منذ بضع سنوات، أصبح البحث عن الحكم الأولي للفعل الفني في علم الفقه موضوع اهتمام المهتمين بفقه الفن. ربما يمكن القول إن أول من أثار هذا الموضوع بين المعاصرين هو آية الله عليدوست. فقد وصف الأمين العلمي للمؤتمرات الوطنية لفقه الفن، لأول مرة في عام ١٣٩٤ هـ.ش، الحكم الأولي للفعل الفني بالاستحباب، وأكد على ذلك مرات عديدة بعد ذلك. هذا القول واجه على مر السنين ردود فعل متباينة. لكن الحجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل، في مذكرته الحصرية لمجلة «عناوين الحرمة في فقه الفن» الإلكترونية، تناول هذا الموضوع من زاوية أخرى. وقد حاول نائب التعليم السابق لمدرسة فقه الفن الإجابة على السؤال: هل يمتلك الفعل الفني أصلاً قابلية تأسيس أصل أولي؟ وفيما يلي نص المذكرة لمدير دائرة المعارف الفقهية المعاصرة:
مقدمة
في علم هنجاري مثل علم الفقه، يتم تحديد حكم كل فعل أو واقعة بدراسة مصادر استنباط الأحكام، وهي في الغالب القرآن والسنة. ومع ذلك، في بعض الحالات، لا تؤدي الاستدلالات والاستنباطات إلى نتيجة، فيضطر الفقيه إلى الرجوع إلى الأصل الأولي للفعل. ولهذا السبب، نرى في العديد من كتب أصول الفقه أن العلماء يحددون الأصل الأولي في الخطوة الأولى، حتى إذا لم تصل المناقشات إلى نتيجة مرضية، يعودون إلى تلك القاعدة الأساسية.
في دائرة فقه الفن أيضًا، لا مفر من هذه العملية، ويضطر الفقهاء إلى تحديد وتوضيح الأصل الأولي في فقه الفن. لهذا السبب، تناول آية الله أبو القاسم عليدوست، وهو من رواد التنظير في الفقه الحديث وخاصة فقه الفن، في مقالته «فقه الفن في نظرتين: النظرة الشاملة والتعيينات الموردية»، الأصل الأولي في فقه الفن، وحكم باستحباب الفعل الفني. اقتصر بحثه على الحالات التي كانت مطروحة في الفقه التقليدي ونوقشت في كتب الفقه الشيعي السابقة. وقد قبل آية الله عليدوست أن بعض الفنون مذمومة أو حتى محرمة في روايات أهل البيت (ع) والفقه الشيعي، لكنه توصل إلى أن هذه الحرمة ليست ناتجة عن ذات الأفعال الفنية، بل بسبب ملازمتها للوازم محرمة شرعًا. وبالتالي، بدون مراعاة هذه اللوازم، فإن الفعل الفني، بوصفه خلق عمل بدیع يعتمد على القوة الإبداعية البشرية، ليس فقط غير محرم، بل هو مستحب ومحمود. (راجع: فصلية قبسات، العدد ٧٨، شتاء ١٣٩٤ هـ.ش، ص ٤١-٥٩).
تحليل الأساس
تتمثل موضوع العلوم مثل الفقه والأخلاق والحقوق في دراسة السلوكيات البشرية من زاوية تقييمية. هذه العلوم الثلاثة تحدد حدودًا لسلوكيات الإنسان، ومن خلال تعريف معايير، تصنف أفعال البشر إلى حلال وحرام، جائز وممنوع، محمود ومذموم، روا وناروا، مستحق للعقاب أو مستحق للتقدير، وما شابه. تُحدد معايير هذه العلوم في علوم أخرى مثل أصول الفقه (وبشكل عام مباني الفقه)، فلسفة الأخلاق، وفلسفة الحقوق. والآن يجب أن نرى ما هو النهج المتبع تجاه الأفعال في هذه العلوم.
أهم نقطة في تقييم الأفعال هي الانتباه إلى العناوين التي تترتب على فعل أو واقعة. التوضيح: الحركات الفيزيائية مثل جر سكين على رقبة شخص، أو أخذ شيء من حقيبة، أو ضرب وجه شخص آخر باليد، وما شابه، لا يمكن أن تكون موضوعًا لتعلق حكم شرعي أو أخلاقي أو قانوني بحد ذاتها؛ بل ما يمهد لتعلق الحكم هو العنوان الذي يترتب على هذا الفعل. يمكن تقسيم العناوين إلى عناوين من الدرجة الأولى والثانية وأعلى؛ بمعنى أنه، على سبيل المثال، يمكن تسمية جر السكين على رقبة شخص بالقتل، لكن القتل نفسه لا يحمل حكمًا أخلاقيًا أو فقهيًا أو قانونيًا بمفرده؛ بل ما يمهد لتعلق الحكم هو عناوين من درجة أعلى، مثل «قتل عمدي لشخص لا يستحق القتل»، وهذا العنوان نفسه نتيجة تجميع عدة عناوين أخرى تتراكم في فعل واحد. وكذلك، أخذ شيء من حقيبة شخص آخر له حالات مختلفة، بعضها قد يكون سرقة أو تصرفًا في مال الغير ويستحق العقاب أو الذم الأخلاقي، بينما قد تكون بعض حالاته مستحسنة وتستحق المدح، مثل الدخول دون إذن إلى حقيبة شخص لإخراج دواء ضروري لهذا الشخص المريض الذي يحتاجه على الفور.
من خلال هذه التوضيحات، يتضح أن الأفعال الواعية والمقصودة للإنسان لا تكون خالية أبدًا من الملازمات مع عناوين أخرى. بعبارة أخرى، لا يوجد عنوان بسيط في السلوكيات ذات النية للإنسان، وجميع العناوين مركبة. العلوم الهنجارية مثل الفقه والأخلاق والحقوق تتعامل دائمًا مع العناوين المركبة، وموضوع هذه العلوم هو العناوين المركبة وليس العناوين البسيطة مثل إخراج الصوت من الحنجرة؛ بل ما هو موضوع الحكم، على سبيل المثال، الكذب، وهو قول كلام له معنى، يقصد المتكلم به إخبارًا عن وقوع ذلك المعنى في الخارج، بينما لم يتحقق ذلك المعنى في الخارج، ولا توجد مصلحة أعلى في قول هذا الكلام الخاطئ.
الأصل الأولي في فقه الفن بين النصية والملاکية
مع هذه التوضيحات، نلقي نظرة على العناوين الواردة في فقه الفن. الفن نفسه عنوان عام لعناوين أخرى مثل نظم الشعر، عزف الآلات الموسيقية، الغناء، الرسم، صناعة تماثيل الأشياء أو الكائنات الحية أو الخيالية، التمثيل، صياغة القصص، الرقص، الخط، وغيرها. مصطلح الفن لم يرد في الروايات؛ لذا فهو ليس حقيقة شرعية ولا متشرعة، ولا يوجد وجه مشترك جدي ومتفق عليه؛ بل هو عنوان عرفي، بعض مصاديقه مثل الرسم والخط متفق عليها من الجميع، وبعض مصاديقه محل اختلاف، مثل الفن المفاهيمي (Conceptual Art) الذي لا يُعتبر استخدام القوالب الفنية التقليدية فيه أمرًا ضروريًا. فضلاً عن ذلك، يمكن توقع أن تدخل في المستقبل ظواهر وأفعال إلى دائرة الفن تختلف اختلافًا جوهريًا عن الفنون الشائعة. النتيجة أن الفن مفهوم عام بمصاديق متنوعة، ولتحديد حكم كل عنوان فني، يجب تحليل ذلك العنوان وتجزئته إلى العناوين المشكلة له.
بناءً على ما تقدم، فإن فقه الفن عنوان مجرد ومصطنع، والسعي لتحديد أصل أولي للفن دون تصنيف وتقسيم الفنون المختلفة لن يؤدي إلى نتيجة. من الواضح أن الرجوع إلى أصالة الإباحة في هذا البحث لا يجدي نفعًا؛ لأن كل فعل فني يرتبط بلوازم فردية واجتماعية مختلفة يجب أولاً تحديد تكليفها.
من ناحية أخرى، في التراث الفقهي الإسلامي وأعمال الفقهاء الكبار الشيعة، يوجد طيف من الآراء التي تحرم عنوان الغناء، أو الرسم ذي الروح، أو النحت بذاته، على عكس الفقهاء الذين تحدثوا عن حرمة هذه الأفعال بسبب ملازمتها لعناوين محرمة أخرى. هؤلاء الفقهاء في الحقيقة لديهم ميل أكبر نحو النصية، على عكس فهم فقهاء مثل آية الله عليدوست وبعض المراجع الذين، في بعض الحالات، تجاوزوا النص بناءً على الملاک وحكموا بحلية النحت مثلاً.
لذا، فإن تحديد الأصل الأولي في فقه الفن يعتمد على تحديد وتبني أساس مهم، وهو تحديد نطاق الملاکية والنصية بل وحتى الظاهرية في فهم الشريعة، وبالأخص في فقه الفن. فالأعمال الفنية تُؤدى أحيانًا بالجسد فقط مثل البانتوميم والرقص والعروض الأدائية، وأحيانًا بالكلمة فقط مثل الشعر والقصة، وأحيانًا بالجسد والكلمة معًا مثل المسرح، وأحيانًا باستخدام الأدوات مثل الموسيقى، وأحيانًا بمزيج من كل هذه العناصر مع ظواهر أحدث مثل السينما. من الواضح أن كل مجموعة من هذه الأفعال لها ملازمات مختلفة عن المجموعة الأخرى. في الشعر والقصة، ما يُعتبر معيارًا للتقييم هو معنى الكلمات، وهو نطاق واسع جدًا؛ أما في الغناء بالتعريف الشائع، فلا يمكن إيجاد معيار سوى عنوان الغناء نفسه.
النتيجة
النتيجة أنه إذا كانت طريقة فهمنا للنصوص الدينية هي السعي لاكتشاف الملاکات الواردة في النصوص الشرعية، فيمكننا، بالتجاوز عن ظاهر النص إلى الملاکات الداعمة له وبالتفريق بين لوازم الفعل الفني وذاته، الوصول إلى العنوان الأولي للفعل. وعندها، باكتشاف ذلك العنوان الأولي الذي حُكم عليه بحكم الشارع، يمكننا فتح طريق لمعرفة الأصل الأولي لذلك الفعل؛ مع ملاحظة أنه يصعب إيجاد معيار واحد لجميع الأفعال والأعمال الفنية وتحديد أصل أولي لجميع أنواع الفنون.