إشارة
فقه الإعلام، رغم أنه منذ بضع سنوات أصبح محل اهتمام كأحد الفقهيات المعاصرة، وشهد دروسًا خارجية وكتابات متعددة، إلا أنه نادرًا ما تمت مناقشته من الناحية المنهجية والمبنائية. الدكتور عباس مقدادي داودي، باحث في فقه الإعلام، يتناول في هذه المذكرة الخاصة الفروقات بين النهجين التقليدي والمعاصر لفقه الإعلام، ويوضح متطلبات كل منهما.
لا شك أن كل نوع من أنواع الاستنباط يتطلب التمسك بدليلين اجتهاديين وفقهيين. من بين الإشكاليات وجذور الخلافات في المنهجية بين الفقه المتعارف والفقه المتخصص، الخطأ في تشخيص الموضوع، الاعتماد على العرف، تجميع الظنون، التطبيق الخاطئ للعمومات والإطلاقات، النقص في تمييز المصالح والمفاسد من جهة، والتناقض في الأقوال، التحميل على الشريعة، والوقوع في فخ العصرية من جهة أخرى.
النهج النظامي
النهج النظامي هو أول فارق بين الفقهيات المتخصصة والفقه المتعارف. النهج المتعارف يركز على الموضوعات، بينما الفقهيات المتخصصة تركز على النظام، وتنظر إلى المسائل من خلال تبيين الموضوع، وتشخيص الموقف الفقهي، وتحديد الموقف الشرعي على المستوى الكلي. سبب نشأة هذا النهج في الفقه التقليدي يرتبط بتعريف جهاز التفقه والحكم المرتبط به. تعلق الأحكام الشرعية بأفعال العباد جعل نهج الفقه التقليدي نهجًا فرعيًا وجزئيًا، لكن في جهاز التفقه الكلي، أو بعبارة أخرى التفقه النظامي، يُعرَّف الحكم بشكل مختلف. يُعرَّف الحكم في التفقه النظامي بأنه: «الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان» (صدر، ١٤٢٥: ص ٩٩)، أو بعبارة أخرى: «الاعتبار الصادر من الشارع لتنظيم حياة البشر». وبما أن حياة الإنسان لها أبعاد مختلفة مثل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتواصلية، يبرز موضوع النظم في الحياة. يجب متابعة فقه التبليغ ضمن النظم التواصلية لحياة الإنسان.
التغيير في منهجية الفقهيات المتخصصة يتطلب الانتقال من منهجية الاجتهاد الجزئي المتعارف إلى منهجية الاجتهاد الكلي. يمكن اعتبار الشهيد صدر مبدع هذا النهج في العصر الحاضر. يبدو أن إبداع الشهيد صدر في منهج الاستنطاق الموضوعي شكّل أساس فقه النظرية للشهيد محمد باقر صدر. لقد حاول من خلال تطبيق منهجية فقه النظرية في مجال فقه الاقتصاد استنباط بعض النظريات الاقتصادية الكلية.
يجب معرفة أن فقه النظرية للشهيد صدر يسعى إلى استنباط النظرة الكلية من التعاليم والنصوص الدينية. هذا النهج يتضمن منهجية خاصة يمكن أن تساهم في تعزيز المعرفة الدينية. تطبيق فقه النظرية للشهيد صدر يمكن أن يتمتع بكفاءتين بارزتين:
أ. تعزيز «عمليات استنباط الأحكام الشرعية» من خلال «الوصول إلى النظرة الكلية»؛ ب. تعزيز «الإدارة السياسية – الولائية».
الفرق في الغاية
الفرق الثاني في منهجية الفقه المتعارف والفقهيات المتخصصة يكمن في الغاية. الفقه المتعارف يركز على العناوين ويسعى لتحصيل الحجية، بينما فقه النظرية غائي، يركز على الأداء الوظيفي ويسعى لاكتشاف الخطوط العامة الحاكمة على الأحكام الشرعية، ليتمكن بناءً على تلك الخطوط العامة من التعامل مع مسائل الأحكام الشرعية، وتوسيع أو تضييق الأدلة، وبالاستناد إلى الإطلاقات والعمومات الشرعية، الإجابة على الموضوعات الإعلامية المستحدثة. على سبيل المثال، نقل الرسالة الدينية من خلال المسابقات النصية التي تُعرض في الإعلام والجوائز التي تُمنح بالقرعة، أو المشاركة في مسابقات الإجابة على الأسئلة ومراحل التصفية والتأهل إلى المسابقة التلفزيونية الحضورية، هل هي مصداق للقمار أو الرهان الإعلامي؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر إلى غاية المنظمين والمشاركين: هل قصدهم الترويج للمحتوى الديني في إطار الترفيه والبرامج الاجتماعية المبهجة، أم أنهم يسعون إلى إنشاء هرم مالي لتحقيق دخل ومنح جوائز زهيدة مقابل ذلك الدخل الكبير؟ لذا، الفرق في الغاية له دور مهم في أحكام فقه التبليغ الديني من خلال الإنتاجات الإعلامية.
الفرق في المنهج
المقصود بالفرق في المنهج ليس الحاجة إلى إنشاء أصول فقه وجهاز اجتهادي مستقل، بل يجب تكميل منهج الاجتهاد الجواهري نفسه. أحد جوانب التكميل هو الانتقال من مستوى التركيز على الموضوعات إلى مستوى التركيز على النظام. من هنا، تُطرح خطوات تظهر في تكميل الاستنباط. من بين المجالات التي تحتاج إلى تكميل المنهج، تشخيص الموضوع. غاية الفقه الجزئي هي استنباط الحكم بناءً على العناوين الأولية والموضوع الخارجي. الفقه المتعارف يحلل الموضوع غالبًا بناءً على العناوين الأولية، ويعتبر دراسة الواقع الخارجي للموضوع خارج نطاق الفقاهة، ولا يقوم بالتطبيق على الخارج. كما أنه يحيل تحديد الموضوعات -في غير الموضوعات الشرعية- إلى العرف العام.
لكن في الفقه المتخصص -مثل فقه الإعلام- يجب دراسة موضوعات الأحكام ومصاديقها، وتطبيق عناوين الموضوعات على المصاديق الخارجية، ثم الوصول إلى شبكة المسائل، وبالإضافة إلى ذلك، ربط النظام المرتبط بذلك الموضوع -مثل نظام الإعلام- مع النظم الأخرى في مصفوفة، ثم استنباط الحكم. استنباط حكم هذه الموضوعات يجب أن يتم مع دراسة التبعات الاجتماعية، الأمنية، السياسية، الدولية وغيرها. بدون هذه الدراسة، قد تكون لتنفيذ ذلك الحكم تبعات غير صائبة، لذا لا يمكن إحالة هذه الأبعاد المختلفة إلى العرف، بل هناك حاجة إلى رؤية خبراء متخصصين. الموضوعات في المسائل المستحدثة -مثل الإعلام- في بعض الحالات تخرج تخصيصًا، وفي بعضها تخصصًا من إطلاقات وعمومات أدلة العناوين الأولية؛ أي أن بعضها يجب أن يُدرَس أساسًا بعناوين ثانوية أو بحكم حكومي.
المصدر: صدر، السيد محمد باقر، (١٤٢٥)، المعالم الجديدة للأصول، قم، المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر.
[١] الأدلة الاجتهادية تشمل العمومات والإطلاقات، ضروريات الشريعة، حكم العقل، سيرة العقلاء، القواعد الفقهية، تنقيح المناط، القياس المنصوص العلة، قياس الأولوية، القواعد الأصولية، مقاصد الشريعة، الإلغاء الخصوصية، العرف والمصلحة. أما الأدلة الفقاهية فتشمل الاستصحاب، البراءة، التخيير والاحتياط.