أستاذ المستويات العليا في الحوزة العلمية بقم، في حوار خاص مع معهد دراسات الفقه المعاصر:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/6

في جميع الأدلة الشرعية، وحتى الآن حسب استقرائنا التام، لم نجد دليلاً يثبت حرمة اللغو؛ لذا لا يوجد أي دليل شرعي على حرمة اللغو. أقول هذا بشكل قاطع. نعم، قد يكون عمل ما حرامًا من جهة أخرى، مثل النظر إلى الأجنبية، ولكن من حيث كونه لغوًا، لا يوجد دليل على الحرمة. أما بالنسبة للكراهة أو عدم رجحان اللغو، فبناءً على الآيات القرآنية الشريفة واستنباطات الفقهاء وفهمنا كطالب علم صغير، يمكن استنتاج النهي التنزيهي والكراهة.

إحدى المواضيع الفقهية التي يمكن تطبيقها على المسائل الفنية هي عنوان اللغو. في الكتب الفقهية، تُعتبر بعض الأنشطة الفنية، إلى جانب اللهو واللعب، مصداقًا للغو أيضًا. ومع ذلك، لم يُجرَ في الكتب الفقهية مناقشة مستقلة ومستفيضة حول الحكم التكليفي للغو. ناقشنا هذا الموضوع مع الحجة الإسلام سيد علي رضا حسيني، أمين مركز الفقه والحقوق الإسلامية في مركز النموذج الإسلامي الإيراني للتقويم، الذي يرى أنه لا يوجد دليل على حرمة اللغو في الشريعة. نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ في الحوزة العلمية بقم كما يلي:

الفقه المعاصر: ما هو اللغو، وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفن؟
حسيني: في مناقشة المفاهيم، يجب الرجوع إلى المصادر العلمية للغة في المباحث اللغوية، وإلى كتب الفقهاء في الاصطلاحات. بالنسبة للغو، فإن ما يُستفاد من كتب اللغة هو أن العمل اللغو أو كلمة اللغو ذاتها تعني الباطل، أو ما لا أثر له، أو العمل الباطل أو الفعل الباطل. وقد أخذ الفقهاء هذا المعنى من اللغة في البداية، وأوضحوا أن كل عمل أو فعل أو سلوك أو تصرف يخلو من الهدف والغرض العقلائي يُعد لغوًا.

لذا، يمكن تعريف اللغو بعبارة واضحة كما يلي: «العمل والسلوك والتصرف الذي لا يهدف إلى شيء، ويخلو من التفكير، ولا يترتب عليه أي أثر عقلائي».
أما بالنسبة لسؤالكم عما إذا كان هناك عمل لغو في الفن أم لا، فأقول: في الفن الأصيل، وليس الفن الذي يصاحبه التسيب والإباحية، لا أرى حتى الآن أي عمل لغو. نعم، في الفن غير الأصيل الذي يروج للولدنة والإباحية، قد يكون هناك لغو.

الفقه المعاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة اللغو أو عدم رجحانه بشكل مطلق؟
حسيني: الدليل قد يكون لفظيًا أو غير لفظي، وقد يكون منصوصًا أو غير منصوص. بشكل عام، في جميع الأدلة الشرعية، وحتى الآن حسب استقرائنا التام، لم نجد دليلاً يثبت حرمة اللغو؛ لذا لا يوجد أي دليل شرعي على حرمة اللغو. أقول هذا بشكل قاطع. نعم، قد يكون عمل ما حرامًا من جهة أخرى، مثل النظر إلى الأجنبية، ولكن من حيث كونه لغوًا، لا يوجد دليل على الحرمة. أما بالنسبة للكراهة أو عدم رجحان اللغو، فبناءً على الآيات القرآنية الشريفة واستنباطات الفقهاء وفهمنا كطالب علم صغير، يمكن استنتاج النهي التنزيهي والكراهة.

الفقه المعاصر: هل يوجد فن يُعد بذاته مصداقًا للغو، أم أنه دائمًا ما يُعتبر لغوًا بسبب مقارنات مثل الاختلاط بين الرجال والنساء، أو المحتوى غير المناسب والمضلل؟
حسيني: ربما أجبت عن هذا في السؤال الأول، وسأكرره. أنا مقتنع جدًا بأن الفن الذي كان موجودًا في إيران الإسلامية، سواء في العصور القديمة أو منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، والذي يُعد فاخرًا ويحترم الضوابط والانضباط، أو بتعبيري، الفن الإسلامي الأصيل، لا يوجد فيه أي لغو. أما الفنون التي تتسم بالتسيب والإباحية، فقد تكون لغوًا بالكامل من أوله إلى آخره.
هذه نقطة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالمقارنات مثل الاختلاط بين الرجال والنساء وما شابه. هذه الأمور تحتاج إلى دقة. في صناعة الفقه، نرى أحيانًا أن عملًا ما ليس حرامًا بذاته، ولكنه يصبح حرامًا أو باطلاً بسبب عرض ثانوي، وإلا فهو بذاته لا إشكال فيه. ليست كل الفنون سينما أو مسرحًا يمكن تصور الاختلاط فيها، بل في كثير من الفنون، لا تُتصور هذه العوارض أصلاً، وبالتالي لا محذور فيها بذاتها. لذا، إذا كان هناك فن محرم، فليس لكونه فنًا، بل بسبب العنوان الثانوي مثل الاختلاط بين الرجال والنساء. علاوة على ذلك، ليس كل اختلاط محرمًا، بل الاختلاط المحرم هو الذي يتضمن أعمالاً محرمة. أما إذا كان هناك اختلاط يحترم الضوابط الفقهية والشرعية، فلا يمكننا القول إنه محرم. في الفقه وفي عملية الاستنباط، لسنا مصرين على أن يكون لدينا جهاز لتكريس الحرمة، ومن ناحية أخرى، ليس لدينا جهاز لتكريس الحلية أيضًا. يجب أن نرى ما تقتضيه الأدلة. لا ينبغي أن نتحدث بناءً على رضا أو استياء أحد. هكذا هي طريقة فقهائنا.

الفقه المعاصر: ألا يعود إدراج بعض أنواع الفنون مثل الموسيقى والفنون التمثيلية وغيرها تحت عنوان اللغو إلى عدم الاعتراف الرسمي بمقولات مثل الفن، والترفيه، والفرح، وأوقات الفراغ من قبل الفقهاء والمتدينين؟
حسيني: انظروا، الموسيقى شيء والغناء شيء آخر. يجب التفريق بينهما. أحيانًا لدينا موسيقى، وأحيانًا غناء، وأحيانًا شعر باطل. كل منها له حكم وموضوع منفصل، وبما أن لكل منها موضوعًا منفصلاً، فسيكون لها حكم منفصل أيضًا.
إذا كانت الموسيقى من ضمن آلات اللهو، فهي إشكالية، ولكن في هذه الحالة، لا تندرج تحت اللغو، بل تكون مصداقًا للهو، وهو موضوع آخر. أما إذا لم تكن الموسيقى مصداقًا لآلات اللهو، فهي ليست حتى لهوًا، فكيف تكون لغوًا؟ لأننا قلنا إن اللهو محرم، وليس اللغو. وبالنسبة للغناء، إذا كان محرمًا، فهو أيضًا مصداق لهو وليس لغو.
النقطة الأخرى هي أن دخول الفقيه بصفته فقيهًا، أو المجتهد بصفته مجتهدًا، أو مرجع التقليد بصفته مرجع تقليد، في المصاديق أمر غير صحيح. على سبيل المثال، إذا سُئل مرجع تقليد: هل الترومبيت أداة موسيقية لهوية أم لغوية؟ إذا أراد الفقيه أن يجيب بناءً على صناعة الفقه وعلى المحور الصحيح للفقاهة، فعليه أن يكتب: هذا ليس من اختصاصي، وقد أعطيت رأيي في مسائل الموسيقى والغناء. يمكنه فقط أن يقول: «الغناء أو الموسيقى اللهوية محرمة». أما أن الترومبيت أو الأورغ حرام أم لا، فهذا لا علاقة له بالفقيه من الناحية الفقهية. حتى لو أعطى الفقيه رأيه بحرمة الترومبيت، فهذا الرأي مجرد رأي خبير ولا يلزم اتباعه.

الفقه المعاصر: هل تطبيق عنوان اللغو أو عدم تطبيقه من وظائف الفقيه، أم العرف العام، أم المكلف؟
حسيني: كما قلت، التطبيق على المصاديق أو «الموضوعات الخارجية» كما يُقال أحيانًا خطأً، ليس من عمل الفقيه. عمل الفقيه يقتصر على الإحكام والإفتاء في المسائل الفقهية الكلية فقط! نقول هذا بصوت عالٍ، وهذا القول ليس من عندنا، بل هو من أقوال أساتذة الفقه. كتب الإمام الخوئي في كتاب “فقه القضاء” مبادئ تكملة المنهاج هذا صراحة. التطبيق ليس من عمل الفقيه أبدًا. على سبيل المثال، الفقيه يقول: «الدم نجس»، فإذا ذهب شخص إلى بيت مرجع التقليد وقال: على كم قميصي لون أحمر، لا أدري هل هو رب البندورة، أم عصير الكرز، أم دم؟ ماذا يقول الفقيه؟ يقول: لا تضيع وقتي، ما شأني أنا؟ قلت إن الدم نجس، اذهب وتحقق بنفسك. بهذا المثال، اتضح أن التطبيق ليس من عمل الفقيه.
أو مثلاً أن يقول الفقيه إن رایتل حرام، أو البيتكوين حرام، أو البلياردو حرام، فما علاقة هذا بالفقيه؟ الفقيه يمكنه أن يقول إن في الألعاب الحلال يجب أن تتوفر هذه الشروط، لكن أن تكون لعبة “كلاش أوف كلانز” أو البلياردو مصداقًا لذلك أم لا، فهذا لا علاقة له بالفقيه، بل هو من مسؤولية المكلف.
تشخيص المصداق، بشكل عام، يقع على عاتق المكلف، ولكن في الحالات التي تتعلق بالمحكمة والقضاء والتحكيم، فإن دخول القاضي في الأمور التفصيلية والمصاديق أمر صحيح. يمكن للقاضي أن يتدخل في التفاصيل، مثل أن يسأل: في أي منطقة كنت عندما حدث هذا؟ كم عمرك؟ وما إلى ذلك. القاضي يتدخل في التفاصيل ليتمكن من إصدار حكم قريب من الحق. في هذه الأمور، يمكن للحاكم أن يتدخل، ولكن يجب أن يأخذ رأي الخبراء ثم يتدخل، لأن الحاكم ليس متعدد التخصصات.
لذا، بشكل واضح، الفقيه بصفته فقيهًا لا يمكنه التدخل في المصاديق والتفاصيل والشبهات المصاديقية، وهذه الأمور من عمل المكلف. ولكن في الأمور القضائية وفي الأمور التي يبدي فيها الحاكم الشرعي رأيه، يمكنه التدخل، مع الأخذ برأي الخبراء.
في الحقيقة، ينقسم العرف إلى عرف عام وعرف خاص. في بعض الحالات، يجب الرجوع إلى العرف العام، وفي حالات أخرى إلى العرف الخاص. الرجوع إلى العرف العام يكون في مسائل المفهومات والتفسير اللغوي، مثل أن أفهم ما هو اللغو؟ وما هي الأمور التي كانت تُسمى لغوًا في زمن صدور الأحكام في عصر النبي والأئمة المعصومين؟ هذا عمل العرف العام.
أما العرف الخاص فهو الخبير. متى نرجع إلى العرف الخاص؟ في تطبيق المفاهيم والمصاديق. عند تحديد مصاديق مفهوم ما، قد يتمكن المكلف أحيانًا من الفهم، ولكن أحيانًا يحتار المكلف نفسه في معرفة ما إذا كان هذا ينطبق أم لا. هنا يرجع إلى الخبير، والخبير يبدي رأيه، كما فعل الإمام الخميني في مسألة فلس السمك في عام ١٣٦١ هـ.ش، عندما سُئل عما إذا كان سمك الأوزون‌برون له فلس أم لا، فرجع إلى رأي الخبراء. قال الخبراء إن هناك جلدًا صلبًا تحت الزعانف وخياشيم هذا السمك. هنا، قام بعض الفقهاء بدقة جيدة، ولجذب رأي العرف العام أيضًا، قالوا: انظروا إن كان هناك قشور تحت الزعانف والخياشيم أم لا؟ فرأى الجميع وقالوا: نعم، الآن فهمنا، كنا نظن أنه ليس له قشور. أي أن هؤلاء الفقهاء جمعوا بين العرف العام والعرف الخاص. هذا عمل مهم جدًا، ويجعل المسألة تتجاوز الاطمئنان إلى القطع والعلم واليقين.

Source: External Source