الحجة الإسلام والمسلمين سيد نور الدين شريعتمدار جزائري في حوار خاص مع معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/13

في بعض الروايات، طُبّق اللغو على أمور محرمة مثل الموسيقى المحرمة، القمار، أو الغيبة، لكن هذا من باب تطبيق المفهوم على المصداق؛ وإلا ففي روايات أخرى عن أمير المؤمنين، عُرّف اللغو بأنه العمل الباطل، وهو أمر يدل على أن تفسيره بالموسيقى المحرمة، القمار، أو الغيبة، كان فقط من باب تطبيق المفهوم على المصداق.

بعض المفاهيم الفقهية، رغم شيوعها الكبير في الألسنة حتى يظن الإنسان أن جهودًا علمية كبيرة قد بُذلت حولها، إلا أنها في الحقيقة من قبيل “السهل الممتنع”، وعند الرجوع إلى الكتب الفقهية، نجد أن المعلومات حولها ليست كثيرة. يبدو أن الحكم الفقهي لـ”اللغو” يندرج ضمن هذه الفئة. لم يناقش الفقهاء اللغو بشكل مستقل أبدًا، بل تحدثوا عنه دائمًا ضمن مباحث مثل الموسيقى، القمار، والغيبة؛ لذا لم يُلاحظ اتفاق واضح على معناه وحكمه بين الأصوليين أو حتى غالبيتهم. وبهذه المناسبة، أجرينا حوارًا مع الحجة الإسلام والمسلمين سيد نور الدين شريعتمدار جزائري، أستاذ درس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم. يرى أنه على الرغم من الأدلة الكثيرة التي أُقيمت على حرمة اللغو، لا يوجد دليل قاطع على حرمته. كما أنه لا يرى جواز تطبيق اللغو على الفن بشكل مطلق. وفيما يلي نص الحوار الخاص الذي أجراه معه معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:

الفقه المعاصر: ما هو اللغو؟ وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفنون؟

شريعتمدار جزائري: بالرجوع إلى كتب اللغة والتفسير في سياق الآيات التي ورد فيها لفظ اللغو، يتضح أن اللغو يعني القول أو العمل الباطل الذي لا يترتب عليه أي فائدة للإنسان، لا دنيوية ولا أخروية.

في كتب اللغة الفارسية، ورد في معجم دهخدا أن اللغو يعني ما هو بلا فائدة، باطل، پوچ (فارغ)، وآطل. كذلك ورد في معجم عميد وفي كتب اللغة العربية بنفس المعنى.

في كتب التفسير، قال المرحوم العلامة في المیزان: «اللغو هو الفعل الذي لا فائدة فيه، وهو يختلف باختلاف الأمور؛ فقد يكون عملٌ ما بلا فائدة بالنسبة لعمل آخر فيُعد لغوًا، بينما يكون ذا فائدة بالنسبة لعمل آخر. اللغو خارجٌ عن هذا. اللغو من الأعمال المباحة التي لا فائدة دنيوية أو أخروية فيها».

هذا التفسير هو ذات المعنى اللغوي للغو، لكن هناك عدة اعتراضات على قوله:

الاعتراض الأول: اللغو ليس مقتصرًا على الفعل، بل يمكن تصوره في القول أيضًا؛ بل إن بعض كتب اللغة ذكرت أن أصل اللغو هو صوت الطير الذي لا خاصية له. لذا فإن حصر العلامة للغو في الأفعال غير صحيح.

الاعتراض الثاني: قوله إن اللغو من الأمور الإضافية والنسبية، وأن عملًا ما قد يكون بلا فائدة بالنسبة لعمل آخر فيُعد لغوًا، غير صحيح؛ لأن اللغو ليس من الأمور الإضافية. بل إن كل قول أو فعل إذا كان له فائدة فليس لغوًا، وإذا لم يكن له فائدة فهو لغو. قد يكون قول أو فعل أكثر فائدة بالنسبة لأمر ما وأقل فائدة بالنسبة لأمر آخر، لكن هذا لا يعني أن اللغو نسبي.

من الناحية الحكمية، اللغو مرجوح (غير مرغوب). ترجيح الإعراض عن اللغو يرجع إلى كونه بلا فائدة، إذ يبعد الإنسان عن ذكر الله والقيامة، ويؤدي إلى الميل إلى الباطل ومجالسة أهل الباطل.

بناءً على تعريف اللغو، يتضح تطبيقه على الفن. إذا كان للفن أثر وفائدة فليس لغوًا، وإذا لم يكن له فائدة دنيوية أو أخروية فهو لغو؛ لأن الفن، مثل سائر الأفعال، هو أحد أفعال الإنسان ويتصف باللغوية أو عدمها. الفائدة الأخروية مثل الأفلام التي تقرب الإنسان إلى الله، كالأفلام الوثائقية التي تظهر عظمة الخالق في مخلوقاته، أو الأفلام التي تحمل موعظة ونصيحة. الفائدة الدنيوية مثل الأفلام التي تجلب الفرح للإنسان وتبعده عن الاكتئاب. أما الأفلام التي تؤدي إلى تفكك الأسرة، أو تنتهك حرمة الأب والأم أو الأخ والأخت، أو تروج للأخلاق الفاسدة في المجتمع، فهذه الأفلام ستكون محرمة أو مكروهة.

ومن بين هذه الأفلام، هناك أفلام وسطية؛ أي لا تقرب الإنسان إلى الله ولا تروج للفساد والضلال. هذه الأنواع من الفنون تُسمى فنون لغو؛ لأنها لا تحمل فائدة دنيوية ولا أخروية. لذا، لا يمكن القول بشكل عام إن الفن لغو أو ليس لغوًا.

الفقه المعاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة أو عدم رجحان اللغو بشكل مطلق؟

شريعتمدار جزائري: لا يوجد دليل شرعي على حرمة اللغو المطلق بشكل عام، لكن يوجد دليل على عدم رجحانه وكراهته. اللغو المطلق، إلى جانب أنه لا دليل على حرمته، ليس من المعقول أن يكون حرامًا؛ لأن معظم الأقوال والأفعال التي تصدر عن الإنسان هي لغو، أي لا فائدة دنيوية عقلائية مهمة أو فائدة أخروية فيها. بالطبع، بعض أنواع اللغو لها دليل حرمة خاص بها، مثل الأمور التي ثبتت حرمته شرعًا بشكل قاطع، كالقمار والغيبة، التي هي لغو، أي بلا فائدة دنيوية أو أخروية، ولها أيضًا دليل خاص على حرمته.

لكن إذا لم يكن هناك دليل خاص على حرمة اللغو، فهو ينقسم إلى قسمين: مكروه أو مباح. اللغو المكروه هو ما يبعد الإنسان عن الله وعن يوم القيامة. في مثل هذا اللغو، لا يوجد دليل خاص على الحرمة، وهو مكروه فقط. أما اللغو المباح فهو العمل الذي يقوم به الإنسان، ولا دليل خاص على حرمته، ولا يبعده عن الله أو يجعله غافلاً، مثل تناول الطعام والأعمال غير الضرورية التي تصدر عن الإنسان بشكل يومي.

لذا، اللغو إما حرام، أو مكروه، أو مباح؛ لكن لا يوجد دليل يقول بشكل عام إن اللغو حرام.

يُستدل أحيانًا ببعض الآيات مثل آية ٢ من سورة المؤمنون: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»، لإثبات حرمة اللغو؛ لكن الآية لا تدل على الحرمة، بل تعبر فقط عن حكم تنزيهي وكراهية؛ لأن الله في هذه الآية يهدف إلى بيان صفات المؤمنين الكاملين، ويذكر إحدى صفاتهم هي الإعراض عن الأمور اللغو، وليس في مقام بيان حرمة اللغو. الدليل على ذلك هو الآية التالية: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ»، بينما من المؤكد أن الخشوع في الصلاة ليس واجبًا، بل مستحب. إذا لم يكن لشخص خشوع في الصلاة، هل ارتكب حرامًا؟ لا، بل قام بعمل مكروه وترك مستحبًا. لذا، هذه الآية الشريفة في مقام بيان الإيمان الكامل، وليس الأمور الواجبة بحيث يكون تركها حرامًا. بمعنى أن الإيمان الكامل في المؤمن يبعده حتى عن الأعمال اللغوية والبلا فائدة والبلا أثر، لأن هذا المؤمن يتوجه إلى الله وعظمته، ويعلم أن الله لم يخلق هذا العالم والإنسان عبثًا، بل لغايات وأهداف؛ لذا يجب أن تكون أعمال المؤمن وأقواله دائمًا ذات غرض وهدف وفائدة، وهذا الإيمان الكامل والتوجه إلى الله يبعد المؤمن عن اللغو.

كذلك، استُدل على حرمة اللغو بالآية: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا» (المؤمنون هم الذين إذا مروا باللغو مروا بكرامة وتجاوزوه). لكن هنا أيضًا، المراد هو كراهة اللغو وليس حرمته؛ لأنه لو كان اللغو حرامًا، لما كان للمرور بكرامة من جانبه معنى. لا يعقل أن يرى الإنسان عملًا حرامًا ويمر من جانبه بكرامة. لذا، المراد من الآية هو ألا يصدر الإنسان حكمًا متسرعًا أو قضاوتًا بلا مبرر تجاه ذلك الشخص؛ بينما لو كان اللغو حرامًا، لكان على الإنسان أن يقف ضده ويمنعه.

كما استُخلصت حرمة اللغو من بعض الروايات، وهو أمر غير صحيح. في بعض الروايات، طُبّق اللغو على أمور محرمة مثل الموسيقى المحرمة، القمار، أو الغيبة، لكن هذا من باب تطبيق المفهوم على المصداق؛ وإلا ففي روايات أخرى عن أمير المؤمنين، عُرّف اللغو بأنه العمل الباطل، وهو أمر يدل على أن تفسيره بالموسيقى المحرمة، القمار، أو الغيبة، كان فقط من باب تطبيق المفهوم على المصداق.

الخلاصة أنه لا يوجد دليل على حرمة اللغو، بل إن العقل يحكم بكراهته؛ لأن اللغو يبعد الإنسان عن الله، القيامة، وغرض وهدف خلق العالم والبشر.

بعد توضيح حكم اللغو، ننتقل إلى الفن. يبدو أن الفن ليس له خصوصية تجعل جميع أنواعه مصداقًا للغو؛ بل إن الفن يخضع للأحكام الخمسة، فقد يكون أحيانًا واجبًا، أو حرامًا، أو مكروهًا، أو مستحبًا، أو مباحًا.

الفقه المعاصر: هل تطبيق أو عدم تطبيق عنوان اللغو من وظائف الفقيه، أم العرف العام، أم المكلف؟

شريعتمدار جزائري: بشكل عام، تحديد الموضوع لتنفيذ الحكم الشرعي يقع على عاتق المكلف، وذلك لسببين: أولاً، لأن من يتعامل مع الموضوعات ويريد تنفيذ الأحكام الشرعية هو المكلف. ثانيًا، لأن مخاطب الخطاب الشرعي في الآيات القرآنية والأحاديث عن الأئمة المعصومين (ع) هم المكلفون، وعليهم واجب تحديد موضوع الحكم الشرعي وتطبيق الحكم الشرعي عليه. لذا، فإن تحديد الموضوع يقع على عاتق المكلف؛ لكن أحيانًا يكون المكلف عاجزًا عن تحديد الموضوع، وفي هذه الحالة يجب أن يستعين بخبير. هذا الخبير قد يكون أحيانًا أهل اللغة، وأحيانًا الفقهاء. أما تحديد الموضوعات التي لم تكن موجودة قبل الشريعة وأبدعتها الشريعة، فيقع على عاتق المجتهد، مثل الصلاة، الصوم، والحج. في الاصطلاح الفقهي، تُسمى هذه الموضوعات “موضوعات مستنبطة”، أي موضوعات يتطلب تحديدها استنباطًا من الأدلة الشرعية. على سبيل المثال، الصلاة في اللغة تعني الدعاء، لكن في الشرع تعني أفعالًا مخصوصة؛ والصوم في اللغة يعني كف النفس، لكن في الشرع يعني عبادة مخصوصة؛ والحج في اللغة يعني القصد، لكن في الشرع يُطلق على أعمال مخصوصة. أما تحديد الموضوعات غير المستنبطة، فيقع على عاتق المقلد.

السؤال الآن هو: هل اللغو من الموضوعات المستنبطة أم غير المستنبطة؟ في رأيي، اللغو من النوع الثاني، لأنه في الاصطلاح الفقهي لم يكتسب معنى آخر؛ لذا فإن تحديده يقع على عاتق المكلف.

Source: External Source