذهب طالب العلوم الدينية إلى قرية للوعظ ويسأله أهل تلك القرية أسئلة حول بعض الأمراض؛ هذا لا يعني أن الناس ينظرون إلى رجل الدين هذا على أنه طبيب؛ لذا، إذا ورد في روايةٍ ما شيءٌ عن الطب، فينبغي أن يُفهم من هذا المنظور، وهذا هو الواقع. اما بعض علماء الشيعة لا يقبلون الادعاء بأن الطب الإسلامي منهجٌ مستقلٌّ في الطب، وقد طلبه الأنبياء والأديان السماوية، مع أن بعض علماء الشيعة يستخدمون هذا، وفي هذا خلاف. فعلى سبيل المثال، قال الشيخ المفيد إن الطب علمٌ منزلٌ علّمه الأنبياء للناس، بينما قال الشيخ الصدوق إن هذا ليس صحيحًا، وهو أيضًا ممن لا يقبله٠

الفقه المعاصر: هل تختلف منهجيّة استنباط المسائل في الطب الإسلامي عن منهج استنباط الأحكام الفقهية؟ على سبيل المثال، هل تختلف منهجيّة تصحيح الأحاديث في الطب الإسلامي عن منهج تصحيح أبواب الفقه؟

السيد مهريزي: بناءً على الإجابة الواردة في السؤال الأول، والتي أعتقد أنها كانت سالبة، لا يُطرح هذا السؤال؛ ولكن بافتراض أن الإجابة كانت بالإيجاب وقبولنا للطب الإسلامي، يجب أن نقول إنه نعم، إنه مختلف. للتوضيح: بعض الروايات في مجال المسائل العقائدية، وجزء آخر في مجال المسائل الطبيعية والتطورية، وجزء آخر في مجال المسائل الأخلاقية، وجزء ثالث في مجال القوانين والأنظمة، وهي مسائل فقهية في القسم الرابع. في مجال المسائل الفقهية، نجد قدرًا من التساهل لتسهيل الحياة؛ على سبيل المثال، إذا لم يكن هناك دليل واحد، فسوف تتعطل الحياة ويجب على كل من لديه شيء ليفعله أن يخبر الشخص وجهًا لوجه، وليس من خلال رسول، لأن الدليل الواحد ليس دليلاً. هناك أيضًا تسهيلات في مجال القوانين واللوائح غير موجودة في مجالات أخرى. لكن الطب، في هذا التقسيم، يقع في مجال الأمور الطبيعية والتطورية؛ لذلك، فإن التسهيل والتساهل لا معنى له، سواء في مجال التحقق أو في مجال التضمين؛ لذلك، يجب أن نرفع الروايات الطبية إلى مستوى المعرفة التي تتطلبها الأمور التطورية والطبيعية، وإلا فلا يمكن الاعتماد عليها. من حيث التضمين، لا يمكن الاعتماد عليها حتى نصل إلى وضوح معين؛ لأنه في الروايات، لدينا الكثير من النقل في المعنى، والكثير من الانقطاعات، والكثير من الأخطاء في كتابة العبارات، والتي لا يمكننا تجاهلها. أما الآن، في الأمراض غير المهمة مثل الصداع، قد نتصرف بناءً على بعض الأخبار الفردية للشك؛ أما في الأمراض المهمة، فيجب الرجوع إلى طبيب مختص، وإذا اشتد المرض، فإلى أطباء العاصمة، ثم إلى أطباء الدول الأخرى، ولذا، يجب علينا تصنيف الروايات، مع الأخذ في الاعتبار أنه في مجال المسائل الطبية، بما أنها تُعتبر مسائل تطورية، فإن حجيتها تختلف عن حجية الروايات الفقهية. بالإضافة إلى ذلك، إذا أردنا العمل بهذه الروايات الافتراضية، فيجب علينا تصنيف الأمراض، وفي الدرجات المهمة، التصرف بطرق عقلانية، مثل إحالة الطبيب المختص٠

الفقه المعاصر: يعتقد البعض أن الطب الإسلامي هو نفسه امتداد الطب التقليدي؟ ما رأيكم في هذا الاعتقاد؟

السيد مهريزي: كلمة الطب ليست اسمًا معروفًا يمكن القول إنه امتداد له؛ لأنه لا بد من وجود شيء في التاريخ يمكننا القول إن هذا الطب امتداد لذلك. فيمكننا القول إن ما ورد في كتبنا مستمد جزئيًا من الطب الجاهلي، وجزئيًا من الطب الفارسي القديم، وجزئيًا من الطب اليوناني؛ لذا لا يمكن استخدام كلمة “التقليدي”. ومن الملفت للنظر أن أشخاصًا مثل العلامة المجلسي، الذين كانوا هم أنفسهم أخباريين، وبذلوا قصارى جهدهم لربط كل شيء بالدين، قالوا نفس الشيء. وقد روى المجلسي الراحل في كتابه “الطب في بحار الأنوار” ولم ينكره؛ لذا، لا يصح القول إن الطب الإسلامي امتداد للطب التقليدي٠

الفقه المعاصر: هل الطب الإسلامي، بافتراض دقته، قابل للتطبيق والاستشهاد، أم أنه يتطلب مزيدًا من البحث والخبرة والتعمق في مواجهة الطب الحديث؟

السيد مهريزي: أولًا، انا بصراحة لا أقبل هذه المواجهة؛ لأن التجارب الطبية للبشرية في الماضي مع التجارب الحديثة يجب أن تكون متكاملة لا متعارضة. أما الخلافات بين الطب التقليدي والطب الحديث هي في الواقع جزء من هذا الصراع. ويسعى التقليديون إلى تعزيز نظامهم، ولا ينبغي لأحد زيارة طبيب جديد وشراء الأعشاب من محله؛ ولذلك يُؤججون هذه المواجهة بين حين وآخر. والحقيقة أن جميع أنواع الطب لا تتعارض؛ فبعض الأمراض تُعالج بالوخز بالإبر، وبعضها بالعلاج بالطاقة، وبعضها بالأعشاب، وبعضها بالأدوية الكيميائية؛ لذا، لا مجال للمواجهة٠

اما فيما يتعلق بالعلاقة بين الطب التقليدي والطب الحديث، كتبتُ مقالًا أوضحتُ فيه أن هذين النهجين ليسا متعارضين، بل يجب أن يستفيد كل منهما من تجارب الآخر لتحسين حياة الإنسان وتحقيق التطور. وان بعض مناهج الطب الإسلامي لم تكن مبنية على العقل والتجربة، وهو ما يجب التخلي عنه. كما أجرى أساتذة الطب التقليدي، مثل ابن سينا وأرسطو، تجاربا عديدة. فعلى سبيل المثال، كان لدى أرسطو أرشيف ضخم من الحيوانات المختلفة، وبناءً على التجارب التي أجرى عليها، توصل إلى بعض الاستنتاجات. كما أجرى ابن سينا تجارب بنفسه؛ لذا، إذا قبلنا شيئًا لمجرد أنه مذكور في الكتب القديمة، فهو خاطئ، ولكن يجب تجربته واختباره٠

تعود هذه الصراعات في الغالب إلى التجارة. واليوم، يُعزى جزء مهم من الطب الحديث إلى التجارة، وشركات الأدوية الكبرى لا ترغب في استبدال الأدوية الجديدة خشية خسارة أرباحها. كما وقع الطب القديم في فخ هذه التجارة، بالإضافة إلى قلة الخبرة والجهل٠

اما في نهاية المطاف، ينطبق الأمر نفسه على المواجهة بين العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية. فبرأيي، هذين النوعين من المعرفة ليسا ضد بعضهما البعض، بل ينبغي استخدامهما جنبًا إلى جنب٠