العناوين مثل «اللَهو»، «اللغو»، «اللعب»، «الإضلال عن سبيل الله» وما شابه، على الرغم من أن لها تاريخًا طويلًا في استخدامها كدليل على حرمة فعل في علم الفقه، إلا أنها قلما خضعت لتحليل لغوي وحكمي مستقل. ومن بين هذه العناوين، ربما يمكن القول إن «اللغو» هو الأقل مناقشة. ومع ذلك، في كثير من الحالات، يُحكم بحرمة أو عدم رجحان فعل ما بسبب انطباق عنوان اللغو عليه. الحجة الإسلام الدكتور علي شريفي، أستاذ المستويات العليا في الحوزة العلمية بقم وحاصل على دكتوراه في الحقوق الجزائية، يتناول في هذه المذكرة الحصرية تحليل مفهوم اللغو والحكم باستخدامه كدليل على حرمة الأعمال الفنية. وفيما يلي نص المذكرة الحصرية لأمين معهد السياسة والحكم في معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:
اللغو، اللَهو، واللعب هي من الكلمات التي تُستخدم في الأدبيات الدينية بمعانٍ متقاربة، وقد وردت فيها مذمة بشكل عام. هناك اختلاف بين الفقهاء حول ما إذا كان اللغو محرمًا أم لا، وفي حال الحرمة، هل هي مطلقة أم تقتصر على بعض أنواعه. من ناحية أخرى، قد تُعتبر العديد من الأعمال الفنية التي تُؤدى اليوم في صورة عروض، تمثيل، عزف، حركات استعراضية وما شابه مصداقًا للغو. في هذه الحالة، يُطرح السؤال: ما هو أثر اعتبار اللغو محرمًا على الأعمال الفنية؟
للإجابة على هذا السؤال، من الضروري توضيح أمرين:
- أي لغو هو المحرم؟
- أي من الأعمال الفنية يمكن أن تكون مصداقًا للغو المحرم؟
أ) معناشناسية اللغو المحرم
فيما يتعلق بالموضوع الأول، يجب أولاً بيان معنى اللغو. عرفه اللغويون بمعانٍ مثل الباطل[١]، التشتت في الكلام[٢]، الكلام الذي يُقال بدون تفكير أو تأمل ولا يُعطى له أثر[٣]، الكلام القبيح[٤]، والعمل الذي لا نفع فيه[٥]. لكن من الناحية الفقهية، وبناءً على ما يُستفاد من آيات القرآن والروايات، للغو معنيان: الأول، المعنى المرادف للَهو، وبالتالي يترتب عليه ما يترتب على اللَهو من أحكام؛ والثاني، الحركات الباطلة بشكل مطلق[٦].
يذكر الشيخ الأنصاري العديد من الفقهاء مثل الشيخ الطوسي، ابن إدريس، والعلامة الحلي، الذين قالوا إن اللَهو محرم، وقد حكموا بحرمة أمور مختلفة لأنها مصداق للَهو، مثل السفر بقصد التسلية والفرح. ظاهر هذا القول هو أن اللَهو محرم بشكل مطلق؛ لكن الشيخ الأنصاري نفسه يرى أن حرمة اللَهو بشكل مطلق ليس لها دليل، لأن اللَهو في اللغة يعني اللعب المطلق، وهو يشمل الحركات بدون غرض عقلائي، ولا شك أن اللعب المطلق والحركات بدون غرض عقلائي ليست محرمة. الرأي المشهور والسيرة تؤيد هذا الأمر، إذ لم يعتبر الفقهاء في أي عصر اللعب المطلق والحركات بدون غرض عقلائي محرمة. لذا، يجب أن يكون المقصود باللَهو المحرم هو اللَهو البَطَري، أي الفرح الشديد جدًا، مثل الرقص، التصفيق، واللعب بآلات اللَهو. هذه الحركات ليست مجرد فرح، بل تثير أيضًا القوة الشهوانية[٧].
لذا، إذا كان المقصود باللغو هو نفس اللَهو المرادف للعب، فلا يمكن إلا إفتاء بحرمة اللغو البَطَري؛ أما إذا كان المقصود معنى يختلف عن اللَهو، بحيث يكون اللَهو حركات مصحوبة باللذة، بينما اللغو هو حركات بدون هدف حتى لو لم يُستخلص منها أي لذة، ففي هذه الحالة يمكن فقط إفتاء بكراهته[٨].
يرى آية الله الخوئي أنه لا يوجد دليل على حرمة اللَهو المطلق، سواء كان اللَهو بمعنى الباطل أم لا؛ لأنه، أولاً، لا يوجد دليل على حرمة اللَهو المطلق، وثانيًا، الروايات التي استُند إليها للإفتاء بحرمة اللَهو ضعيفة من الناحية السندية، كما أنها تنظر فقط إلى نوع معين من اللَهو، وهو اللَهو المصاحب لأفعال محرمة، مثل القمار[٩]. بعض الفقهاء الآخرين يشاركون هذا الرأي ويعتقدون أن حرمة اللغو المطلق ليس لها دليل.
ب) أثر حرمة اللغو على الأعمال الفنية
بناءً على ما تم ذكره بشكل موجز حول معنى اللغو وحكمه الفقهي، يمكن القول إن الأعمال الفنية يمكن تقسيمها إلى فئتين:
- الأعمال الفنية التي ليست مصداقًا للغو، وبالتالي لا تخضع لحكم اللغو، مثل الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، الرسم، الشعر، الموسيقى، وغيرها من الأعمال الفنية التي تُنتج وتُعرض بهدف الترويج للقيم الدينية أو الإنسانية العليا، أو تهدف إلى إحداث تحول روحي إيجابي في الأفراد. هذه الفئة من الأعمال الفنية ليست مصداقًا للغو أو العمل الباطل أو البي هدف أو الفاقد للغرض العقلائي، وبالتالي لا يمكن الحكم بحرمتها من هذه الناحية.
- الأعمال الفنية التي إما أنها بلا هدف، مثل ما يُسمى اليوم بالفن لأجل الفن (البارناسية)، أو لها أهداف باطلة وشهوانية، مثل أنواع الرقص، الأغاني الطربية المثيرة للشهوة، الرسومات والمنحوتات المنافية للأخلاق وما شابه. فيما يتعلق بالفئة الثانية، فإن الحكم بالحرمة يقتصر على النوع الثاني منها، أي الأعمال الفنية التي تُراد منها أهداف باطلة؛ لذا وردت في الروايات كمصاديق للَهو أو اللغو المحرم. على سبيل المثال، في حديث عن النبي (ص) نهى عن القمار، الشطرنج، عزف التنبور، والني[١٠].
أما بالنسبة للنوع الأول، أي الأعمال الفنية التي لا تحمل هدفًا إيجابيًا أو سلبيًا وتهدف فقط إلى خلق عمل فني، ففي النهاية، إذا أدت إلى إضاعة العمر، الإعراض عن عبادة الله، وما شابه، يمكن تقييمها كأمر مكروه يعيق كمال الإنسان.
[١] كتاب العين، ج٤، ص٤٤٩.
[٢] المحيط في اللغة، ج٥، ص١٣٢.
[٣] مفردات ألفاظ القرآن، ص٧٤٢.
[٤] المصدر نفسه.
[٥] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج١٠، ص٢٠٧.
[٦] كتاب المكاسب (للشيخ الأنصاري، ط – الحديثة)، ج٢، ص٤٨.
[٧] المصدر نفسه، ص٤٧.
[٨] المصدر نفسه، ص٤٩.
[٩] مصباح الفقاهة (المكاسب)، ج١، ص٤٢٤.
[١٠] من لا يحضره الفقيه، ج٤، ص٦.