إشارة
حجة الإسلام والمسلمين الدكتور أحمد علي قانع، من الأساتذة القلائل في مجال الاتصالات الذين جمعوا بين النظرية والتطبيق. فقد ألّف كتبًا ومقالات متنوعة في مجال الإعلام والاتصالات، منها كتاب “مباحث في فقه الثقافة والاتصالات”، إلى جانب حضوره الدعوي الطويل داخل البلاد وخارجها، مما جعله من أفضل الأشخاص للحوار حول المزايا التنافسية لفقه الإعلام في الساحة الدولية. ويرى عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام الصادق (ع) أن فقه الإعلام الشيعي، رغم امتلاكه لخصائص ومزايا هامة مقارنة بالأديان والمذاهب الأخرى، إلا أنه إذا لم يولِ اهتمامًا جديًا بتوصيف الموضوع ومقاصد الشريعة، فلن يتمكن من حل المسائل الفقهية المتعلقة بالإعلام بكفاءة.
الفقه المعاصر: ما هي المزايا التنافسية لفقه الإعلام الشيعي التي يمكن أن يفهمها العالم المعاصر للتواجد في الساحة الدولية؟
قانع: الميزة الأولى هي أن الفقه الشيعي، الذي يندرج تحته فقه الإعلام كموضوع فرعي، يتماشى مع الفطرة. فالفقه الشيعي يهتم بالدنيا والآخرة، وبعالم الآخرة والمعاد، كما يهتم بجميع جوانب الحياة الفردية والجماعية، المادية والمعنوية، والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فهو ينظر إلى الإنسان ككل متكامل يجب أن تتحقق سعادته، بمعنى أن الله تعالى، الدائم الحاضر الناظر العالم القادر الغني، يريد هداية الإنسان نحو السعادة.
كما أن الفقه الشيعي، مقارنة بفقه الأديان والمذاهب الأخرى، هو الأقل تعرضًا للتغيير والتحريف. فالأديان الأخرى قد تعرضت لتحريفات كثيرة، وهذا أمر واضح، وفيما يتعلق بالمذاهب الإسلامية الأخرى، فقد حدثت تزويرات في المباحث الكلامية والفقهية لديها. لذا، يتمتع الفقه الشيعي، كمذهب يحتوي على أقل قدر من التغيير والتزوير، بميزة هامة مقارنة بالأديان والمذاهب الأخرى، وهي ميزة تتجلى في فقه الإعلام أيضًا.
الفقه المعاصر: ما هي خصائص فقه الإعلام مقارنة بالأديان والمذاهب الأخرى؟
قانع: الفقه الشيعي تم تبيينه على مدى ٢٥٠ عامًا من قبل الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، الذين نؤمن بأنهم يمتلكون العلم والعصمة الإلهية، وقد لعب هذا التبيين الطويل الأمد دورًا كبيرًا في تعريف الناس والشيعة بمذهب التشيع، حتى قال الإمام الرضا (ع): “لو عرف الناس محاسن كلامنا لاتبعونا”. وإلى جانب تلك الفترة التي استمرت ٢٥٠ عامًا من الحضور، فإن الإمام المهدي (عج) موجود الآن ويهدينا بطريقة ما. لذلك، يمكننا القول إن نبينا لا يزال حيًا، لأن الإمامة هي استمرار للرسالة. ونتيجة لذلك، إحدى خصائص الفقه الشيعي في جميع المجالات، بما في ذلك فقه الإعلام، هي أن تبيينه كان أطول أمدًا وتم من قبل معصوم، بينما لم يكن الأمر كذلك في الفقه غير الشيعي، أي فقه أهل السنة، لأنه بعد وفاة النبي، حدث منع تدوين الحديث، وتم تزوير الأحاديث من قبل اليهود والنصارى، فدخلت في الدين الإسلامي. وفي الأديان الأخرى، كما ذكرت، حدث تحريف كبير لدرجة أن الله تعالى أنزل دينًا جديدًا. وقد أشار القرآن إلى تحريف الأديان، كما أن عقل الإنسان يشهد على ذلك عند النظر إلى نصوص هذه الأديان.
الفقه المعاصر: هل يمتلك فقه الإعلام الحالي القدرة الكافية للتواجد في الساحة الدولية، أم أنه يحتاج إلى تغييرات في طريقة الاستنباط، القواعد، والأدلة…؟
قانع: الفقه يمتلك القدرة الكافية، لأن الله تعالى، الذي كان وما زال موجودًا، أزلي وأبدي وسرمدي، لا تتغير قوانينه وسننه الإلهية، لأن فطرة الإنسان ثابتة لا تتغير ولا يحل محلها شيء آخر. وكما أن الدين الإسلامي لا يتغير، فإن الفقه بمجمله ثابت، وطريقة الاستنباط والقواعد والأدلة ثابتة أيضًا. لذا، لا يوجد سبب يدعونا إلى القول بضرورة تغيير طريقة الاستنباط أو القواعد أو الأدلة. ومع ذلك، كما نعلم، فقد كان هناك اختلافات نسبية بين الفقهاء عبر التاريخ حول القاعدة التي يجب استخدامها لمعالجة مسألة معينة. على سبيل المثال، المقدس الأردبيلي كان يستنبط بطريقة، بينما الشيخ الأنصاري كان يستنبط بطريقة أخرى. وفي الوقت الحاضر أيضًا، على سبيل المثال، في مسألة هل يجب إخراج الخمس على المال المخصص لتسجيل الحج، يقول فقيه إنه نوع من الاستثمار فيجب إخراج الخمس عليه، بينما يقول فقيه آخر إنه نفقة فلا يجب إخراج الخمس عليه. لذا، الطرق والقواعد لا تتغير، لكن الخلاف يكمن في أي قاعدة يجب استخدامها، وهل هذه المسألة تندرج تحت قاعدة اليسر أم قاعدة الاحتياط. لذلك، أقول في الجواب على هذا السؤال إن الفقه الشيعي يمتلك القدرة الكافية، ولكن يجب على الفقيه أن يدقق، بناءً على الظروف التي تحدث في العالم، في اختيار الطريقة أو القاعدة أو الدليل أو الأصل الذي يستعين به. ولكن أن الفقه نفسه يمتلك القدرة الكافية ولا حاجة لتغيير الطرق والقواعد والأدلة، فهذا أمر لا يحتمل النقاش في رأيي.
الفقه المعاصر: ما هي الإجراءات والسياسات التي يجب اتخاذها لتمكين فقه الإعلام من التواجد في الساحة الدولية؟
قانع: هناك نقطتان مهمتان هنا:
الأولى: يجب الدقة في موضوعات فقه الإعلام وتوصيف ماهيتها. فالمشهور في أصول الفقه أن معرفة ماهية الموضوع بالنسبة لمعرفة الحكم كمعرفة السبب بالنسبة للمسبب، وهذا قول قيم وأساسي جدًا. فقهاؤنا يواجهون هذه المشكلة في الموضوعات الأخرى أيضًا، حيث لا يمكنهم إصدار حكم حتى تتضح ماهية الموضوع. على سبيل المثال، في الماضي، كان بيع الدم لأجل الأكل فكان محرمًا، أما الآن فهو لإنقاذ الأرواح فصار حلالًا، وهذا مثال على تغير ماهية الموضوع رغم أن الموضوع ظاهريًا لم يتغير. أو في مسألة المال، هناك نقاش حول ما إذا كانت ماهية المال هي أرقامه أم قوته الشرائية؟ للأسف، يقول العديد من العلماء الآن إن ماهية المال هي أرقامه، بينما ما هو موجود في المجتمع ويدركه الجميع بحسهم هو أن قيمة المال تكمن في قوته الشرائية، وليس في أرقامه. وهذا الاختلاف في ماهية المال يؤدي إلى اختلافات حكمية كبيرة بين الفقهاء في مسائل مثل الربا، والقرض الحسن، والخمس والزكاة وغيرها. لذا، في فقه الإعلام أيضًا، يجب أن نحدد الموضوع بدقة. إذا لم نحدده بدقة واعتمدنا على عمومات وإطلاقات وأصول عملية، فلن نسلك الطريق الصحيح ولن نصل إلى الحكم الصحيح.
النقطة الثانية: الفقه الشيعي، مقارنة بفقه أهل السنة، أولى اهتمامًا أقل بمقاصد الشريعة، وهذا في رأيي نقص، لأننا إلى جانب اهتمامنا بكلام أهل البيت (عليهم السلام) والنصوص الشرعية، يجب أن نهتم بمقاصد الشريعة وأن نستخدم العقل بشكل أكبر. للتواجد في الساحة الدولية، يجب أولاً أن نستخدم العقل كمصدر فقهي، وليس فقط كوسيلة لفهم النصوص والآيات والروايات، وأن نهتم أيضًا بمقاصد الشريعة.
على سبيل المثال، في المباحث الفقهية المتعلقة بالستر والنظر، يُذكر أن على الجنس الآخر أن يستر نفسه، وأن لا ينظر الإنسان إلى الجنس الآخر فيما هو محرم. وفيما يتعلق بحكم النظر إلى صور النساء العاريات التي تبث عبر وسائل الإعلام مثل التلفاز، والشبكات الاجتماعية، والحاسوب وغيرها، إذا أخذنا مقاصد الشريعة بعين الاعتبار، يجب أن نقول إن الأثر الذي يحدث في الواقع الحقيقي يحدث أيضًا عند رؤية الأجزاء المحرمة من الجنس الآخر في الفضاء الافتراضي، ولا فرق بينهما، لذا فإن حكمهما واحد. لكن بدون النظر إلى مقاصد الشريعة، قد يفتي البعض بالتمسك بأصل البراءة، قائلين إنه بما أننا لا نملك يقينًا بحرمته، فلا إشكال فيه.
الجواب هو أن العمومات والإطلاقات التي ذكرها الله تعالى فيما يتعلق بالستر والنظر تشمل الفضاء الحقيقي والافتراضي على حد سواء، وأننا عند النظر إلى مقاصد الشريعة، نجد أن الأثر الذي يحدث عند رؤية الجنس الآخر عاريًا في الفضاء الافتراضي لا يختلف كثيرًا عن الفضاء الحقيقي. لذا، يقول الإمام الرضا (ع) فيما يتعلق بسبب منع الإنسان من رؤية جسد الجنس الآخر: “لئلا تُثار الشهوة”. وهو في هذا القول يشير إلى مقاصد الشريعة. بعض مقاصد الشريعة مذكورة صراحة في القرآن والروايات، وبعض مصاديقها يمكن تحديدها بالعقل والتجربة البشرية.
الخلاصة: في المسائل الفقهية، وخاصة فقه الإعلام، فإن فقه آل محمد (ص) يمتلك القدرة على حل جميع المسائل، ولكن يجب أولاً الاهتمام بتوصيف الموضوع، وثانيًا بمقاصد الشريعة بشكل أكبر.
