مصطفى درّي، نائب رئيس معهد دراسات الفقه المعاصر:

الحوزة الرائدة والمتميزة/2

يمكن تعريف نوعين من الشهادات: واحدة للاستخدام داخل الحوزة، وأخرى للاستخدام خارجها. بالنسبة للاستخدام خارج الحوزة، ليس من الضروري استخدام الألقاب القيمية مثل "آية الله" أو "مجتهد". يمكن استخدام شهادات المستويات من الأول إلى الرابع. على سبيل المثال، إذا التحق طالب علم بهيئة تدريس جامعية، فإن الجامعة تحتاج إلى شهادة لتحديد راتبه. في هذه الحالة، يمكن إصدار شهادة تثبت أنه قد أكمل مستوى معين، دون إطلاق لقب قيمي عليه.

مقدمة: مرت أسابيع قليلة على الرسالة التاريخية للقائد الأعلى للثورة الإسلامية إلى المؤتمر بمناسبة الذكرى المئوية لإعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم، وهي رسالة يمكن اعتبارها بمثابة ميثاق الروحانية الثاني. من بين محاور هذه الرسالة، ضرورة إنشاء شهادة حوزوية مستقلة من قبل الحوزة العلمية. في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع حجة الإسلام مصطفى درّي، نائب رئيس معهد دراسات الفقه المعاصر. بالإضافة إلى التدريس والبحث، ينشط درّي منذ سنوات في مجال التخطيط الدراسي، وقد شارك في جلسات متعددة للمجلس الأعلى للحوزات العلمية لهذا الغرض. يؤكد درّي أن وجود شهادة حوزوية مستقلة أمر واضح، ويرى أن من صمموا الشهادات الأربع الحالية للحوزات العلمية قد قلّدوا الجامعات عمليًا، بينما كان من الممكن عدم تقليد الجامعات، أو على الأقل تقليد الجامعات العالمية المرموقة. ويعتقد هذا الأستاذ والباحث في الحوزة العلمية في قم أن توجه الشهادات في الحوزة هو نتيجة لخلق سوق لهذه الشهادات من قبل إدارة الحوزة، وإلا فإن الطلاب لن يسعوا وراء الشهادات إذا لم يكن لها أي أثر عملي داخل الحوزة.

الفقه المعاصر: لماذا يؤكد القائد على أن الشهادة الحوزوية يجب أن تُمنح من قبل الحوزة نفسها، وليس من الجامعة أو وزارة العلوم؟

درّي: أود أولاً أن أقدم مقدمة حول الشهادة الحوزوية. منذ تأسيس الجامعة في إيران قبل حوالي مئة عام، كانت الحوزة والجامعة منفصلتين دائمًا ولم تُقارنا ببعضهما البعض. هذا الانفصال ناتج عن الوظائف المتميزة لكل منهما. قبل تأسيس الجامعة، كانت جميع العلوم تُدرّس تقريبًا في الحوزات العلمية. كان العلماء في الماضي يتقنون، إلى جانب العلوم الدينية، الطب والهندسة والرياضيات والفلك وغيرها، لأن الحوزة كانت المركز الوحيد لتعليم هذه العلوم. لكن بعد تأسيس الجامعة، أُوكلت العلوم الإسلامية إلى الحوزة، بينما أُسندت العلوم الإنسانية والرياضيات والعلوم الأساسية إلى الجامعة.

كان هدف الحوزة واضحًا دائمًا: التعمق في التفكير، إضفاء العمق، وتحقيق المعنى الحرفي للتفقه. في العلوم الإسلامية، كان الطلاب يسعون إلى التبليغ الديني والفهم العميق له، ولم تكن الشهادة أبدًا الدافع الأساسي لهم. في المقابل، كانت الشهادة في الجامعة جزءًا من دوافع الأفراد. بدأت المقارنة بين الشهادة الحوزوية والجامعية عندما بدأت الحوزة بمنح الشهادات، ثم تمت مقارنة عدد السنوات اللازمة للحصول على شهادة في الحوزة مقارنة بالجامعة.

بعد هذه المقدمة، أقول إن منح الحوزة شهادة مستقلة أمر واضح. لماذا؟ لأن الحوزة لم تكن أبدًا تابعة لوزارة العلوم. إذا لم تكن الحوزة تابعة لوزارة العلوم، فلماذا يجب أن تصدر الوزارة شهاداتها؟ وزارة العلوم ليست على دراية بمراحل التعليم الحوزوي، ولا تقوم بالتخطيط أو التقييم لهذه المراحل، وليس من مهامها ذلك أصلاً.

النقطة الأخرى التي يجب الانتباه إليها هي أن الذين قاموا بمعادلة الشهادة الحوزوية مع الشهادة الجامعية تأثروا بالجامعة. على سبيل المثال، الجامعة لديها أربعة مستويات، فقامت الحوزة أيضًا بتصميم أربعة مستويات من الأول إلى الرابع. للأسف، تم هذا الاقتباس من جامعات التصنيف ٣٠٠ أو ٤٠٠ عالميًا مثل جامعة طهران أو شريف أو شيراز. إذا كان لا بد من الاقتباس، فمن الأفضل أن يكون من الجامعات العالمية المرموقة مثل هارفارد أو برينستون أو أكسفورد.

في الجامعات المصنفة من الأولى إلى العاشرة عالميًا، لا تُعتبر الدكتوراه نهاية الدراسة، بل توجد مستويات أخرى مثل ما بعد الدكتوراه والزمالة (فلوشيب). بينما في الحوزة، يُعتبر المرجع الديني، وهو أعلى درجة علمية، معادلًا للدكتوراه. في حين أن الاجتهاد يجب أن يُعادل مرتبة الأستاذية الكاملة في الجامعة. إذا كان لا بد من الاقتباس، فيجب الاستلهام من الأنظمة التعليمية المتقدمة. في الماضي، كانت المراتب العلمية في الحوزة على النحو التالي: مروج الأحكام، ثقة الإسلام، ثقة الإسلام والمسلمين، حجة الإسلام، حجة الإسلام والمسلمين، آية الله، وآية الله العظمى. كانت هذه الألقاب تعكس المراتب العلمية والروحية للأفراد. واليوم، يمكن استخدام نظام مشابه لتفريق المستويات العلمية.

الفقه المعاصر: كيف يمكن تقديم الشهادة الحوزوية مع تجنب التوجه نحو الشهادات؟

درّي: الشهادة في حد ذاتها يمكن أن تكون مفيدة، لكن التوجه نحو الشهادات في أي مكان، حتى في الجامعة، أمر غير محمود. لتجنب هذه المشكلة، يمكن تعريف نوعين من الشهادات: واحدة للاستخدام داخل الحوزة، وأخرى للاستخدام خارجها. بالنسبة للاستخدام خارج الحوزة، ليس من الضروري استخدام الألقاب القيمية مثل “آية الله” أو “مجتهد”. يمكن استخدام شهادات المستويات من الأول إلى الرابع. على سبيل المثال، إذا التحق طالب علم بهيئة تدريس جامعية، فإن الجامعة تحتاج إلى شهادة لتحديد راتبه. في هذه الحالة، يمكن إصدار شهادة تثبت أنه قد أكمل مستوى معين، دون إطلاق لقب قيمي عليه.

الحل الآخر هو أن تُترك الألقاب القيمية التي تهم داخل الحوزة ليتم منحها بالطرق التقليدية. على سبيل المثال، لا ينبغي أن يصدر مركز إدارة الحوزة شهادة الاجتهاد، بل يجب أن يؤكدها مرجعان دينيان كما كان في الماضي. كما يجب أن تعتمد الدعم المالي للطلاب على خدماتهم، وليس على شهاداتهم. يمكن أن تكون معايير مثل عدد الكتب المؤلفة أو ساعات التدريس أساسًا لتخصيص هذه الخدمات.

النقطة الأخرى هي أنه يجب إدارة سوق المعرفة بطريقة تجعل الدوافع تتجه نحو الخدمة والبحث. إذا لم نمنح أي امتيازات خاصة للشهادة، فلن يسعى الأفراد وراءها.

الفقه المعاصر: هل تعكس الشهادة الحوزوية حاليًا تقدمًا علميًا وعمليًا حقيقيًا لطالب العلم؟

درّي: لدينا نوعان من الألقاب: الألقاب الشهادية والألقاب القيمية. يجب عدم الخلط بينهما. على سبيل المثال، يمكن إصدار شهادة لشخص تثبت أنه درس الدروس الخارجية لمدة ثماني سنوات، ويمكن للمجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يعادلها بما بعد الدكتوراه. هذه الشهادة تعكس مستوى المعرفة. لكن لقب “آية الله” هو لقب قيمي يشمل، إلى جانب المعرفة، مراتب التزكية والصلاحية الشرعية. فـ”آية الله” ليس مجرد مرتبة علمية، بل يعكس أيضًا الصلاحية للتقليد.

لذلك، يجب الفصل بين الشهادات الحوزوية والألقاب القيمية. وعلى الرغم من أن المستوى الرابع أو الخامس في الفقه قد يعادل لقب “آية الله”، إلا أن هذه المستويات في التفسير أو الفلسفة لا تعادل ذلك. لذا، لا ينبغي إطلاق ألقاب مثل “آية الله” على أعلى المراتب العلمية في هذه التخصصات. هذا الفصل يمنع حدوث سوء فهم في المجتمع.

الفقه المعاصر: هل يمكن استخدام الشهادة الحوزوية في المجتمع والنظام التعليمي، مثل التوظيف الحكومي والجامعي؟

درّي: إذا أصدرت الحوزة شهادة مستقلة وقارنت نفسها ليس بجامعة طهران، بل بجامعات هارفارد وبرينستون وأكسفورد، فلن تكون هناك مشكلة في المقارنة مع الجامعات. على سبيل المثال، يمكن اعتبار بداية الدروس الخارجية معادلة للدكتوراه، لأن طالب العلم الذي يصل إلى هذه المرحلة يكون متقدمًا علميًا حتى عن حامل دكتوراه في الفقه من الجامعة.

بالنسبة للاستخدام خارج الحوزة، يمكن إصدار الشهادات بمزيد من الصرامة للحفاظ على قيمتها. وداخل الحوزة، يجب وضع معايير دقيقة وصعبة. كلما زادت الصرامة، ارتفعت قيمة الشهادة الحوزوية، وهذا لا يعني انخفاض الإقبال على الحوزة.

الفقه المعاصر: ما هي السبل لجعل الشهادة الحوزوية مفهومة للآخرين؟

درّي: لجعل الشهادة الحوزوية مفهومة، يجب شرحها جيدًا. إحدى الطرق هي معادلتها مع الشهادات الجامعية المعروفة. بما أن الشهادة الجامعية مألوفة أكثر للناس، يمكن مقارنة المستويات الحوزوية بالمستويات الجامعية. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المستوى الرابع معادلًا للدكتوراه أو أعلى منها.

الطريقة الأخرى هي شرح حجم الدروس التي يدرسها طالب العلم في كل مستوى. على سبيل المثال، يمكن القول إن طالب المستوى الأول قد درس نصوصًا عربية تعادل دكتوراه في الأدب العربي، على الرغم من أن شهادته الحوزوية تعادل شهادة الدبلوم في الجامعات. لذا، إحدى الطرق لتوضيح الشهادة الحوزوية هي شرح الدروس التي يتم دراستها في كل مستوى.

الفقه المعاصر: ما هي خلاصتك النهائية حول هذا الموضوع؟

درّي: خلاصتي هي أن الحوزات العلمية يجب أن تسعى إلى التحولات مع الحفاظ على أصالتها، بحيث تستجيب للاحتياجات الداخلية وتعزز مكانتها العالمية. يجب أن تكون الشهادة الحوزوية مستقلة، ذات مصداقية، ومفهومة للجميع، لكن ذلك لا يعني تقليد الأنظمة التعليمية الأخرى. بل يجب تصميم نظام يستلهم التجارب العالمية الناجحة، ويستند إلى المصادر الإسلامية الغنية، بحيث يمنع التوجه نحو الشهادات ويعزز الدوافع العلمية والروحية للطلاب.

التركيز على جودة التعليم، الشفافية في منح الشهادات، والفصل بين الألقاب العلمية والقيمية، هي من بين الحلول الرئيسية لتحقيق هذا الهدف. إذا تم تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل صحيح، فإن الحوزات العلمية لن تحافظ فقط على مكانتها داخل البلاد، بل ستصبح مراكز رائدة في العلوم الإسلامية على المستوى العالمي.

Source: External Source