نظرة موجزة على تعريف الفقه الأخلاقي وأسسه العقائدية؛ وتنكر الفقه كمبدأ أخلاقي٠

يقول حجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل؛

يرى الفقه الأخلاقي أن على الفقه أن يزن أقواله بنتائج الأخلاق، والأخلاق في الواقع هي ميزان الفقه. ففي الفقه الأخلاقي، تُقدم المعارف العقلية على المعارف السمعية والسردية، ويُقدم الإدراك العقلي على الأحكام الفقهية، ويُلزم الفقيه بموازنة فتواه بالمعايير والمقاييس الأخلاقية بعد الاستدلال، فإن وجد أي تعارض، فالفتوى هي الباطلة لا الإدراك الأخلاقي٠

يعتقد كثيرون أن جزءًا كبيرًا من الخلافات الفقهية والأصولية يعود إلى الأسس العقائدية لهذين العلمين. يعتقد حجة الإسلام والمسلمين، السيد كاظم حقاني فضل، الذي درس علم الفقه ودرّسه، وتخصص في علم الكلام، ودرّس فيه مرات عديدة، أنه لا يمكن تعريف الفقه الأخلاقي تعريفًا دقيقًا دون شرح أسسه العقائدية. في هذه المذكرة الخاصة، يحاول محرر موسوعة الفقه المعاصر شرح الأسس العقائدية للفقه الأخلاقي وتداعيات كل مؤلف منه في نطاق هذا الفصل الفقهي ونتائجه٠

مقدمة

مهد دخول المسلمين إلى العالم الجديد، ولقاء الفقهاء بقضايا جديدة، الطريق للنقاشات والانتقادات والدفاعات حول نطاق الفقه ومتطلباته ومزاياه. وظهور ظاهرة تُسمى الفقه الإضافي هو نتاج هذه التحديات العلمية والفقهية. وفقه الأخلاق هو أيضًا أحد المصطلحات التي شغلت العديد من العلماء في قائمة الفقه الإضافي. ومع أن فقه الأخلاق لم يُخيط بعدُ، فقد بدأ البعض بتقييمه باستخدام معيار الأخلاق، كما دخل مصطلح فقه الأخلاق الساحة العلمية. تُقدم هذه المذكرة لمحة موجزة عن تعريف هذين العلمين وأسسهما٠

فقه الأخلاق، في لمحة بسيطة، هو علم موضوعه أفعال الإنسان الأخلاقية، ومنهجه منهج الاجتهاد النصي، ومصادره الكتاب والسنة. هذه المعرفة، التي ينبغي أن تكون في الواقع جزءًا من علم الفقه الفرعي، تسعى إلى توضيح واجبات المؤمنين بدين الإسلام في بعض السلوكيات والمواقف التي غالبًا ما تكون غير عبادية ومعاملاتية٠

يعتمد التحديد الدقيق لفقه الأخلاق على توضيح حدود الأخلاق. وحتى يتضح ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن الأخلاق، فلن نتمكن من رسم حدود واضحة بين الفقه الأخلاقي وأجزاء أخرى من الفقه٠

ما يسمى بالأخلاق في أدبيات علماء الدين اليوم يشمل العديد من المجالات المعرفية؛ الصفات الأخلاقية أو الفضائل والرذائل، وما يجب وما لا يجب فعله في السلوك، والقيم والقيم المضادة للقلب والعقل، وطريقة التربية وتحقيق الفضائل، وأحيانًا حتى مسار الفرد نحو الروحانية. من الواضح أنه لا يمكن اكتساب المعرفة حول كل هذه القضايا بالطرق المعروفة للاستدلال والاجتهاد الفقهي. لقد بنى الفقه التقليدي أساسه على الاعتراف بواجبات الملزمين، وترك الأسس والافتراضات والأهداف، وحتى تفسير العلاقة بين المبادئ والأهداف لعلوم أخرى؛ ولكن إذا اعتبرنا، على غرار جماعة من العلماء، أن نطاق الأخلاق يقتصر على العلاقات الشخصية واحترام حقوق الآخرين، فمن الأسهل علينا أن نتحدث عن فقه الأخلاق ونضعه في قسم من الفقه الفرعي٠

قد حاول بعض العلماء أيضًا تصوير أفعال القلب والعقل، على الأقل في بعض الحالات التي لها حكم فقهي؛ لأن هذه الأفعال القلبية ناتجة عن مقدمات سلوكية، أو ما يمكن علاجه والتخلص منه بالسلوكيات، كالريبة والحسد ونحوهما. وفي هذه الحالة، يشمل نطاق الأخلاق الباطنيات بالإضافة إلى التعامل مع الآخرين٠

يقوم قبول فقه الأخلاق بالتعريف المذكور على أن شمولية الدين وكماله تشمل أيضًا القضايا الأخلاقية، وأن ما ورد في الكتب والروايات في مجال الأخلاق كافٍ لحياة الإنسان. ومع ذلك، إذا (١) اعتبر أحدهم أن الأخلاق تعتمد على الإدراك العقلي والعقلاني لا على السمعي والرواية، و(٢) عرّف الإدراك العقلي بأنه إدراك مسبق، فإن الأخلاق تُعتبر علمًا منفصلًا عن الفقه، كما أن منهج فهم مسائلها يختلف عن منهج الاجتهاد الفقهي٠

بالطبع، إذا أصرّ أشخاصٌ مثل آية الله جوادي آملي على منح العقل مكانةً خاصةً في هندسة المعرفة الدينية، واعتبار الاستدلالات العقلية جزءًا من الدين مباشرةً، فسيُفتح بذلك طريقٌ لفهم القضايا الأخلاقية على أنها فقهية. على سبيل المثال وبالاعتماد على مبدأ النفي، يُمكننا سد الفجوة بين الواجبات الأخلاقية (الخير والقبح العقليين) والواجبات الدينية الواجب والمحرم٠

مع ذلك، فإنّ من يُعرّفون الأخلاق بأنها معرفةٌ خارجةٌ عن الدين تمامًا وقبل دينية، ويُعرّفون القضايا الأخلاقية بأنها عقلانيةٌ وفوق دينية، ويُصنّفون التوصيات الأخلاقية الدينية على أنها أوامرٌ ونواهٍ إرشادية، يعتقدون أنه بناءً على مبادئ العدالة، يجب أن يكون الفقه متوافقًا معها، وبما أنهم يعتبرون العدالة عقلانية، فمن الممكن للمُلزمين معرفة المعايير، أي أمثلة العدالة. وبالتالي، فإنّ الأخلاق ليست جزءًا من الفقه فحسب، بل هي معرفةٌ مهمةٌ للفقه٠

من هنا، يكشف اتجاه يُسمى الفقه الأخلاقي. الفقه الأخلاقي هو مزيج إضافي، لكن الفقه الأخلاقي هو مزيج وصفي. في الأول، الفقه هو منهج لمعرفة الأخلاق، وما لم يوجد منهج فقهي، فلن تتحقق الأخلاق القائمة على الدين. أما في الثاني، فالأخلاق هي وصف للفقه؛ أي أنها قبل الفقه هي الحقيقة، ولا يتوقف تحقيقها على الفقه، بل هو الفقه الذي يمكن وصفه بالأخلاق أو لا٠

يعتقد الفقه الأخلاقي أن الفقه يجب أن يوازن بين قضاياه ونتائج الأخلاق، والأخلاق في الواقع هي ميزان الفقه. في الفقه الأخلاقي، تكون للمعارف العقلية الأسبقية على المعارف السمعية والسردية. يُفضَّل الإدراك العقلي على الأقوال الفقهية، وعلى الفقيه أن يُوازن فتواه بمعايير ومقاييس أخلاقية بعد عملية الاستدلال، فإن وجد تعارضًا، فالمُحكوم عليه بالبطلان هو الفتوى لا الإدراك العقلي٠

لكن على الجانب الآخر من هذه المسألة، توجد مسألة أخرى؛ وهي أن الجهد الفقهي لمعرفة الواجبات الأخلاقية من النصوص الروائية، أو الفقه الأخلاقي، يرتكز على قضية أساسية؛ وهي أنه بناءً على نظرية تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الحقيقية، فإن القيم الأخلاقية مُضمنة في جوهر القضايا الدينية (الكتاب والسنة)، وبمجرد أن يخوض الفقيه في عملية الاجتهاد القائمة على معايير الاجتهاد، فإن ما يستنتجه يكون أيضًا متوافقًا مع العدالة والأخلاق؛ وإذا خالف الإدراك العقلي هذه الفتوى، فإن الخلل هو ذلك الإدراك العقلي، وليس فتوى الفقيه! لقد أنزل الله دينه شاملاً وكاملاً، وقد وصل إلينا هذا الدين شاملاً وكاملاً، ولا يمكن أن يتعارض هذا الدين الشامل والكامل مع القيم الأخلاقية الأصيلة. لأن إله الفقه هو إله الأخلاق، وقد عبّر عن كل ما طلبه من عباده على ألسنة رسله. وينشأ التناقض المزعوم بين الإدراك الأخلاقي والنتائج الفقهية من جهلنا بالمصالح والمفاسد الحقيقية التي لا علم لنا بها. ويمكن القول إن هذا الميل إلى التربع على عرش الاعتزال والحكم بشريعته الأشعرية٠

بعبارة أخرى، يكمن الفرق بين فقه الأخلاق والفقه الأخلاقي في تناقض جوهري، وهو مدى وقوة العقل في إدراك الحقائق، وسلطة المعرفة العقلية. فيرى الفقه الأخلاقي أن الأخلاق عقلانية، ويزعم أنه بالعقل يُمكن إدراك معايير الأحكام الأخلاقية ومصالحها ومفاسدها، وأن هذه المعرفة العقلية هي أيضًا معرفة صحيحة وسلطوية. وعلى هذا الأساس، يُمكن للأفراد التمييز بين المهم والأهم في مختلف المواقف، وإدراك واجبهم في التناقض بين الفقه والأخلاق٠

من النقاط الأخرى التي يُمكن الإشارة إليها في التمييز بين فقه الأخلاق والفقه الأخلاقي، موقع مجموعة من الأحاديث والنصوص الدينية في علم الفقه. ففي هذا العلم، تُوصف مجموعة من الأحاديث بأنها أحاديث أخلاقية، وتُعرّف خارج نطاق الأحكام الشرعية الواجبة؛ أي أن المسلم بمراعاة الفقه قد استوفى الشرط اللازم والكافي، أو الشرط المسلم. وكما أنه في الفقه لا يشترط الوفاء بالكثير من الوعود، ولا يعد إخلاف الوعد محرماً إلا في حالات قليلة، كذلك في الفقه الأخلاقي لا يكفي مجرد مراعاة الفقه٠