الأستاذ في المستويات العليا بالحوزة العلمية في مشهد، في حوار خاص مع معهد الدراسات الفقهية المعاصرة:

عناوین الحرمة فی فقه الفنون/25

إن عدم قبول المتدينين لبعض الفنون مثل الموسيقى والفنون المسرحية، بسبب رفضهم للتسلية والفرح وبعض المسائل الأخرى، يحتاج أولاً إلى التحقق من صحته، ومن ثم دراسة النقاط الارتكازية الموجودة في أذهانهم. ففي النهاية، هذا الانطباع الموجود لديهم ناتج عن بعض النقاط الارتكازية وليس مجرد افتراض عفوي.

ربما يمكن القول إن «الإفساد» من المفاهيم السهلة الممتنعة؛ أي أننا في النظرة الأولى نظن أننا نفهمه تمامًا، لكن عندما يأتي دور تفسيره، ندرك أن له جوانب كثيرة كنا غافلين عنها. الإفساد في علم الفقه عنوان معروف، سواء في الفقه الجزائي تحت عنوان «الإفساد في الأرض» أو في فروع الفقه الأخرى كدليل على بطلان أو عدم جواز الالتزام بحكم معين. لكن هذا الدليل لم يُخضع قط لتحليل «مستقل» كدليل فقهي أو أصولي، ومن هنا تنبع كل هذه الغموضات المحيطة به. أجرينا حوارًا مع الحجة الإسلام والمسلمين إبراهيم نيكدل، الأستاذ في المستويات العليا بالحوزة العلمية في مشهد، حول الإفساد وتطبيقاته في فقه الفن. نيكدل، وإن كان معروفًا أكثر بتدريس كتب الشهيد الصدر ومباحث الشكل والفلسفة في علم الأصول مثل «خوارزمية أصول الفقه»، إلا أنه يمتلك إلمامًا جيدًا بالمباحث الفقهية، خاصة الموضوعات المستحدثة. وفيما يلي نص الحوار الحصري مع معهد الدراسات الفقهية المعاصرة، عضو الهيئة العلمية لمعهد دانشوران للبحوث في مشهد:

فقه معاصر: ما هو الإفساد، وهل يمكن تطبيقه على أنواع الفن؟

نيكدل: مادة الإفساد من الناحية اللغوية وفي الاستعمالات الروائية تقابل الصلاح. والصلاح عادةً يُستخدم في الحالات التي يكون فيها العمل صحيحًا وسليمًا؛ وإلا إذا لم ينطبق عليه هذا الأثر الصحيح، يُقال إنه فاسد. والإفساد بالتالي يعني الإفساد والقيام بعمل لا يترتب عليه أثر على الشيء.

بالطبع، للإفساد اصطلاح فقهي خاص يُستخدم كمفهوم جزائي، وهو ليس المقصود هنا، أي الإفساد في الأرض. المقصود بالإفساد هنا هو الحرمة التكليفية. الإفساد هنا يعني إفساد الدين أو الدنيا المشروعة للناس؛ لذا فإن الفن الذي يسبب الإفساد هو الفن الذي يدمر دين الناس أو دنياهم المشروعة. أما الإفساد في الأرض فهو بمعنى المحاربة، ويجب تناوله في الفقه الجزائي.

قبل الدخول في النقاش، من الضروري التنويه إلى أن بعض الفنون مثل الموسيقى، النحت، والرسم وما شابه كانت موجودة منذ زمن المعصوم (ع)، وهناك أدلة فقهية خاصة بها. وبالتالي، فإن هذه الفنون خارجة عن موضوع النقاش؛ لأن لها دليلًا خاصًا. لذا، المقصود بالفن هنا هو الفنون التي لم تكن موجودة في زمن المعصوم (ع)، ونريد الآن مناقشة انطباق أو عدم انطباق عنوان الإفساد عليها.

بالنسبة للفنون التي كانت موجودة في زمن المعصوم (ع)، إذا اقتضى الدليل الخاص حرمة هذه الفنون، فيجب العمل به؛ أما إذا لم يكن هناك دليل خاص على حرمة، فيمكن مناقشة انطباق أو عدم انطباق عنوان الإفساد عليها.

فقه معاصر: هل يوجد دليل شرعي يدل على حرمة أو عدم رجحان الإفساد بشكل مطلق؟

نيكدل: من المناسب أولاً تنقيح الموضوع قليلاً. السؤال الأول هو: ما المقصود بالحرام؟ هل نريد إثبات الحرمة لفعل الفنان أم للمسؤولين الذين يسمحون بأداء وترويج الفن، مثل السماح ببث فيلم أو مسلسل معين، أو تركيب تمثال معين، أو رسم معين، أو إقامة حفل موسيقي معين؟ باختصار، تارة الحديث عن حرمة فعل الفنان، وتارة أخرى عن حرمة فعل المسؤول المختص بالسماح بأداء الفن.

العناوين المستخدمة لتحديد حكم فعل الفنان تختلف عن العناوين المستخدمة لتنقيح حكم فعل المروجين والمسؤولين عن السماح بالفن. على سبيل المثال، قد يكون فن معين في حد ذاته لا إشكال فيه، لكنه يكون حرامًا بسبب عناوين أخرى. مثلًا، اختلاط الرجال والنساء أو عدم مراعاة الحجاب وما شابه لا يجعل الفن في حد ذاته حرامًا، بل يسبب حرمته لجهات أخرى. أما بالنسبة للأشخاص الذين يملكون سلطة السماح بأداء أو ترويج الفن، فهناك عناوين مثل إشاعة الفحشاء، وهي تختلف تمامًا عن الأولى. لذا يجب الدقة في تحديد من هو موضوع الحرمة في هذا السياق: الفنان أم المسؤول عن السماح وترويج الفن؟

بعض العناوين مثل الإفساد لا تنطبق على مجرد الفعل الفني؛ فمثلاً، إذا قام فنان في خلوته بأداء موسيقى محرمة، قد لا ينطبق عليه عنوان الإفساد، لكن إذا أدى الموسيقى في جمع، فقد ينطبق عليه عنوان الإفساد.

يبدو لي أن العنوان الذي ينطبق على فعل الفنان وفعل المسؤول عن السماح وترويج الفن هو عنوان إشاعة الفحشاء. إذا وجد هذا العنوان، فلا فن بحد ذاته يكون فيه إشكال؛ لأن نفس الفن لا يسبب إشاعة الفحشاء، بل لا يسبب حتى الإفساد. نعم، قد تكون موسيقى معينة، بسبب جهات أخرى مثل كونها طربية أو مضلة، تؤدي إلى الإفساد وإشاعة الفحشاء، لكن هذا لا يعني أن نفس الموسيقى، بحد ذاتها وبوصفها فنًا، تسبب الإفساد وإشاعة الفحشاء. ونتيجة لذلك، لا فن بحد ذاته يُعد مصداقًا للإفساد.

فقه معاصر: أليس اندراج بعض أنواع الفنون، مثل الموسيقى والفنون المسرحية وغيرها، تحت عنوان «الإفساد» ناتجًا عن عدم الاعتراف بمفاهيم مثل الفن، التسلية، الفرح، وأوقات الفراغ من قبل الفقهاء والمتدينين؟ بمعنى آخر، هل تقبلون أنه إذا اعتبرنا الفن والتسلية والفرح أمورًا مشروعة وعقلائية، فإن أي فن بحد ذاته لن يكون مصداقًا للإفساد؟

نيكدل: إن عدم قبول المتدينين لبعض الفنون مثل الموسيقى والفنون المسرحية، بسبب رفضهم للتسلية والفرح وبعض المسائل الأخرى، يحتاج أولاً إلى التحقق من صحته، ومن ثم دراسة النقاط الارتكازية الموجودة في أذهانهم. ففي النهاية، هذا الانطباع الموجود لديهم ناتج عن بعض النقاط الارتكازية وليس مجرد افتراض عفوي.

ما يمكنني قوله من منظور علم الفقه والأصول هو أن هذا السؤال يحمل افتراضًا وتصورًا خاطئًا. وأكرر مرة أخرى أنني أتحدث من منظور الفقه والأصول وليس من منظور المتدينين. يبدو أن الافتراض الأساسي لهذا السؤال هو أن الأحكام الشرعية تشبه القوانين العادية الموجودة في المجتمع العقلائي، حيث تؤثر العلاقات السياسية والاجتماعية في وضع هذه القوانين؛ بينما الأحكام الشرعية ليست كذلك. صحيح أننا في الفقه والأصول لدينا عناوين مثل التزاحم، حيث نحدد حكم فعل بناءً على أفعال أخرى، لكن إذا كان فن معين محرمًا، وكان ذلك بعنوان الإفساد، فذلك بسبب المفسدة المتعلقة به، وهي مفسدة لا يقبل الشرع تحققها، وليس أي مفسدة. لذا، إذا حرمّناه، فذلك لهذا السبب، وليس لأن هذه الفنون تسبب الفرح أو التسلية، فهذه عناوين ثانوية لم تُحرم الفنون بسببها، بل افترض أن الحرمة جاءت بسبب الإفساد، والإفساد عنوان أولي، وبالتالي يكون الحكم أوليًا وليس ثانويًا. باختصار، هذا الحكم ليس بسبب مراعاة العلاقة بين الفن والتسلية والفرح وأوقات الفراغ، بل بسبب عنوان الإفساد الأولي. إذا أردنا دراسة تلك العلاقة التي تُعد عنوانًا ثانويًا، فهذا يتطلب بحثًا منفصلاً ويحتاج إلى دقة كبيرة.

فقه معاصر: إذن، أنتم تعتبرون تشخيص الإفساد من وظائف الفقيه؟

نيكدل: لا، لا! المفاسد المتعلقة بالأفعال تختلف عن بعضها. ليس كل مفسدة مترتبة حرامة؛ أي أنه ليس صحيحًا أن نقول إن كل ما يحمل مفسدة يكون تحققه محرمًا في الشرع، لا. بعض المفاسد ليست محرمة من وجهة نظر الشارع المقدس، ويجب فقط الإرشاد بشأنها وإخبار الناس أن تحقق هذه المفاسد سيعود ضررها عليهم. لكن بعض المفاسد حرمها الشارع المقدس. هنا يلزم العمل الاجتهادي للفقيه لتحديد الحرام بناءً على الأدلة، لكن تطبيق ذلك ليس من مسؤولية الفقيه. التطبيق أحيانًا يكون بيد العرف العام، وأحيانًا بيد المتخصصين في المجال الذين لديهم إلمام ودقة أكبر بالموضوع. لذا، لا يمكن القول بشكل عام إن تشخيص المصاديق يكون دائمًا بيد العرف الخاص أو العرف العام أو الفقيه. نعم، يجب على الفقيه التدخل في مرحلة تشخيص المفسدة، خاصة إذا كانت من النوع المحرم، لكن المراحل اللاحقة ليست من مسؤوليته.

Source: External Source