طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة مع التركيز على وزارة التربية والتعليم

دراسة التحديات والحلول للتهيئة الثقافية الدينية في نظام التربية والتعليم

عُقدت الجلسة العلمية الثالثة والخمسون من سلسلة «أيام الأحد العلمية» تحت عنوان «طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة» في معهد دراسات الفقه المعاصر. وقد قدّم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مصطفى فيض رؤى وتحديات وزارة التربية والتعليم في التهيئة الثقافية الدينية، فيما أكد الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد داودي، كناقد، على ضرورة إعادة النظر في النظام التربوي في البلاد.

إشارة: وفرت الجلسة العلمية «طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة»، بالتعاون مع مكتب «تطوير وتمكين العلوم الإسلامية» في دار التبليغ الإسلامي، فرصة لتوضيح الأسس النظرية والتجارب العملية لوزارة التربية والتعليم في تدريس المعارف الدينية، واستعراض النقائص والعوائق في مسار التربية الدينية في المدارس، واقتراح حلول للتحسين.

عُقدت الجلسة العلمية الثالثة والخمسون من سلسلة «أيام الأحد العلمية» تحت عنوان «طريقة تحويل المعارف الإسلامية إلى ثقافة عامة» مع التركيز على دراسة حالة وزارة التربية والتعليم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
نُظمت هذه الجلسة العلمية ضمن الدورة الصيفية بجهود معهد دراسات الفقه المعاصر، وبالتعاون مع مكتب «تطوير وتمكين العلوم الإسلامية» في دار التبليغ الإسلامي، عبر الإنترنت.
في بداية الجلسة، قدّم أمين الجلسة الحجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فر، مع تعازيه بمناسبة أيام حزن آل البيت (عليهم السلام)، تقريرًا عن الجلسات السابقة، وأضاف أن الموضوع العام لهذه الجلسات يتعلق بمنهجيات الفقه المعاصر، وأن موضوع فصلي الربيع والصيف لعام ١٤٠٤ هـ (٢٠٢٥ م) يركز على منهجيات التنظيم والتعميم للمعارف الدينية. ففي الربيع، نوقشت القضايا الفقهية بشكل رئيسي، بينما في الصيف، يتم التركيز على موضوع أوسع يتعلق بالمعارف الإسلامية.
ثم قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور مصطفى فيض، رئيس مكتب التربية والتعليم في دار التبليغ الإسلامي وأحد المسؤولين عن وضع المناهج الدراسية في وزارة التربية والتعليم، عرضًا تناول فيه الرؤى والمناهج المستخدمة في التربية والتعليم لتعميم وتثقيف المعارف الإسلامية.
وأشار إلى أهمية المنهجية في تنظيم وتعميم المعارف الدينية، مؤكدًا أن الهدف الأسمى للنظام الإسلامي هو تحقيق «الحياة الطيبة» في الأبعاد الفردية والاجتماعية.
ثم بدأ الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور فيض عرضه بشرح عملية تحويل المعارف الوحيانية إلى عمل صالح فردي، ثم إلى ثقافة عامة وعمل جماعي.
وأوضح الأسس النظرية للعلاقة بين الإيمان والعمل، مؤكدًا أن الإيمان يجب أن يشمل جميع أبعاد الوجود البشري، بمعنى أنه لا يمكن فصل الإيمان عن العمل أو النظر إليهما بشكل مجزأ، بل يجب أن يكون الإيمان منعكسًا بشكل متكامل وشامل في سلوك الفرد ومعتقداته.
واستند الدكتور فيض إلى آراء كبار العلماء الدينيين مثل المرحوم الشاه آبادي، والإمام الخميني، والقائد الأعلى للثورة، مؤكدًا على دور العوامل غير المعرفية في اكتساب المعرفة، وضرورة إعادة هندسة الأنظمة الاجتماعية بناءً على الرؤية التوحيدية. وأشار إلى أن هياكل التواصل والتفاعلات الاجتماعية يجب أن تُعاد تصميمها بناءً على النظرة التوحيدية.
وأشار إلى وجود نوعين من علاقات الولاية في الإسلام:
١- علاقة الولاية الطولية، أي علاقة أفراد الأمة بالإمام.
٢- علاقة الولاية العرضية، أي علاقة الموالاة والمواساة والتعاون بين المؤمنين.
وأكد أن هذين الهيكلين الارتباطيين المعرفين في الإسلام يجب أن يتم الحفاظ عليهما وتعزيزهما في الأنظمة الاجتماعية. وأضاف أن النظام التربوي الديني في المساجد والعائلات والمدارس يجب أن يُصمم بناءً على هذه التسلسلات الهرمية وهيكلية المرجعية حتى لا تختل الهيكلية التربوية.
وأوضح أن هذه العملية تشمل مراحل متعددة:
• إدراك المعارف الدينية بشكل مفاهيمي وتعليمي.
• تعميق وتثبيت المعرفة في القلب والضمير.
• تحويل الإيمان إلى عمل صالح وسلوك اجتماعي.
ثم أشار إلى أهمية التعليم والتربية، والتبليغ الفعّال، ودور الأجهزة الثقافية في تحويل المعارف الدينية إلى خطاب عام. ومن وجهة نظر الحجة الإسلام والمسلمين فيض، يجب أن يترسخ الخطاب الديني بشكل شامل ومستدام وعمقي في الهيكلية الاجتماعية بحيث يصبح قيمة مشتركة ومسلّمة فكريًا بين مختلف فئات الشعب.
وتطرق رئيس مكتب التربية والتعليم في دار التبليغ الإسلامي إلى الرؤى العملية والتحديات القائمة في هذا المجال، مؤكدًا أن الوزارة تسعى إلى نقل المعارف الإسلامية إلى الأجيال الجديدة من خلال الكتب الدراسية والبرامج التعليمية، لكن هذه العملية تتطلب استخدام أدوات التبليغ والثقافة والتربية والإدارة بشكل متزامن.
ومن النقاط المهمة في عرضه، التركيز على دور الأنظمة الاجتماعية والهياكل الحكومية التي يمكن أن تعمل كـ«شبكة غير مرئية» لتوجيه وتسهيل التهيئة الثقافية الدينية. وأشار إلى أن هذه الأنظمة يجب أن تتشكل وفقًا للمبادئ التوحيدية والعقائدية لتتمكن من خلق مجتمع مؤمن وملتزم.
وبنظرة نقدية لأداء نظام التربية والتعليم في مجال تعليم المعارف الإسلامية، أشار إلى أن تطبيق هذه الأسس في الهيكلية التعليمية للبلاد يعاني من النقص وعدم التناسق، حيث إنه بسبب غياب التنسيق بين الأقسام التربوية والتعليمية، تعمل هذه الأقسام أحيانًا في مواجهة بعضها البعض، أو أن البرامج التربوية والتعليمية لم تُعرف بشكل صحيح.
وأضاف أن المعلمين الدينيين، كمحور رئيسي للتربية العقائدية، يبذلون جهودًا ولكنهم يواجهون مشكلات هيكلية. كما أن بعض الدروس ذات التوجه العقلاني العلماني والبوزيتيفي تتعارض مع المعارف الدينية، مما يؤدي إلى إضعاف التربية الدينية في المدارس. ومن هنا تأتي ضرورة التقارب بين العناصر البشرية في المدرسة، من المدير والمعلم إلى العاملين في الخدمات، حيث يجب أن يعمل الجميع في بيئة تربوية متسقة ومنسجمة.
وأشار إلى أهمية تصميم البيئة المادية للمدرسة، والعمارة، والبيئة التربوية، مؤكدًا أن فضاء المدرسة يجب ألا يكون مجرد بيئة تحكمية وخاضعة، بل يجب أن يعزز روح الولاية والمودة والتعاون. وأكد أن على المدرسة توسيع علاقاتها مع المسجد والعائلة والمجتمع المحيط، والعمل ضمن خطاب تربوي شامل.
وفي نهاية هذا الجزء، دعا الحجة الإسلام فيض إلى إنشاء نموذج حكم تربوي شامل يشمل جميع المؤسسات والأجهزة الثقافية والسياسية والاقتصادية والقضائية في البلاد، ليكون قادرًا على تحقيق التربية التوحيدية والإيمانية بشكل منسجم ومستمر في المجتمع بأسره.

نقد وتحليل الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد داودي:
بعد العرض، قدم الحجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد داودي، كناقد للجلسة، تقديره للمواضيع المطروحة، وتناول تحليل نقاط الضعف في النظام التعليمي والتربوي في البلاد، داعيًا إلى دراسة أدق لتنفيذ البرامج التربوية في وزارة التربية والتعليم.
وأكد أن ما تم تنفيذه حتى الآن في مجال التربية الدينية والثقافية في الوزارة كان ناقصًا إلى حد كبير، ويتطلب إعادة نظر وتخطيط دقيق. وأضاف الدكتور داودي أن هناك حاجة إلى دراسات إضافية لتحديد العوائق التي تحول دون تحقيق التربية التوحيدية وكيفية إزالتها.
وفي ختام الجلسة، تم التأكيد على أهمية تصميم بيئة تربوية متكاملة، وضرورة مشاركة جميع المؤسسات والعناصر في النظام الاجتماعي ضمن نموذج حكم تربوي شامل. كما تم التأكيد على أهمية وضع خطط جديدة وأكثر دقة لإصلاح نظام التربية والتعليم في سبيل تعزيز المعارف الإسلامية وتحويلها إلى ثقافة عامة كضرورة ملحة.

Source: External Source