رئيس جامعة باقر العلوم في حوار خاص مع مجلة الفقه المعاصر:

الحكم الشرعي في الحفاظ على الموارد الطبيعية من منظور الفقه الإمامي/2

تُقسم السياسات العامة في الفقه إلى عدة فئات: هناك فقه النظام الذي يرسم الخطوط العريضة للشريعة. فقه الموارد الطبيعية أيضاً يتضمن سياسات عامة يجب التوصل إليها. في المستوى التالي، هناك سياسات متوسطة تُعرف اصطلاحاً بالعام الفوقاني. كما توجد سياسات جزئية تُسمى الأدلة الخاصة. الشارع يعبر عن السياسات في هذه المستويات الثلاثة. الآيات والروايات، التي تشكل الأدلة الفقهية، يمكن أن تساهم من خلال الاستنباط الذي يجريه الفقيه في هذه المستويات الثلاثة في وضع السياسات في فقه البيئة، واستخلاص النموذج المثالي في النهاية.

إشارة: الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور سيد إحسان رفيعي علوي، قبل تعيينه نائباً للتعليم ثم رئيساً لجامعة باقر العلوم، أمضى سنوات في البحث في فقه الموارد الطبيعية مثل فقه النفط والغاز. تحدثنا معه حول الفقه وسياسات الحفاظ على الموارد الطبيعية. هو يعتقد أن علم الفقه يمكن أن يساعد علم وضع السياسات، سواء في مجال بيان الواجبات والمحظورات أو في مجال تنفيذ الأحكام.

الفقه المعاصر: هل علم الفقه يتكفل أصلاً بمسألة وضع السياسات، أم أن وضع السياسات، في أحسن الأحوال، هو أمر متعدد التخصصات، والفقه أحد التخصصات المؤثرة فيه؟

رفيعي علوي: لدينا عنوان نركز عليه وهو فقه البيئة. في مجال التفاعل مع البيئة، يتكون جزء من التفاعل الإنساني مع البيئة. فقه البيئة يحدد القواعد والواجبات والمحظورات والنموذج السلوكي القيمي لنا مع البيئة. فقه البيئة، بخلقه لهذه الواجبات والمحظورات، ينتج نوعاً من القيم السياسية. في هذا المجال، يقوم الفقه بتحديد الواجبات والمحظورات لوضع السياسات. هذا هو أعلى مستوى من التفاعل بين علم الفقه ووضع السياسات في مجال البيئة.

في هذا السياق، المهمة الأولى للفقه هي تحديد الواجبات والمحظورات في الحفاظ على البيئة والتفاعل معها. المهمة الثانية هي أنه يساعد في إعادة تعريف هذه المفاهيم. وضع السياسات هو عملية يحدد من خلالها صانعو القرار، عبر المؤسسات العامة، الأهداف والمبادئ والحلول للمشكلة، ويصيغون هذه الاستراتيجيات. يدخل الفقه في وضع السياسات من خلال تلك القيم والواجبات والمحظورات. بعبارة أخرى، يسعى وضع السياسات إلى هدف وغاية ونقطة مثالية. الفقه يتابع تلك الواجبات والمحظورات. بالطبع، يمكن للفقه أن يشارك أيضاً في جزء من عملية وضع السياسات. التوضيح هو أن وضع السياسات عملية تشمل مراحل من تحديد المشكلة إلى التنفيذ والتقييم. يمكن للفقه أن يساهم في وضع السياسات سواء من حيث الهدف أو من حيث العملية.

الفقه المعاصر: بالنظر إلى أن علم الفقه يتناول مباشرة بيان حكم الموضوعات، بينما يسعى علم وضع السياسات إلى إيجاد مسار محدد لحل المشكلات عبر العلوم الأخرى، هل يمكن القول إن وضع السياسات هو الذي يحدد مسار علم الفقه وليس العكس؟

رفيعي علوي: في الفقه، لدينا ساحتين: العقل العملي والعقل النظري. في إحدى ساحتيه، يبين الفقه الأحكام والموضوعات بحد ذاتها؛ على سبيل المثال، في مجال فقه البيئة والموارد الطبيعية، تُطرح مسألة ما إذا كنا مخولين باستخدام الأنفال أم لا؟ هنا، النقاش يدور حول الواجبات والمحظورات. لكن أحياناً نكون معنيين بساحة العقل العملي؛ على سبيل المثال، إذا قال الشارع إن مراعاة المصلحة والعدالة بين الأجيال واجبة في استخدام الموارد الطبيعية، يمكننا من خلال علم وضع السياسات تحديد خط معين يساعد على تحقيق تلك الساحة النظرية. للشارع ساحة ثبوتية تساعد في استنباط الأحكام واستخلاصها، وساحة عقل عملي نُقيم من خلالها الشرع. وضع السياسات يلعب دوراً في ساحة إقامة الشرع. يمكن للفقه أن يكون مساعداً وموجهاً في كل من ساحة الواجبات والمحظورات وساحة إقامة الشرع.

الفقه المعاصر: هل يمكن استنباط سياسات عامة أو متوسطة أو جزئية في سبيل الحفاظ على الموارد الطبيعية من خلال النظر في الآيات والروايات؟

رفيعي علوي: السؤال في الحقيقة هو: هل يمكننا، بالنظر إلى الآيات والروايات، استخلاص خطوط عامة وسياسات عامة والتمسك بها في الحفاظ على الموارد الطبيعية؟ على سبيل المثال، في مسألة العدالة بين الأجيال، هل لي الحق في استخدام النفط؟ وهل لابني وابن ابني الحق في الاستفادة منه أيضاً؟

تُقسم السياسات العامة في الفقه إلى عدة فئات: هناك فقه النظام الذي يرسم الخطوط العريضة للشريعة. فقه الموارد الطبيعية أيضاً يتضمن سياسات عامة يجب التوصل إليها. في المستوى التالي، هناك سياسات متوسطة تُعرف اصطلاحاً بالعام الفوقاني. كما توجد سياسات جزئية تُسمى الأدلة الخاصة. الشارع يعبر عن السياسات في هذه المستويات الثلاثة. الآيات والروايات، التي تشكل الأدلة الفقهية، يمكن أن تساهم من خلال الاستنباط الذي يجريه الفقيه في هذه المستويات الثلاثة في وضع السياسات في فقه البيئة، واستخلاص النموذج المثالي في النهاية.

الفقه المعاصر: ما هي المتطلبات اللازمة لوضع سياسات مثالية للحفاظ على الموارد الطبيعية؟

رفيعي علوي: كلمة «المتطلبات» في الفقه لها معانٍ مختلفة. إذا كان المقصود بها الواجبات والمحظورات، فهي تشير إلى شيء لازم وأساسي، أي الحكم الوجوبي. المعنى الآخر هو الوجوب الأخلاقي مقابل الوجوب الفقهي. يبدو أن المقصود بـ«المتطلبات» هنا هو المعنى الأول. مع هذا التوضيح، يمكن ذكر المتطلبات التالية لوضع سياسات مثالية في فقه الموارد الطبيعية:

  1. مبدأ الملكية والسيادة الإسلامية على الموارد الطبيعية: وفقاً للفقه الإسلامي، الأنفال تحت تصرف الحكومة الإسلامية، والإمام هو المالك لها.
  2. مبدأ لا ضرر: أي أنه لا يجوز إلحاق ضرر لا يمكن تعويضه بالطبيعة والموارد الطبيعية. تعبير آخر له هو مبدأ التعامل المسؤول مع الموارد الطبيعية.
  3. مبدأ العدالة: المقصود بالعدالة هنا هو العدالة في التوزيع.

المبادئ الأخرى الضرورية التي يجب مراعاتها لوضع سياسات مثالية في فقه الموارد الطبيعية تشمل: مبدأ حرمة الإسراف، مبدأ وجوب حماية الموارد الطبيعية، ومبدأ مراعاة المصالح العامة والخاصة.

Source: External Source