باحث في آثار المرحوم محمد حسين الطهراني، في حوار خاص مع مجلة الفقه المعاصر، أثار النقاط التالية:

مبادئ فقه الاقتصاد/21

ورغم أنه لم يُصرَّح بأنه كان يؤمن بنظام اقتصادي إسلامي أو أنه كتب في هذا الشأن عملاً مكتوبًا، إلا أنه لا يبدو بعيدًا، خاصة أنه عاصر الشهيد السيد محمد باقر الصدر، مؤلف كتاب "اقتصادنا" القيم، وفي تلك الفترة التي طُرح فيها موضوع الاقتصاد في النظام الإسلامي، كان معظم العلماء يشاركونه الرأي ويرفضون النظام الاقتصادي الكافر. لذا، كان هو أيضًا، مثل غيره من علماء الإسلام، يرى الاقتصاد مجرد أداة.

إشارة: المرحوم آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، وإن اشتهر أكثر بمسلك معين في الفلسفة والعرفان، إلا أنه يمتلك أسسًا فريدة في العلوم الإسلامية والإنسانية الأخرى. ومن بين هذه الأسس، قضية الاقتصاد. المرحوم الطهراني، المعروف بالتزامه الصلب بالنصوص وعدم التجاوز عنها، يواصل هذا النهج في الاقتصاد أيضًا، ووفقًا لاعتقاد أحد تلامذته، لم يتنازل أبدًا عن المبادئ الاقتصادية المطروحة في القرآن والسنة. الحجة الإسلام محمدرضا كريمي تحدث في هذا الحوار الخاص عن الأبعاد الاقتصادية لنظريات المرحوم الطهراني.

الفقه المعاصر: هل كان المرحوم العلامة الطهراني يؤمن بوجود نظام اقتصادي إسلامي في مقابل الأنظمة الاقتصادية الأخرى؟

كريمي: العلامة الطهراني، وإن كان يتميز أكثر بمشرب فلسفي وعرفاني وقرآني، إلا أنه لا ينبغي أن يُغفل أنه كان شخصية جامعة ومتمكنة من علوم وفنون متعددة. هذه حقيقة أن العلماء الإسلاميين، بفضل ارتباطهم الوثيق بالنصوص العلمية واستفادتهم من المصدر الإلهي اللا نهائي، قد لا يكونون قد دخلوا صراحة في مجالات متخصصة أكاديمية مثل الاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس والإدارة وغيرها، لكن القول هو كما قالوا. بمعنى أنني أقصد أنه كان رسميًا صاحب رأي في العديد من العلوم حتى وإن لم يُصرَّح بذلك. والسبب هو ذلك الارتباط ببحر الثقل الأكبر والثقل الأصغر، وهو أمل كل البشر أن يتمكنوا من الجلوس على ينبوع العلوم والارتواء منه.

لكن على وجه الخصوص، بخصوص علم الاقتصاد، تظهر معظم آراء العلامة في بعض الكتب والمذكرات الخاصة، وهي:

كتاب “رسالة النكاحية” أو الكتاب المعروف بـ”تقليص السكان، ضربة قاصمة على جسد الإسلام”، حيث أذهلت دقة ونضج رأيه في هذا الكتاب الأمم الإسلامية على مدى قرن. رسالة كتبها في نقد وتصحيح مسودة الدستور في بدايات الثورة الإسلامية المجيدة. كتاب “الرسالة البديعية” الذي كتب في تفسير الآية المباركة “الرجال قوامون على النساء” في عام ١٤٠٣ هـ. وفي كتبه الأخرى، هناك جمل متعلقة بهذا الشأن، لكن تركيز الآراء الاقتصادية يتجلى أكثر في هذه الأعمال.

لكن الإجابة على السؤال أعلاه تأتي على وجهين: أولاً، هل كان يقبل الأنظمة الاقتصادية غير الإسلامية أم لا؟ والجواب في هذا الجزء واضح تمامًا: لا، إنه لم يقبل بتاتًا آراء الكفار والغرب. فقد أشار في جزء من مذكرته إلى أن معيار السنوات الأربع للرئاسة هو معيار غربي، وذكر السبب في ذلك بأنه مأخوذ من الغرب.

أما الجزء الآخر، فهو: هل كان يقبل نظامًا يُسمى النظام الاقتصادي الإسلامي أم لا؟ في الجواب يمكن القول: رغم أنه لم يُصرَّح بأنه كان يؤمن بنظام اقتصادي إسلامي أو أنه كتب في هذا الشأن عملاً مكتوبًا، إلا أنه لا يبدو بعيدًا، خاصة أنه عاصر الشهيد السيد محمد باقر الصدر، مؤلف كتاب “اقتصادنا” القيم، وفي تلك الفترة التي طُرح فيها موضوع الاقتصاد في النظام الإسلامي، كان معظم العلماء يشاركونه الرأي ويرفضون النظام الاقتصادي الكافر. لذا، كان هو أيضًا، مثل غيره من علماء الإسلام، يرى الاقتصاد مجرد أداة، وكما أُشير في بيان الخطوة الثانية، فإن الاقتصاد ليس هدف المجتمع الإسلامي، بل هو وسيلة لا يمكن الوصول إلى الأهداف بدونها. (راجع: بيان الخطوة الثانية) لذلك، يمكن القول إن العلامة الطهراني بالتأكيد لم يكن يؤمن بنظام اقتصادي غير إسلامي، لكنه على الأرجح كان يميل إلى نظام اقتصادي إسلامي.

الفقه المعاصر: ما هي أهم الافتراضات والمبادئ التي كان يأخذها بعين الاعتبار لنظام الاقتصاد الإسلامي؟

كريمي: بخصوص الافتراضات والمبادئ التي اعتمدها في الاقتصاد المستمد من الإسلام، يمكن الرجوع إلى مذكرته. فقد اقترح في رسالة نقدًا وتصحيحًا لمسودة الدستور الأساسي، ومنها عدة فقرات جديرة بالاهتمام؛ على سبيل المثال، يقول: إن أي معاملات تؤدي إلى استغلال المال، مثل المعاملات الربوية، فاسدة. وأشار في مذكرته إلى أن:

«نعم، كمبادئ كلية إسلامية، يمكن استنباط أحكام من القرآن والسنة، مثل مبدأ الملكية المشروعة، أو مبدأ حرمة الربا، ونظام البنوك الربوية، ومبدأ الحرية والحريات المشروعة، ومبدأ عدم جواز التعدي على الحقوق الفردية والاجتماعية وما شابه ذلك، ويمكن تدوينها كضوابط كلية تُستخدم في جميع الأمور والشؤون دون اختصاص بمسألة معينة، كمبادئ إسلامية، مثل أصول الفقه التي صنفها الفقهاء بسبب عموميتها وكليتها، وجعلوها مقدمة للفقه.»

بشكل عام، كان يعتبر المبادئ الإسلامية الأصيلة الموجودة في القرآن والسنة افتراضات وأسسًا غير قابلة للتغيير في نظريته المباركة، ومثل سائر علماء الإسلام، لم يقبل أي شيء خارج هذين المصدرين الإلهيين. لذا يمكن القول إن مبادئه مستمدة من الكتاب والسنة، وقد عددها أساتذة الاقتصاد الإسلامي في كتب ومقالات متعددة.

الفقه المعاصر: ما هي الآراء الخاصة التي كان يتبناها فيما يتعلق بالاقتصاد الإسلامي والفقه الاقتصادي؟

كريمي: بخصوص الآراء الخاصة به، سبق أن ذكرت أنه بما أنه لم يكن لديه كتابة مستقلة في الاقتصاد، فإن أي رأي خاص به لم يُسجل للأسف، لذا لا يمكن نسبة نظرية معينة إليه. ومع ذلك، وفقًا لقاعدة «عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود»، فإن ما لم يُعثر عليه لا يدل على عدم وجوده، لذا قد يكون هناك أشخاص على اطلاع بآرائه الخاصة. ومع ذلك، فيما يتعلق بمسألة السكان، التي لديه فيها كتاب مستقل، طُرحت آراء خاصة منه. وهذه المسألة تتفرع عن قبول الاقتصاد للسكان من حيث اعتبار الإنسان قوة عاملة ذات قيمة اقتصادية وأعلى. فمسألة السكان في الاقتصاد تُطرح من ثلاثة جوانب: الأول، الزواج والإنجاب؛ والثاني، الوفيات؛ والثالث، الهجرة. العلامة الطهراني في كتاب “رسالة النكاحية” يطرح المسألة من زاوية زيادة النسل. وكما سبق أن ذكرت، كان مصرًا على المبادئ القرآنية والروائية ولم يتنازل عنها أبدًا. ولهذا السبب، اعتبر زيادة النسل وحفظ الأولاد وعدم قتل الطفل حرامًا شرعيًا، حتى أنه أشار صراحة: «هذه كلها آيات تدل على حرمة قتل الطفل، سواء كان الطفل كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى، ناقص الخلقة أو متخلفًا أو كامل الخلقة. لا الأب ولا الأم ولا الحكومة ولا الحاكم ولا الهيئة الطبية ولا غيرهم لهم الحق في قتل هذا الطفل أو إفنائه، سواء باستخدام أداة قاتلة أو بحقن دواء سام أو بأي وسيلة أخرى تُكتشف لاحقًا» (راجع: رسالة النكاحية ص ٢٣).

وفيما يتعلق بالقيمة الاجتماعية للإنسان، لم يكتفِ بمعيار القوة الإنتاجية الاقتصادية للإنسان، وهو معيار غربي، بل أشار صراحة إلى أنه إذا أنجبت امرأة وكبرت أبناءها وسلمتهم للمجتمع بدلاً من العمل في الصناعات، فقد رفعت خدمات وجودها إلى أعلى درجة بضرب عدد أبنائها.

ومن الآراء الخاصة الأخرى للعلامة الطهراني، معارضته الشديدة لفرضية مالتوس في مجال السكان، التي تناولها في عدة أقسام من كتاب “رسالة النكاحية”. وبالطبع، كانت هذه المعارضة أكثر جدية فيما يتعلق بالأهداف السياسية والاقتصادية للاستعمار في البلدان الإسلامية، وقد وقف بحزم في هذا المجال وقدم الحجج. (راجع: رسالة النكاحية ص ٩٦). وهنا أشير إلى أن فرضية مالتوس فيما يتعلق بالتحكم في السكان واجهت معارضين جادين منذ البداية، ولكن قلة من العلماء تعرضوا لها. لذا، يُعد العلامة الطهراني من بين العلماء القلائل الذين واجهوا هذه الفرضية بالحجة المستدلة.

Source: External Source