علي محمد حكيميان

الأصول العملية القضائية/5

النقطة التي يغفل عنها العديد من الفقهاء هي الفرق بين الفقه والقانون. فالقانون يهدف إلى خلق النظام في المجتمع وتنظيم العلاقات بين الناس، بينما الفقه هو نتاج التفكير الفقهي ولا يكون بالضرورة موجهاً لخلق النظام. هذا الفرق أدى إلى أنه عندما تتسرب الآراء الفقهية إلى القضاء، ينشأ نوع من عدم الانضباط القضائي. فالفقه، كعلم، يحتوي على آراء متنوعة من فقهاء متعددين، بينما القانون يهدف إلى خلق النظام، ولا يعقل أن يكون لمسألة واحدة عدة قوانين. الفقه بمعناه الشائع ليس موجهاً لخلق النظام، لذا عندما يواجه القاضي آراء فقهية متنوعة، يصاب بالحيرة، بينما لا يواجه مثل هذه الحيرة عند التعامل مع القانون، لأن القانون واحد ولا يقبل التعدد.

إشارة: حجة الإسلام والمسلمين الدكتور علي محمد حكيميان، المولود عام ١٣٣٩ هـ (١٩٦٠ م) في يزد، متخرج من دروس خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية بقم وحائز على درجة الدكتوراه في الحقوق الخاصة. سنوات طويلة من التدريس في التخصصات القانونية المختلفة إلى جانب تدريس الدروس الحوزوية جعلته من أكثر الأشخاص دراية بتطبيق الأصول العملية مثل الاستصحاب في الفقه القضائي. الرئيس السابق لمعهد بحوث الحوزة والجامعة يرى أن العديد من الفقهاء غير مدركين لوظائف العلمين الفقهي والقانوني المختلفة، وهذا ما أوقعهم في الخطأ. كما أنه يرى أن الاستصحاب، بما أنه أصل عملي ولا يكشف عن الواقع، لا يؤثر في الفقه القضائي. تفاصيل الملاحظة الشفوية الخاصة بعضو الهيئة العلمية لمعهد بحوث الحوزة والجامعة، المقدمة للفقه المعاصر، تأتي فيما يلي:

في كل من الفقه والحقوق الحديثة، لدينا مسألة القضاء. لكن، هل القضاء يهدف إلى كشف الواقع أم إلى فض النزاع؟ لهذا الأمر ثمرات مهمة. على سبيل المثال، إذا اعتبرنا القضاء وسيلة لكشف الواقع، فإذا نشب نزاع وأصدر القاضي حكمًا بناءً على الأدلة والشواهد، لكن أحد أطراف النزاع يعلم أن الحق معه وأن القاضي لم يتمكن من كشف الواقع، فإنه يمكن لهذا الطرف أن يرفع الدعوى مجددًا ويسعى لاسترداد حقه. أما إذا اعتبرنا القضاء وسيلة لفض النزاع، فإذا أصدر القاضي حكمًا مخالفًا للواقع، لا يمكن لصاحب الحق أن يرفع الدعوى مجددًا، وإذا رأى ماله في مكان ما، لا يحق له التصرف فيه، لأن القاضي قد أعطى ذلك المال لطرف آخر بناءً على الأدلة والشواهد.

الاستصحاب، لا تطبيق له في القضاء

فيما يتعلق باستخدام الأصل العملي الاستصحاب في القضاء، يجب الانتباه إلى أن العلم ينقسم إلى قسمين: علم حقيقي وعلم تعبدي. العلم الحقيقي هو القطع أو الاطمئنان الذي يُعتبر عرفًا بمثابة القطع واليقين. أما العلم التعبدي فهو أن الدليل لا يؤدي حقيقة إلى العلم واليقين، لكن الشارع يأمر تعبدًا بأن يُعامل كالعلم. في القضاء، ما يُستخدم هو العلم الحقيقي وليس العلم التعبدي. العلم التعبدي مفيد فقط في الحالات التي أمر بها الشارع تعبدًا، وليس في باب القضاء الذي نسعى فيه إلى كشف الواقع والحقيقة. بناءً على هذه النقطة، يتضح أن الاستصحاب، بصفته أصلًا عمليًا، لا يصلح للاستخدام في القضاء ولا ينبغي استخدامه فيه.

الفرق بين الفقه والحقوق

النقطة التي يغفل عنها العديد من الفقهاء هي الفرق بين الفقه والقانون. القانون يهدف إلى خلق النظام في المجتمع وتنظيم العلاقات بين الناس، بينما الفقه هو نتاج التفكير الفقهي ولا يكون بالضرورة موجهاً لخلق النظام. هذا الفرق أدى إلى أنه عندما تتسرب الآراء الفقهية إلى القضاء، ينشأ نوع من عدم الانضباط القضائي. الفقه، كعلم، يحتوي على آراء متنوعة من فقهاء متعددين، بينما القانون يهدف إلى خلق النظام، ولا يعقل أن يكون لمسألة واحدة عدة قوانين. الفقه بمعناه الشائع ليس موجهاً لخلق النظام، لذا عندما يواجه القاضي آراء فقهية متنوعة، يصاب بالحيرة، بينما لا يواجه مثل هذه الحيرة عند التعامل مع القانون، لأن القانون واحد ولا يقبل التعدد.

بناءً على هذه النقطة، يجب الحرص على ألا يؤدي استخدام الفقه في التشريع إلى اضطراب في الانضباط الاجتماعي. العديد من الفقهاء لا يدركون أن الفقه شيء غير القانون. الفقه يشبه الدكترين القانوني، وليس الحقوق ذاته.

مكانة الإمارات في القضاء

قلنا إن في القضاء، العلم وحده هو المعتبر، ولا يمكن العمل بغيره. وهنا يجب الانتباه إلى أن الظن ينقسم إلى ظن متآخم لليقين وظن غير متآخم لليقين. الأول هو الظن القوي جدًا بحيث لا يُعتد عقلًا باحتمال خلافه. أما الثاني فليس كذلك، واحتمال الخلاف فيه معتد به.

يُطلق على الظن الأول أيضًا اسم الاطمئنان أو علم القاضي. وجاء في المادة ٢١١ من قانون العقوبات الإسلامية: «علم القاضي هو اليقين الحاصل من مستندات بينة في أمر يُعرض أمامه. وفي الحالات التي يكون مستند الحكم علم القاضي، يجب عليه أن يذكر القرائن والإمارات البينة التي استند إليها علمه بشكل صريح في الحكم. التبصرة: يمكن أن تكون أمور مثل رأي الخبير، معاينة المحل، التحقيقات المحلية، أقوال المطلعين، تقارير الضابطين وغيرها من القرائن والإمارات التي تؤدي نوعًا إلى العلم مستندًا لعلم القاضي. وفي كل الأحوال، لا يمكن أن يكون العلم الاستنباطي الذي لا يؤدي نوعًا إلى يقين القاضي ملاکًا لإصدار الحكم».

في القضاء، يُعمل أحيانًا بالظن غير المتآخم لليقين من حيث كونه إمارة ولغة كشف الواقع، كما في بعض الحالات؛ فالإقرار والوثائق والإمارات تُعد من الظنون المعتد بها في القضاء. وجاء في المادة ١٨١: «أدلة إثبات الدعوى: تتضمن أدلة إثبات الدعوى في مراجع حل النزاع العمالي، بالترتيب، الإقرار، الوثائق، والإمارات. ويمكن أن تُعتبر شهادة الشهود، مع مراعاة الشروط، إمارة. وفي حال أقر أحد الطرفين بدعوى الطرف الآخر، تثبت الدعوى المذكورة بالإقرار، ولا حاجة إلى دليل آخر لإثبات تلك الدعوى».

الاستصحاب، لأنه ليس إمارة، لم يُؤخذ في الاعتبار في القانون.

Source: External Source