إشارة
الحجة الإسلام محمدرضا محمودي، من الباحثين الشباب في الحوزة العلمية، والذي درس، إلى جانب الفقه، في تخصصات الحقوق والإعلام في الجامعة. نظراً لتخصصه ومعرفته المتزامنة بمعارف الفقه والإعلام والفضاء السيبراني بشكل عام، أجرينا معه حواراً حول مستقبل فقه الإعلام. هو يعتقد أن مسائل مجال الإعلام ستشهد تغييرات كبيرة في السنوات القادمة، مما يتطلب إجراء دراسات بينية من قبل الفقهاء؛ لكن هذا لا يعني تغيير مبادئ فقه الإعلام. وبفضل إتقانه لمجال التكنولوجيا، قدم أمثلة متنوعة عن التقنيات الحديثة التي إن لم يكن الفقهاء على دراية بها، ستجعل فتاواهم غير فعالة وغير صحيحة. نص الحوار الممتع لفقه معاصر مع عضو هيئة تدريس كلية الشهيد محلاتي في قم، كما يلي:
فقه معاصر: ما هي أهم المسائل المطروحة أمام فقه الإعلام في مئة عام قادمة؟
محمودي: أولاً، يبدو لي أن السؤال عام جداً؛ لأن سرعة نمو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كبيرة لدرجة أنه من الصعب التنبؤ بما سيحدث بعد مئة عام. لكن بشكل عام، يمكن القول إن إحدى أهم المسائل التي تستدعي التناول الفقهي أكثر من غيرها هي تطوير ذكاء الأنظمة الحسابية والحواسيب.
منذ عام ١٩٣٦ عندما اخترع البروفيسور آيكن أول حاسوب عملاق، وحتى عام ١٩٤٠ عندما طرح السيد آلن تورينغ فكرة الذكاء الاصطناعي لأول مرة، كانت التطورات واسعة جداً؛ حتى يومنا هذا حيث أصبحت سرعة معالجة أبسط جهاز في أيدينا أسرع بملايين المرات مقارنة بما كانت عليه قبل مئة عام.
المعالجة الأسرع تؤدي إلى ظهور سلسلة من المسائل، مثل الذكاء الاصطناعي. في الذكاء الاصطناعي، هناك مسائل يجب أن يتناولها الفقه. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد آلة حاسبة بسيطة؛ بل يتغلغل في جوانب مختلفة من حياتنا ويتولى أدواراً كان الإنسان مسؤولاً عنها سابقاً.
على سبيل المثال، أحد هذه الجوانب هو الخدمات ومجال النقل والقيادة. في فضاء يتخذ فيه الذكاء الاصطناعي القرارات، يجب دراسة الجرائم التي تحدث في هذا الفضاء والأحداث التي تقع. هل يوجد أصلاً إرادة في الذكاء الاصطناعي؟ هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي مصداقاً للتكليف الإلهي؟
هذه هي أهم المسائل التي يجب أن تُناقش وتُدرس في الفقه لتوضيح طبيعة العلاقة بين الفقه والتقنيات الحديثة. نحن في الفقه نتحدث عن البلوغ والعقل؛ لكن هل مفهوم البلوغ في فضاء الذكاء الاصطناعي قابل للتخيل أصلاً؟ أو هل يمكن مواءمة مفاهيم مثل الذكاء الاصطناعي المتقدم أو التعلم العميق مع هذا الفضاء؟
كل هذه مسائل وموضوعات ليست فقط لمئة عام قادمة، بل يجب أن نتناولها في أقل من عشر سنوات قادمة؛ لذا قلت إن سرعة نمو التقنيات تجعل من الصعب تصور أفق مئة عام.
ثانياً: أحد أهم شؤون الإعلام والفضاء السيبراني هو قضية البيانات والبيانات الضخمة. نشهد أن قواعد بيانات العديد من الشركات تتعرض للسرقة من حين لآخر، ويجب دراسة الحكم الفقهي لهذا الأمر في علم الفقه. أهمية وشأنية البيانات الضخمة مستقلة عن الخصوصية؛ لذا لا ينبغي الخلط بين هذا العنوان والخصوصية. الخصوصية تتعلق بالمجال الفردي؛ لكن البيانات الضخمة، إلى جانب شأنيتها في المجال الفردي، تحمل شأنية سيادية أيضاً؛ أي أن هذه البيانات، حتى لو رضي أصحابها بها، فإن مسائلها الفقهية ستتجاوز الفقه الفردي.
المسائل التي يمكن تصنيفها في مجال فقه الإعلام متنوعة، بعضها أساسي وبعضها يتعلق بالمجال التطبيقي بين الفقه والإعلام. هناك أيضاً عناوين مستقلة لم تُعطَ الاهتمام الكافي، مثل الفقه ومجال الإدراك والعقل، العمليات الإدراكية، ومجال الحرب النفسية. على سبيل المثال، لدينا ما يقرب من ستين تقنية للعمليات النفسية؛ لكن إلى أي مدى تناول فقهنا هذه التقنيات؟ للأسف، عدم تناول الفقه لهذه المجالات تسبب في ظهور تيارين: بعضهم يعتبر هذه التقنيات تقنيات العدو ولا يستخدمها؛ والبعض الآخر يستخدمها بشكل مفرط ويقول إن ضرورة العمليات النفسية تتطلب استخدام كل هذه التقنيات. هذا النهج المتطرف والمتساهل تحول الآن إلى تحدٍ للعاملين في هذا المجال. وكذلك مجال الإدراك ومجال الأمن.
أحد المجالات الأخرى التي هي بينية أيضاً هو مجال التربية. الآن، في الفضاء التربوي، كان للإعلام تأثير كبير، سواء في مجال الإدارة الذاتية، أو في العلاقات بين الزوجين، أو في تربية الأبناء. هذه أضرار نراها الآن ومسائل يجب أن يتناولها الفقه.
لكن في رأيي، التحدي الأهم للفقه حالياً هو مواءمة مبادئه مع المبادئ المطروحة في الفضاء السيبراني؛ بمعنى أن نصل إلى لغة مشتركة وقابلة للتطبيق كما هو معتاد في الفقه، وأن نتمكن من جلبها واستخدامها في فضاء الإعلام.
فقه معاصر: هل ستتغير الافتراضات والمبادئ الأساسية لفقه الإعلام في مئة عام قادمة؟ في أي مجالات ستكون هذه التغييرات؟
محمودي: التغيير سيحدث بالتأكيد، لكن أن تكون هذه التغييرات جوهرية، في رأيي ليست كذلك. كما تعلمون، مصطلح الكمبيوتر يأتي من كلمة “compute” التي تعني الحساب. أساس فكرة تشكيل الكمبيوتر كانت تتعلق باستخدام الأدوات. أول حاسوب عملاق في العالم كان قادراً على حل أربع وعشرين معادلة في دقيقة واحدة، وكان ذلك ابتكاراً. اليوم أيضاً النهج هو نفس النهج. سرعة معالجة المعلومات، وإن ارتفعت كثيراً ولا يمكن مقارنتها، لكن منطق المعالجة لا يزال هو نفسه. البروفيسور هايتن قام بوضع أساس المنطق الثنائي لنظام الصفر والواحد؛ لذا فإن الحواسيب، لمعالجة المعلومات، تحول كل شيء إلى تقابل بين صفر وواحد؛ حتى إن هناك مقولة مشهورة تقول إن صفر وواحد الكمبيوتر لن يتحولا أبداً إلى اثنين!
هؤلاء الأعزاء الذين يقومون ببعض المبالغات في الذكاء الاصطناعي لا ينتبهون إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يتمكن أبداً من الوصول إلى نظام معالجة الفكر والمعلومات البشرية.
على سبيل المثال، أحد أهم هذه المجالات هو مجال الشعور والعواطف. في مجال الشعور والعواطف، يشير البعض إلى ChatGPT أو بعض البرامج الأخرى ويقولون إننا نرى في بعض المحادثات أن النظام يعبر عن الحزن. لكن هذا الحزن يختلف كثيراً عن الحزن البشري.
بناءً على النقاط أعلاه، عندما لم يتغير منطق معالجة المعلومات الحاسوبية خلال المئة عام الماضية، فإن مبادئ فقه الإعلام لن تتغير أيضاً. الهوية ومنطق معالجة جميع الأدوات الحاسوبية، سواء في مجال الذكاء الاصطناعي أو غيره من المجالات، واحد، ويتمتعون بمنطق واحد؛ لذا فإن مبادئها واحدة أيضاً ويمكن استقصاؤها ومناقشتها واحدة تلو الأخرى في دروس الخارج؛ لذا في رأيي، لن تتغير مبادئ فقه الإعلام في السنوات القادمة.
فقه معاصر: هل ستتغير طريقة البحث وحل مسائل فقه الإعلام في مئة عام قادمة؟ ما رأيكم في شكل هذه التغييرات؟
محمودي: يجب أن نقول هذا بعد مئة عام؛ لأن المسائل والموضوعات نفسها مجهولة، وبالتالي لا يمكننا الإدلاء برأي حول طريقة معالجتها.
لكن بشكل عام يمكن القول: إن ما قدمه الإمام الراحل باسم الفقه الجواهري، قادر حقاً على تلبية جميع الاحتياجات، بشرط أن تُواءم مبادئ هذا الفقه مع مبادئ الموضوعات الحديثة. أنا الآن في المراكز البحثية والمجلات التي أتحمل مسؤوليتها، أرى بوضوح أن الخلاف الرئيسي يكمن في اللغة المشتركة ومواءمة المبادئ. على سبيل المثال، هذا الذكاء الذي يسميه العديد من المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات بالذكاء الاصطناعي، في تعريفهم، يختلف تماماً عن التعريف الذي لدينا في مجال الفقه للذكاء؛ لأننا نأخذ في الاعتبار درجات الإرادة، بينما هم يقصدون شيئاً آخر. لذا، فإن فقهنا قادر على معالجة المسائل الجديدة، ولكن بشرط أن نتمكن من الوصول إلى لغة مشتركة في المفاهيم الأساسية.
فقه معاصر: هل ستتغير إجابات الفقهاء على مسائل فقه الإعلام في مئة عام قادمة؟ في أي اتجاه ستكون هذه التغييرات؟
محمودي: بالتأكيد ستتغير. يُطلق على العصر الحالي اسم عصر الاتصالات؛ عصر اقتربت فيه عقول الأفراد من بعضها البعض، مما جعل المعتقدات والآراء تتشكل وتنبثق من هذا الفضاء. هذا الأمر جعل الإعلام يتحول إلى القوة العظمى في المعادلات الدولية، وكلما أصبح الإعلام أقوى، تغيرت طريقة تعاملنا معه أيضاً.
كان الإعلام في وقت ما يقتصر على الأخبار. الآن أيضاً محور الإعلام الرئيسي هو الأخبار؛ لكن الآن في العلوم المعاصرة يقولون إن الإعلام هو القوة الرابعة في تقسيم السلطات. هذا يدل على نمو مكانة الإعلام خلال هذه السنوات. خاصة مع دخول الويب ٢ والويب التفاعلي منذ عام ٢٠٠١، تحول الإعلام تماماً، وبالتالي فإن الإجابات التي كانت تُعطى قبل ذلك قد تتغير وفقاً لمتطلبات الزمان والمسائل الأخرى.
هذا الاحتمال للتغيير مفروض وبديهي تماماً، لكن ليس بمعنى أن مبادئنا الفقهية ستتغير؛ بل إن الموضوعات وإجاباتنا هي التي ستختلف.
فقه معاصر: كيف تقيمون العلاقة بين الفقهاء وأهل الإعلام في مئة عام قادمة؟
محمودي: ما نحتاجه الآن، نظراً للتخصص في الشؤون المختلفة في الحوزات العلمية، هو دخول الحوزات في دراسات بينية. لكنني أعارض فكرة استخدام المتخصصين في الفضاء السيبراني لتحديد الموضوعات؛ لأنهم أيضاً ليسوا على دراية باللغة الفقهية. لذا، الحل الوحيد هو تعزيز الدراسات البينية، وليس فقط في مجال الإعلام؛ بل يجب أن يتم ذلك في المسائل الفقهية المتخصصة الأخرى أيضاً. إذا تمكنا من التخصص في الفقه الطبي وتلبية احتياجاتنا، فإننا مدينون بذلك لأن بعض فقهائنا كان لهم حضور متخصص في المجامع الطبية؛ ليس بمعنى أن يكونوا أطباء، بل أنهم كانوا يتعاملون مع الأطباء ويفهمون لغتهم.
إذا أردنا التقدم في فضاء الإعلام، يجب أن يدخل فقهاؤنا في الدراسات البينية.
ملاحظة
هنا يجدر الإشارة إلى نقد تعريف هذا الفضاء بـ”الفضاء الافتراضي”؛ لأن الفضاء الافتراضي ليس مرادفاً صحيحاً لهذه الأدوات التي نمتلكها. في أي لغة لن تجدوا أن الشبكات الاجتماعية تُسمى الفضاء الافتراضي؛ بل المرادف لهذا الفضاء في كل مكان هو الفضاء السيبراني. عندما نقول الفضاء السيبراني، فإن كلمة “سيبراني” تشير إلى السيبرانية، والغرض المركزي والأهم من السيبرانية هو إدارة وحكم وتسيير البشر في جميع جوانبهم، أفكارهم وآرائهم وجميع حالاتهم النفسية والعقلية. لذا، عندما نقول الفقه والفضاء الافتراضي، فإن أحد أهم متطلباته هو حكم الفقه في الفضاء الافتراضي؛ لأن هذا الفضاء ليس من جنس الترفيه، بل من جنس الحكم.
