إشارة: تضمنت هذه الجلسة تقديم وجهات نظر الدكتور علي رضا شجاعي زند ونقد الحجة الإسلام والمسلمين بيروزمند، مع التأكيد على ضرورة توسيع مسؤوليات الفقهاء إلى ما هو أبعد من الفقه التقليدي وأهمية التفاعل بين العلم والدين في تحقيق إقامة الدين. دارت المحاور الرئيسية حول تحديات الاجتماعية للدين، وتحديد الحدود بين الفقه والمجالات التي تتجاوزه، ودور نشر الثقافة الدينية.
يوم الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠٢٥، أقام معهد دراسات الفقه المعاصر، بالتعاون مع مكتب تطوير وتمكين العلوم الإسلامية التابع لمكتب الإعلانات الإسلامية، الجلسة العلمية بعنوان “منهج تحويل القضايا الدينية إلى تصورات اجتماعية” ضمن الدورة الصيفية “أیام الأحد: مناقشة المنهج”. كانت هذه الجلسة، وهي الحادية والخمسون من هذه الدورة، مقررة في الأصل ليوم الأحد ٢٠ يوليو ٢٠٢٥، ولكن تم تأجيلها لأسباب إلى التاريخ المذكور أعلاه. في بداية الجلسة، قدم الحجة الإسلام والمسلمين محمد كاظم حقاني فضل التهنئة بمناسبة الأيام المباركة لشهر ربيع الأول، مؤكداً أن الهدف الأساسي للأنبياء الإلهيين والأئمة المعصومين (عليهم السلام) والعلماء عبر التاريخ هو تحقيق وإقامة الدين، واعتبر الثورة الإسلامية أهم حدث معاصر بهذا الهدف. أضاف مدير موسوعة الفقه المعاصر أنه نظراً للتعقيدات الحديثة في العالم والظروف الاجتماعية الخاصة اليوم، فإن الحاجة إلى دراسة مناهج تثبيت التعاليم الدينية أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. لهذا السبب، خُصصت هذه الجلسة وجلسة أخرى مشابهة ضمن دورة “أيام الأحد للمنهج” لموضوع التعميم والاجتماعية للدين. في قسم العرض، قدم الدكتور علي رضا شجاعي زند، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع بجامعة تربية مدرس، نقاطاً عامة حول موضوع الجلسة. أكد أن الهدف الأساسي هو “إقامة الدين”، والسؤال المهم هو منهج تحقيقه، الذي لا ينبغي أن يُدرس فقط في إطار “المنهج” بمعناه التقني، بل يجب دراسته في إطار الحلول والمسارات والاستراتيجيات الاجتماعية الكبرى. قدم الدكتور شجاعي زند ثلاثة مجالات رئيسية نادراً ما تناولها الفقه التقليدي:
- الترويج الفعال والمنتج للدين،
- الاهتمام بوضع وظروف الجمهور،
- تنفيذ وتطبيق التعاليم الدينية في المجتمع. تُظهر هذه المجالات الثلاثة ضرورة توسيع مسؤوليات الفقهاء إلى ما هو أبعد من مجرد الفقه والاجتهاد. كما أشار إلى مكانة المجتمع كـ”كيان اجتماعي” يختلف اختلافاً جوهرياً عن مجموع الأفراد، وأكد على ضرورة نشاط الفقهاء في المجال الاجتماعي. اعتبر الدكتور شجاعي زند العلم ليس منافساً للدين بل مكملاً ومرافقاً له، يمكنه أن يلعب دوراً فعالاً في تطوير وتنفيذ التعاليم الدينية. كما أشار إلى أن إقامة الدين ليست مجرد مسألة معرفية أو تعليمية، وأن تحويل القضايا الدينية إلى تصورات اجتماعية يتطلب إنشاء فضاء ذهني وهنجاري سائد في المجتمع يمهد لتكوين ميل طبيعي وتلقائي لدى الأفراد لأداء الواجبات الدينية، وليس مجرد إجبار قانوني. أما الحجة الإسلام والمسلمين بيروزمند، ناقد الجلسة، فأشاد بعرض الدكتور شجاعي زند، مشيراً إلى أن النقاش ركز أكثر على الملاحظات والمبادئ العامة لعملية تكوين التصورات الدينية، وليس إجابة مباشرة على السؤال المنهجي حول تحويل القضايا الدينية إلى تصورات اجتماعية. وأكد، مع تأييده للنقاط الرئيسية في العرض، بما في ذلك التفريق بين “الفقه” و”ما بعد الفقه”، واختلاف المسؤولية الاجتماعية عن التفقه، على ضرورة الدقة في تحديد الحدود بين الفقه والمجالات التي تتجاوزه. كما أشار عضو الهيئة العلمية في جامعة الدفاع الوطني العليا إلى تحديات الفقه في مواجهة المسؤوليات الاجتماعية ومكانته في بناء النظام والحوكمة، مذكراً بأن الفقه الذي يتولى توجيه وتخطيط مسار العلم والحوكمة يجب أن يتطور بما يتناسب مع هذا المستوى، ولا يمكن اعتباره مجرد غير فقهي. وأكد على ضرورة التعاون المستمر بين الفقه ومجالات “ما بعد الفقه” لتحقيق إقامة الدين. في قسم الأسئلة والأجوبة، أشار أحد الحاضرين، مؤيداً النقاط المطروحة، إلى تعقيدات عدم تشكل “فقه السرپرستية” بشكل كامل وضرورة تطويره، مؤكداً أن تطبيق الشريعة في القانون هو أحد مسارات تحقيق إقامة الدين، لأن مجرد إعلان الفقه كفقه لا يكفي، بل يجب أن يصبح قانوناً حاكماً.
في القسم الختامي، أضاف الدكتور شجاعي زند، رداً على النقاط المطروحة، أنه بدلاً من “تكوين التصورات” يمكن استخدام مصطلح “نشر الثقافة”، لكن الثقافة نفسها تحتاج إلى عملية تكوين تصورات. وأكد أن تحويل القضايا الدينية إلى ثقافة هو عملية معقدة تتطلب إجراءات واسعة وتهيئة أرضيات وبيئات مؤثرة. كما أن إقامة الحكومة الدينية تمت في النهاية بهدف تثبيت واستدامة هذه الثقافة. كما أشار إلى ضرورة تحديد “إطار الفقه”، مضيفاً أن هناك عقبات ومشكلات لا تزال قائمة في هذا المجال، من بينها الفجوة بين نظرة الفقه إلى المجتمع ككيان اجتماعي، والحاجة إلى تحديد الحدود بين المسائل الفقهية وغير الفقهية. وأكد أن عمل الفقهاء كمسؤوليات دينية واجتماعية يتجاوز نطاق الفقه البحت، وهذا الموضوع يجب دراسته بدقة أكبر. اختتم الدكتور شجاعي زند بالإشارة إلى نقطة هامة حول نوع العلم المطلوب في التفاعل مع الفقه، وقال إن العلوم النقية والدينية هي المكملة للفقه، وهي وحدها القادرة على المساعدة في تحقيق إقامة الدين، بينما لا تستطيع العلوم المنحرفة والأيديولوجية أن تلعب هذا الدور.