عنوان “اللعب”، على الرغم من عدم وجود اتفاق على معناه، إلا أنه في غالب النصوص الفقهية يُعتبر معيارًا للحرمة، وهو معيار استُخدم في مجال الفن أكثر من غيره من أبواب الفقه. عدم التناول المستقل لهذا العنوان الفقهي أدى إلى أن الفتاوى الصادرة بناءً على تطبيق هذا العنوان على الفعل تفتقر إلى الدقة الكافية. الحجة الإسلام والمسلمين حسين أدبي، أستاذ الحوزة العلمية في مشهد، والذي يمتلك دراسات وتجارب واسعة في مجال الفن، يسعى في هذه المذكرة الحصرية إلى تحليل معنى اللعب وتطبيقه في أحكام فقه الفن. وفيما يلي نص المذكرة لهذا الأستاذ والباحث في الحوزة العلمية بمشهد:
لقد أصبح الفن في المجتمع المعاصر أحد ضروريات الحياة، حيث ترتبط مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية بطريقة أو بأخرى بقالب أو عدة قوالب فنية. بعض الفنون تؤثر على عموم المجتمع وتضعه تحت تأثيرها، ومع توسع أدوات الاتصال الجماهيري الافتراضي، فإن هذه الدائرة في ازدياد مستمر.
من بين النقاط المهمة في مواجهة الفقه مع الفن هو وجود اللَهو واللعب في الأعمال الفنية. في التعاريف التي قدمها الفقهاء، عادةً ما يُؤخذ اللعب واللَهو بمعنى واحد. وبعضهم، وإن قدموا معاني مختلفة لهذين المصطلحين، إلا أن مقدار الاشتراك بين المفهومين كبير لدرجة أنه يمكن، مع بعض التسامح، اعتبارهما بمعنى واحد. بافتراض قبول التشابه المعنوي بين مفهومي اللَهو واللعب، يمكن تعريفهما على النحو التالي: ما يشغل الإنسان ويجعله غافلاً عن ذكر الله ومضلاً عنه. نقطة الثقل في هذا التعريف هي الغفلة عن ذكر الله والضلال؛ لذا فإن أي ترفيه يندرج تحت هذا التعريف يُحكم بحرمته من قبل الفقهاء. الضلال والانحراف نوعان: انحراف عقائدي وانحراف عملي وسلوكي. الانحراف العقائدي يعني أن الأمر الترفيهي يجعل الإنسان يشك في المعارف الدينية أو يثير فيه حالة من اللامبالاة. قد يكون الإنسان في حالته الطبيعية مرتبطًا بالمسجد والمؤمنين والأجواء الدينية بناءً على ميوله الروحية والفكرية، ويكون لديه مجموعة من العقائد والميول الروحية والفكرية تجاه الدين؛ لكن عندما ينغمس في مثل هذه الأمور الترفيهية، تتغير معتقداته تدريجيًا وينحرف عن طريق الحق.
قد لا يكون الانحراف عقائديًا، لكنه قد يغير من سلوك الفرد ويجعله متساهلاً أو متشائمًا تجاه أداء التكاليف الدينية. الانحراف العملي يعني أن العمل الترفيهي يدفع الإنسان إلى الحرام أو يخلق فيه حالة من اللامبالاة تجاه الذنب.
الأعمال الفنية يمكن أن تكون ترفيهية. ومن هنا، يمكن طرح السؤال في هذا السياق: أي من الأعمال الفنية تحمل عنصر الترفيه؟ بشكل عام، العرض هو الفن الترفيهي الأبرز، سواء كان هذا العرض في قالب مسلسل تلفزيوني، فيلم سينمائي، مسرحية، رسوم متحركة، أو أي قالب آخر. قوالب الفنون التمثيلية تمتلك قدرة مزدوجة، بحيث يمكن استخدامها للترفيه البحت، أو التعليم، أو إيصال فكرة معينة. كذلك، فن الموسيقى، الغناء، الرسم، تقديم البرامج الطنزية التلفزيونية، وما شابه ذلك، تندرج ضمن الفنون التي تحمل جانبًا ترفيهيًا. بين الفقهاء المعاصرين، يغلب الرأي أن ليس كل ترفيه حرامًا، وإنما الترفيهات «المضلة عن سبيل الله» هي المحرمة. لكن معيار «الإضلال عن سبيل الله»، سواء في الإضلال العقائدي أو العملي والسلوكي، يحتاج إلى توضيح أكثر.
ظاهر كلام الفقهاء يشير إلى أن أي إضلال، سواء كان عقائديًا أو عمليًا عن سبيل الله، يؤدي إلى حرمة العمل؛ لذا إذا أمكن تحديد معيار دقيق للإضلال، يصبح تمييز الترفيه الحرام من غير الحرام أمرًا سهلاً. العديد من الفنون الترفيهية تحمل فقط ركن الترفيه ولا يترتب عليها فائدة أخرى. على سبيل المثال، قد يُنتج فيلم سينمائي بغرض إضحاك الجمهور وإثارة حماسته دون أي هدف آخر. غرض منتجي هذه الأفلام هو مجرد ترفيه الجمهور وإثارة شعور بالرضا والحماس لديه دون أي غاية أخرى. أو قد تُنتج قطعة موسيقية أو يغني مغنٍ بعض الأشعار بهذا الهدف فقط. هذه الأعمال الفنية، وإن لم تكن مضلة بالفعل، إلا أنها بسبب كونها تعتمد على التخيلات البحتة دون هدف سامٍ وتهدف فقط إلى إثارة الحماس الفارغ، تُعتبر لعبًا حرامًا ولَهوًا، ووفقًا لرأي الفقهاء الغالب، يُحكم بحرمتها. إثارة المشاعر في هذه الأعمال تشمل كلاً من الفرح والحزن، وليس الأمر مقتصرًا على أن العمل إذا تضمن فرحًا مفرطًا يُحكم بحرمته.
من الممكن أن لا يكون العمل الفني مضلاً بالفعل، لكن بسبب وجود إضلال شأني، يُحكم بحرمته؛ لذا فإن العبثية والبطلان وغياب الهدف السامي يُعتبر معيارًا للإضلال. بناءً على ذلك، إذا كان فن ترفيهي يساعد شخصًا على الخروج من حالة الحزن أو الاكتئاب والعودة إلى حياته الطبيعية، يمكن اعتبار هذا هدفًا عقلائيًا له، وبالتالي يخرج من دائرة اللغو واللعب. وهذا ما يراه سماحة القائد (حفظه الله)، وإن كان يعتبر مثل هذه الفنون لعبًا، لكنه يقسم اللَهو واللعب إلى نوعين: حرام وحلال، وهو أمر مبتكر وقليل الذكر في الفقه الشيعي.