افتتاحية/ مصطفى دري

عناوين الحرمة في فقه الفنون

تقريباً لم يُخصص أي من هذه العناوين في الكتب الفقهية لبحث فقهي مستقل، إما أن تُركت لبداهتها أو أن نوقشت بشكل مختصر وجزئي فقط؛ نقاش لم يوضح العنوان بشكل صحيح عادةً، ولم يستكشف الأدلة والنظريات حول حكمه الفقهي بشكل كامل. مثل هذه النقاشات، من جهة، تُوهم الباحث أن الموضوع قد نوقش بشكل صحيح وبالتالي لا حاجة لمناقشته مجدداً بشكل مستفيض، ومن جهة أخرى، بسبب هذا النهج، لا يتم تناول الزوايا المختلفة للعنوان، وأبعاده المعاصرة، والتدقيقات الجديدة حوله.

يمكن القول إن الفن والأنشطة الفنية هي ربما القسم أو العنوان الأكثر تحدياً في علم الفقه. منذ القدم، كان النزاع بين الفنانين والفقهاء معروفاً للعام والخاص، وقد كُتبت قصص وأشعار ونصوص كثيرة حول هذا الموضوع. حل هذا التحدي له طريقان: أحدهما إثباتي والآخر ذاتي. الحل الإثباتي هو الحوار وإنشاء منصات عادية وعملية للتواصل بين الفقهاء والفنانين؛ منصات مثل الجلسات العلمية المشتركة، والمؤتمرات حول فقه الفن، والتعاون في إنتاج عمل فني مثل فيلم أو مسلسل أو مسرحية وما شابه.
أما الحل الذاتي والعلمي لهذه المشكلة فيتمثل في استكشاف العناوين التي طُبقت على الأنشطة الفنية وتسببت في حرمته. من خلال استكشاف فتاوى الفقهاء والنصوص الفقهية، يبدو أنه بجانب العناوين الخاصة ببعض الفنون، هناك عناوين عامة، تطبيقها على الأنشطة الفنية تسبب في الفتوى بحرمتها أو على الأقل مرجوحيتها. هذه العناوين هي: اللهو، اللعب، اللغو، الإضلال، الإفساد، والكذب.
والطريف أن تقريباً لم يُخصص أي من هذه العناوين في الكتب الفقهية لبحث فقهي مستقل، إما أن تُركت لبداهتها أو أن نوقشت بشكل مختصر وجزئي فقط؛ نقاش لم يوضح العنوان بشكل صحيح عادةً، ولم يستكشف الأدلة والنظريات حول حكمه الفقهي بشكل كامل. مثل هذه النقاشات، من جهة، تُوهم الباحث أن الموضوع قد نوقش بشكل صحيح وبالتالي لا حاجة لمناقشته مجدداً بشكل مستفيض، ومن جهة أخرى، بسبب هذا النهج، لا يتم تناول الزوايا المختلفة للعنوان، وأبعاده المعاصرة، والتدقيقات الجديدة حوله.
كل هذا دفع معهد دراسات الفقه المعاصر إلى تخصيص أحد عناوين مجلاته الإلكترونية لموضوع «عناوين الحرمة في فقه الفن».
الفصل الأول من هذه المجلة، كغيرها من المجلات، يتناول خلفية الموضوع؛ أمور مثل فهرس المقالات وببليوغرافيا الكتب. الفصل الثاني يناقش أحد أكثر المواضيع تحدياً في فقه الفن خلال العقد الأخير، تحت عنوان المبدأ الأولي في حكم النشاط الفني. بعد تصريح آية الله عليدوست قبل ٩ سنوات بأن أدنى الأنشطة الفنية هي الاستحباب، دخل المؤيدون والمعارضون لهذه النظرية إلى الساحة. في هذا الفصل، تحدثنا مع عدد من المؤيدين والمعارضين لهذه النظرية.
الفصل الثالث يناقش عناوين الحرمة في فقه الفن؛ أي ما هي العناوين التي تتسبب في حرمة الأنشطة الفنية بشكل عام (وليس خاصاً بفن معين).
في الفصول اللاحقة، تناولنا كل واحد من عناوين اللهو، اللعب، اللغو، الإضلال، الإفساد، والكذب مع عدد من أساتذة الفقه. كل واحد من هذه العناوين يحمل تحدياً ونقطة عمياء في النقاش. على سبيل المثال، بالنسبة للغو، عادةً لا يتم استكشاف حكمه الفقهي. بالنسبة للإضلال، التحدي الأساسي يكمن في مداه والهيئة التي تُحدد مصداقه. أما بالنسبة للكذب، فإن النقاش يدور حول ما إذا كانت مقولة المسرحية والأدب أصلاً من قبيل الأخبار التي ينطبق عليها الصدق والكذب، أم أنها من قبيل الإنشاءات التي لا تكون موضوعاً للصدق والكذب أصلاً؟
الفصل الأخير يناقش نهج الفقهاء تجاه الفن عبر التاريخ، وما إذا كان الاتهام الشائع بأن الفقهاء لم يكن لهم علاقة طيبة مع الفن والفنانين، هو قول صحيح يجب أن نبحث عن حل له، أم أنه اتهام غير صحيح وغير واقعي من الأساس؟ ربما يمكن القول إن أحد أكثر أقسام هذه المجلة جاذبية هو الأقوال الواردة في هذا الفصل التي تتناول سيرة الفقهاء الذين كانوا، إلى جانب فقاهتهم، يُعدّون من الفنانين من الدرجة الأولى أيضاً.
هذه المجلة أُنتجت بالتعاون بين معهد دراسات الفقه المعاصر ومدرسة فقه الفن. نأمل أن تكون هذه الجهود مرضية لله تعالى والإمام المهدي (عج)، وأن تكون خطوة وإن صغيرة في سبيل تطوير وتعميق فقه آل محمد (ع). آمين.

Source: External Source