أستاذ المستويات العليا في الحوزة العلمية بأصفهان، في حوار خاص مع معهد الفقه المعاصر:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/8

كلا الأمرين المذكورين في شأن نزول الآية هما نوعان من الفنون الشائعة في تلك الأيام: الأول، فن النقالة وقراءة القصص؛ والثاني، فن الغناء. لكن هذين الفنين اللذين كانا موجودين في تلك الفترة كانا يتسمان بالهجوم على الحقيقة والواقع، وكان يتبعهما مشاهير يحلمون بإضلال أفكار وقلوب الناس وصرفهم عن سماع وتدبر الكلام الحق والصواب، أو، حسب ظني، كانوا مأجورين من قِبل اليهود المثيرين للفتن في تلك الأيام أو جاهلية مكة لمنع الناس من الانجذاب والافتتان بجمال وروعة القرآن.

الحجة الإسلام علي أكبر صافي الأصفهاني، من مواليد عام ١٣٤٣ هـ.ش في أصفهان، وينتمي إلى بيت صافي الأصفهاني المعروف والمحبوب في هذه المدينة. يعمل منذ سنوات، إلى جانب التدريس والبحث في مجالات الفقه، الأصول، والتفسير، في تحمل مسؤوليات متنوعة في الحوزة، من بينها نائب رئيس قسم التعليم في مكتب الإعلانات الإسلامية بأصفهان، إدارة المركز التخصصي للعلامة المجلسي، والمدرسة العليا للسيدة المجتهدة أمين. تحدثنا معه حول عنوان “الإضلال” كأحد العناوين الشائعة لإثبات حرمة الأنشطة الفنية. يرى أن الفنين المهمين اللذين كانا موجودين في زمن الشارع كانا يُروَّجان أساسًا لإضلال الناس وإبعادهم عن دين الإسلام؛ لذا يجب تحليل أدلة حرمة الفن في ضوء هذه الخلفية. نص الحوار الخاص مع هذا الأستاذ والباحث في الحوزة العلمية بأصفهان كما يلي:

الفقه المعاصر: ما هو الإضلال، وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفن؟
صافي الأصفهاني: الإضلال في الآية ٦ من سورة لقمان الشريفة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ»، يُطلق، بناءً على القرينة «عن سبيل الله»، على السلوكيات والبرامج التي تتسم بالهجوم الثقافي ومواجهة الحقيقة، وتسعى لجر الإنسان والمجتمع بعيدًا عن طريق الله إلى الضلالات والدروب المنحرفة. لذا، لا يمكن بالتأكيد اعتبار الفن المطلق مصداقًا للإضلال؛ لأن ليس كل فن وفي كل موقف يؤدي هذا الدور.

الفقه المعاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة أو عدم رجحان الإضلال بشكل مطلق؟
صافي الأصفهاني: بالتأكيد، الإضلال عن طريق الله فعل مذموم. وفي مصاديقه الحقيقية، يكون متعلَّق الحرمة أو الكراهة بناءً على درجة تأثيره في إبعاد الناس عن طريق الله.

الفقه المعاصر: هل يوجد فن يُعد بذاته مصداقًا للإضلال، أم أنه يُصبح مصداقًا للإضلال بسبب مقارنات مثل الاختلاط بين الرجال والنساء، المحتوى غير المناسب والمضلل، وما إلى ذلك؟
صافي الأصفهاني: نعم، هناك فنون تُعد مصداقًا للإضلال – إذا جاز تسمية هذه الفنون بفنون مع هذا الدور الشيطاني – وهذا أمر يُفهم جيدًا من شأن نزول الآية. شأن نزول الآية ذُكر بطريقتين: قال بعض المفسرين إن الآية نزلت في ذم من كانوا يشترون جواري مغنيات ليغنين في مواجهة تلاوة النبي للقرآن، ويصرفوا أذهان الناس عن سماع الآيات ويجذبوهم إلى أنفسهم. وقال آخرون من المفسرين إن الآية نزلت في حق القصاصين (رواة القصص) ومن كانوا يقومون بهجوم ثقافي ضد نزول القرآن، فيروون القصص والأساطير في الأزقة والشوارع ليصرفوا انتباه الناس عن القرآن إلى هذه القصص الخيالية والأساطير، ويحرفوهم عن القرآن الذي هو الطريق الإلهي المرسوم لهداية البشر.

الفقه المعاصر: ألا يعود إدراج بعض أنواع الفنون، مثل الموسيقى والفنون التمثيلية وغيرها، تحت عنوان “الإضلال” إلى عدم الاعتراف الرسمي بمقولات مثل الفن، الترفيه، الفرح، وأوقات الفراغ من قِبل الفقهاء والمتدينين؟ بعبارة أخرى، إذا اعتبرنا الفن، الترفيه، والفرح أمورًا مشروعة وعقلانية، فطبيعيًا لن يكون أي فن بذاته مصداقًا للإفساد. هل تقبلون هذا الادعاء؟
صافي الأصفهاني: كما أوضحت في الإجابة السابقة، كلا الأمرين المذكورين في شأن نزول الآية هما نوعان من الفنون الشائعة في تلك الأيام: الأول، فن النقالة وقراءة القصص؛ والثاني، فن الغناء. لكن هذين الفنين اللذين كانا موجودين في تلك الفترة كانا يتسمان بالهجوم على الحقيقة والواقع، وكان يتبعهما مشاهير يحلمون بإضلال أفكار وقلوب الناس وصرفهم عن سماع وتدبر الكلام الحق والصواب، أو، حسب ظني، كانوا مأجورين من قِبل اليهود المثيرين للفتن في تلك الأيام أو جاهلية مكة لمنع الناس من الانجذاب والافتتان بجمال وروعة القرآن. لذا، بناءً على ذلك، يمكن القول إن كل فن هو فن حقيقي وبماهو فن، ويُسبب الفرح والترفيه والنشاط، لا يمكن أن يكون مصداقًا للإضلال أو يستحق الذم. إنما الفن الذي يُسبب الإضلال ويخضع للتجريم والتخطئة من قِبل الفقهاء والمفسرين هو ذلك الذي يشن هجومًا ثقافيًا ضد القيم والحقائق وخطة الطريق الإلهي. لذلك، فإن فتاوى من يدرجون كل موسيقى أو فن تمثيلي وغيره تحت عنوان الإضلال ويضعون عليه ختم الحرمة تخضع عندنا لنقد جدي. لا يمكن، من باب أن بعض أشكال الفن قد تكون سببًا لانحراف الناس عن طريق الله، أن ننظر إلى جميع أنواع الفن بعين الريبة، ومن باب الاحتياط، نضعها كلها تحت عصا الحرمة؛ كما أن اعتبار الجميع حلالًا ومشروعًا بشكل مطلق خطأ أيضًا.

الفقه المعاصر: هل تطبيق أو عدم تطبيق عنوان “الإفساد” من وظائف الفقيه، أم العرف العام، أم المكلف؟
صافي الأصفهاني: من الواضح أن حرمة الإضلال من الأحكام المنصوص عليها بعلة واضحة، والفقيه والمفسر يكونان في مقام بيان الحكم فقط، ويوضحان مناط وعلة الحكم ويجعلانها شفافة. لكن تطبيق الحكم على مصاديقه الحقيقية يعود إلى العرف والعقلاء. ففي صدر الإسلام، عندما كان فن النقالة والقصص يُستخدم في مواجهة القرآن وبهدف إسقاط حقيقة الوحي، كان يُحمل عليه عنوان “الإضلال عن سبيل الله”. لكن إذا استُخدم هذا الفن نفسه في خدمة الحقيقة ونمو الإنسان، فإنه يخرج من ذلك العنوان والحكم الذي كان يُحمل عليه.

Source: External Source