مقدمة
فقه الاقتصاد، نظرًا لمدى حضوره في المجتمع والناس، يُعدّ من أكبر وأوسع وأكثر فروع الفقه المعاصر تأثيرًا. وعلى الرغم من أن مسائل هذا الفرع الفقهي كانت مطروحة في كتب الفقهاء السابقين، إلا أن تطور مباحث علم الاقتصاد وظهور موضوعات ومسائل اقتصادية جديدة في العقود الأخيرة قد أوجد اقتصادًا جديدًا يتطلب فقه اقتصاد جديد أيضًا. الشيخ الدكتور سيد حميد جوشقاني، عضو الهيئة العلمية في قسم الاقتصاد بجامعة المصطفى، يتناول في هذا المقال الخاص التحديات الحالية أمام فقه الاقتصاد. ويرى أن أحد أهم التحديات هو غياب باحثين في الفقه ممن لهم إلمام كافٍ بالاقتصاد، أو العكس. فغالبية الباحثين الحاليين في فقه الاقتصاد إما باحثون اقتصاديون لديهم معرفة محدودة بالفقه، أو فقهاء لديهم إلمام محدود بعلم الاقتصاد. وفيما يلي نص المقال الخاص بأمين مجموعة فقه الاقتصاد في مركز بحوث الفقه المعاصر:
يمكن مناقشة تحديات فقه الاقتصاد من زوايا متعددة، وهي كالتالي:
البرنامج التعليمي للاقتصاد الإسلامي: لم يتم تطوير وتوسيع تدريس الاقتصاد الإسلامي باستراتيجية واضحة وتخطيط طويل الأمد ومنظم. هذا المجال لم يُصاحب منذ البداية بتأسيس تخصص مستقل أو تفرع مستقل في النظام التعليمي. حتى بعد إعادة فتح الجامعات، لم يكن هناك نظام منظم لتدريس مواد الاقتصاد الإسلامي، وكانت الوحدات الدراسية المحدودة التي تُدرَّس في مرحلة البكالوريوس ومن ثم الماجستير تفتقر إلى إطار منظم، وكانت تُدرَّس بشكل عام وفقًا لأذواق المدرّسين.
عدم إمكانية البحث أحادي البعد: لا يمكن مناقشة فقه الاقتصاد بمعزل عن بقية مكونات الاقتصاد الإسلامي. فمسائل فقه الاقتصاد تحتاج إلى دراسة ضمن إطار المذهب والنظام الاقتصادي الإسلامي؛ لذا يجب على من يريد الخوض في فقه الاقتصاد أن يكون لديه على الأقل إلمام بهذين المجالين.
الارتباط الوثيق لفقه الاقتصاد بتوصيف الموضوعات: ربما تكون معظم المسائل الاقتصادية مرتبطة بتوصيف الموضوعات، لكن هذا الأمر يظهر بوضوح في المسائل الاقتصادية المستحدثة. فدراسة الصكوك المالية والتفاعلات المالية والنقدية من المسائل التي تحتاج إلى توصيف دقيق للموضوعات. في بحوث الاقتصاد الإسلامي، نحتاج إلى معرفة بعلم الاقتصاد الحديث ومبادئ الاقتصاد الإسلامي معًا، لكن الباحثين في هذا المجال إما لديهم معرفة بعلم الاقتصاد الحديث فقط ويعتبرون معرفة الأحكام الدينية كافية لبحوث فقه الاقتصاد، أو لديهم فقط معرفة بالمسائل الفقهية والأصولية دون إلمام بالمسائل الاقتصادية، ويعتبرون معرفة الأحداث الاقتصادية في المجتمع كافية، أو لديهم معرفة محدودة بكلا المجالين. وربما يمكن الإشارة إلى عدد قليل من الباحثين الذين يمتلكون خبرة كافية في كلا المجالين.
وجود آراء متعددة في فقه الاقتصاد: يُعدّ هذا تحديًا آخر يجعل مناقشة المسائل الاقتصادية وتقديم نظرية موحدة أمرًا صعبًا.
تقييد الاقتصاد الإسلامي بفقه الاقتصاد: يُعدّ هذا تحديًا آخر يؤدي حتى إلى نقصان في مناقشة المسائل الفقهية الاقتصادية.
غياب الموارد الكافية المخصصة لفقه الاقتصاد: يُعدّ هذا مشكلة أخرى تواجه بحوث فقه الاقتصاد بالتحديات. حتى الدراسات المنجزة لم تُجمع أو تُصنف أو تُقدم في شكل برمجي. معظم الدراسات المنجزة في مجال فقه الاقتصاد تعتمد على فقه أهل السنة، بينما بحوث فقه الاقتصاد الشيعي ليست كثيرة العدد.
تشتت البحوث المتوفرة: ربما يساعد وضع نظام موحد لموضوعات فقه الاقتصاد على تنظيم العمل وبالتالي اعتماد أساس موحد في المسائل الاقتصادية.
غياب مركز متخصص يتولى فقه الاقتصاد: قد يؤدي ذلك على المدى الطويل إلى مشكلات، حيث لا يُعرف أي مركز أو جهة تتولى هذا الفرع الفقهي.
عدم التنفيذ العملي للمباحث الفقهية الاقتصادية: إضافة إلى عدم اهتمام المسؤولين بتفعيل نتائج بحوث الباحثين، يؤدي ذلك إلى نقص الإنتاجية اللازمة في بحوث فقه الاقتصاد. ومن الضروري أن تُجرى هذه البحوث من خلال تفاعل مستمر بين المراكز العلمية والاقتصادية لتطوير المباحث وتهيئتها وتوسيعها.