الحجة الإسلام والمسلمين علي نهاوندي، منذ أكثر من عشرين عامًا، جعل من الفن والإعلام أحد أهم اهتماماته؛ سواء منذ حوالي عقدين عندما تولى رئاسة مركز الإذاعة والتلفزيون في خراسان، أو خلال سنوات وجوده في قم حيث أصبح مديرًا لمركز البحوث الإسلامية للإعلام وبدأ بتدريس درس خارج فقه الإعلام. وقد نشر حتى الآن أكثر من عشرة كتب في موضوع الفن والإعلام، بالإضافة إلى العديد من المقالات. عضو المجلس العلمي لقسم فقه الثقافة والفن والإعلام في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة، تحدث عن الحكم الفقهي لـ«اللعب» ودوره في حرمة الأعمال الفنية. مدير قسم فقه الفن والإعلام والاتصالات في المركز الفقهي للأئمة الأطهار (ع) يرى أنه لا يوجد دليل يحرم اللعب بشكل كامل. وفيما يلي نص الحوار الخاص الذي أجرته الدراسات الفقهية المعاصرة مع هذا الأستاذ في الحوزة العلمية بقم:
الفقه المعاصر: ما هو اللعب؟ وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفنون؟
نهاوندي: من الطبيعي أنكم لا تتحدثون عن المعنى اللغوي للعب، بل تبحثون عن اصطلاحات هذا العنوان. اللَعِبَ يعني اللعب والتسلية والترفيه. و«الملاعب» تعني أماكن اللعب. يمكن تطبيق هذه الفئة من الكلمات. عادةً، يضع القرآن الكريم هذين المصطلحين معًا، ويُترجم اللعب باللهو، ويُذكر مصطلحا «اللهو واللعب» معًا. اللهو واللعب، في الحقيقة، هما التسليات التي لا غرض عقلاني منها.
في القرآن، كلما استُخدمت هاتان الكلمتان معًا، كان المقصود منهما جانبًا سلبيًا. لكن عندما يُذكر اللَعِب أو يَلْعَب بمفردهما، فإن المراد منهما تقريبًا نوع من التسليات المباحة. في القرآن، لدينا في سورة يوسف أن إخوة يوسف طلبوا من يعقوب: «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ» (أرسل أخانا يوسف معنا غدًا ليتسلى ويلعب). هذا يدل على أن هاتين الكلمتين، عندما تُذكران معًا، تحملان دلالة معنوية تختلف عن دلالتهما عند استخدامهما بشكل منفصل. اللعب عندما يُذكر مع اللهو يأخذ دلالة سلبية ويعني الهوس، بينما عندما يُستخدم بمفرده، فإن المقصود منه الألعاب المباحة.
في القرآن، تم التعبير عن مراحل الحياة المادية والدنيوية باستخدام هذا المصطلح: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ». في هذه الآية، تم تعريف خمس مراحل للحياة المادية الدنيوية، ويُقال إن في الدنيا مرحلة من حياة الإنسان هي مرحلة الطفولة التي يقوم فيها بألعاب بلا هدف. ثم تأتي مرحلة الألعاب ذات الأهداف، ثم مرحلة الزينة في أواخر المراهقة، ثم مرحلة منتصف العمر وهي مرحلة التفاخر حيث يقول الإنسان: أملك هذا وذاك. ثم المرحلة الخامسة هي التكاثر في الأموال والأولاد. هذه هي المراحل التي وردت في آيات القرآن.
لذا، أود أن أوضح أن موضوع اللَعِب ويَلْعَب والعناوين التي وردت في القرآن الكريم وفي صلب المصادر الدينية لها معانٍ مختلفة. من هنا، فإن تطبيق هذا العنوان على البرامج الفنية، بمعنى اللعب المستقل، غير ممكن. بعبارة أخرى، البرامج الفنية مثل الرقص، الموسيقى، التمثيل، الرسم، وغيرها، ليست مصداقًا للعب في اصطلاحه الروائي؛ أي أنه لا يُقال للرقص لَعِب، ولا للموسيقى لَعِب؛ بل الفنون العشرتية التي تُلهي الإنسان عن ذكر الله هي التي تُعد مصداقًا للعب الوارد في الآيات والروايات والذي يحمل دلالة سلبية. اللهو أيضًا، مثل اللعب، يحمل هذه الدلالة السلبية، وبالتالي ليس كل الفنون مصداقًا للهو.
بناءً على هذه المعطيات، فإن الإجابة على سؤالكم الأول حول ما إذا كانت الفنون يمكن أن تُعد مصداقًا للعب هي: لا؛ إلا إذا نزعنا عنها الدلالة السلبية الواردة في الآيات والروايات، ففي هذه الحالة يمكن أن تُعد مصداقًا للعب.
الفقه المعاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة اللعب أو عدم رجحانه بشكل مطلق؟
نهاوندي: ليس لدينا آيات أو روايات تحرم اللعب بشكل مطلق، إلا إذا أخذنا اللعب بالمعنى السلبي الوارد في الروايات والآيات.
في الكتب الفقهية، استُخدمت كلمة اللعب كثيرًا. على سبيل المثال، في بحث المساجد، فيما يتعلق بالدخل الناتج عن الربح والخسارة، والذي يُعد مصداقًا للقمار أو الميسر، استخدم الفقهاء عنوان اللعب. كذلك، وردت كلمة «لُعبَة» في الكتب الفقهية بمعنى الألعاب، وطُرحت فيها مباحث. في بحث الشهادات، وفي شروط قبول الشهادة، استُخدم اللعب بمعنى دلالة على الفسق. الإمام الكليني، في كتاب «الأطعمة والأشربة»، استخدم تعبير «اللعب» للإشارة إلى الألعاب المحرمة. كذلك، فيما يتعلق بالشطرنج والنرد والسطر وغيرها، ورد في الكتب الفقهية عنوان «اللعب». باب «الغناء والملاهي» وباب «الغفلة واللهو وكثرة الفرح» وردا في كتاب جواهر الكلام وبحار الأنوار للمجلسي. المقصود أننا نرى هذه الكلمات المفتاحية في مواضع مختلفة، لكنها لا تدل على حرمة اللعب المطلقة إلا إذا كان اللعب مصداقًا لأمر باطل مضل عن سبيل الله، وإلا فهو ليس حرامًا بذاته.
الفقه المعاصر: هل يوجد فن بذاته يُعد مصداقًا للعب، أم أنه دائمًا يُعد مصداقًا للعب بسبب مقارنات مثل اختلاط الرجال بالنساء، أو المحتويات غير المناسبة والمضللة؟
نهاوندي: عندما نتحدث عن الفن بذاته، يجب أن ننتبه إلى أنه في عصر علي والنبي، أي عصر الشارع، لم يكن لدينا ما يُعرف اليوم بالفنون الجميلة. في العصور الماضية، كانت الفنون تطبيقية فقط؛ أي الفنون التي كانت تُستخدم في بيئة الحياة، مثل السجاد (الزيلو) الذي كان يُفرش كبساط تحت الأقدام، والذي أُدرج لاحقًا تحت مسمى الصناعات الفنية أو الحرف اليدوية. في تلك الحقبة، لم تُعتبر حتى النحت والموسيقى فنونًا. والمثير للاهتمام أن الأمور مثل الألعاب الطفولية المباحة، أو مسابقات الفروسية والرماية، أو أنشطة مثل تربية الحمام، كانت تُسمى «لعبًا»، بينما لا يُنظر إلى أي منها على أنها فن. نعم، من باب الحكم الثانوي، إذا أصبحت مصداقًا للباطل أو مضلًا عن سبيل الله، فإنها تحمل حكم الحرمة. لذا، المهم هو ما إذا كان الفن مصداقًا لـ«مضل عن سبيل الله» أو باطل، وإلا فإن عناوين مثل اللعب لا تُسبب حرمة فن ما.
الفقه المعاصر: هل تطبيق أو عدم تطبيق عنوان اللعب من وظائف الفقيه، أم العرف العام، أم المكلف؟
نهاوندي: أولاً، تحديد مفهوم اللعب في عصرنا عملية معقدة، أي أنه ليس بالإمكان، بمجرد الرجوع إلى العرف، استيعاب معناه بوضوح؛ لذا، كما كان للعب معانٍ مختلفة في زمن الشارع، فإنه كذلك في الوقت الحاضر. بعبارة أخرى، إذا سألت العرف اليوم عن معنى اللعب، فلن يعتبر أحد الفن مصداقًا للعب. قد يعتبر البعض بعض الفنون، مثل الفنون التمثيلية، لعبًا، لكنهم لا يرون ذلك في مطلق الفنون. لذا، يبدو أن من المناسب إحالة هذا الموضوع إلى العرف الخاص وخبراء المجال.
القول الشائع بأن الفقهاء ليسوا مسؤولين عن تحديد الموضوع غير صحيح. الشهيد الصدر قد تناول هذا الأمر بشكل مستفيض في سياق شؤون الفقيه والفقه، وخلص إلى أن تحديد الموضوع، إلى جانب تحديد الحكم، يقع على عاتق الفقيه، خاصة في مثل هذه الموضوعات المعقدة والخاصة. ومع ذلك، فإن تحديد المصاديق يعود إلى العرف، لكن تحديد الموضوع ومفهومه يجب أن يكون من قبل الفقيه. على سبيل المثال، في مسألة الغناء، يجب على الفقيه تحديد معنى الغناء وحكمه، لكن تحديد مصاديق الغناء يعود إلى المكلفين.